أعادت شهادة مصورة نشرتها شابة إسبانية تدعى كلارا ريتاميرو النقاش حول السلوكيات التجارية المزعجة التي يعرفها الفضاء العام في عدد من المدن السياحية بشمال المغرب، بعدما تحدثت عن تجربتها الشخصية في مراكش، حيث واجهت حسب قولها إلحاحا مستمرا من باعة وعمال خدمات، اعتبرته مرهقا ومقلقا رغم عدم تعرضها لأي خطر مباشر. "لا أرى أن المغرب بلد مناسب للسفر وحدك"، قالت ريتاميرو عبر حسابها في تيك توك، مشيرة إلى أن شعورها بعدم الارتياح لم يكن نتيجة تهديد واضح، بل بسبب كثافة المقاطعة اللفظية ومحاولات الاستدراج التي تعرضت لها خلال تجوالها. وأضافت أن التجربة، في تفاصيلها اليومية، تفقد السائح القدرة على الاستمتاع أو التنقل بحرية دون تدخل. - إعلان - في مدينة أصيلة، وعلى امتداد شارع الحسن الثاني المحاذي لسور باب الحومر، يصادف الزائر مشهدا متكررا: عمال المطاعم يقفون قرب الطاولات أو في وسط الرصيف، ويوجهون نداءات مباشرة للمارة بهدف استمالتهم. لا يتعلق الأمر بعرض خفيف أو دعوة عابرة، بل بمقاطع لفظية تتكرر بإلحاح: "مرحبا خويا"، "غير شوف المينيو"، "سمك طري اليوم"، تُوجه بصيغة شخصية حتى لمن لم يبد اهتماما أو توقف للحظة. في هذه النقطة بالتحديد، تنقلب حرية الاختيار إلى عبء، ويتحول الفضاء العام إلى حلبة جذب زبائن، حيث لا يُترك للمارين هامش كاف للخصوصية أو التأني في القرار. المشهد ذاته يُرصد في طنجة، خاصة على طول الطريق الساحلي المؤدي إلى شاطئ مرقالة. فعند مدخل الميناء الصغير، يتمركز وسطاء محسوبون على مطاعم السمك المحلية، ويعترضون سبيل المتجهين نحو الشاطئ بنفس الأسلوب. ولا ينتظر هؤلاء أن يقترب الزائر من المطعم، بل يبادرون بالعرض والشرح، وأحيانا باللحاق لبضعة أمتار. ولا يخلو الأمر من تعليقات غير مرحب بها حين يُقابل العرض بالتجاهل، ما يضفي على المسار البسيط نحو الشاطئ طابعا مشحونا، يُفرغ المكان من طابعه الترفيهي. في ساحة 9 أبريل، إحدى أكثر الساحات حركة في طنجة، يظهر نفس النمط التجاري. يقف بعض عمال المطاعم بمحاذاة أبواب المحلات، يعرضون الخدمات مباشرة على الزوار، دون انتظار مبادرة أو تفاعل. الساحة التي تشكل نقطة تلاق بين السكان المحليين والسياح، تُصبح في أوقات الذروة ساحة ضغط لفظي متواصل، يربك حتى من قصدها للعبور فقط. وتبرز ممارسات مماثلة على مداخل الشواطئ، حيث ينتشر عدد من الشباب بعربات أو مظلات بلاستيكية، يعرضون خدمات الكراء فور نزول الزوار من السيارات. لا تُترك للعائلات فرصة تقييم المكان أو اختيار زاوية الجلوس، إذ تسبقهم عبارات من قبيل: "أجي خويا هنا"، "عندي بلاصة مزيانة"، "غير خمسين درهم الطابلة والمظلة". وحين يُرفض العرض، تُسجل ردود فعل متفاوتة، منها الإلحاح المفرط أو التعليق غير المبرر، مما يخلق جوا غير مريح في فضاءات يفترض أن تكون مفتوحة ومحايدة. في مدن مثل المضيقوأصيلة، يتكرر المشهد مع وسطاء الكراء العشوائي، الذين يتوزعون في محيط المحطات الطرقية والمداخل الرئيسية، ويعرضون شققا مفروشة بأسلوب مباشر ومقاطع. بعضهم يُحاصر العائلات بأسئلة متتالية، بينما يتبع آخرون الزائر لمسافة معتبرة، دون دعوة أو ترحيب حقيقي. ورغم الحملات الموسمية التي تشنها السلطات لمحاربة الكراء غير المرخص، ما تزال هذه السلوكيات قائمة، وتنتقل من جيل إلى آخر، في غياب إطار تنظيمي يضمن علاقة متوازنة بين العرض والطلب. لا يمكن عزل هذه الظواهر عن السياق الاقتصادي والاجتماعي المحلي، حيث يشكل الموسم الصيفي فرصة استثنائية لمضاعفة المداخيل. لكن غياب التأطير المهني يجعل جزءا من هذه الأنشطة ينزلق إلى ممارسات مزعجة، تكرس صورة سلبية عن السياحة المحلية، وتبعد الزائر عن الفضاءات التي اختارها للراحة. وتعيد شهادة الشابة الإسبانية التأكيد على أن المشكل لا يكمن في غياب الأمن، بل في نمط التعامل التجاري نفسه، الذي يضع السائح – ولو بحسن نية – في موقع المتهم أو الفريسة. وبينما تراهن الجهات الرسمية على تثمين صورة المدن الشمالية، تبقى معالجة هذه السلوكيات ضرورة مستعجلة لتوفير مناخ سياحي متوازن، لا يُقصي الزائر ولا يُربك المضيف.