توحيد نظام التأمين الصحي يحصل على الضوء الأخضر من مجلس المستشارين بأغلبية الأصوات    أزمة صامتة تهدد مديرية التموين بالأدوية بسبب تدهور الظروف وتجاهل المطالب    بنك المغرب: 58 بالمائة من المغاربة يمتلكون حسابات بنكية سنة 2024    بورصة البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأحمر    نجل أنشيلوتي يتولى تدريب بوتافوغو البرازيلي    المغرب يستقبل الجميع بحفاوة والجزائر ترد بالتجاهل والمراهقة الدبلوماسية في كان السيدات    بقيادة حكيمي .. باريس سان جيرمان يقارع ريال مدريد في نصف نهائي مثير    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء بالمغرب    إحباط تهريب 4382 قرصا مخدرا وتوقيف مشتبه به بميناء بني انصار    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة بهبات رياح وتساقط البرد اليوم الأربعاء    وزير التجهيز والماء: أشغال سد الرتبة بتاونات بلغت 30 بالمائة من نسبة الإنجاز    النيابة العامة تنفي تعرض "الطفل الراعي" للاعتداء جنسي وبدني    تجدد الدعوات لمقاطعة المنتدى العالمي لعلم الاجتماع بالرباط بسبب مشاركة إسرائيل    بينهم أطفال.. مقتل 26 فلسطينيا بغارات إسرائيلية على قطاع غزة    فتى يقتل طفلا ويصيب بجروح طفلة ومعلمة داخل مدرسة في البرازيل    سيرغي لافروف يزور كوريا الشمالية    المطارات المحلية الأمريكية تتخلص من خلع الأحذية أثناء التفتيش    علاقة الدولة بالمجتمع وسوء الفهم الكبير.. محاولة للفهم    أجندات انفصالية تُبعد ثلاثة إسبان موالين لجبهة البوليساريو من العيون    استثمار تجربة هيئة أخلاقيات الصحافة وحرية التعبير    سايس يعود إلى التداريب بعد غياب دام لأربعة أشهر بسبب الإصابة    رياض: "أبذل قصارى جهدي للعودة للميادين وهدفي هو المشاركة في "الكان"    أَسيرُ حرب: السَّرد الجريح    أسعار النفط تتراجع وسط تقييم اقتصادي لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة    دراسة: التغير المناخي زاد وفيات الحر 3 مرات في المدن الأوروبية    إسرائيل تعلن اغتيال مسؤول عسكري في حزب الله جنوب لبنان    الصين تعتزم توسيع شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة لتصل إلى 50 ألف كيلومتر بنهاية 2025    عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!    كاظم جهاد: جاك ديريدا والمسألة الفلسطينية    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    أكثر من مليون متابع لفرقة تولّد موسيقاها بالذكاء الاصطناعي    مجلس المستشارين يصادق في قراءة ثانية على مشروع قانون المسطرة المدنية    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. تشلسي يحجز بطاقة النهائي بتغلبه على فلوميننسي (2-0)    الدوري الإنجليزي لكرة القدم.. سندرلاند يضم الظهير الأيسر رينيلدو ماندافا قادما من أتلتيكو مدريد الإسباني    فرص أكثر للشباب والنساء .. التشغيل يتصدر أجندة حكومة أخنوش    من أين جاءت هذه الصور الجديدة؟ .. الجواب داخل واتساب    الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي    حادثة سير مروعة بطنجة تخلف وفاة سيدة وإصابة ثلاثة أشخاص    إقليم شفشاون .. تنظيم يوم تواصلي حول تفعيل الميثاق المعماري والمشهدي لمركز جماعة تنقوب    تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي    تحقيقات أمنية في حادث رشق بالحجارة بحي مغوغة تسفر عن استدعاء أطراف مشتبَه فيها    الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا        مجلة فرنسية: المغرب يرسخ موقعه كوجهة مفضلة لكبار المستثمرين    أداء الثلاثاء إيجابي في بورصة البيضاء    مجلس ‬المنافسة ‬يكشف ‬عن ‬هوامش ‬الربح ‬في ‬المواد ‬الغذائية ‬وعن ‬الأسواق ‬المتحكمة ‬فيها    قطاع الإسمنت بالمغرب يسجّل أداء إيجابيا في النصف الأول من 2025    جواد الزيات يعود لرئاسة الرجاء الرياضي لكرة القدم    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    حين تصعد وردية من رمادها وتمشي فوق الخشبة    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي    التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المولد النبوي وذكرى النور الخالد
نشر في تطوان بلوس يوم 09 - 11 - 2019

محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيئين، والرحمة المهداة للعالمين، والهادي إلى الصراط المستقيم، والنطفة الطاهرة التي تقلبت في الساجدين؛ فإن الله تعالى استخلص رسوله من أطيب المناكح، وحماه من دنس الفواحش، ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة[1]، النور الذي أرسله الله ليستضيئ به الناس، والذي ابتدأ مع ولادته واستمر معه في حياته، ففي قصة مولده صلى الله عليه وسلم وما صحبها من آيات إلهية وأحداث كونية؛ أنه حين حملت به أمه آمنة بنت وهب "خرج منها نور رأت منه قصور بصرى من أرض الشام. قالت أم عثمان بن العاص: شهدت ولادة آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ليلا فما شيء أنظر إليه من البيت إلّا نور وإنني أنظر إلى النجوم تدنو وإني أقول لتقعن عليّ"[2].
وعن عرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إني لمكتوب عبد الله خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، وبرؤيا أمي، أنها رأت حين وضعتني أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام"[3]
وقد كان هذا النور قبل مولده في أبيه عبد الله ولما دخل بآمنة بنت وهب انتقل إليها ذلك النور، فقد "حكي أن كاهنة بمكة يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية قرأت الكتب فمر بها عبد المطلب ومعه ابنه عبد الله يريد أن يزوجه آمنة بنت وهب فرأت نور النبوة في وجه عبد الله، فقالت: هل لك أن تغشاني وتأخذ مائة من الإبل؟
فعصمه الله تعالى من إجابتها وقال لها:
أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فاستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه"[4].
وقد وصف الله عز وجل نبيه في القرآن الكريم بالنور قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15] قال الإمام الطبري في تفسيره: "يقول جل ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب:"قد جاءكم"، يا أهل التوراة والإنجيل"من الله نور"، يعني بالنور، محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيِّن الحق. ومن إنارته الحق، تبيينُه لليهود كثيرًا مما كانوا يخفون من الكتاب"[5] وقال الإمام القرطبي في تفسيره:" {قد جاءكم من الله نور} أي ضياء، قيل: الإسلام. وقيل: محمد عليه السلام"[6].
وسماه أيضا عز وجل بالسراج المنير قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46] "(وَسِرَاجًا مُنِيرًا) يقول: وضياء لخلقه يستضيء بالنور الذي أتيتهم به من عند الله عباده (مُنِيرًا) يقول: ضياء ينير لمن استضاء بضوئه، وعمل بما أمره، وإنما يعني بذلك: أنه يهدي به من اتبعه من أمته"[7]
قال الماتريدي في تفسيره: "قَالَ بَعْضُهُمْ: هو صلة قوله: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)، وجعلناك (وَسِرَاجًا مُنِيرًا)؛ فالسراج المنير هو الرسول على هذا التأويل"[8]
قال ابن العربي رحمه الله: "وأما النور: فإنما هو نور بما كان فيه الخلق من ظلمات الكفر والجهل، فنور الله الأفئدة بالإيمان والعلم... وأما السراج: فبمعنى النور، إذ أبصر به الخلق الرشد، وأما المنير: فهو مفعل من النور."[9].
قال الإمام أبو بكر بن العربي أيضا في كتابه القبس في شرح موطأ مالك بن أنس في [باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم][10] والتي ذكر منها النور والسراج المنير وعدها نحوا من أربعة وستين إسما؛ قال: "هذا منتهى ما اتفقَ أن يختطفَ في هذه العجالة من قبس النور الأعظم الذي أخذ منه الإِمام مالك رضي الله عنه بجزءٍ عظيمٍ في كتابه، وجعله للعالم قدوة، وكان لمن بعده فيه خيرُ اهتداءٍ وأسوة وختمه بذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونصَّ على أسمائه الخمسة التي تترتب عليها الشريعة، فإن الله تعالى سمَّى نفسه، وترتبت المخلوقات على أسمائِه الحسنى فتعلق بكل اسم من أسمائه جزء من مخلوقَاته، وكذلك تعلقَ كل جزء من أجزاء الشريعة بكل اسمٍ من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم –"[11]
هذا وقد وصفه أصحابه رضوان الله عليهم بوضاءة وجهه عليه الصلاة والسلام وبما ينبعث منه من النور الحسي، إذ كان نوره صلى الله عليه وسلم حسيا ومعنويا، إذ جاء في كتب الشمائل أنه كان "يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر"[12] ، وما أحوجنا اليوم أن نطالع كتب الشمائل النبوية، لأن المطلع عليها كأنه يطالع طلعة ذلك الجناب، ويرى محاسنه الشريفة في كل باب.
وقد وصفه الشاعر كعب بن زهير في بردته المشهورة بالنور لما رآه منه؛ فقال:
(إن الرسول لنورُ يستضاءُ به ... مُهَنّدُ من سيوف الله مَسْلول)[13]
قال بعض الشراح: "وأي نور يضيء بعد نور النبي الهادي ، أعظم به من بيت، وأعتبره بحق أجمل بيت في قصيدة كعب، حتى أن الرسول أشار إلى أصحابه أن اسمعوا ، حين وصل كعب لهذه الأبيات ، فما أعذبها من أبيات، وما أعظمه من سامع لهذه الأبيات"[14]
ومن المعاصرين الشاعر أحمد شوقي حيث وصفه في بردته بقوله:
(وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ....وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ)
فالهدى المقصود به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يشير الشاعر لميلاد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث انتشر الضوء في كل الكائنات وكان الزمان سعيدا باستقبال هذا الميلاد والتاريخ الذي حفر بذاكرة الزمن.
فهاذا بعض ما ورد في نوره صلى الله عليه وسلم الحسي الذي كان يرى في وجهه، والمعنوي الذي أنار به سبل الهدى للناس أجمعين.
وإنه لجميل حقا جدا- لا سيما في مثل هذا العصر، الذي جهل الكثير من المسلمين من دينهم غير قليل، علما وعملا- أن يلتئم جمع، ويقام حفل، في المناسبات الإسلامية الميمونة المتعددة المتنوعة.
ومنها مولد الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم ليتم- من خلالها- التذكير بالمعاني الإسلامية، وتأكيد أبعادها في نفوس المسلمين، ودعوتهم في السير عليها، والأخذ بمضامينها، والعيش بتوجيهاتها، ويلتزمون بها في كل حال، ولا يتفلّتون منها، ولا يتلفّتون إلى أيّ من غيرها مهما كانت.
فليس غير الشريعة الإسلامية تكون أو تصلح لهم- أو لغيرهم- طريقا كريما بارّا، فهم يواصلون المسيرة عليها؛ على الطريق المنير {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]"[15]
والله تعالى بفضله ورحمته يحفظنا من الخطأ والزلل اللذين لا يأمنهما أحد، ويستر عوراتنا التي لو انكشف شيء منها افتضحنا، ويتجاوز عن سيئاتنا التي لو أوخذنا بواحد منها هلكنا، ويوفقنا لما هو أولى بنا، ويعصمنا مما لا يعنينا، إنه المنان الواسع الغفران.
الهوامش:
1. أعلام النبوة للماوردي (ص: 201)
2. أعلام النبوة للماوردي (ص: 209)
3. أخرجه أَحْمد (4/127) ، وَابْن حبَان (14/312) ، وَالطَّبَرَانِيّ (18/252) (629: 631) ، وَالْحَاكِم (2/453) (3566) ، وَصَححهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ - كلهم - من حَدِيث الْعِرْبَاض - رَضِي الله عَنهُ -، والْحَدِيث صَححهُ الأرناؤوط.
4. أعلام النبوة للماوردي (ص: 201)
5. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/ 143)
6. تفسير القرطبي (6/ 118)
7. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (20/ 282)
8. تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (8/ 398)
9. أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (3/ 582)
10. انظر: البخاري "6/ 554" في المناقب، باب ما جاء في أسماء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي تفسير سورة الصف، ومسلم "4/ 1828/ ح2354" في الفضائل، باب في أسمائه, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وانظر لكلام ابن العربي في"عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي": (10/ 281) , كتاب الأسماء, باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.
11. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 1201)
12. الشمائل المحمدية للترمذي ط إحياء التراث (ص: 22)
13. وهذه رواية ابن قتيبة وأمثاله، وفي روايات أخر: إن الرسول لسيف يستضاء به والذي يعنينا الرواية الأولى؛ لأنها هي التي تتفق مع ما نحن فيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم نور وما جاء به النور، وكان يسأل من ربه النور إذا خرج في ممشاه إلى الصلاة وإذا قام من الليل، كل ذلك ثابت عنه صلوات الله وسلامه عليه. سلسلة محاسن التأويل - المغامسي (61/ 12).
14. شرح قصيدة بانت سعاد فقلبي اليوم متبول : أعظم بردة في مدح الرسول لكعب بن زهير، موقع أنا البحر الإلكتروني
15. السيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثها، عبد الرحمن على الحجى، دار ابن كثير – دمشق الطبعة: الأولى - 1420 ه (ص: 274)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.