"معرض الكبّار" ينطلق بآسفي .. صدارة عالمية وتكيّف مع التغيرات المناخية    مصادر أمريكية: صعود نجل قديروف يثير القلق والسخرية في الشيشان    "السومة" يكلّف الوداد 30 مليون سنتيم    تشيلسي بنصف نهائي مونديال الأندية    الأرصاد تحذر من موجة حر غير مسبوقة تضرب المغرب    نشرة إنذارية: طقس حار مع "الشركي" وهبات رياح مع عواصف رملية السبت والأحد بعدد من مناطق المملكة    مونديال الأندية .. الهلال يسقط بعد معجزة السيتي    الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة يكشف مستجدات الدورة السادسة والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي    نقابة الأبناك تدق ناقوس الخطر بشأن اقتطاعات ضريبية خاطئة من معاشات المتقاعدين    المغرب التطواني واتحاد طنجة مدعوان لتسوية وضعيتهما المالية للقيام بانتدابات جديدة    فلومينيسي البرازيلي أول المتأهلين لنصف نهائي مونديال الأندية على حساب الهلال    دوار الزهارة يهتز على وقع فاجعة.. وفاة طفلة وإصابة أربعة أطفال في حادث انقلاب شاحنة    جماعة طنجة تعتمد نظاما حديثا لركن السيارات وتلغي "عقل المركبات"    آلاف المغاربة يتضامنون مع غزة ضد التجويع والتهجير الإسرائيلي    جمهورية الإكوادور تفتتح سفارتها في الرباط    "حماس" تردّ إيجابيًا على مقترح الوسطاء    لقجع يفتح ذراعي المغرب للجزائر: "أنتم في بلدكم الثاني خلال كان 2025"    وزارة التربية تكشف عن جدول العطل المدرسية للموسم الدراسي المقبل    قناديل البحر تغزو شواطئ الناظور والدريوش: المصطافون بين الحذر والانتظار    أسعار الذهب تحقق مكاسب أسبوعية    الناخب الوطني: كأس أمم إفريقيا للسيدات المقام بالمغرب رهان كبير جدا لكننا متحمسون لتحقيق إنجاز جيد    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على أداء إيجابي    حركة تعيين داخل وزارة الخارجية تشمل أزيد من ثلث القناصلة ضمنهم، 45 %نساء    مجلس النواب يساءل رئيس الحكومة الإثنين المقبل    تقرير أممي يتوقع ارتفاع إنتاج الحبوب العالمي إلى 2.9 مليار طن    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    مصرع طفل دهسته سيارة بضواحي الحسيمة    أولاد تايمة.. توقيف مروج للمفرقعات والشهب النارية المهربة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصوت ضد مشروع دمج CNOPS في CNSS وتنتقد "تهميش الحوار الاجتماعي"    فيلدا: المنتخب النسوي تطوّر كثيرا ويمكنه الذهاب بعيدا في الكان    "حماة المال العام" يرفضون ترهيب المبلغين عن جرائم الفساد ويطالبون القضاء بالحزم مع المفسدين    الصين والاتحاد الأوروبي يعقدان الجولة الثالثة عشرة من الحوار الاستراتيجي رفيع المستوى    افتتاح خط جوي جديد يربط الصويرة ببرشلونة    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية :أبوالقاسم الزياني، كاتب الدولتين ومؤرخ الحضرتين.    مسرح رياض السلطان يكشف برنامجه لشهر يوليوز أمسيات فنية مفعمة بالجمال والإبداع    قائمة الفائزين في "تصور مدينتك"        الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    بعد تألقها في موازين.. المغربية فريال زياري تستعد لتصوير عمل فني جديد    طوطو وصناعة المعنى على منصة موازين    الجديدة : ديوان شعري نسائي جديد "لآلئ على بريق التجلي"    حملة تحسيسية تحذر سكان سوس ماسة من السباحة في السدود    البحرية الملكية تشارك في تمرين عسكري لمواجهة التهديدات البحرية والهجرة غير النظامية (صور)    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    بنك المغرب: ارتفاع الإنتاج والمبيعات الصناعية في ماي.. وتراجع في قطاع النسيج والجلد    افتتاح خط جوي جديد يربط الصويرة ببرشلونة    والد البلايلي: يوسف لم يرتكب أي جريمة وما تعرض له غير مقبول تماما    بوريل: مرتزقة أمريكيون قتلوا 550 فلسطينيا في غزة خلال شهر    أمسية تحتفي بالموسيقى في البيضاء    تحركات احتجاجية تعلن الاستياء في أكبر مستشفيات مدينة الدار البيضاء    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    دراسة: تأثير منتجات الألبان وعدم تحمل اللاكتوز على حدوث الكوابيس    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العثماني: إمارة المؤمنين ومدنية الدولة
نشر في تيزبريس يوم 02 - 04 - 2011

بعد الخطاب الملكي التاريخي ل 9 مارس 2011 برز الجدل مرة أخرى حول إمارة المؤمنين في النظام السياسي المغربي، ما بين داع لإزالتها ومناد بمأسستها. وأظن أن جزءا من ذلك الجدل مبني على تصورات "تقليدية" لعلاقة الديني بالسياسي، نسجت في سياقات تاريخية واجتماعية متجاوزة. والمغرب اليوم قد مضى في طريق بناء الدولة الحديثة، والمغاربة يطمحون إلى تعزيز ذلك البناء بالمزيد من الديمقراطية. لذلك فإن تجلية تلك العلاقة المركبة بين هذه المفاهيم بما يسهم في ذلك أضحى من ضرورات الساعة ومن واجبات الوقت...
ووجهة نظرنا تنبني على أن الاعتراف بصفة أمير المؤمنين للملك لا يجعل الدولة المغربية "دولة دينية" بالضرورة. فالدولة تكون دينية بواحد من ثلاثة أمور هي:
- كون الحاكمين يصدرون في قراراتهم عن إرادة إلهية مقدسة، أو يعترف لهم المجتمع السياسي بنوع من العصمة،
- كون شرعيتهم تستند إلى حق ديني مقدس، لا إلى معايير سياسية وتاريخية بشرية،
- كون الدولة منحازة دينيا، ولا تضمن حقوق مختلف معتنقي الديانات الأخرى من مواطني شعبها ولا تساوي بينهم في الحقوق.
والدولة المدنية هي التي تنتفي فيها هذه الأمور الثلاثة. ولذلك فإن بناء مغرب اليوم يقتضي تدقيق أن إمارة المؤمنين وكون الإسلام دين الدولة يتمان في إطار إتمام بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وإبداع نموذج مغربي لتنزيل ذلك.
إن دولا عديدة في أوروبا هي دول ذات مرجعية مسيحية، ولم يقل أحد بأنها دول دينية، بل تعتبر دولا مدنية على كل المستويات. وإذا كانت الدولة المدنية ممثلة للشعب، فمن الطبيعي أن تلتزم بقيمه ومرجعيته. وهناك دساتير قد تعطي لرئيس الدولة صلاحيات ذات علاقة بالدين دون أن يمس ذلك مدنية وديمقراطية الدولة.
فالدستور النرويجي مثلا يتضمن العديد من المواد تشير إلى الأسس الدينية التي تبنى عليها مملكة النرويج. فالمادة الثانية تنص على ما يلي: "كل سكان المملكة يتمتعون بحق ممارسة دينهم بحرية. تعتبر الديانة الإنجيلية اللوتيرية الديانة الرسمية للدولة. وعلى السكان الذين يعتنقونها تربية أبنائهم عليها". وفي المادة الرابعة نقرأ: "ينتمي الملك إلى الديانة الإنجيلية اللوثيرية، ويجب عليه الحفاظ عليها وحمايتها". فالملك هنا له مسؤوليات معينة مرتبطة بحماية دين الدولة الرسمي والحفاظ عليه. أما المادة 16 من هذا الدستور وفق آخر صيغة بعد تعديل سنة 1995 فإنها تنص على أن الملك ينظم كل ما يتعلق بخدمات الكنيسة والشعائر العمومية والاجتماعات ذات الطابع الديني، ويحرص على أن يلتزم الأشخاص الذين يشتغلون في التعليم الديني بالمعايير الضرورية. كما نجد في المادة الثانية عشرة بأن "أكثر من نصف الوزراء يجب أن يكونوا معتنقين للديانة الرسمية للدولة". هذه المواد الصريحة في الدستور لم تجعل من النرويج دولة دينية، ما دامت السلطة تمارس فيها بقواعد وآليات مدنية وديمقراطية.
وفي الإسلام فإن الممارسة السياسية تعتبر عملا مدنيا ودنيويا، يجتهد فيه الناس حسب ما يرونه مصلحة. وعندما يعتبر فقهاء الإسلام الإمامة السياسية أو الممارسة السياسية، من "واجبات الدين"، فإنهم لا يعنون بذلك أنها ممارسة دينية بالمفهوم الخاص المباشر، وإنما يعنون أن قيام الدين في المجتمع واستمرار التدين لا يكونان إلا باستقامة الحياة واستقرارها، وهو ما يستلزم وجود سلطة سياسية. وهم كثيرا ما يصرحون بهذا المعنى. فيذهب أبو حامد الغزالي إلى "أن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا، ونظام الدنيا لا يحصل إلا بإمام مطاع". أما "الإمارة" نفسها وكيف تتم ؟ ومن يتولاها؟ وما تفاصيل ممارستها؟ وغيرها من الأسئلة، فإن الجواب عنه اجتهادي، وهو ما يعني مدنية الممارسة السياسية ومدنية الدولة في الإسلام.
وأحيانا قد يعنون باعتبار الممارسة السياسية من "الدين" من جهة ثانية، كونها لا تخرج عن مجمل هدي الدين وتوجيهاته ومقاصده، لا أن تفاصيلها منصوص عليها "دينيا".
وحتى يتبين بجلاء هذا الفرق ما بين الممارستين السياسية والدينية، ودور الدولة فيها، نقارنها بالعلاقة بين الفعل السياسي والعمل القضائي. فالملك عندما يرأس المجلس الأعلى للقضاء وعندما تصدر الأحكام باسمه، فليس معنى ذلك أنه يتدخل في العمل القضائي أو أنه يمارسه مباشرة، بل هو بذلك مسئول على استقلالية القضاء عن كل أشكال التأثير والتدخل ومسئول على حسن تنظيمه وسيره. إنه بعبارة أخرى يتحمل مسئولية الإشراف على تدبير العملية القضائية لا التدخل في أحكام القضاء.
وبنفس المستوى فإن كون الملك أمير المؤمنين هو التزام منه بالإشراف على حسن تدبير الشأن الديني، دون أن يعني ذلك أنه يتدخل في عمل وحرية الفاعل الديني. فإشراف الدولة مثلا على وظيفة الفتوى تقنينا وتدبيرا ليس "سلطة دينية" ولا عملا "دينيا محضا"، وإنما هو عمل تدبيري يروم تنظيمها وضمان أن يتولاها المؤهل لها. ورئيس الدولة – باتفاق علماء الإسلام - لا حق له في الإفتاء في أمور الدين إلاّ إن كان عالما دينيا مجتهداً، فيكون له الحق الذي يملكه كافة المجتهدين دون تمييز خاص، وليس له أن يفرض رأيه على الآخرين.
الخلاصة التي نريد الانتهاء إليها هي أن إمارة المؤمنين في بلادنا هي إرث حضاري وتاريخي، وكسب مغربي إنساني إيجابي. وباسترجاع تاريخ الممارسة السياسية للدولة المغربية الحديثة نجد أن الخروج بإمارة المؤمنين من هذا الإطار المدني الإيجابي يعتبر عاملا من عوامل الخلط الذي يبعد تدبير شؤون الدولة عن المسار المدني الديمقراطي القائم على وضوح التعاقدات بين الفاعلين دستوريا وقانونيا ومؤسساتيا.
إن إمارة المؤمنين في اعتقادنا صفة للملك، وليست نظاما خاصا أو مؤسسة خاصة وما ينبغي أن تكون كذلك. إنها التزام من الملك بالإشراف على حسن تدبير الشأن الديني لا تدخلا في حرية الفاعل الديني من العلماء والمفتين والخطباء والوعاظ والدعاة. وهي يجب أن تتناغم مع مدنية الدولة وديمقراطيتها، لا أن تناقضها، وأن تمارس في إطار مقتضيات الدستور والقانون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.