رئيس الوزراء الإسباني يقرر البقاء في منصبه    نجاح كبير للدورة ال16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    تواصل احتجاجات الجامعات الأمريكية وسط مخاوف الغاء مراسم التخرّج    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    بيدرو سانشيز يكشف قراره النهائي بخصوص الاستمرار في منصبه    أبرزها الاستبعاد من بطولات إفريقيا.. العقوبات المنتظرة على اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    "غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة    الدرهم يتراجع ب 0,46 في المائة مقابل الأورو    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    النفط يهبط 1% مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في غزة    تقرير: نمو "سياحة المغامرات" يتخطى 19% بحلول 2032    بنكيران: "مرشحو العدالة والتنمية لا تهزمهم المنافسة الشريفة بل استعمال المال ورئيس الحكومة يختبئ وراء الملك"    تيزنيت.. 5 نقابات صحية تدعو لفتح تحقيق معمّق بشأن شبكة المؤسسات الصحية    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    أسعار الذهب تتراجع مع انحسار آمال خفض سعر الفائدة الأمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    حادث سير خطير بالقرب من المحكمة الابتدائية يتسبب في إصابة خمسة أشخاص    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    النائب المرابط إلى وزير التربية الوطنية: إحداث ثانوية بجماعة بليونش ستكون له انعكاسات جد إيجابية تربويا واجتماعيا    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    الحكومة والنقابات توقعات على زيادات عامة في الأجور وتخفيضات في الضريبة على الدخل    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    أول تعليق من مدرب نهضة بركان على مواجهة الزمالك في نهائي كأس "الكاف"    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النزوع إلى التجديد في مجموعة: "شيء من حتى" للقاص، محمد لغويبي.
نشر في تطوان بلوس يوم 26 - 04 - 2016


بقلم: الأستاذ المبدع و الناقد:عبد الرحيم التدلاوي
يُتابع الكاتب و القاص المغربي محمد لغويبي ، ممارسة غوايته بإصرار، نقصد غواية كتابة القصة القصيرة. فبعد إصدار مجموعتين قصصيتين :"نبوءة" 2007 و "سيف من خشب" 2009، أصدر سنة 2014 مجموعة قصصية ثالثة تحمل العنوان التالي: "شيء من حتَّى"، في طبعة تغري بالاكتشاف. وهو، الآن، بصدد إنجاز مجموعة جديدة، سترى النور قريبا.
و تَضُمُّ المجموعة أربعة عشر نصا قصصيا، جاءت على الشكل التالي :
1- قطعة من سكر
2- ملح في بحر
3- على مرمى حجر
4- الذهاب مع الريح
5- الفصل الخامس من الحلم
6- حلم على عجل
7- عزف على وتر
8- على حافة سَهل
9- بيت من زجاج
10- المؤامرة العاشرة
11- رأسا على عقب
12- مَقاَمة بين قوسين
13- حبر على ورق
14- موعد مع الفرح
و هي عناوين تحبل بالكثير من الأسئلة في بنيتها و دلالاتها و تشابكاتها النصية و الثقافية.
يحتفي القاص في هذه التجربة الجديدة، بالقصة القصيرة على مستويات كثيرة فنية و إبداعية و دلالية تؤسِّسُ لأفُقِهِ الخاص و إبداعيته الخاصة، سَرْدِيا و ثقافيا و مجتمعيا...


تغرينا المجموعة بالقيام برحلة في ربوع حقلها الذي يضم وردا مختلف الأنواع والعطور، فمن العتبة الأولى، نجد أنفسنا في رحلة في الزمان والمكان معا، فشيء من حتى ، تلك الصرخة التي أطلقها النحوي؛ سيبويه، وهو يراود ويروض حرف حتى، تغرينا بأن نسبح في بحرها الخضم، بحثا عن معاني جديدة، واكتشاف قارات بكر، فل: حتى، أبعاد ظاهرة تم القبض عليها، وأخرى مضمرة تثير شهية البحث عنها واستخراجها كما يستخرج الدر من المحار، والسفر قدرة على الانتعاش، والتجدد، والاكتشاف، اكتشاف الذات والآخر، وليس بدعا أن يكون العنوان الداخلي الأول، للنص الأول: "قطعة من سكر" ص3، يحمل بعد الرحلة، فكلمة السفينة، تفيد هذا المعنى، إنها وسيلة نقل وانتقال، فضلا عن أن العنوان الرئيس، قطعة سكر، يحمل في طياته معنى الانتقال كأحد أبعاد السفر، فالقطعة منذورة للذوبان، أي الانتقال من حالة الصلابة إلى حالة السيلان والذوبان. والرحلة تقدم للإنسان ما يفيد هذه الأبعاد...
وإلقاء نظرة سريعة على مختلف أبعاد صورة نص "قطعة من سكر"ص3، تبين أنها تحفيز على السفر، بيد أنها في بعض محطاتها دعوات مضللة، ينبغي الحذر منها، لكونها سخرية مبطنة، إذ لا يعقل أن يكون السارد وهو يخاطب اللص داعيا إياه إلى الرحيل، جادا في نصحه، بل يريد منه الابتعاد عن الوطن، أن يذوب وقد حمل ما ثقل وزنه وغلا ثمنه، المهم، أن يرحل كما رحل من سرق قبله، أن يتوارى عن الأنظار، أن يخفي قبحه، فالوطن لن يستسيغ حضوره وبقاءه، وخير ما يفعل، أن يذهب إلى حال سبيله، ولكلمة: الرحيل، ثقل دلالي، إذا ربطناها بسياق الربيع العربي قبل أن يحترق ويصير خريفا. وتبقى دعوة الرحيل تعبيرا عن السفر، والابتعاد، والانمحاء، لكن، مقابلها، نجد سفرا إيجابيا حين يرام التطهر بهدف استعادة البراءة المفتقدة، فمثل هذا السفر في أغوار النفس سيكون، ولا شك، تجربة جديدة، تجربة صوفية تقبض على معنى الذات في الوجود، تكتشف الهدف من حضورها في هذا العالم، ما ينبغي التسلح به الجرأة لا التردد. وهي الدعوة التي ستبرز في النصيص الموالي: الغابة، إذ تشكل مجالا طبيعيا لتحقيق هدف التطهر، واستعادة الذات من ضياعها المادي، والروحي.
وفي النشيد الأخير من قصة "قطعة سكر"، والذي يحمل العنوان التالي، الجب، نجد الرغبة القوية في الخلاص من المؤامرة، والخروج من الجب كما الخروج من الرحم، بنفس جديد، وروح وثابة، منطلقة، عاشقة للحياة، إنها رغبة ضرورية لمعانقة إنسانيتنا، وولادة جديدة بصيغة جديدة.
وإذا كان الرحيل هما ثقيلا يحمل معاني المغامرة و الاكتشاف و التجريب و حرقة الأسئلة الحاملة أيضا للدهشة و ربما تناقض الأوعاء، فإن التكرار والرتابة تقف على النقيض من ذلك، لكونها تحمل معاني الجمود والخمول والكسل، وهي كلها معاني قاتلة للاكتشاف والتجدد: إنها بداية الأسبوع، يوم جديد يطوي أسبوعا كاملا من الجري والإرهاق والعكس، بليله ونهاره، بأحاجيه وتوقعاته، بحكاياته الصغيرة والممكنة، كان صباحا عاديا، كان وقتا عاديا، لا يختلف عن أي صباح آخر عاشته...ص 25. لم يحدث اللامتوقع، لم يطرأ الجديد والمغاير، الكل تحت سطوة الرتابة، وتحت إمرة العادي والمكرر. ومن هنا تلك الصرخة المدوية الواردة في بداية نص "مقامة بين قوسين" ص 55: من يستمتع بالحياة في هذا الزمن الأصفر؟ صرخة من الأعماق تؤكد الإحساس بثقل الملل بفعل الرتابة والتكرار؛ تقويه شبه الجملة: بين قوسين، الدالة على الحصار والإعتقال. ومن هنا منطقية الدعوة إلى السفر، وإلى الخروج من دائرة المعاد والممل، إلى فساحة المغامرة والتجريب؛ بمعنييه الواقعي والإبداعي.
كما أن المجموعة تحتفل بالمرأة في علاقتها بالرجل، وهي إذ تقدم أشكالا من التواصل بينهما متنوعة ومختلفة، تستضمر رحلة البحث الأولى التي قام بها آدم، الرجل الأول، في بحثه عن أناه الثانية، حواء، في مسعى بلوغ اكتماله. إنها توظف هذا البعد الضارب في العتاقة والقدم، لتؤكد أن الرجل لا يمكن أن يعيش خارج دائرة المرأة، لأنها بعده الحيوي، وحضوره الممكن، من دونها لا يساوي شيئا. إنها المدماك والأساس، بها تنهض حياته، ومن دونها لن يعيش سوى الخراب.
ومن هنا، كان حضورها الشهرزادي المستمر، فبفضل حكاياتها يستمر الرجل في الزمان كما في المكان.
ونلاحظ أننا أمام ضروب مختلفة من هذه العلاقات، فمرة تكون انسجاما وتكاملا، ومرة تكون انفصالا وضياعا.
وحين تستعيد المجموعة في بعض نصوصها قصة آدم وحواء، فإنها توظف التناص كعنصر يضمخ القص بالعتاقة والتجدد في الآن ذاته.
ما ينبغي الإشارة إليه، هنا، أنه تناص ذو بعد بان، يساهم في تنامي الأحداث، وتقوية الدلالة، وليس حلية تثقل كاهل النص.
وهكذا، نعثر في الإضمامة على الكثير من العلامات التناصية الظاهرة والمضمرة، مستقاة من النص المقدس وغير المقدس.
فابتداء من العنوان الذي يستدعي صرخة كبير النحويين، سيبويه، والمعبرة عن عدم قدرته على الإمساك بكل معاني حرف: حتى، وإلى آخر نص، نعثر على الكثير من النصوص الغائبة ذات الحمولات المختلفة، والمنتمية لحقول معرفية متنوعة.
فالعنوان يقوي فكرة الحث على الغوص في النصوص لاستجلاء مضمراتها، فما تقدمه لنا لا يمكن اعتباره إلا الظاهر من جبل الثلج، أما الأساس، فهو المختفي خلف أستار تتطلب رفعها لمعرفة الأحداث بكل وضوح وجلاء.
إنه إغراء بالسباحة عميقا للإمساك بالجواهر الدفينة، وما الظاهر إلا علامة طريق ترشد، وتوحي وتغري. فهي الجزء الذي لا يستغني عن الكل.
كما أن اللوحات الأخرى تحاور النص التراثي والديني لغايات جمالية ودلالية.
فتوظيف عجز بيت المتنبي: تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، لم يكن بغاية تأكيد الإحباط، وزرع اليأس في النفوس، بل من أجل الحث على خوض المغامرة، وعدم الركون للفشل.
ويمكن القول الشيء نفسه بخصوص توظيف قصة سيدنا يوسف، عليه السلام، في اللوحة الأخيرة من نص "قطعة من سكر"، بالتشجيع على الخروج من الجب، لا بواسطة قوة خارجية، بل بفعل قوة نابعة من داخل الذات.

الجانب البنائي:
تتنوع آليات الاشتغال داخل المجموعة لتكشف عن الوجه اللعوب لكتابة تنزح بشكل كبير نحو تجريب سلس ومرن. من خلال نصوص مختلفة من حيث البناء، والتضمين، والتوظيف.
المشهدية:
تبرز ملامح الكتابة المشهدية عبر النزوع نحو اعتماد تقسيم النص إلى وحدات سردية مستقلة، لكنها مترابطة عضويا فيما بينها. نصوص فسيفسائية تشكل لوحة مكتملة الملامح. ولعل تنويع من هذا القبيل يكشف عن إمكانيات هائلة، وتعدد زوايا الالتقاط وإبراز الملامح المشكلة لمعالم بناء النص القصصي القصير، كما في نص "قطعة من سكر" ص 3. فالنصيصات المشكل للقصة قد تبدو متنافرة، ومشتتة، لكن الحقيقة أنها ذات وحدة، يجمع بينها خيط ناظم، وما تشتتها الظاهر إلا تعبير عن التشظي الذي يعرفه المجتمع، ويطال شخصياته.
البناء المتوازي:
وتحقق في قصة "رأسا على عقب" التي سردت حكايتين متوازيتين، تتفقان في بعض السمات وتختلفان في أخرى. نصان متوازيان لكنهما متقاطعان.
البناء الدائري:
وقد اتخذ مظهرين أولهما تكرار نفس العبارة في بداية القصة ونهايتها وقد تحقق في قصة "المؤامرة العاشرة"ص 45، وهو تكرار معبر عنه بالأفعال نفسها التي تؤديها الشخصيات، برتابة : ثم تنتهي، دون اكتراث، بلا إحساس كاذب حتى، بلا حشرجة مشهدية متقنة حتى. ص 45، تؤدي الشخصيات أدوارها بآلية وبرودة قاتلتين.
وليس غريبا أن يحضر حرف "حتى" مكررا، وهو المشكل لعنوان المجموعة، وكأنه يخبرنا أن مجموع شخصيات النصوص تكابد الملل، وتعاني الانكسار.
والحق، أننا أمام شخصيات متشظية، عاجزة، وضعيفة، تعاني القهر والضياع، وتمارس حياتها من دون لذة. تعيش حالة التشذر والشتات وتنتهي إلى العجز والخيبة.
وثانيهما جعل الفقرة الأخيرة من النص جوابا لسؤال الاستهلال، نشبه عض القطة لذيلها؛ ومثاله قصة"مقامة بين قوسين"ص 55. فجواب: من يستمتع بالحياة في هذا الزمن الأصفر؟ كان في الفقرة الأخيرة من النص، وجاء وفق الشكل التالي: بلع السؤال ومضغه، وعكس ما يشتهي في مساء السبت المنتظر دعا الصرصور إلى وليمة في أحد مطاعم المدينة...صص58 و 59.
البعد البصري، والتشكيل الدائري:
نجد القاص ينحو باتجاه كتابة تخاطب العين، أيضا، ففي نص "الفصل الخامس من الحلم" ص21، يظهر بشكل جلي أن القصة قد اتخذت لنفسها صورة قصيدة التفعيلة، حيث توالت الأسطر مشكلة مقاطع ذات أحجام مختلفة، تؤكد، بالملموس، الشكل الدائري المعتقل لحرية الشخصيات، والضاغط على نفسها.
إن الشكل البنائي لهذا النص ينحو باتجاه كتابة مختلفة تقربه قليلا من القصيدة، لتصير، أقصودة.
والناظر إلى الفقرة الأولى من النص سيشعر بهذه الدائرية، حيث الحلم يدور حول نفسه دوران الفصول، بشكل مكرر ودائم، يزيد من ثقل وقعه تكرار فعل: أحلم في نهاية الأسطر الخمسة الأولى، وبداية السطر الأخير منها ثلاث مرات. لينتهي النص بخيبة شديدة الأثر، فبالرغم من أن النشيد يشيد بأهمية الفصل الخامس في حياة الشخصية الأساس، والمقصود بهذا الفصل تلك الحبيبة التي عطرت حياته بدفق حضورها، ورائع عطائها، إلا أن الخروج من الدائرة الجهنمية كان بالتخلي عن محبوبته والعودة خائبا صحبة العرافة الذكية.
خاصية التكرار:
إن نصوص "شيء من حتى" تنطوي على ميزة سردية ذات أبعاد جمالية وفنية، وهي أن الوقائع تتكرر أكثر من مرة؛ تيمة وفضاء وأحداث...وبالتالي أصبحت وكأنها نص واحد متعدد المرايا والأوجه والصفات. إنها نصوص تعكس حياة واحدة، وواقعا واحدا ووحيدا..هو واقع مجتمع مترد وفاسد، تسوده المتناقضات، وتطبع حياته الاجتماعية، والسياسية، خروقات...{1}

اللغة في المجموعة:
في القصص التي تضمها مجموعة "شيء من حتى"، كثير من الاحتفال بما هو يومي وموصول بالبيئة المغربية بخاصة ؛ من ذلك استعمال اللسان الدارج المغربي العربي والدخيل وذلك في الجملة والكلمة معا.. لدعم الاتصال المباشر بالبعد البيئي المغربي...وفي هذا إلحاح على تأصيل القصة مغربيا، ومثاله، ما نجده في نص "مقامة بين قوسين" ص55: رأى بعينيه البيض المقلي والفرماج والكشير وخبز القمح وبراد أتاي المشحر و"الاعاصير" يمد الغرصون بقايا ملوية للصرصور العجوز، ويخرج من المقهى وتهبط به قدماه إلى المارشي...ص 58. فقد احتشدت في هذا المقطع مفردات مضمخة بعطر الأرض المغربية، يفوح منها عطر الأرض، وتعبر عن واقع الإنساني المغربي، فمن خلال وجبة الفطور ندرك تماما أنها مستخرجة من المطبخ الخاص بهذا البلد، لكون معجم الأطعمة له نكهة خاصة تربطه بقوة بهذا الفضاء، الشاي المشحر، والبيض المقلي، والملوية، لا يمكن إلا أن تكون مغربية، يزيد من تجذرها بهذا المكان، الكلمات الفرنسية الدخيلة، والمدرجة: الكشير، والفرماج، والغرصون، لقد تم تبييئها، ووشمها بالطابع المغربي، فأي مطعم بهذا البلد ستعثر فيه، ولا شك، على عناصر هذه الوجبة الشعبية.
البعد الساخر:
ترصد المجموعة ما يعرفه المجتمع المغربي من تبدلات وتغيرات، كما تتابع تحولاته، مسلطة الأضواء على أهم التحولات التي عرفها المغرب خلال هذه الفترة، على مستوى الحريات وحقوق الإنسان. مركزة على المفارقة بين الماضي والحاضر: الماضي بنضاله، وتضحياته، وقهره. والحاضر ببرودته ومسخه.{2}
وبناء عليه، نجد المجموعة لا تخلو من السخرية كرهان من الرهانات التي يلعب عليها القاص في بناء نصوصه. ذلك أن السخرية استخفاف بما هو قائم، وتسعى إلى تنمية الرغبة في الضحك من تمظهرات الخطأ والعجز. فالسخرية حكم وتقييم، تهدف إلى تصحيح الأخطاء، وتقويم المعوج. وتعد سلاحا في مواجهة المسخ وجبروت القبح، وتسلط الرداءة.
فمن خلال السخرية... ننتقد بعض المؤسسات الاجتماعية والسياسية وبعض الشخصيات والسلوكات. وهو ما نلمسه في نصيص "المغارة" ص 3، على سبيل التمثيل لا الحصر، إذ يقف السارد وهو يوجه خطابه لشخية نصه، بطريقة فيها تهكم وسخرية، وقد اعتمد على بعد المغارة لإضفاء مزيد نقد لهذه الشخصية وقد وجدت نفسها أمام المال العام بشكل مباشر، فسارعت، وقد بهت ضميرها، وتسلطنت رغباتها، إلى النهب، رغبة في تنمية رصيدها المادي في مجتمع غير محصن، مما أدى إلى إفقار الكثيرين. وعليه، لم يجد السارد، ومن ورائه الكاتب، سوى سلاح السخرية لتقويم الوضع، وتصحيح الاختلالات، وعلينا أن ندرك أبعاد النصائح التي يمد بها السارد شخصيته، فهو لا يدعوه إلى تكنيز المال، بالسطو على المغارة، وإنما يدعوه إلى اتخاذ سبل الرحيل حتى يتخلص المجتمع من هذه الأشكال المنفرة.
تجليات الرؤية الايديولوجية:
وانطلاقا من بعد السخرية، ستتبين لنا رؤية الكاتب الايديولوجية، إنه يقف إلى جانب الفئات المهمشة في وجه التسلط ونهب الأموال. يختار لنفسه، كما في نص "على مرمى حجر" ص 11، السير في الاتجاه المعاكس للتيار، تيار الفساد. ويتبدى ملمح الرؤية الايديولجية بشكل أوضح في نص "الذهاب مع الريح" ص17، فتلك الشخصية المرصودة من طرف السارد، والتي نحس أن بينهما علاقة فكرية ووشيجة معرفية، تعاني من التهميش، وهي التي تحمل أفكارا ثورية تريد بها تغيير منطق اللعبة السائدة، وقلبها لصالح الطبقة المسحوقة، فلباسها يدل على أنها قد اتخذت بعد الرفض، وجاهزية الحركة، والتصاقها بالفئة المستضعفة: ترتدي سترة كاكية وشعرها الأسود القصير ملفوف ومشدود إلى الوراء، كأنها لم تتغير منذ ذاك الوقت، كأنها لم تغير في نفسها شيئا، القامة المتوسطة المنحنية والحذاء الرياضي ةالدجين الأزرق المصبن...ص 17. وقد كانت نشيطة في الحياة المدنية والسياسية والمهنية...ص 18. إنها علامات دالة على المرأة المناضلة التي وهبت نفسها للدفاع عن القيم الإيجابية، وتحقيق عالم يسمو فيه الإنسان، وتتحقق كرامته.
خاتمة مؤقتة:
تسير المجموعة باتجاه البحث عن شكل كتابي قادر على التعبير عن المرحلة الراهنة باختلالاتها، وتموجاتها، وصعوباتها، وقادرة على إظهار شخصياتها في تشظيهم، وما يعتري أنفسهم من تمزقات؛ وقد صاغت قصصها بأسلوب يجمع بين السرد واللغة الشاعرية في توليفة شهية وذكية. ولهذا، حفلت بالحلم، وصاغت بعض نصوصها على شكل لوحات متنافرة مظهرا، متآلفة جوهرا؛ كما حاورت نفسها، ووقفت تتأمل ذاتها، ناقدة ومصححة.
لقد نجحت الإضمامة في كسب رهانها، باعتماد تقنيات كتابية جديدة، مثيرة ومدهشة. ويحق لنا أن نقول: إنها مجموعة قصصية جديرة بالمتابعة، والقراءة، والنقد.
.......................
{1} الكتابة والحفر؛ دراسة لحكايات أرذل العمر لمحمد المهدي السقال، تأليف: محمد داني، مطبعة ووراقة البوغاز، الطبعة الأولى، سنة 2016، الصفحة 71.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.