المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    نمو مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء قاع أسراس    على هامش تكريمه.. البكوري: مهرجان الريف يسعى لتقريب الإبداعات الناطقة بالأمازيغية إلى الجمهور التطواني    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    رئيس الحكومة يحل بالمنامة لتمثيل جلالة الملك في القمة العربية    أندية "البريميرليغ" تجتمع للتصويت على إلغاء تقنية ال"VAR" بداية من الموسم المقبل    أسرة أمن تنغير تخلد ذكرى التأسيس    ولاية أمن طنجة تتفاعل مع شريط فيديو يظهر شرطي مرور يشهر سلاحه الوظيفي على وجه أحد مستعملي الطريق    عائلات "مغاربة ميانمار" تحتج بالرباط .. وناجية تكشف تفاصيل "رحلة الجحيم"    القمة العربية: عباس يتهم حماس ب"توفير ذرائع" لإسرائيل لتهاجم قطاع غزة    منح جائزة التميز لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لوكالة بيت مال القدس الشريف    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    "فيفا" يدرس مقترحا بإقامة مباريات الدوريات المحلية خارج بلدانها    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة.. نزول أمطار ضعيفة ومتفرقة فوق مناطق طنجة واللوكوس    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    اعتبروا الحوار "فاشلا".. موظفون بالجماعات الترابية يطالبون بإحداث وزارة خاصة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    بعثة نهضة بركان تطير إلى مصر لمواجهة الزمالك    انطلاق القافلة الثقافية والرياضية لفائدة نزلاء بعض المؤسسات السجنية بجهة طنجة تطوان الحسيمة من داخل السجن المحلي بواد لاو    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    باحثون يعددون دور الدبلوماسية الأكاديمية في إسناد مغربية الصحراء    مربو الماشية يؤكدون أن الزيادة في أثمنة الأضاحي حتمية ولا مفر منها    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    هنية: إصرار إسرائيل على عملية رفح يضع المفاوضات في مصير مجهول    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية بين التوافق والتشارك..؟ -1-
نشر في أخبارنا يوم 17 - 10 - 2014

مما لاشك فيه أن الانتصارات التي تحققها الحركة الإسلامية في أي مجال من مجالات عملها مما يرتاح إليه كل مسلم مخلص لإسلامه ومؤمن بمكانة هذا الدين في حياة الناس الروحية والعملية، وإذا كانت التطورات السياسية التي تعرفها الشعوب الإسلامية مكنت بعض التيارات والأطراف من الحركة الإسلامية من نيل حظوة وثقة لدى الناخبين بدرجات مختلفة، ولكنها مكنت بالأساس هذه الحركة من المشاركة السياسية، وفسح المجال أمامها لتعرض ما لديها من أفكار ورؤى أمام الشعوب، لتختارها أو تختار غيرها، وقد تجاوبت الشعوب بشكل لافت مع التصورات التي قدمتها هذه الحركة، فأعطت مكانة الصدارة أو المتقدمة لهذه الحركة أو تلك في بعض الأقطار الإسلامية التي جرت فيها استشارات شعبية.
وإذا كان هذا مشجعا ومبشرا بتجاوب الشعوب مع هذه الأطراف الإسلامية فإنه في الوقت نفسه يطرح تحديا كبيرا على هذه الأطراف لأنه لا يقبل منها أي اعتذار فيما إذا لم تلتزم بالرؤية التي تقدمت بها للشعوب والتي كانت على خلفية مرجعية إسلامية واضحة.
صحيح أن الظروف معقدة، والصعوبات كثيرة، والإمكانيات ضعيفة وخصوم كثر. وهذا ما يفرض على هذه الحركات رغم كل شيء أن تسعى بكل الوسائل لإنجاح مشروعها أمام التحديات، لأن الممارسة لم تكن في يوم من الأيام سهلة.
وإذا كان من حظ فصيل من هذه الحركة أن يتصدر المشهد الانتخابي في بلادنا فإن واجبه أن يعطي للعمل السياسي والديمقراطي معناه الحق طبقا لأخلاق الشورى في الإسلام وأن يحقق ما جاءت به الشريعة والذي لخصه ابن القيم في قوله:
«إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وان أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه».
***********
حوار ساخن
في اليوم العاشر من أكتوبر والجمعة الثانية من نفس الشهر تفتتح السنة التشريعية وفق ما ينص عليه الدستور المغربي، ومع اقتراب افتتاح هذه السنة احتدم النقاش والتعاليق والتحليلات السياسية والاقتصادية في مختلف الوسائل الإعلامية وفي المراكز والمقرات الحزبية وكل يثير جانبا من الجوانب السياسية أو الاجتماعية التي تشد الكثير من اهتمام الرأي العام، وذلك لأسباب متعددة ومختلفة، ومن أجل هذا تختلف زوايا النصر لدى الناس ولدى المحللين، لأن كل طرف يحاول أن يجعل الأمر وفق ما يريده وما يرتضيه من موافق ويصح أن ينشد في شأن هؤلاء البيت الشعري المأثور:
وكل يدعي وصلا بليلي وليلى لا تقر لهم بذاك
مفاهيم متباينة
وليست لَيْلَى إلا الديمقراطية، وإشراك الرأي العام في هذا العمل السياسي لإضفاء هذا الطابع الديمقراطي عليه، ولاشك أن المتتبع لما يجري في المجتمع السياسي وما يعبر عنه أغلب المشاركين في هذه الفعاليات والحوارات يرى كيف أن الكل يستند فيما يقوله ويرى إلى الديمقراطية غير أن هذه الديمقراطية لا تكاد تجد اتفاقا حول مفهومها ومضمونها لدى المتحاورين لأن الإحساس والشعور بالديمقراطية يختلف من شخص إلى آخر وذلك لأن الانتماء الحزبي أو اللاحزبي يفرض فهما خاصا لهذه الديمقراطية التي يتحدث عنها، وما يفعله أو يقترحه هو وحده الذي يشخص الديمقراطية الحقة، وغيره إنما يقول أو يفعل أشياء مناقضة ومجانبة للديمقراطية.
الشعور الديمقراطي
إن الديمقراطية إذا كانت تعني من بين ما تعنيه وجود تعددية في الرأي واختلاف في وجهات النظر ولكنها لا تعني بحال من الأحوال إلغاء الغير رأيا وفكرا أو وجود ولكنها تعني الأخذ بعين الاعتبار هذه التعددية وضرورتها لتصح الحياة الديمقراطية داخل مجتمع ما أو جماعة معينة، وهذا ما يعبر عنه بالتشارك أو الديمقراطية التوافقية رغم ما يوجد بين هذين المصطلحين من تمايز وتباين وان كانا يفضيان معا إلى تناغم من نوع ما بين من يتولي السلطة ومن يجد نفسه خارج مربع السلطة حيث يمارس معارضة هذه السلطة ولكن ما يجب أن يتم وفق التشارك أو التوافق هو أن يشعر الجميع أنه يمارس دورا معينا في الحياة السياسية والحياة العامة ببلاده، مهما كان هذا الدور وكيف ما كان الأمر ف (إن نظام الحكم الديمقراطي الحقيقي يجب أن يشتمل على حوار صادق بين مختلف الآراء وخصوصا بين مؤيدي النظام وبين معارضيه أو الذين يحتمل أن يعارضوه هذا ما خرج بعض الدارسين في تحليله للنظام الديمقراطي.
محاولة الإلغاء
ولعل ما ننشده في نظامنا الديمقراطي هو الوصول إلى هذا المستوى من التناغم بين مختلف الآراء والمواقف غير أنه يظهر من خلال متابعة النقاش والطرح والطرح المضاد لدى الفاعلين السياسيين في بلادنا يكاد يخرج عن هذا السياق فهؤلاء الفاعلون كل من جهته يسعى إلى إلغاء الآخر، واعتبارها يقوم به أو يدعو إليه عدما مطلقا هذا ما يجعل الأمر صعبا، وما يدفع بالناس إلى الابتعاد عن العملية السياسية برمتها، مع أن هذا الابتعاد لا يمكن أن ينتج ديمقراطية حليمة فالديمقراطية الصحيحة تبنى على مشاركة الجميع وفي هذا الشأن يقول (ستورات ميل) المنظر السياسي الانجليزي.
الحكومة المقبولة
إن الحكومة الوحيدة التي يمكن أن ترضي تماما جميع مطالب الدولة الاجتماعية هي الحكومة التي يشرك فيها الشعب بأسره وأي مشاركة حتى في أصغر الوظائف العامة، نافعة وإن المشاركة في كل مكان يجب أن تكون عظيمة بالقدر الذي تسمح به درجة التحسيس العامة في المجتمع، ولا يمكن في النهاية أن يكون شيء مرغوبا فيه أقل من اشتراك الجميع في السلطة العليا للدولة، (ص17) الديمقراطية.
ما هو المطلوب؟
وإذا كان الهدف من الديمقراطية هو الوصول التي أشرك الجميع في تدبير أمر الدولة وشؤونها فإن هذا يفرض أمرين اثنين:
- المشاركة في دراسة المشاريع والقوانين قبل طرحها على المؤسسات المحولة دراستها والمصادقة عليها.
- السعي لضمان التأييد الشعبي في إطار من التوافق والتشارك بين مختلف مكونات المجتمع.
أغلبية وأقلية
ومع ذلك فإن البعض يعتبر أن الديمقراطية تعني الأغلبية وأقلية أغلبية حاكمة وأقلية معارضة وهذا ما أثاره أحد الشبان في اجتماع تنظيمي سياسي حيث اعتبر أن التصويت السري هو النظام الديمقراطي الوحيد وغيره لا يعتبر ديمقراطية فالتوافق في نظره أسلوب بعيد عن الديمقراطية فرأيت أنه ربما كان من المناسب ان اجعل حديث اليوم عن هذه الديمقراطية التوافقية.
ولا باس قبل ذلك من الحديث عن تعريف الديمقراطية.
نقاش وحيوية
لقد اعتاد الناس التحدث عن الديمقراطية وعن الأساليب التي تضمنها وان أنسى لا أنسى ذلك النقاش الواسع والساخن الذي عشناه ونحن طلبة وفي بداية الطريق والذي كان يدور عن مفهوم الديمقراطية وعن الطريقة الأمثل في صياغة الدستور الاول للمغرب المستقل.
كان ذلك في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن العشرين وكان كل طرف متحمس لوجهة نظره ويغذي تلك الحماسة ذلك الصراع الذي كان محتدما بين فريقي الحركة الاستقلالية بعد الفتنة الكبرى ليناير 1959 م ومع طراوة المعلومات حول القانون الدستوري وطريقة وضع الدساتير وهي أمور تعتبر جديدة علينا ونحن نتلقى دروسنا الأولى في الجامعة.
إفساد الديمقراطية
وبعد وضع الدستور والمصادقة عليه في دجنبر 1962. بقي هذا النقاش متواصلا من خلال ما عرفته بلادنا من الاعتداء على الدستور بعد وضعه والمصادقة عليه، وما قامت به الإدارة من تزوير للانتخابات خلال أربعة عقود. لقد استحضرت شريط هذه الحياة المليء بالحيوية والنشاط عندما انتفض هذا الشباب ضد مبدأ التوافق واعتبره مخالفا للديمقراطية وصادف الأمر إنني اقرأ كتابا أو إن شئت قلت دراسة في كتاب بعنوان (الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد) من وضع "ارنت ليبهارت" أستاذ فخري في العلوم السياسية في جامعة يال بالولايات المتحدة الأمريكية وهو يتوفر على أكثر من عشرة كتب في حقل الدراسات المقارنة للمؤسسات الديمقراطية كما ورد في ظهر غلاف الكتاب، ومن ترجمة (حسني زينه) كاتب ومترجم لبناني. نشر معهد الدراسات الإستراتيجية في العراق.
معلومات أولية
وقبل الخوض في الكتاب وفي مضمونه حول الديمقراطية التوافقية أود أن استحضر بعض المعلومات الأولية حول مفهوم الديمقراطية كما تحدثت عنها باحثة انجليزية (دورتي بيكلس) وهي ترصد التطور الحاصل في مفهوم الديمقراطية وما لها وما عليها في كتابها بعنوان "الديمقراطية" ترجمة زهدي جار الله ونشر دار النهار اللبنانية.(1972)
محاولة للتعريف: ما هي الديمقراطية؟
الجو السياسي المتغير
تضع الكاتبة السؤال التالي: ما هي الديمقراطية؟ عنوان مدخل الكتاب وتحت عنوان فرعي: الجو السياسي المتغير استعرضت الكاتبة جملة من المشاكل التي تعترض وضع تعريف دقيق للديمقراطية فبقدر ما تواطأ الناس على تعاريف تصب في مجملها في كون الحكم أو الحكومة للشعب ومن الشعب بقدر ما يبعد هذا التعريف ويتحول من تعريف إلى شعار ذلك ان الأنظمة الموسومة بالديمقراطية لا تتيح للناس فرصة اختيار الحاكمين اختيارا حقيقيا دون شروط وعوائق فكيف يمكن اعتبار الديمقراطية مع ذلك حكومة الشعب مع هذه العوائق الكثيرة، والشروط المعقدة في مختلف الأنظمة التي تصف نفسها بالديمقراطية، وهي الأمور التي تصدت لها الكاتبة.
أسوأ نظام
في كتابها ولذلك ليس مستغربا ان تجعل في افتتاح كتابها بعض الأحكام الصارمة التي قيلت في حق الديمقراطية فهي تبدأ بقول تشرشل المتداول والذي قال فيه (ان الديمقراطية أسوأ أنواع الحكم ما عدا الأنواع الأخرى التي جربت بين حين وآخر) ومقولة أحد السياسيين التي جاء فيها "كانت الديمقراطية حتى مئة سنة خلت شيئا سيئا وفي الخمسين سنة التالية أصبحت شيئا حسنا، ثم في الخمسين سنة التالية أصبحت شيئا غامضا".
وهكذا تكون الكاتبة قد رسمت إطار المسار الذي سنتحدث فيه عن تعريف الديمقراطية فلنحاول في السطور التالية تتبع وجهة نظرها في الموضوع قبل أن ننتقل للحديث عن الديمقراطية التوافقية ومدى صلتها بالديمقراطية كنظام للحكم سعى الناس ويسعون إليه منذ زمن بعيد.
السؤال الصعب
ان الكاتبة ترى ان أحد الأسئلة التي تصعب الإجابة عنها بصورة مرضية هو: ما هي الديمقراطية؟ لا لأنه ليس هناك تعريف متفق عليه فحسب بل أيضا لأن بعض التعاريف غامض إلى حد يجعله عديم النفع تماما، والبعض الآخر واضح إلى حد يجعله غير كامل. ان الكلمة، لغويا، تعني حكومة الشعب، ولكن هذا التعريف يترك مشكلات كثيرة دون حل. ذلك بأن أي نظام سياسي في أي وقت، سواء أكان ديمقراطيا أو لم يكن، لم يوفر للشعب بأسره مجرد اختيار الحكومة، فكيف بممارسة السلطات الحكومية؟
هذا السؤال تطرحه الكاتبة لتوضح أن هذا أمر فيه كثير من التجاوز وتبين ذلك بقولها.
كانت المواطنة في أوقات مختلفة وبلاد مختلفة مقيدة بعدد من الأسس. فالعمر، والجنس، ومعرفة القراءة والكتابة، والمِلْك، والوضع الاجتماعي، وأحيانا اللون والدين، حالت كلها في وقت أو في آخر دون تمتع بعض الناس بالحقوق السياسية التي يتمتع بها الآخرون. وكانت القيود أحيانا منطقية ومعقولة كحرمان الأطفال والمخبولين الحق في الاقتراع على أساس أنهم عاجزون عن اتخاذ قرارات مسؤولة.
جلادستون والمرأة
لكن الكثير من القيود كان قائما على الانحيازات التي اعتبرت في جو ذلك الزمن السياسي حقائق واضحة مسلما بها. من تلك الحقائق المسلم بها في كل مكان حتى نهاية القرن الماضي (أن النساء يجب ألا يتمتعن بالحقوق السياسية ذاتها كالرجال. وكان جلادستون حتى سنة 1892م يعارض اشتراك النساء في الانتخابات بناء على السبب التالي: «لا أخاف أن تعتدي المرأة على سلطة الرجل. ما أخافه هو أن ندعوها عن غير رغبة إلى إهمال رقتها، ونقاوتها، وتهذيبها، وسمو طبيعتها التي هي مصادر قوتها الحالية».
لعبة قذرة
وإذا وضعنا هذا بألفاظ اقل فخامة فإنه يعني ببساطة ان العمل السياسي، في نظر جلادستون، يكون لعبة قذرة وعلى الرجال ان يقرروا نيابة عن النساء ما اذا كن اطهر من ان ينهمكن فيها، ان النساء في بريطانيا لم يأخذن حقوقا تامة في الانتخاب الا في سنة 1929، ولم يحصلن عليها في فرنسا الا سنة 1945. اما في لولايات المتحدة فان معركة الاعتراف التام، عمليا ونظريا، بمواطنه الزنوج على الأسس ذاتها التي تطبق على الأمريكيين البيض، لم تكتسب بعد في كل مكان 1970. واما في سويسرا فان النساء لم يحصلن على حق الانتخاب سوى مؤخرا. ومع ذلك فإن بريطانيا والولايات المتحدة وسويسرا تعد عموما منذ أمد طويل بلادا ديمقراطيا. (ص 11 – 12 (الديمقراطية).
غطاء للزيف
ان الكاتبة في هذا النص تستعرض جملة من الشروط التي تفقد الديمقراطية معناها الحقيقي وتضع أمامها الشروط التي تجعل أمر تحقيقها من أصعب الأشياء إذا لم يكن مستحيلا. ورغم التغني بالديمقراطية فان أسلوب الاقتراع ومن يشارك فيه وظروف انجازه والملابسات التي تكتنفه كل ذلك يجعل الديمقراطية غطاء لحكم يفقد في كثير الحالات صفة الديمقراطية.
وصول الأعداء
ومن هنا استنتجت الكاتبة ان الديمقراطية يمكن أن تتحقق في حدها الأدنى، وفقا لشروط معينة وهذه الشروط لا تمنع الحكام المستبدين وأعداء الديمقراطية من الوصول إلى الحكم كما حصل مع هتلر ومن على شاكلته من الحكام الذين يستعملون الديمقراطية قناعا للحكم الاستبدادي رغم ما يتم في الظاهر من إجراء الانتخابات وتوفير مؤسسات تمثيلية منتجة شكلا ومزيفة في الواقع وهذا ما توضحه الكاتبة في الفقرة التالية:
الحد الأدنى
فالديمقراطية، في حدها الأدنى، نظام حكومة، ومجموعة مؤسسات تنجز على الأقل حاجتين أساسيتين.
1 - ان عليها أولا ان تكون قادرة على ان تقف بأكثر ما يكون من الدقة على رأي أكثر ما يمكن من الشعب فيمن سيكون ممثليهم، وكيف يجب أن يحكم البلد. وهذا يعني في حده الأدنى، حق الانتخاب العام، والأحزاب السياسية، وتنظيم تصويت حر في انتخابات غير مفسدة تعقد في فترات متباعدة نسبيا.
2 - وعليها ثانيا أن توفر الطرق لضمان قيام أولئك الذين اختارهم الشعب بعمل ما أراد المنتخبون أن يعملوه فعلا وأن تستطيع استبدالهم حتى بين انتخابين إذا لم يعملوا ذلك، ويتطلب الوفاء بهذه الحاجة وسائل لمراقبة عمل الحكومات، وإبقائها على اتصال مستمر بالرأي العام.
الديمقراطية حوار
وبكلمة أخرى ان عملية الحكم في الديمقراطية، بصورة أساسية، عبارة عن حوار بين الحاكمين والمحكومين. يستطيع الدكتاتور أن يحصل على السلطة باستخدام الآلة الانتخابية العادية، كما فعل هتلر ولكنه يبقى في الحكم اما باستمالة الرأي العام إليه أو بإهمال حريته في التعبير أو كبتها.
معنى حكم الشعب
ان هذه الشوائب التي تصيب الديمقراطية والتي أشارت إليها الكاتبة إشارة دون توضيح هي التي يوضحها احد الباحثين في محاولة دقيقة لوضع معنى حكم الشعب الذي تفسر به الديمقراطية فهذا الباحث يرى:
1 – أن الجميع يجب أن يحكموا، بمعنى ضرورة إشراك الجميع بالتشريع، بإقرار السياسة العامة، بتطبيق القانون وبالإدارة الحكومية.
2 – أن الجميع يجب إشراكهم شخصيا بعملية صنع القرارات الحاسمة، بمعنى إقرار القوانين العامة وقضايا التخطيط العام.
3 – أن الحكام يجب أن يخضعوا لمحاسبة المحكومين، يتعين عليهم بعبارة أخرى، أن يبقوا ملزمين بتسويغ أفعالهم أمام المحكومين وعرضة للإزاحة من قبلهم.
4 – أن الحكام يجب أن يخضعوا لمحاسبة ممثلي المحكومين.
5 – إن الحكام يجب أن يكونوا مختارين من قبل المحكومين.
6 – إن الحكام يجب أن يكونوا مختارين من ممثلي المحكومين
7 – إن الحكام يجب أن يتصرفوا وفقا لمصالح المحكومين.
وهنا يجب طرح سؤال
رهان صعب
هل صحيح ان الديمقراطية تحقق هذه الجملة من الشروط؟ سؤال تصعب الإجابة عنه؟ ويمكن القول مع باحث آخر ان المواقف المتخذة مستمدة من الأساليب المتباينة لتسويغ الديمقراطية التي ظل الدفاع عنها منطلقا من القول بأنها الأقرب بين البدائل إلى بلوغ واحدة أو أكثر من جملة القيم أو النعم التالية: المساواة السياسية، الحرية، الحكم الذاتي المعنوي، الأخلاقي، المصلحة العامة، نوع من المساومة الأخلاقية المنصفة، قرارات ملزمة تأخذ مصلحة الجميع في الحسبان، الفائدة الاجتماعية، تلبية الحاجات، كفاءة في القرارات. وفي إطار تاريخ صدام المواقف يقع الصراع على تحديد ما إذا كانت الديمقراطية ستعني نوعا من أنواع السلطة الشعبية (صيغة حياة يكون فيها المواطنون مشاركين في حكم الذات وضبطها) أم نوعا من أنواع المساهمة في صنع القرار (وسيلة لشرعنة قرارات المنتخبين لشغل مناصب السلطة. "الممثلين". بين وقت وآخر) ما المدى الذي ينبغي للديمقراطية أن تبلغه؟ ما المجالات التي يجب تطبيقها عليها؟ أو، بالمقابل، هل ينبغي للديمقراطية أن تبقى محصورة بوضوح بمهمة الحفاظ على غايات مهمة أخرى.(نماذج الديمقراطية ص14-15) .
يتضح من خلال عرض الإشكالات التي تطرحها محاولة وضع تعريف دقيق للديمقراطية مدى ضرورة البحث عن صيغ أخرى للوصول إلى الغاية المتوخاة من الديمقراطية وهل هي يمكن للديمقراطية التوافقية أن تلعب دورا في هذا الصدد؟ في الحديث المقبل نحاول الإجابة عن هذا السؤال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.