يتحول كورنيش طنجة، مع كل مساء صيفي، إلى مسرح مفتوح يعج بالحركة، حيث تختلط نزهات العائلات بجولات الزوار، وسط أصوات البحر وموسيقى المتجولين. لكن هذا المشهد لم يعد يخلو من منغصات، أبرزها الانتشار الكثيف لأطفال بائعي الورود الذين يلاحقون المارة بإلحاح، ما أثار تذمر عدد من الزوار الذين عبّروا عن انزعاجهم من الفوضى المتنامية على طول الواجهة البحرية. في المشهد اليومي الذي يتكرر بشبه انتظام، يصطف أطفال صغار بألبسة متواضعة وحزم ورد صغيرة، يقتربون من الأزواج والعائلات، يعرضون بضاعتهم بكلمات استجداء أو بإلحاح متكرر يصل أحياناً حد التطفل. ويفاجأ كثير من الزوار، لا سيما الأجانب، بمواقف محرجة تتراوح بين الإصرار المزعج والتوسلات المطعّمة بعبارات عاطفية. بعضهم يدفع ثمن الوردة على مضض، وآخرون يحاولون تفادي الموقف بالمغادرة أو التجاهل، وهو ما يخلّف أجواء من التوتر في مكان يفترض أن يكون متنفساً للراحة. وفي غياب تنظيم واضح لهذا النشاط غير المهيكل، يجد الأطفال أنفسهم يتنقلون بين المقاهي، الممشى، ومداخل الحدائق، تحت أنظار سلطات لا تتدخل إلا نادراً، ما يجعل من الظاهرة امتداداً لمشكلة أعمق تتعلق باستغلال القاصرين في أنشطة تجارية غير مقننة. ويخشى مهتمون بالشأن المحلي أن يؤدي هذا الوضع إلى تفشي أشكال أخرى من الهشاشة أو الانحراف، خصوصاً مع تكرار مشاهد العنف اللفظي بين هؤلاء الأطفال أنفسهم، أو مع بعض الزبائن الغاضبين. ورغم تعاقب المجالس المنتخبة، لم تنجح مدينة طنجة إلى اليوم في إيجاد حل متوازن يراعي الجانب الاجتماعي للأطفال دون التفريط في جاذبية الكورنيش كفضاء عمومي منظم. فالأمر لا يتعلق فقط ببيع ورود، بل بنمط حضور قائم على التسلل إلى المجال العام دون ضوابط، وبطريقة تخلّف انطباعات سلبية عن المدينة وسياحتها. يقول أحد مرتادي الكورنيش، وهو إطار بنكي جاء من الدارالبيضاء لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، إنّ «تجربة الجلوس في المقهى تتحول أحياناً إلى معركة صغيرة، حيث يُطلب منك شراء وردة من ثلاثة أطفال متتابعين في ظرف خمس دقائق»، مضيفاً أنّه «لم ير مثل هذا الإلحاح حتى في مراكش». وفي تعليق على الظاهرة، قال إسماعيل العشبري، رئيس جمعية "طفلي" لحماية الطفولة، إنّ «استغلال الأطفال في بيع الورود بالكورنيش يعكس غياب رقابة أسرية ومؤسساتية، ويضعنا أمام وضعية مقلقة تنتهك حقوق الطفل في اللعب والتعليم والحماية». ودعا العشيري إلى تدخل عاجل من طرف الجهات المختصة، مشدداً على ضرورة "إقرار آلية تنسيقية بين الجماعة والسلطة المحلية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، من أجل ضمان بيئة حضرية سليمة للأطفال، وتحرير الفضاء العمومي من مظاهر الاستغلال غير المشروع". وفي الوقت الذي تغيب فيه معطيات رسمية عن عدد الأطفال المنخرطين في هذا النشاط، تشير تقديرات فاعلين محليين إلى أن الظاهرة تسجّل ذروتها بين شهري يونيو وسبتمبر، إذ يتوافد أطفال من مختلف أحياء المدينة، بل ومن المدن المجاورة، بعضهم بإيعاز من أولياء أمورهم، بحثاً عن مدخول سريع يرتبط بمواسم الاصطياف. وفي ظل هذه الوضعية، يرتفع منسوب الدعوات إلى اعتماد مقاربة مندمجة، تشمل تدخل الجماعة الحضرية، السلطة المحلية، ومصالح التعاون الوطني، بهدف تنظيم الأنشطة غير المهيكلة في الفضاءات السياحية، وتوفير بدائل مؤطرة للأطفال، سواء عبر برامج صيفية أو آليات للدعم الاجتماعي.