الشبيبة التجمعية بطنجة تلامس منجزات وتحديات الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    بهدف تأهيله لاستقبال 4.4 ملايين مسافر .. هذه تفاصيل مشروع توسيع مطار طنجة    المنتخب الوطني يدك شباك نظيره الجزائري    مبابي يعلن رحيله عن باريس سان جيرمان نهاية الموسم    هل تحتاج الجزائر إلى المغرب لتطوير اقتصادها؟    "طاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تعلن عن حصيلة جديدة للإصابات بكوفيد-19    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    ثنائية الكعبي تقود أولمبياكوس إلى نهائي "كونفرنس ليغ"    توقع تسجيل هبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    أمن طنجة يوقف خمسة أشخاص ينشطون ضمن عصابة إجرامية لترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    قرار أمريكي يستهدف صادرات المغرب    الأمثال العامية بتطوان... (595)    الدراسة الطبوغرافية لأنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا تترجم فلسفة إفريقيا للأفارقة    امرأة مسنة تضع حدا لحياتها شنقا بالجديدة    نائب البكوري يعترف بالنصب ويتخلص من علبة أسراره بإسبانيا بتكسير هاتفه الشخصي    المالكي: لا ينبغي التسرع في إصدار الأحكام بشأن إصلاح التعليم    الأمم المتحدة تتبنى قرارا يدعم طلب العضوية الكاملة لفلسطين    المغرب يعلن حزمة جديدة من مشاريع الترميم والإعمار في المدينة المقدسة    وزارة الحج والعمرة السعودية تعلن عدم السماح بدخول المشاعر المقدسة لغير حاملي بطاقة "نسك"    البحرية الملكية تعترض مهاجرين سريين جنوب غرب طانطان    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    الاستعداد لأولمبياد باريس 2024 .. بنموسى يترأس جلسة عمل مع اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية    مزور: الاتفاقية مع شركة (أوراكل) تعزز مكانة المغرب باعتباره قطبا للتكنولوجيات الرقمية    بعد أن أفرغت الحكومة 55 اجتماعا تنسيقيا ومحضر الاتفاق الموقع بين الوزارة والنقابات من محتواها    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    نقابة "البيجيدي": آن الأوان لإيقاف التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا تجاوز 1.3 مليون سائح خلال أبريل الماضي    العثماني يلتقي إسماعيل هنية في قطر        غوتيريش يحذر من أن هجوما بريا إسرائيليا على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"    تنديد حقوقي بالحكم الصادر بحق الحيرش ومطالب بإطلاق سراحه واحترام حرية التعبير    بيع كتب ألفت عبر "تشات جي بي تي"… ظاهرة في "أمازون" تتيح تحقيق أرباح عالية    2900 مظاهرة بالمغرب دعما لفلسطين    تأشيرة الخليج الموحدة تدخل حيز التنفيذ مطلع 2025    نقابة تنبه لوجود شبهات فساد بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير    قرار جديد من القضاء المصري في قضية اعتداء الشحات على الشيبي    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    أخنوش يرد بقوة على تقرير مجلس الشامي: الحكومة تبدع الحلول ولا تكتفي فقط بالتشخيص    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    بركان تؤمن بالحظوظ في "كأس الكاف" .. ورئيس الزمالك يؤكد صعوبة المقابلة    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أي دور للفنون الغنائية في تحولات المنظومة القيمية؟
نشر في العمق المغربي يوم 27 - 04 - 2019


-حالة المجتمع المغربي بين الأمس واليوم نموذجا-
ينبغي أن نفهم جيدا أن للفنون الغنائية دورا كبيرا في تحولات المنظومة القيمية، وفي تقييم السياسات العمومية وكذا التأثير في المشاهد السياسية، خصوصا مع التطورات الموسيقية المعاصرة والراهنة، التي صار بالإمكان معها النفاذُ إلى أعماق النفوس والعقول البشرية.
في هذا السياق، تشكل حالة المجتمع المغربي مثالا ونموذجا (لهذا التحول القيمي الذي تحدثه بعض الفنون الغنائية)، حيث يمكن أن نستدل على ذلك برصد وإبراز جملة من التحولات الثقافية والقيمية. كيف ذلك؟
مثلا، «عَايْشِينْ عِيشَتْ الذَبَّانَة فْ لَبْطَانَة»، «وَاللهْ مَا نْتَا مْعَانَا وْلاَ دَايْرْنَا فِي بَالَكْ»، «شَلَّة خَايْنِينْ كَلُونَا وَحْنَا نَايْمِينَ..»…، هذه نماذج من أغانٍ ملتزمة وجريئة، تحتفي بالمحتوى والمضمون والكلمة بعيدا عن الإسفاف والركاكة، وتحاول، من خلال رموز دالة وقريبة من المتلقي، أن تعبر عن كل تفاصيل الواقع وتسايره رصدا وتحليلا ونقدا؛ فبها ومن خلالها كان يعبر الفنانون المغاربة الملتزمون والأحرار عن مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والوطنية والاقتصادية والقومية التي تهم شؤون البلاد، رغم سنوات الجمر والرصاص، وحدة التوترات والاعتقالات السياسية التي كانت سائدة في عهد إدريس البصري، أحد رموز الهيمنة والتسلط في تاريخ المغرب المعاصر.
لقد كان الفنانون المغاربة يفهمون الفن الغنائي باعتباره رسالة هادفة سامية، ومسؤولية أخلاقية، حيث كنا نجدهم أكثر حرصا، أثناء اختيار الكلمات والاستعارات، على أن تكون أكثر إسهاما وتأثيرا في التحول والتغيير الإيجابيين على جميع المستويات والصُعُدِ، والدليل على ذلك أنها ما تزال، حتى الآن، ذات عمق وراهنية من حيث معناها ومبناها، إذ من يستطيع أن ينفي من خلال مستخلصات الواقع الاجتماعي مدى أثر تلك التعبيرات والكلمات وعمقها في تحليل ونقد الواقع؟
وفي المقابل، قد لا نبالغ إذا قلنا اليوم إن الفنانين ماتوا… ومات معهم الفن الغنائي الهادف والجميل أيضا، وذلك إذا ما تأملنا جيدا طبيعة وشكل معظم الإنتاجات التي تقدمها هذه «النماذج الفنية» السائدة، شكلا ومضمونا، حيث غدت معهم الفنون الغنائية مجالا للاستهتار والرداءة والميوعة والكلمات الساقطة، وعرض آخر صيحات الموضة ومنتجات الأزياء.
والصادم في الأمر هو أن هذه النماذج السلبية في الفنون الغنائية، باستفادتها من التطورات الموسيقية المعاصرة، وباستفادتها من مساحات زمنية ممتدة على وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، استطاعت حقا أن تكرس الرداءة في عقول ونفوس النشء والشباب على حد سواء، حيث بتنا، نجد الأخذ والرد الحاضر في معظم تواصلاتنا وكذا داخل مؤسساتنا التربوية والتعليمية يتعلق بنمط هذا الفن الغنائي الرديء وأصحابه، وحيث إن معظم شبابنا اليوم «لم يعد يقبل النصيحة إلا إذا كانت على إيقاعات الشعبي وديدجي DJ»، وحيث صارت المئات من الفتيات يسقطن مغمى عليهن من شدة التفاعل والتأثر بأغاني هؤلاء الفنانين، وحيث إن شبابنا من الرجال، أو بالأحرى الذكور باتوا يبكون ويحاكون الفنانين في كل الأشياء: في حلاقة الشعر، ثقب الأذن، ثقب الأنف، ارتداء السراويل الملتصقة التي تكشف عن جميع تضاريس الجسد،… فلقد صرنا حقا إزاء أزمة ذوق وإحساس وكذا إزاء «موت المعنى»، بما أننا صرنا نجد الفنون الغنائية الساقطة، والخالية بالتالي من المعنى والدلالة، هي الأكثر تداولا وانتشارا بين الشباب؛ كما صرنا إزاء أزمة قيم، إذ من أين يستقى الشباب المغاربة اليوم أفكارهم ومعارفهم وقدواتهم ونماذجهم الاجتماعية؟
جوابا عن هذا السؤال، وتعزيزًا للافتراض الذي انطلقا منه في هذا المقال، حاولنا النزول إلى إحدى الفضاءات العامة بمدينة القنيطرة (الساحة الإدارية لقصر البلدية)، حاملين معنا أربعة أسئلة استطلاعية عميقة بقدر ما تبدو بسيطة، بغية طرحها على عينة بحث موزعة بالتساوي على 80 شابا من كلا الجنسين (40 من الذكور و40 من الإناث)، تم اختيارها بشكل عشوائي:
– أذكر 10 مغنِّين ومغنيات مغاربة مفضلين بالنسبة إليك؟
– أذكر 10 لاعبين لكرة القدم مفضلين بالنسبة إليك؟
أذكر أسماء الخلفاء الراشدين؟
– أذكر بعض أسماء المفكرين والمثقفين؟
بعض نتائج الاستطلاع:
كانت أجوبة المستجوبين مرعبة وصادمة، ذلك أن السؤال الأول، لقي من قبلهم تجاوبا كبيرا وكان بمثابة محفز بالنسبة إليهم.. حيث كانت الأجوبة بخصوصه سريعة ومتماثلة تماما، ذلك أن الأسماء الغنائية التي تم تقديمها هي الأسماء نفسها التي يقوم الإعلام الرسمي بعرضها بشكل كبير ومتواصل.
نفس الأمر تكرر مع السؤال الثاني، حيث ذكر المستجوبون بكل يسر أزيد من عشرة أسماء للاعبي كرة القدم، مغاربة وأجانب.
في حين أن السؤال الثالث، المتعلق بأسماء الخلفاء الراشدين، كان بالنسبة إليهم سؤالا غريبا، ذلك أن نسبة 70 في المائة من أصل 80 من المستجوبين، أبدوا جهلا مرعبا بالمقصود أصلا بالخلفاء الراشدين؟ في حين استطاعت نسبة 20 في المائة منهم فقط ذكر اسمين على الأكثر، بينما 10 في المائة كانت هي النسبة التي استطاعت أن تعطي أجوبة صحيحة وتامة عن السؤال.
أما بخصوص السؤال الرابع والأخير، والمتعلق بذكر بعض المفكرين والمثقفين، فهو أيضا كان سؤالا غريبا وتعجيزيا بالنسبة إليهم، ذلك أن نسبة 20 في المائة من أصل 80 مستجوبا هي من استطاعت أن تذكر أسماء بعض المفكرين والمثقفين، بينما النسبة الهامة التي تمثل 80 في المائة من المستجوبين، صرحت بأنها عاجزة وغير قادرة عن الإجابة.
تؤكد هذه النتائج الأولوية، -رغم محدوديتها الكبيرة-، تشكل ذوق اجتماعي جديد ونمط ثقافي موحد لدى الشباب: يتوزع بين تتبع أخبار مشاهير الفن والرياضة.. أما الدين كما الثقافة، فقد غدت معرفتهما نادرة جدا، وهذا ما يجعلنا أمام إشكال آخر: من أين يستقى الشباب اليوم أفكارهم ومعارفهم وقدواتهم ونماذجهم الاجتماعية؟
إن تكريس نمط معين من الفنون الغنائية عبر وسائل الإعلام الرسمية مقابل طمس أنماط نوعية أخرى هادفة وملتزمة، هو مؤشر دال عن إدراك السلطة السياسية لأثر بعض الفنون الغنائية ولمدى خطورتها في نشر وإشاعة مناخ ثقافي فني مناهض للفساد السياسي، بالمعنى الذي يمكن معه القول إن الرهان على توظيف بعض أنماط الفنون الغنائية قائم كاستراتيجية وآلية للإلهاء الاجتماعي وتبريد الملفات السياسية الساخنة التي لم يفلح السياسيون في الحسم فيها.
* باحث في علم الاجتماع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.