الكاتب : رشيد الفرتيت – باحث في العلوم السياسية و القانون الدستوري. التتمة ....
أما بالنسبة إلى قضية النخب، والسؤال المحوري هو ما هي النخب التي ستلج قبة البرلمان؟ وهل ستدفع الأحزاب السياسية بنخب جديدة؟ إذا كان المغاربة صوتوا على الدستور، فإنهم مطالبون ، بالتصويت على من سيتكلفون بتطبيقه، وهذا أهم بكثير، فما هي النخب التي ستدخل البرلمان، والتي سيتعين عليها أن تعمل على تطبيق مقتضيات الدستور؟
. إعادة الثقة إلى المواطن البسيط :
لا يمكن أن نتصور أن يحدث تحول بمجرد التصويت على الدستور الجديد. المسألة مرتبطة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، بعقليات وفكر و ميولات، ما تزال هناك مخلفات وتراكمات، إذ تسكن الشخص عقلية معينة : بأنه يجب أن يحكم، وأن يُشرك أفراد عائلته، أو أصدقاءه، أومعارفه، في السلطة، وهذا ما نتخوف منه بالنسبة إلى الأحزاب . اليوم، السياسي، والوزير، والبرلماني ، والمواطن العادي له حقوق وواجبات،ولكن المراقبة والمحاسبة يجب أن تشمل كل من يسهم في تدبير الشأن العام. إذا أخطأ الوزير، فإنه يخضع للمساءلة والمحاسبة، مثل غيره من المواطنين، وليس في إطار محكمة خاصة، وهذا ما يمكن أن يشجع أي كان، والصحافة لها دور مهم في مجال المراقبة واليقظة و التحسيس. التخوف ما يزال سائدا بالنسبة إلى الاعتماد على المحسوبية والزبونية، والعلاقات الشخصية، لأن الأحزاب السياسية في حاجة إلى نضج، وفي حاجة إلى المزيد من العمل في هذا الاتجاه.هناك إرادة، ولكن الأحزاب تحتاج إلى إعادة الثقة في نفسها، وإلى إعادة الاعتبار لها، وللدور الذي تلعبه. هناك عمل كثير ينتظر الأحزاب، في سبيل التصدي للزبونية والمحسوبية، والتربية على تخليق العمل السياسي. والمستقبل هو الكفيل بإثبات ما إذا تغيرنا حقا، أم لا، بمعنى أن السنوات المقبلة هي التي ستثبت مدى جدية العمل الذي قمنا به في هذا الإطار. والمهم أنه يجب توفير الشروط، وتفعيل المحاسبة. من غير المقبول أن تكون، مثلا للوزير أو الوصي على قطاع معين مشاكل داخل القطاع، بسبب وجود كاتب عام معين بظهير. هناك حاجة إلى تأطير وتكوين، ويجب على الأحزاب والمجتمع المدني أن تسهم في هذه العملية، وبالمناسبة، فإن عددا من الناس ما زالوا يجهلون مضامين الدستور الجديد، و يجب أن يفسر لهم بلغة مفهومة.
ما يسجل، في بداية الإعلان عن مشروع الدستور الجديد هو فتح المجال الإعلامي أمام كل الحساسيات السياسية بمختلف مواقفها وقناعاتها، وهذه مسألة إيجابية. لقد حصل تحول، إذ أن المعارضين للدستور، مُنحوا الفرصة للظهور في وسائل الإعلام العمومية لبسط مواقفهم، والتعبير عن قناعاتهم. هذا الأمر لم يكن ممكنا في السابق، أما بخصوص الكيفية التي تم التعامل بها مع الحركات الاحتجاجية، خاصة حركة 20 فبراير، فهو تعامل مهين حاط لكرامة الإنسان و لا يحترم بنود وثيقة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، فالأمر يتعلق إذا بثقافة مخزنية مازالت موروثة عند السلطات المحلية. هل هو قرار فوقي؟ هذا سؤال، ولكن ما يسجل، هو أن الوقفات والمسيرات ترخص لها في هذه المدينة، في الوقت الذي تُمنع في مدينة أخرى. أعتبر المسألة صحية، أن يكون هناك اختلاف في الموقف من الدستور، لأننا في بلد من البلدان النامية يسعى جاهدا إلى الإلتحاق بالركب الديمقراطي ما أمكن و إن كان على حساب حقوق الإنسان من خلال مسك العصا من النصف ، والديمقراطية لا تعني الإجماع. من حق كل حزب أن يعبر عن رأيه، ويجب أن نحترم كل الآراء، بناء على الحق في الاختلاف. ما يقع من مواجهات، لا يتعدى ما هو محلي. قد تقع مشاكل، بالنسبة إلى الوقفات والمسيرات، في أماكن محددة، ولا تقع في مناطق أخرى، دون أن يعني ذلك وجود يد خفية ، فالأمر مرتبط بالعقلية السائدة التي لم تتغير عما كما كانت عليه في الماضي ألا و هي عقلية الإستبداد كما نظر لها المفكر العربي عبد الرحمان الكواكبي. هناك قناعة راسخة، في أنه يجب على الحركات الإحتجاجية ألا تتوقف عن نشاطها السلمي، بمفهومها، ومطالبها، لأنها تطالب بإسقاط الفساد، وبتخليق الحياة العامة، وأن تتظل تناضل سلميا من أجل تحقيق هذه المطالب، ولا معنى لأن تتوقف، بعد التصويت على الدستور، فالدستور الجديد ليس في استطاعته أن يقضي على الفساد، والظواهر الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، بين عشية وضحاها، وهو ما يعني أن المسيرة يجب أن تستمر من أجل الكرامة، ومحاربة الفساد، وكل هذه المطالب ستبقى دائما حاضرة، تفرض نفسها، وهو ما يعطي لحركة 20 فبراير مبرر وجودها، والدولة يجب أن نستمر في الإصلاح ، ودعم المطالب الشعبوية، رغم قولنا نعم للدستور. لأن الشرعية هي شرعية جماعية لا فردية موسمية,
النخبة السياسية الموجودة، اليوم، والأطر الحزبية، هل هي، فعلا، مؤهلة لمواكبة التطور الذي سيعرفه المغرب بعد التصويت على الدستور الجديد. بكل صراحة، ونحن نتكلم بلغة الحقيقة بالنسبة إلى كل الأمور والقضايا. اليوم في المغرب، ما تزال هناك ظاهرة مترسخة تتجلى في أن قيادات العديد من الأحزاب تسود وتحكم. في الوقت الذي نجد قيادات حزبية ونقابية وفي المجتمع المدني، يسودون ويحكمون، بل، في أحيان كثيرة، يفسدون. نحن لا نقول ذلك، لأننا نريد ألا ينجح هذا المسلسل الإصلاحي، بل لدينا رغبة في أن تكون للمغرب ثقافة جديدة لمواكبة التطورات الجارية، على مستوى الوثيقة الدستورية، وإلا، فإننا، غدا، مع الأسف، سيكون الحزب الذي يقود الحكومة، مضطرا إلى البحث عن أطر قادرة على تحمل مسؤوليات القطاعات الحكومية، وربما لن يعثر عليها، خاصة إذا كنا نريد وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وتثبت التجربة الحالية، أن لدينا قطاعات فاشلة، وأخرى تراجع أداؤها بشكل قوي، لأن المسؤولية مُنحت لناس غير مؤهلين لها. من جهة أخرى، من الضروري بالنسبة إلى مسألة ربط المسؤولية بالمحاسبة، هذه مسألة جوهرية، فتدبير الشأن العام، يفرض بالضرورة، التدبير المالي والاقتصادي، وليس فقط التدبير السياسي، القضية فيها المال العمومي، واليوم، بحكم الآليات الجديدة المتضمنة في الدستور الجديد، هل المجلس الأعلى للحسابات، وكل مؤسسات المراقبة، سيتم تفعيلها؟ أكثر من هذا، فإن تجربة عبد الرحمان اليوسفي، مليئة بالعبر والدروس، فقد كانت هناك إرادة سياسية أعطت نتائج، رغم العمل بالدستور الحالي، وذلك لأن حزبا في المعارضة دخل تجربته الأولى في تدبير الشأن العام، وكان هناك حماس، طبعا اصطدم بواقع وتراكمات، تغيرت معها المعادلة، وحدث التراجع عن المنهجية الديمقراطية. هناك ميكانيزمات للمراقبة والمحاسبة يجب أن تفعل، في مجال تدبير الشأن العام.