تواصل الحركة الاحتجاجية بالجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف الحرب في غزة    مراكش: المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    حكيمي يتوج بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    النائب المرابط إلى وزير التربية الوطنية: إحداث ثانوية بجماعة بليونش ستكون له انعكاسات جد إيجابية تربويا واجتماعيا    الدرك الملكي يوقف قاتل تلميذة نواحي صفرو    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    استطلاع.. غالبية المريكانيين كيبان ليهوم أن إدارة ترامب أنجح من ديال بايدن    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    أول تعليق من مدرب نهضة بركان على مواجهة الزمالك في نهائي كأس "الكاف"    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    الحكومة والنقابات توقعات على زيادات عامة في الأجور وتخفيضات في الضريبة على الدخل    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    مدرب بركان يعلق على مواجهة الزمالك    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    كلمة هامة للأمين العام لحزب الاستقلال في الجلسة الختامية للمؤتمر    مرصد يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    البطولة: المغرب التطواني يضمن البقاء ضمن فرق قسم الصفوة وبرشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    طنجة تسجل أعلى نسبة من التساقطات المطرية خلال 24 ساعة الماضية    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناقد والروائي المغربي الدكتورمحمد برادة:
-الترجمة عندنا تخضع لمقاييس وجهود فردية وتظل في دائرة الهواية. -الكتابة عندي هي مغامرة وتجريب. ومن الصعب في هذا المضمار أن نتحدث عن مشروع محدد الملامح والأهداف
نشر في طنجة الأدبية يوم 28 - 06 - 2014

يعتبرالناقد والقاص والروائي الدكتورمحمد برادة من بين أهم الكتاب الطليعيين في الأدب المغربي المعاصرالذين أسهموا بشكل وافرولافت في التراكم النقدي والروائي ليس على مستوى المغرب فحسب وإنما على الصعيد العربي بما حققه وأنجزه من كتب ومتابعات وقراءات نقدية غزيرة جدا كانت بكل تأكيد على مدى نصف قرن وماتزال ذلك الجسرالثقافي بين المغرب والمشرق العربي ومن جانب آخربما أنجزه من ترجمات هامة لأشهرالكتب النقدية التنظيرية الفرنسية على الخصوص ل"رولان بارت وجان جينيه وميخائيل باختين ولوكليزو" وغيرهم والتي أسهمت في تحديث الدرس والمقاربات النقدية والبحوث الجامعية ومد جسورالمثاقفة مع شمال حوض البحرالأبيض المتوسط مما جعل منه ذاكرة ثقافية مغربية وعربية هرمية بامتياز.
الدكتورمحمد برادة كان أيضا من بين أهم الأسماء المؤسسة لاتحاد كتاب المغرب أواخرالستينات إلى جانب شيخ الصحفيين والأدباء المغاربة عبدالكريم غلاب ومحمد عزيز لحبابي ومصطفى القباج وغيرهم وسيتوج هذا المسارالإتحادي بتقلده للرئاسة من سنة 1976 إلى سنة 1983 . ومن جانب آخرولإيمانه الراسخ بتلازم الفعل الثقافي بالسياسي من خلال الإنتماء العضوي فقد إنخرط أيضا منذ أوائل الستينات في الدفاع عن أهم القضايا الحقوقية والسياسية المغربية والعربية بشكل عام ولعل أهمها قضية الدمقرطة والتحرر..
قصة "المعطف البالي" كانت أولى قطرات الغيث السردية التي نشرها محمد برادة بجريدة العلم المغربية سنة 1957 ثم نشرمجموعته القصصية الأولى موسومة ب"سلخ الجلد" سنة 1979 أما أولى رواياته "لعبة النسيان" فقد صدرت سنة 1987 ثم تدفقت بعدها روايات أخرنذكرمن بينها "الضوء الهارب" "مثل صيف لن يتكرر" "إمرأة النسيان" إلى آخررواية له صدرت في ربيع سنة 2014 موسومة ب"بعيدا من الضوضاء .. قريبا من السكات" .
أما في مجال الترجمة فإن المكتبة العربية تزخربالعديد من إنجازاته القيمة نذكرمنها على الخصوص كتاب "درجة الصفرفي الكتابة " لرولان بارت " من المنغلق إلى المنفتح لمحمد عزيزالحبابي " و" قصائد تحت الكمامة وهي ديوان شعرلعبد اللطيف اللعبي " و" الخطاب الروائي لميخائيل باختين " وبمناسبة ترجمة روايته "إمرأة النسيان " إلى الإسبانية وهوفي طريقه إلى الضفة الأخرى الأندلسية لتوقيعها أجرينا معه هذا الحوار:
س : تتشرف مجلة إتحاد كتاب الإنترنت المغاربية وفي زحمة إنشغالاتكم النقدية والإبداعية بأن تقتنص هذه اللحظة المائزة والنفيسة بإجراء هذا الحوارمعكم بمناسبة صدورالترجمة الإسبانية لروايتكم "إمرأة النسيان" بداية هنيئا لكم بهذا الإصدارالمتميزوسؤالي الأول دكتورمحمد برادة وأنتم في طريقكم إلى توقيعها بإسبانيا ماهي دلالة هذه الترجمة في عمقها التاريخي الإيبيروعربي مقارنة مع ترجمة بلغة أخرى فرنسية أوأنجليزية أوروسية ؟
ج : أظن أن مهمة الترجمة إلى كل اللغات هي واحدة في وظيفتها: مدُّ الجسور بين الثقافات، والإسهام في تفعيل تبادل التأثير بين إنتاجات الفكر والمخيلة باتجاه بلْورة قيم إنسانية، كونية توطّدُ علائق الحضارات...بالنسبة للغة الإسبانية، يسرني أن تسعفني ترجمة روايتي إليها، في الوصول إلى قراء محتمَلين، لأن أكثر من عنصر يمدّ حبال القرابة بيننا: الموقع الجغرافي، التاريخ المشترك (خاصة في الأندلس)، وجود جالية مغربية مهاجرة وافرة العدد... وقد استرعى انتباهي خلال توقيع "امرأة النسيان" في طبعتها الإسبانية، أن بعض الذين قرأوها، أشاروا أثناء المناقشة، إلى وجود تشابُه بين وضعية الأحزاب عندهم والصورة البّارودية التي ترسمها الرواية للحزب اليساري المغربي السائر نحو الانحدار وفقدان المصداقية...ونقطة الالتقاء هذه، تعود إلى الأزمة العميقة التي تعيشها إسبانيا نتيجة فشل تعاظم عدد الساخطين على اليمين واليسار، والبحث عن مستقبل يبدو مظلما بعد تعثر مشروع الاتحاد الأوروبي، وتلاشي الثقة في السياسيين الذين يقولون ما لا يفعلون... لذلك فإن السياق المتقارب بين وضعي المجتمعين، على رغم تباين الفترتين التاريخيتين، جعل "امرأة النسيان" تلامس موضوعا مشتركا.
س : في تقديركم ، هل إستطاعت هذه الترجمة التي أنجزتها كل من سيليا تيليزوَعادل برادة أن تكون وفية للحمولة الفكرية والأبعاد الجمالية والسردية للنسخة العربية الأصلية ؟
ج : لا أستطيع أن أحكم على مدى دقة الترجمة ووفائها بالغرض، لأنني لا أعرف اللغة الإسبانية؛ لأجل ذلك أتطلع إلى رأي الأصدقاء الذين يعرفون اللغتيْن. ومن خلال ردود الفعل الأولى لبعض القراء الإسبانيين الذين استمعتُ إليهم، يبدو أن العناصر الأساس في الرواية قد وصلتهم، بغض النظر عن دقة التعبير وتلاوين الأسلوب.
س : قمتم بترجمة العديد من الأعمال الإبداعية الأدبية في الشعروالرواية إلى اللغة العربية للطاهربن جلون وعبداللطيف اللعبي وغيرهما ، ماهوإحساسكم بين كونكم كاتبا مترجما (بكسرالجيم) وكاتبا مترجما (بفتح الجيم) ؟
ج : الفرق مهمّ بين المترجِم وَالمترجَم: الأول يمارس نوعا من "الحُلول" المؤقت في لغة المترجَم له، مع الاحتفاظ بسِماتٍ تلتصق بلغته الخاصة ومنهجه في تأويل النص والمعاني...وعندما لا يكون النص المترجَم "مفروضا" على المترجِم، فإن هذا الأخير يختاره لأنه يصادف هوىً في نفسه، ويتمنى في قرارة نفسه لو كان هو مَنْ كتبَه. أما عندما يصبح المترجِم مترجَما، فإنه سيُعاين أن نصه يبدأ حياة جديدة عبْر قراء مجهولين لديْه، لا يستطيع أن يتنبأ بردود فعلهم وطبيعة تلقّيهم. ذلك أننا عندما نكتب بالعربية، يمكن أن نستحضر، بكيفية تقريبية، ذوق ومستوى القراء العرب المُحتملين؛ أما بالنسبة للقراء الأجانب فإن تخمين نوعية التلقّي لديهم تكون غائبة عندنا، لأننا لا نكتب حسب مقاييس تلائم أفق انتظار القراء الأجانب. ومن ثمّ، لا نتعرّف على تلقّي "الآخر" إلا بعد الترجمة وقراءة ردود فعل النقاد وتقييمهم للنصوص المترجَمة.
س : لاجدال في أن المغرب يعتبررائدا في الدول العربية في مجال الترجمة بفضل جيل الرواد أمثالكم والأجيال التي جاءت من بعدكم ، لكن مالذي يجعل هذه الحركية المتألقة في الترجمة لاتحتفي بالأعمال الروائية والشعرية المغربية لنقلها إلى لغات عالمية أخرى ، أذكرعلى سبيل المثال أعمالكم وأعمال عبدالله العروي ومبارك ربيع وأحمد لمديني وغيرهم ؟
ج: لا أظن أننا دولة رائدة في الترجمة قياسا إلى الدول العربية، لأننا لا نتوفر على هيئة تضم مجموع المترجِمين وتعمل وفق مخطط وستراتيجية معلن عنها، بل الترجمة عندنا تخضع لمقاييس وجهود فردية وتظل في دائرة الهواية. وكانت هناك محاولة في تسعينات القرن الماضي، بتعاوُن مع وزارة الثقافة، لإنشاء هيئة المترجمين المغاربة وفق خطة متكاملة لتعزيز الجهود التي تبذل في الفضاء العربي الذي يسعى إلى تدارك النقص المهول في مجال الترجمة؛ لكن المشروع أُقبِرَ وظلت المبادرات الفردية هي السائدة، وهي جد محدودة قياسا إلى ما ينجزه المركز القومي في مصر، أو هيئات أخرى في الإمارات والكويت...أما بالنسبة لترجمة أعمال مغربية إلى لغات أجنبية، فالمسألة لا تخضع لرغبة ذاتية أو مبادرات فردية، بل هي متعلقة أساسا بإرادة و"اختيار" دور النشر الأجنبية التي هي مؤسسات حرة وتختار وفق أذواق واهتمامات القراء الأجانب الذين يقتنون الكتب ويتيحون لدُور النشر الاستمرار. لذلك فإن ترجمة أعمال أدبية مغربية بمبادرات فردية لن تنجح في إقناع الناشرين الأجانب وبالتالي لن تُوفّق إلى تسويق الكتاب المترجم وتوصيله إلى قرائه المحتملين. إن عملية الوصول إلى القراء الأجانب عملية جدّ معقدة، ولا مناص من أن تأتي المبادرة من "الآخر" المتابع لما يُنشر عبر لغات العالم؛ ومقاييسه تتراوح بين الجودة الفنية العالية (ظاهرة رواية الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية، مثلا)، أو البحث عن نصوص تقدم "شهادة" عن أوضاع سياسية متردية أو سلوك اجتماعي يستحق الفضح. ونتيجة لهذا الوضع التّرجمي المعقد، نلاحظ أن الزملاء العرب الذين يكتبون مباشرة بالفرنسية أو الإنجليزية، سرعان ما يشقون طريقهم مستفيدين من البنيات الثقافية وأواليات التوزيع ذات الخبرة الواسعة...، علما أن عدد الذين يكتبون بالعربية هم أضعاف أضعاف زملائهم الكاتبين بلغة أجنبية.
س : هل صحيح أن الروائيين النقاد يتوفقون أكثرفي كتابة الرواية مقارنة مع غيرهم من الكتاب باعتبارأنهم يشتغلون على بنيات الرواية برؤية أكاديمية وعالمة بأدوات مختبرها السردي ؟
ج: لا أرى أن الروائيين النقاد يتوفقون أكثر في كتابة النصوص السردية، لأن الجودة تعود إلى عناصر متعددة تتخطى المعرفة الأكاديمية والنقدية. وفي طليعة عناصر التجويد الروائي، الموهبة والتجربة الحياتية الواسعة، وصوْغ رؤية إلى العالم تسعف القارئ على فهْم مجتمعه بعيدا من النظرة الوثوقية المسبقة. يضاف إلى ذلك، علاقة الروائي باللغة ومستوياتها المتعددة الكاشفة لخلفية الأفكار والمواقف المتحكمة في جدلية المجتمع والعالم...وإذا اعتمدت روايات ٌعلى وصفة أكاديمية جاهزة، فإنها قد تؤول إلى إنتاج نصوص بدون نكهةٍ أو روح تزرع فيها الحياة. لكن، يجب التنبيه إلى أنه من غير المقبول اليومَ، أن يزعم روائيٌّ أنه يكتب اعتمادا على السليقة أو التلقائية دون الالتفات إلى ما أنجزه كُتاب كبار من قبله. إنه لا مناص للروائي من أن يستوعب تاريخ الرواية العالمية، وأن يتمعن في الأشكال وطرائق السرد التي تكوّن معلما بارزا في منجزات الرواية الكونية. من غير ذلك سيكون الروائي معرضا للوقوع في التكرار والعجز عن إيجاد الشكل الملائم لتجربته الروائية.
س : بارتباط مع السؤال السابق ، من رواية لعبة النسيان إلى رواية الضوء الهارب هل يمكننا أن نتحدث عن ملامح مشروع روائي يقتعد على خلفية عالمة بالنظرية النقدية من جهة ومن جهة أخرى على ذاكرة إجتماعية وثقافية وسياسية تحفرفي ثالوث الذاكرة والموت والمرأة ؟
ج: أنا لا أميل إلى استعمال كلمة "مشروع روائي"، لأن الكتابة عندي هي مغامرة وتجريب. ومن الصعب في هذا المضمار أن نتحدث عن مشروع محدد الملامح والأهداف. ربما مع طول الممارسة تأخذ بعض المُكوّنات الروائية في التبلور والطفُوّ، لتميّز عالمي الروائي. وقد أشرتم إلى بروز اهتمامي بثالوث الذاكرة والموت والمرأة، وهي عناصر تشغلني إلى جانب أخرى دلالية وشكلية. فأنا أسعى إلى كتابة الذاكرة المختلفة عن محاكاة الواقع واستنساخه. وأعتبر التعدد اللغوي وتعدد الأصوات عنصرا مهما في بناء عالم روائي متميز وصوغ رؤية خاصة إلى العالم. لكن، في الآن نفسه، أحاول أن أتعامل مع جميع التيمات والموضوعات على قدم المساواة، لأن الحياة لا تستقيم إذا قصَرْناهَا على مجالات دون أخرى. بعبارة ثانية، العواطف والسلوكات والأفكار تتجاور وتتقاطع وتتبادل التأثير، ولا يمكن أن نعزل السياسة عن الحب والجنس، عن الوفاء والخيانة، عن الشر والخير، ولا التاريخ عن تجلياته المختلفة وطرائق فهمه وتأثيره في الوعي والمصائر...يضاف إلى كل ذلك، عنصر التخييل الذي يوسع رحابة العالم، ويسمح بفهْم ما يجعله الواقع مُسطّحا وفاقِدَ المعنى.
س : لوقمنا بجرد لحصيلة الإصدارات الإبداعية الأدبية المغربية فسنلاحظ تصاعدا متميزا في أرقام المنجزالروائي ، هل فعلا نعيش زمن الرواية وأن الرواية أضحت ديوان العرب أم أن هناك تطاولا على هذا الجنس أعني إما هناك روايات بلا روائيين أوهناك روائيين بلا روايات ؟
ج: هناك بالفعل تزايد في الإصدارات الروائية بالمغرب، قياسا إلى ما كان عليه في ستينات القرن الماضي؛ وهي ظاهرة يمكن أن نربطها بإمكانات الشكل الروائي في التعبير عن تعقيدات الحياة المجتمعية، واختلال القيم، والحاجة إلى فهم التحولات المتسارعة في العقديْن الأخيريْن...وجنس الرواية أقدر-كما أوضح منظرو الرواية-على تجسيد "نثرية" الحياة والتقاطِ لغةِ الكلام والتواصل المصاحبة لفترات التغيُّر. إذن تصدُّر الرواية لبقية أجناس التعبير لا تعني أفضليتها على الشعر أو القصة أو المسرح. وفي الآن نفسه، لا يعني هذا الاهتمام أن الذين سيخوضون غمار الرواية سيحققون مستوى جيدا في جمالية النص ودلالته. نحن في أول الطريق، والرواية "صعبٌ سُلّمها"، ومن الطبيعي أن يفوق الغث السمين. وأظن أن من أسباب ذلك، كوْن الكتاب الشباب يتعجّلون النشر ولا يعملون على استكمال الأدوات والشروط التي تجعل رواياتهم قادرة على جذب اهتمام قراء محتملين غير مستعدين لتبديد وقتهم في قراءة لغو الكلام أو قراءة روايات لا تبرر سبب وجودها بمقاييس فنية مقنعة...
س : دخلت الرواية العربية مع ظهورالرقمية في تجربة جديدة ما اصطلح عليه البعض بالرواية الرقمية نذكرعلى سبيل المثال تجربة الأردني محمد سناجلة الذي أصدرثلاث روايات هي "شات" و"ظلال الواحد" و"صقيع" بداية هل لديكم فكرة عن هذا الإبداع الأدبي الرقمي العربي (قصة رقمية) (قصيدة رقمية) وثانيا أليس من السابق لأوانه أن نتحدث عن تأسيس لنظرية نقدية رقمية ؟
ج:أتابع من بعيد وبخبرةٍ جد محدودة، ما يجِدّ في مجال الرقمية والنشر الإلكتروني. وهي مسألة مهمة وستأخذ وقتا قبل أن تفرض نفسها على عاداتنا وسلوكنا الثقافي (أقصد جيلي). لكن، أظن أن تغيّر وسائل التعبير لن يمحوَ المقاييس الأساس عند التقييم النقدي والفني. بعبارة ثانية، لا أظن أن غلبة الإبداع الرقمي ستؤدي إلى مَحْو مقاييس الإبداع والجمال التي انزرعتْ في نفوس البشر منذ عصور مغرقة في القِدَم. وكل تحول في حوامل التعبير والإبداع قد يحمل عناصر إضافية في الاقتراب من بلورة معايير جمالية ذات طابع إنساني كوني، إلا أن هذا المجال لا يعرف إلغاء اللاحق للسابق، كما الحال في العلوم.
س : بين النشرالورقي والإلكتروني ما يشبه الحرب الباردة ومن دون شك أن بوادرالحسم فيها سيكون للنشرالإلكتروني إذ أن كل الجرائد المغربية أطلقت نسخها الألكترونية هذا فضلاعن تصاعد ملحوظ للكتاب الإلكتروني باعتباركم من جيل الكتاب الرواد ماهوشعوركم في لحظة إفتقاد لحميمية وملمس الورق واستبدال كتاب الجيب بكتاب الإيباد الإلكتروني ؟
ج: فعلا، هذه مسألة تهدد عاداتنا القرائية والتواصلية، إلا أنها نتيجة طبيعية لتطورات التّقانَة وعولمة كل مجالات العيش والاتصال...بالنسبة لي، أحاول أن أستعمل الكتاب والإلكتروني حسب حاجتي إلى القراءة ونوعيتها، فألجأ إلى المنشورات الإلكترونية عندما يتعلق الأمر بمقالات إخبارية وصحفية أو معلومات عامة. أما نصوص الإبداع والفكر الفلسفي فأفضل الاعتماد على الكتب التي تتيح التمهل والتمحيص وكتابة التعليقات والتساؤلات...ولا أظن أن الكتاب الورقي المطبوع سيتلاشى من فضاء الثقافة، لأن سحره وخصوصيته يمنحانه حق الاستمرار.
س : عشتم العديد من المحطات السياسية التاريخية المغربية والعربية من أواخرالخمسينات إلى الثورات الراهنة (حروب ، إنقلابات ، إنهيارالمعسكرالشرقي ، الحادي عشرمن أيلول ، الثورات العربية .. إلخ) كيف تنظرون كأكاديمي وروائي عربي ومثقف إلي مايجري من الماء إلى الماء وهل الرواية العربية قادرة على إستيعاب كل هذا الزخم وقادرة على تسويركل هذا الدم والدخان ؟
ج: هذا سؤال شاسع الأطراف لا يتسع المجال هنا لاستيعابه؛ لكنني أرى أن حق التعبير الأدبي والفني أضحى قائما وحاضرا لدى المبدعين العرب الذين استطاعوا، على رغم القمع وأنظمة الاستبداد، أن يجعلوا منه وسيلة للتنفيس والفضح والمقاومة. ولم تنجح الرقابات بأنواعها أن تكتم أنفاس الإبداع العربي المعاصر الذي استطاع أن يصبح المرآة الصادقة لما يجري في أعماق المجتمع وفي مسالك النفوس...لذلك ستظل الرواية، إلى جانب أشكال تعبيرية أخرى، وسيلة للمعرفة والمتعة واستيحاء الواقع المتحول وما يكتنفه من تدهور وتمزق. لكن المستقبل العربي الغامض، المجهول، الهش، هو في الآن نفسه ينطوي على جدلية تحمل بذور التغيير وفق منطق العصر وحاجيات مجتمعاتنا الشابّة. ومثلما أن التاريخ مصنوع من المآسي والمهازل والخيبات والنجاحات، فإن الرواية هي بامتياز الشكل الجامع لكل التناقضات والصراعات والعواطف والمفارقات..
س : أخيرا نود أن نستمزج رأيكم في ظاهرة الجوائزالعربية وما يثارحولها من أسئلة شائكة ، عن رمزيتها ، قيمتها المالية ، لجان القراءة والجهات الراعية لها وأحيانا خلفياتها السياسية
ج: أجد أن مسألة الجوائز الأدبية والفكرية التي برزت في الحقل الثقافي العربي منذ عقود، هي ظاهرة إيجابية، خاصة تلك التي تصدر عن مؤسسات وأشخاص لا يمثلون نظاما سياسيا، ويتوخون إسناد الإبداع في سياق عربي مضادّ لحرية الخلق والتعبير. ولا شك أن المبدعين الجيدين هم في حاجة إلى جوائز تتيح لهم الاستمرار في الإنتاج. وعلى خلاف ما يوجد في الحقول الثقافية الأوروبية، فإن الحقل الأدبي عندنا لا يتمتع باستقلالية مادية (مبيعات الكتب وحقوق المؤلف...) تتيح للمبدعين أن يعيشوا من قلمهم. وهو أمر غريب داخل فضاء عربي يضم أكثر من 300 مليون نسمة! أما مسألة تنظيم هذه الجوائز فهي تحتاج إلى مراجعة، لأن تغيير اللجان في كل دورة لا يضمن العثور على مُحكّمين لهم الشروط المطلوبة. والأفضل أن نسلك الطريق المتبع في بعض الجوائز الأدبية العالمية التي تعتمد على لجنة تحكيم قارّة، مكونة من أعضاء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، ويكون من حق الجمهور أن يتدخل بملاحظاته وتقييماته بعد إعلان النتائج. ويتم تعويض الأعضاء الذين تقدم بهم السن أو التحقوا بالرفيق الأعلى. لكن الأهم، هو أن تحدد الجهات الراعية للجوائز أهدافها واشتراطاتها ليكون المرشحون على بيّنة من اختياراتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.