رغم مرور ثلاث سنوات على إدراج تفعيل الجمارك التجارية ضمن خارطة الطريق المغربية الإسبانية، فإن أداء هذه النقاط الحدودية، التي تسيطر عليها إسبانيا على التراب المغربي، ما يزال محط تساؤل واسع، سواء من طرف المهنيين في سبتة، أو من جهة الرباط التي تتابع سير هذه العملية بموقف حذر، يتجاوز الملاحظات التقنية إلى جوهر السيادة. ووفق تقارير إسبانية، فإن الجمارك التجارية "تعمل، لكن ليس بالوتيرة المطلوبة"، فيما يُسجل المهنيون المحليون، وعلى رأسهم باعة السمك، أن البنية الحالية لا تسمح باستيراد منتظم أو كافٍ للمنتجات الطازجة، ما يجعل تحقيق ربح اقتصادي أو خفض الأسعار أمرا مستبعداً. ويطرح هؤلاء تساؤلات جدية حول جدوى استيراد منتوج لا يصل في الوقت المناسب ولا بالكميات الكافية، في ظل بنية لوجستيكية قاصرة، وسلاسل تبريد غير متوفرة، وتأخر في المعالجة الجمركية. ويتقاطع هذا التوصيف الميداني مع الموقف المغربي الذي لم يُساير الطرح الإسباني المتعجل، ورفض الانخراط في خطوات أحادية تحاول تقديم المشروع وكأنه واقع مكتمل. فالمغرب يعتبر أن تدبير هذه المعابر، لا يمكن أن يتم عبر منطق "الأمر الواقع" أو في سياق رمزي موجه للاستهلاك السياسي المحلي، بل يجب أن يُبنى ضمن تصور شامل، يحترم السيادة المغربية، ويُعيد تأطير العلاقة مع سبتة ومليلية في أفق إنهاء الاحتلال. ويبرز جانب آخر من التعثر على مستوى ما يسمى "نظام المسافرين"، حيث أفادت الصحف الإسبانية بأن عددا من المواطنين واجهوا ملاحقات أو غرامات لمجرد عبورهم بسلع بسيطة كقطعة غيار لسيارة أو مكواة، ما يعكس هشاشة الإطار القانوني المنظم، ويطرح أسئلة حول نجاعة المقاربة الأمنية في معابر يُفترض أن تخفف من حدة التوتر المجتمعي، لا أن تُحوّل كل حالة عبور إلى موضوع شبهة. من جهته، يلتزم المغرب بموقف صريح: أي تفعيل للجمارك يجب أن ينسجم مع منطق الاعتراف المتبادل، وأن لا يُستعمل كأداة لتعويم الإشكال التاريخي المرتبط بوضعية المدينتين. ومن هذا المنطلق، رفضت الرباط الانخراط في صيغ جزئية، تُدار وفق رؤية إسبانية خالصة، وتغفل الجانب الاستراتيجي المتمثل في احترام وحدة التراب الوطني، بما في ذلك سبتة ومليلية المحتلتين. وتشير المعطيات إلى أن وزارة الداخلية المغربية لم تُصدر، حتى الآن، أي تعليمات لتفعيل دائم للعمل الجمركي في المعابر، باستثناء بعض العمليات المعزولة التي تمت دون تأطير رسمي. وهذا ما يفيد بأن المملكة تمارس حقها في التريث، وتُعيد ترتيب شروط الانخراط، بما ينسجم مع مقاربتها السيادية، ورفضها لأي تسوية مبنية على التطبيع مع واقع الاحتلال. وفي الوقت الذي تراهن فيه مدريد على استثمار الورش الجمركي لتخفيف الضغط الاقتصادي على المدينتين، تعيد الرباط التأكيد على أن بناء شراكة متوازنة لا يمكن أن يتم عبر التنازل عن ثوابت وطنية، أو عبر التعامل مع قضايا السيادة كملفات لوجستيكية قابلة للتفاوض. وعليه، فإن الجمود الحاصل اليوم لا يُقرأ فقط من زاوية التقنية أو التدبير، بل يعكس عمق الهوة بين منطقين متباينين: منطق يسعى إلى ترويج واجهة تعاونية تخدم الاستقرار المحلي في سبتة ومليلية، ومنطق مغربي حازم يربط أي انفتاح مؤسسي بإطار اعتراف كامل وغير منقوص بحقوقه التاريخية والترابية.