على مسافة خمسة وعشرين كيلومترا تقريبا شرق مدينة تطوان، يشق طريق فرعي معبّد مسارا ضيقا بين التلال المنحدرة، منبثقا عن الطريق الوطنية رقم 16، ليقود مباشرة إلى قرية تمرابط، وهي قرية شاطئية صغيرة تستقر عند سفح الجبل، وتطل على الساحل المتوسطي بوجهه الصخري الهادئ. منذ اللحظة الأولى، يستقبل الزائر مشهدا بسيطا لا يخلو من أصالة: منازل منخفضة السقف موزعة على المنحدر، وأشجار تين وزيتون تنمو بتؤدة، وممرات ترابية تنتهي عند شاطئ يفرض حضوره من دون بهرجة. فبدل الرمال الناعمة والمرافق الجاهزة، تمتد واجهة بحرية يغلب عليها الحصى والنتوءات الحجرية، تتخللها بقع متفرقة من الرمل الداكن الذي صقله الزمن. كما أن مياه البحر هنا تبدو هادئة وواضحة نسبيا، رغم ما قد تطرأ عليه أحيانا من اضطرابات خفيفة بفعل الرياح. غير أن موقع الشاطئ المحصور بين نتوءات جبلية يجعله أقل تأثرا برياح الشرقي التي تضرب عادة سواحل الشمال المغربي خلال الصيف. لذلك، فإن حالات الغرق نادرة، والشاطئ يعتبر آمنا نسبيا، خصوصا بالنسبة للعائلات التي تفضل السباحة في الأوقات المبكرة من النهار. من جهة أخرى، لا تتوفر تمرابط على خدمات منظمة للإنقاذ أو المراقبة، لكنها تظل وجهة مفضلة لدى من يعرفها جيدا. فالعائلات التي اعتادت هذا الفضاء تجلب معها ما تحتاجه، من أفرشة وأطعمة ومياه، وتدبر يومها بطريقتها، وسط سكينة لا تعكر صفوها سوى صوت الموج أو صراخ الأطفال. أما سكان القرية أنفسهم، فهم يشكلون تجمعا مترابطا يقوم على علاقات عائلية ومصاهرة، ويعيش معظمهم على نمط الفلاحة المعيشية. وتنتشر خلف المنازل بساتين صغيرة، وترعى قطعان الماعز بحرية، فيما تظل وتيرة الحياة اليومية بطيئة ومتناغمة مع المحيط. وخلال فصل الصيف، اعتاد هؤلاء السكان على الاستفادة من موقعهم الشاطئي لتقديم خدمات بسيطة للمصطافين، من كراء مظلات وطاولات إلى الإيواء المحدود في بيوت القرية. وهي أنشطة ساعدتهم على تعزيز دخلهم الموسمي، خصوصا في ظل غياب بدائل اقتصادية حقيقية. غير أن هذا الصيف جاء مختلفا. فقد شددت السلطات الرقابة على استغلال الملك البحري العمومي، مما أدى إلى الحد من هذه الأنشطة التي كان لها وقع مباشر على التوازن الاقتصادي الهش لدى الأسر المحلية. وهكذا، وجد سكان تمرابط أنفسهم في مواجهة إكراه جديد، يتطلب التأقلم مع واقع تنظيمي جديد دون أن يتوفر ما يعوّضه فعليا. في المقابل، لم تضعف هذه التحديات من تمسك السكان بأرضهم وهويتهم. فهم يحرصون على الحفاظ على خصوصيات منطقتهم الثقافية والاجتماعية، بما في ذلك طابعها المحافظ الذي أصبح عنصرا جاذبا لفئة من الزوار. إذ تشكل تمرابط وجهة مفضلة لعدد من العائلات التي ترفض الطابع الصاخب والانفتاح المفرط الذي يميز شواطئ مثل مرتيل أو واد لاو، وتفضل بديلا أكثر هدوءا وخصوصية. وهكذا، تظل تمرابط فضاء مغايرا داخل الخارطة الشاطئية لجهة الشمال. فهي لا تسعى إلى جذب الحشود، ولا تضع نفسها في منافسة مع الوجهات الكبرى، لكنها تقدم نموذجا خاصا في الانتماء والصبر والبساطة. وبين البحر والجبل، يحتفظ هذا الركن المنسي بقدر كبير من الأصالة، حيث يظل الجمال كامنا في التفاصيل، والانتماء صامتا لكنه عميق.