فاس تحتضن لقاء لتعزيز الاستثمار في وحدات ذبح الدواجن العصرية    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولار    الصندوق المغربي للتقاعد يطلق نسخة جديدة من تطبيقه الهاتفي "CMR" لتقريب الخدمات من المرتفقين        فتح تحقيق بعد تطورات خطيرة في اعتصام مواطن فوق خزان ماء ببني ملال    نجاة عنصر من الوقاية المدنية بعد احتجازه والاعتداء عليه فوق خزان مائي        دراسة: التلقيح في حالات الطوارئ يقلل الوفيات بنسبة 60%    مهرجان "موغا" يعود إلى مدينته الأصلية الصويرة في دورته الخامسة    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    حادثة اصطدام مروعة بين دراجتين ناريتين تخلف قتيلين ومصابين بتطوان    جلالة الملك يهنئ رئيس الجمهورية الديموقراطية لساو طومي وبرانسيبي بمناسبة ذكرى استقلال بلاده    ليفربول الإنجليزي يعلن سحب القميص رقم 20 تكريما للاعبه الراحل ديوغو جوتا    لبؤات الأطلس في لقاء مصيري أمام منتخب السنغال للحسم في سباق التأهل        الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"            غزة.. مفاوضات وقف إطلاق النار تواجه "تعثرا نتيجة إصرار إسرائيل على الإبقاء على سيطرتها على 40 في المائة من القطاع"    شركات مغربية تفوز بصفقة تهيئة طريق ملعب بنسليمان استعدادا لمونديال 2030    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    أخرباش تحذر من مخاطر التضليل الرقمي على الانتخابات في زمن الذكاء الاصطناعي    الصين- أمريكا .. قراءة في خيارات الحرب والسلم    تونس في عهد سعيّد .. دولة تُدار بالولاء وتُكمّم حتى أنفاس المساجين    إيران تنفذ حكم الإعدام العلني ضد "بيدوفيل قاتل"    تواصل الانتقادات لزيارة "أئمة الخيانة والعار" للكيان الصهيوني    فرنسا تدين طالبًا مغربيًا استبدل صور طلاب يهود بعلم فلسطين    الجزائر وباريس .. من وهم الذاكرة إلى صدمة الصحراء    "البام": مسيرة آيت بوكماز تؤكد الحاجة إلى مكافحة هشاشة الجماعات القروية    أغنية "إنسى" لهند زيادي تحصد نسب مشاهدة قوية في أقل من 24 ساعة    عبد العزيز المودن .. الآسَفِي عاشِق التُّحف والتراث    عائلات المختطفين مجهولي المصير تحتج بالبيضاء للمطالبة بالحقيقة كاملة في ملف ضحايا الاختفاء القسري    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    57 ألفا و823 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب    الركراكي يترقب انتقالات لاعبي المنتخب المغربي خلال "الميركاتو" قبيل مباراتي النيجر والكونغو    اجتماع بمراكش لاستعراض سير المشاريع المبرمجة في أفق تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030    "البيجيدي" يطلب رأي المؤسسات الدستورية بشأن مشروع قانون مجلس الصحافة    عقوبات أميركية تطال قضاة ومحامين بالمحكمة الجنائية لإسقاط مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 95 عالميا في جودة الحياة والمرتبة 59 في الفرص الاقتصادية    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    حكمة جزائرية تثير الجدل في كأس أفريقيا للسيدات بعد نزع شعار "لارام"..    أولاد يوسف.. تدخل أمني ناجح لتحييد شخص اعتدى على عنصر من الوقاية المدنية وتحصن ببرج مائي    بعد تزايد حالات التسمم.. أونسا يؤكد أن "الدلاح" آمن    كيوسك الجمعة | عملية مرحبا.. إسبانيا تشيد ب"التنسيق المثالي" مع المغرب    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    البرلمانية عزيزة بوجريدة تسائل العرايشي حول معايير طلبات عروض التلفزة    انقلاب سيارة بطنجة يُسفر عن 7 إصابات    سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الأورو    "وول مارت" تستدعي 850 ألف عبوة مياه بسبب إصابات خطيرة في العين    المغرب يفتح باب المنافسة لمنح تراخيص الجيل الخامس "5G"    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟
نشر في لكم يوم 09 - 07 - 2025

في مساء صاخب من أماسي مهرجان "موازين"، انتصب مغني الراب المغربي طه فحصي، المعروف بلقبه الفني "طوطو"، على خشبة المسرح وأمام عشرات الآلاف من المتفرجين اليافعين، وهو يرتدي صدرية طُبعت عليها كلمة نابية وصادمة بكل المقاييس: "selgout". لم يكن الموقف عابرًا، ولم يكن الحدث مجرد زلة لسان أو لحظة غضب انفعالية يمكن تجاوزها. بل كان عرضًا صريحًا ومقصودًا لكلمة تُعد من أحط مفردات الشارع المغربي، لفظًا ودلالة، تُعرض على الملأ في مهرجان يُموَّل من المال العام، ويُتابَع من قِبل عائلات، مراهقين، وشباب في مقتبل التكوين الهوياتي والثقافي.
في الدارجة المغربية، تُستخدم هذه الكلمة كشتيمة ثقيلة، تحقيرية، ترمز إلى الشخص «الذي فقد حياءه، وتخلّى عن إنسانيته، وأصبح يتصرف بدون أي اعتبار لأعراف المجتمع أو مبادئ الأخلاق. قد يُستعمل المفهوم كذلك لوصف من "تسطى"، أي خرج عن طور العقلانية والتوازن. إنها كلمة ثقيلة الوقع، تُتداول في أوساط الهامش والشارع لا في محافل الفن أو الثقافة. ولعل خطورتها تكمن في أنها تُجرد الإنسان من احترامه لذاته قبل أن تُسقطه من أعين الآخرين.
فهل ما قام به طوطو كان جلدا ذاتيا ورسالة مقصودة؟ وهل تم توظيف هذه الكلمة الصادمة بغرض "الصراخ والانتفاض الفني" في وجه التقاليد؟ أم أن ما حدث لا يعدو أن يكون تجليًا «لانحدار أخلاقي يُروَّج على أنه تمرد مشروع؟»
حين نحلل شخصية "طوطو" الفنية ومساره، نجد أنه لا يقدم نفسه كمجرد فنان، بل كأسلوب حياة. يظهر في الإعلام، يُدافع عن تعاطي الحشيش، يُهاجم منتقديه بشتائم طائشة، يتحدّث عن "الحرية" دون قيد أو خط أحمر. إن هذا السلوك لا يمكن فصله عن المشهد الأكبر: «تحول بعض الرابورز إلى أيقونات شبابية»، ليس بفعل جودة الفن أو عمق النصوص، بل بفعل «الاستعراض والتطبيع مع الانحراف اللفظي والسلوكي».
ومهرجان "موازين" في حد ذاته، كحدث ممول من المال العمومي، بات يُطرح على منظميه سؤال محرج: هل من المقبول أن تُفتح أبواب منصة رسمية لفنان يرفع راية "التسلكيط" رمزًا وهُوية؟ ألا يُعد ذلك تشجيعًا غير مباشر على ازدراء القيم المغربية، وعلى إشاعة قاموس لغوي معتوه في أذهان شباب يبحث عن قدوة أو لغة جميلة وراقية يعبر بها عن ذاته؟
المفارقة أن المشهد لم يمرّ في فراغ. فقد شاهد آلاف اليافعين والشابات والشبان غرافيتي الكلمة مطبوعة على صدر نجمهم، تُغنّى وتُصفّق لها الجماهير. هنا تتحول الكلمة من شتيمة إلى «علامة تجارية»، من سلوك منبوذ إلى «نمط حياة عصري»، من انحراف إلى «أسلوب تعبيري يُسوَّق عبر المنصات الرقمية». في هذا السياق، لا عجب أن يتحدث شباب اليوم عن "التسلكيط" لا بوصفه خطرًا أخلاقيًا، بل بوصفه نوعًا من الجرأة والتحرر، وهو ما يُجسد أخطر ما يمكن أن يصيب المجتمع: «فقدان البوصلة القيمية».
في الحقيقة، "طوطو" ليس إلا «نتيجة لتراكمات إعلامية وتعليمية وثقافية وفنية»، سكتت طويلًا عن الانحرافات، ورفعت شعار "التسامح" في وجه التجاوز الأخرق، حتى أصبح "التطبيع مع الانحلال" نوعًا من الليبرالية المزيفة. نحن إذن أمام جيل يستهلك الفن كما يُستهلك مشروب الطاقة، دون أي معيار للجودة أو القيمة أو الأثر. وللأسف، كثير من المؤسسات، من الإعلام إلى التعليم، تركت الشباب في مهبّ "النجومية السطحية" و"الانبهار المجاني".
ومما لاشك فيه إن الفن، في جوهره، تمرّد نبيل. لكنه ليس تمرّدًا على الأخلاق، بل على القبح. ليس تمردًا على القيم، بل على الرداءة. أما ما نراه اليوم في بعض نماذج الراب المغربي، فهو تمرد «من دون مشروع، ومن دون وعي، ومن دون شرف». إنه تمرد يردم الجسور بدل أن يبنيها. يشجع على العنف اللفظي بدل أن يفتح أفق التعبير. يُعلي من شأن السفاهة بدل أن يرفع من مستوى الذائقة الجماعية.
فهل من الضروري أن نقبل ب"نموذج طوطو" على أنه الواقع الوحيد الممكن؟
قطعًا لا. الراب المغربي غني بأصوات عاقلة، غاضبة أحيانًا نعم، لكنها لا تُفرّط في احترام المجتمع. هناك من يستعمل الراب لقول الحقيقة، لا لبث الشتائم والكلام الساقط. وهناك من يُعرّي الفساد، لا ليُسوّق الحشيش والانحلال الخلقي. «المشكل ليس في الفن، بل في من يُقدَّم كقدوة باسم الفن.»
وفي النهاية، تبقى كلمة "selgout" "صعلوك" أكثر من مجرد لفظ. إنها رمز. لكنها ليست رمزًا للحرية أو التمرد كما يُراد لها أن تُفهم، بل «رمز لانهيار تدريجي في سلّم القيم حين يغيب الردع، ويُفرَغ الفن من معناه، وتُسَوَّق القذارة على أنها ثورة».
فهل ننتظر أن يُطبع على القمصان القادمة كلمات أقبح من سابقتها ؟ أم نقرر أخيرًا أن نُعيد تعريف الفن، القيم، والقدوة؟ ونفتح نقاشات جادة وهادفة حول أعطاب بعض المهرجانات الفنية بالمغرب.
الكرة الآن في ملعبنا جميعًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.