الملك محمد السادس يهنئ رئيس تشاد    مبادرة مغربية تطالب العالم بتصنيف البوليساريو ضمن المنظمات الإرهابية    تنظيمات مغربية تدين محاولة استهداف الحقيقة باغتيال الصحافيين في غزة    بورصة البيضاء تنتعش بنتائج إيجابية    أطفال من القدس في جولة بالمغرب    نادي الفتح الرباطي يتعاقد مع أمحيح    "لبؤات كرة المضرب" يتألقن بناميبيا    "الشان".. أوغندا تفوز على النيجر    لشكر تسيء للذات الإلهية.. لماذا صمت اليساريون والإسلاميون؟    كرة القدم.. أتلتيكو مدريد الإسباني يتعاقد مع مهاجم نابولي الإيطالي جاكومو راسبادوري    ترامب يعلن نشر عناصر الجيش في واشنطن لمكافحة الجريمة    "ويبنز" يتصدر تذاكر السينما بأمريكا الشمالية    دراسة: الأطعمة عالية المعالجة صديقة للسمنة        انتشال جثة شاب عالقة في شبكة صيد    وفاة خمسيني إثر تعرضه لهجوم كلاب ضالة بضواحي أكادير    كريستال بالاس يخسر استئناف قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم باستبعاده من الدوري الأوروبي    المغرب ضيف شرف معرض بنما الدولي للكتاب 2025    كرة القدم.. النصر السعودي يتوصل إلى اتفاق مع بايرن ميونيخ لضم الدولي الفرنسي كينغسلي كومان (إعلام)    توقيف "داعشي" كان يحضر لعمليات ارهابية    عمالة الحسيمة تحتفل باليوم الوطني للمهاجر    "مراسلون بلا حدود" تدين اغتيال 5 صحفيين فلسطينيين وتتهم إسرائيل باستهداف الصحفيين في غزة    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    معتقلو حراك الريف بسجن طنجة 2 يدخلون في إضراب عن الطعام والماء    "واتساب" تختبر ميزة جديدة تتيح إرسال الصور المتحركة    مالي.. مؤشرات انقلاب تكشف الوجه الخفي لمؤامرات النظام الجزائري في الساحل    محمد رمضان يتعرض لموجة سخرية جديدة بعد ادعائه تلقي دعوة من لارا ترامب ليتضح أنه دفع 3500 دولار للحضور    خريبكة: بديعة الصنهاجي تفتح قلبها لجمهور مهرجان الرواد    كرة نارية من بقايا صاروخ صيني تضيء سماء شمال المغرب    الدار البيضاء تحتضن ليالي غنائية كبرى تخليدا لعيد الشباب    العاشر من غشت يوم الوفاء للجالية المغربية وهموم الإقامة في تونس        "البيجيدي" ينبه لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لفئة واسعة من المغاربة    الوصية .. في رثاء أنس الشريف ومحمد قريقع    الخطوط المغربية تعزز شبكة "رحلات بلا توقف" انطلاقا من مراكش نحو فرنسا وبلجيكا    تقرير: نمو اقتصادي في المغرب يقابله اتساع العجز المالي والتجاري    الخطوط الملكية المغربية تطلق خدمة ويفي مجانية على متن طائرات "دريم لاينر"    قتيل و29 مصابا في زلزال ضرب غرب تركيا    أستراليا تؤكد أنها ستعترف بدولة فلسطين    أشرف حكيمي يتمسك بطموح الفوز بالكرة الذهبية رغم انزعاج باريس سان جيرمان    وفاة أسطورة كرة القدم اليابانية كاماموتو عن 81 عاما        الملك على دراجته المائية يتبادل التحية مع المصطافين على شاطئ كابونيكرو    غزة.. قصف إسرائيلي يودي بحياة مراسل الجزيرة أنس الشريف وأربعة آخرين    توقيف "شاب داعشي" بإقليم سطات    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية: المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس نموذج إفريقي رائد في التنمية والابتكار    السفير المغربي بالصين: البعثات الطبية الصينية... رمز نصف قرن من الصداقة والتضامن بين المغرب والصين        من أجل استقبال أكثر من 25 مليون طن سنويًا.. توسعة جديدة لميناء الجرف الأصفر    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    دراسة: الفستق مفيد لصحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم    دراسة تحذر.. البريغابالين قد يضاعف خطر فشل القلب لدى كبار السن    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ازدواج الموقف في خطاب التعريب
نشر في صحراء بريس يوم 29 - 07 - 2015

قبل سنوات أشار أحمد حرزني في مقاله "المواطنة: أبعادها التاريخية وواقعها الراهن" إلى أهمية اللغة في قوله: "من لا لغة له لا وطن له". وقد كان كلامه هذا دقيقا للغاية، فمن فقد لغته لا داعي لأن يبحث له عن وطن، وما فائدة الأرض إن كان الشعب يصير شيئا آخر غير الشعب، واللغة الأصل تُنسى لتحل محلها لغة أخرى، بل ما جدوى الإنجازات الحضارية الكبرى إن كانت ستنسب إلى شعب جديد ولغة جديدة.
ولئن كان أحمد حرزني يربط اللغة بالوطن، فإن باحثا آخر أبى إلا أن يماهيها بالحياة، يتعلق الأمر بعباس أرحيلة الذي قال إن بعض الشعوب بدأت "تطالب بحقوقها في الوجود، ومن الحقوق أن تعبر عن وجودها بلغتها. وكانت الشعوب العربية الخاضعة للاستعمار في طليعة الشعوب المستقلة المطالبة بحقها الطبيعي في الحياة، وما حياتها إلا لغتها". ولهذا الكلام- وإن كان في جانب منه مجازيا- أيضا نصيبه الأوفر من المعقولية والسداد، إذ لا شك أن استعارة لسان من إنسان لهو مما يؤلب على الذات مشاكل الكينونة والوجود، ويؤدي بها إلى معايشة قسرية لأشكال العزلة والاغتراب.
وفي السياق نفسه، وقبل ما يزيد على ثلاثين سنة، قال منظر القومية العربية ساطع الحصري في كتاب "آراء وأحاديث في الوطنية والقومية": "اللغة روح الأمة وحياتها". وإذ نعتبر أن كلام المغاربة ليس سوى صدى لآراء المشارقة من قبيل ساطع الحصري وميشيل عفلق وغيرهما، فلا غرابة إن وجدنا هذا الكلام يلتقي تماما مع رأي عباس أرحيلة؛ فكلاهما يربط اللغة بالحياة، وإن كان ساطع الحصري نبيها حين اختار عبارة روح الأمة.
ويذهب في الاتجاه نفسه الزعيم التقليدي لحزب الاستقلال علال الفاسي الذي أشار في كتابه الشهير "النقد الذاتي" إلى أن "الأمة التي تتعلم كلها بلغة غير لغتها لا يمكن أن تفكر إلا بفكر أجنبي عنها. وإني لأذكر كلمة كان كتب لي بها الصديق العزيز أحمد بلافريج عافاه الله وحفظه– وكان قد ذهب من باريس إلى مصر ليتم بها دراسته: "إن العلم إذا أخذته بلغتك أخذته، وإذا أخذته بلغة غيرك أخذك"". ولابد أن هذه العبارات تتلاقى في كثير من تفاصيلها مع رأي عباس أرحيلة وأحمد حرزني- كيف لا وعلال الفاسي ذو تأثير عميق في فكر رواد التعريب والأسلمة بالمغرب- ذلك أن التعلم بلغة أجنبية، في المراحل التعليمية المبكرة على الأقل، هو من أسوأ الممارسات التربوية التي حذر منها اللسانيون وأهل الاختصاص في التربويات، وفضلا عن ذلك، وهو ما يستشف من كلام علال الفاسي، يسلب الذات خصوصيتها الثقافية ويلزم الذات بالتفكير وفق قوالب لغة وثقافة الشعوب الأخرى.
أما أحمد الريسوني فيؤكد أن مسألة اللغة [وهو يقصد اللغة العربية طبعا]: "تستدعي وتستحق جهودا أكبر بكثير مما تأخذه الآن. ولا أراني مبالغا إذا قلت إن قضية اللغة العربية تحتاج إلى صحوة وحركة، على غرار الحركة الإسلامية والصحوة الإسلامية. ولو جاءت هذه الصحوة على شكل انتفاضة[ !؟]، لكان أنسب وأجدى". نعم، ما المشكلة إن قام الشعب بانتفاضة لغوية، ألن يكون ذلك درسا حضاريا يمثل النموذج والمثال في التمسك بالذات والخوف من سلب الهوية الثقافية؟ ذلك في اعتقادنا ما يمكن أن يعبر عن نضج فكري ووعي حضاري لأصحابها.
حينما ننظر إلى الاستشهادات السابقة لا يمكننا إلا أن نعبر عن مدى إعجابنا بحماسة قائليها، فهم بحق يمثلون نماذج تحتذى في هذا الشأن. ولكن ما بدا لنا أثناء تفحصنا لها من منظور آخر غير منظورهم، هو أنهم جميعا يقولون ما لا يعنونه، أو يعنون ما لا يقولونه؛ ذلك أن ربط اللغة بالحياة، أو بالوطن، أو بالهوية، لا يمكن إلا أن يكون قولا اجتزائيا وعفويا ومرتبطا بظروف تلفظية محددة، فباعتبار أن الأمازيغيةَ أيضا لغةٌ، وأن هناك شعبا يتحدثها، فالأحرى بنا أن نطابقها مع الاستشهادات السابقة، ولنَرَ مدى مقبوليتها في صفوف رواد التعريب والأسلمة؛ النتيجة التي لا شك فيها هي أن قائلي هذه العبارات لا شك سيتداركون ما لفظت به ألسنتهم، وسيشجبون هذا الربط المجحف، لأنهم في الواقع لا يقصدون سوى اللغة العربية دون غيرها من اللغات.
حقيقة الأمر أن الخطاب الثقافي الأمازيغي كان قد كرس لتصورات كان عصبها الرئيسي المطالبة بالحق في الممارسة الخطابية للغة الأمازيغية وإعانتِها على القيام بالمهام التي تضطلع بها اللغات الأخرى، لكنه اصطدم– للأسف- بتيارين كلامها يتعصب للغة العربية؛ أحدهما قومي لغوي، ممثل في دعاة القومية العربية من المتحمسين للفكرة الاشتراكية. وثانيهما ديني لغوي، ممثل في الإسلامويين الداعين إلى توحيد الأمة الإسلامية تحت سقف العروبة. وسواء تعلق الأمر بهذا التيار أو ذاك، فكلاهما يشرعن مكانة اللغة العربية ببضعة أمور حصرها أحمد بوكوس في كتابه "الأمازيغية والسياسة اللغوية والثقافية بالمغرب" في قدسية اللغة العربية، وتاريخانيتها، وعروبة الثقافة المغربية، واعتبار اللغة العربية أداة توحيد الوطن العربي، واعتبارها أيضا لغة الاستقلال.
والدليل على أن تلك الصيحات كانت اجتزائية [أي أنها لا تنطبق على كل لغات العالم] هو أن علال الفاسي نفسه قال أثناء حديثه عن لغة التدريس: "إن أهم خطوة في سبيل إصلاح التعليم هو جعله بلغة واحدة هي لغة البلاد [يقصد اللغة العربية طبعا]، ذلك هو الهدف القومي الذي يجب أن يسعى إليه الجميع"، وبهذا المعنى يسلخ علال الفاسي الجسد الأمازيغي حينما ينزع عنه لغته، أو حياته بتعبير ساطع الحصري.
وقد استغربت أثناء تصفحي للائحة البيبليوغرافية لكتاب "السياسة اللغوية في البلاد العربية: بحثا عن بيئة طبيعية، عادلة، ديموقراطية، وناجعة" لصاحبه عبد القادر الفاسي الفهري، وهو الباحث المطلع والمتبحر في تخصصه، أنه يعود في المسأله الأمازيغية إلى تدبيجات أحد كتاب هسبريس، أعني رمضان مصباح الإدريسي الذي يكتب بشراسة هدامة عن الأمازيغية بعبارات سوقية بعيدة عن الكتابات الأكاديمية الجادة.
ولم يتورع أحمد حرزني من القول أنه "لا يرى داعيا لترسيم اللغة الأمازيغية". وهو ما عززه عباس الفاسي رئيس الحكومة السابق بالقول إنه سيناضل من أجل أن لا تكون الأمازيغية مرسمة في الدستور. وإذا كنا ندرك ما لترسيم اللغة من أهمية في إنعاشها لتعود إليها الحياة لبانت لنا المفارقة، فهو نفسه، كما رأينا، الذي ربط اللغة بالوطن. ألا يبرر هذا ما قلناه سابقا من أنهم يقولون ما لا يعنونه، أو يعنون ما لا يقولونه؟
خلاصة الأمر أن السياسة والتخطيط اللغويين بالمغرب يجب أن يتم فيهما التحلي بكثير من النباهة بما يخدم اللغتين الأمازيغية والعربية، لعلنا بذلك نصحح أخطاء الأجداد ونتجاوز مطباتهم وهفواتهم. ولابد أن الأشواط التي قطعناها إلى اللحظة الراهنة في التنويه بأهمية التعدد يجب أن تعزز بمبادرات جريئة تنصب على تغيير الذهنية الاستعلائية، ومحو الفروق اللغوية، وحل الرباط الميتافزيقي بين العربية والإسلام. ذلك في نظري المتواضع ما يمكننا من تأسيس المواطنة اللغوية بما تعنيه من تسامح لغوي وقبول بالاختلاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.