بات ميناء طنجةالمدينة خلال الاشهر الاخيرة وجهة بارزة للسفن السياحية العملاقة، في تحول لافت يعكس صعود المدينة الى واجهة السياحة البحرية في غرب البحر الابيض المتوسط. فبفضل دينامية متصاعدة واستثمار مستمر في البنيات التحتية والترويج، اضحي الميناء محطة رئيسية لعمالقة الملاحة السياحية، حاملا معه ملامح تحول نوعي في تموقع طنجة داخل السوق الدولية. في 27 ماي الجاري، رست السفينة الفاخرة "كوين فيكتوريا" Queen Victoria لاول مرة بميناء طنجة، وعلى متنها مئات الركاب ضمن رحلة بحرية منتظمة تشمل محطات متوسطية واطلسية. واختزلت مشاهد النزول من السفينة، وعدسات الركاب الذين توزعوا بين القصبة وساحة السوق وابواب المدينة القديمة، صورة لوجهة آخذة في الاستقرار على خارطة الرحلات السياحية البحرية العالمية. وقبل ذلك بايام، وتحديدا في 9 ماي، استقبل الميناء السفينة الفرنسية الاسطورية "بيلم" Belem، احدى اقدم السفن الشراعية النشيطة في العالم. وتحولت زيارة هذه السفينة الى حدث ثقافي رمزي، حيث فتحت ابوابها للزوار يومي 10 و11 ماي، في لحظة نادرة ربطت بين تاريخ الملاحة التقليدية وطموحات السياحة الحديثة. اما في 3 ماي، فقد رست سفينة "مارينا" Marina التابعة لشركة "اوشانيا كروزس"، وهي من بين السفن السياحية المتوسطة الرفيعة المستوى، حاملة معها ركابا من جنسيات متعددة اختاروا طنجة كاحد موانئ التوقف ضمن جولة متوسطية. وقد شكلت الزيارة فرصة لتعزيز اشعاع المدينة لدى فئات سياحية نوعية ذات قدرة انفاق مرتفعة. وقبل هذه الرحلات، كانت السفينة العملاقة "ام اس سي غرانديوزا" MSC Grandiosa قد دشنت موسما بحريا واعدا، برسوها يوم 21 ابريل، قادمة من جزر الكناري، في مشهد استعراضي لا تخطئه عدسات المصورين. وقد تجول مئات الركاب في احياء المدينة القديمة، وتوقفوا عند قصبة طنجة، وتذوقوا الشاي المغربي في المقاهي المطلة على البحر، بينما كان المرشدون المحليون يروون فصولا من تاريخ مدينة تعاقب عليها الفينيقيون والرومان والبرتغاليون والفرنسيون. هذا النشاط المتزايد لم يكن معزولا عن جهود اوسع تقودها المملكة في مجال التسويق السياحي. فمنذ سنوات، باشر المكتب الوطني المغربي للسياحة تعبئة منهجية لربط الوجهات المغربية بشبكات الترويج الدولية، من خلال حضور في كبريات المعارض، وعقد شراكات مع الفاعلين في النقل البحري السياحي، ودعم تسويق الوجهات الصاعدة في الشمال، وفي طليعتها طنجة. واصبح ادراج المدينة في مسارات كبريات السفن السياحية، مثل "كريستال كروز" التي يرتقب ان تزورها سنة 2027، مؤشرا على اختراق استراتيجي لحلقات العرض السياحي الدولي. وقد ساعد التحول الميداني الذي شهده الميناء منذ اعادة تاهيله وتدشينه سنة 2018 على تحويله من منشاة عبور الى منصة متعددة الوظائف. فالمحطة البحرية الجديدة، والبنية اللوجستيكية المرنة، والقرب من مركز المدينة، جميعها عوامل عززت من جاذبية الميناء في اعين شركات الملاحة البحرية، التي تبحث عن مرافي تجمع بين البنية والاصالة والخدمات. ولا توحي المؤشرات بتراجع قريب لهذه الدينامية، اذ يرتقب ان تستقبل طنجة خلال يونيو المقبل سفينتين من بين الابرز في موسم الصيف: "اوشينيا مارينا" مجددا يوم 3 يونيو، و"سيليبريتي ايكوينوكس" يوم 26 من الشهر نفسه، وعلى متنها نحو 2850 راكبا، في رحلة تشمل طنجة ضمن مسار يمتد عبر الضفة المتوسطية للبحر. وتعود مدينة طنجة، التي كانت توصف لعقود بانها مجرد معبر او نقطة عبور بين قارتين، اليوم الى البحر من موقع مختلف. في كل زيارة، في كل مرسى، وفي كل صورة تنقلها وسائل الاعلام او ذكريات الركاب، تتبلور ملامح مدينة تستعيد دورها الطبيعي كميناء مفتوح على العالم، وحاضرة تزاوج بين الذاكرة والانفتاح، بين الافق والتاريخ.