بقلم // د. عادل بنحمزة دخل المغرب يوم 7 أكتوبر 2016، لحظة مهمة في مسار الإصلاح السياسي والديمقراطي. كانت للبلاد رهانات كثيرة، وكانت لدى كثيرين تخوفات من أن تنزلق إلى المجهول. لم تنزلق البلاد، لكنها في ذات الوقت لم تقم بتلك الخطوة الكبيرة التي كانت ممكنة، بل لم تثبت حتى في موقعها الذي كان ثمرة مجهود جماعي على مدى عقود، وكان المتاح بسقف أكثر انخفاضا من المنتظر. صحيح أن الحديث عن انتخابات تعددية ومنافسة كبيرة بين الأحزاب السياسية و أطراف أخرى في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، هو أشبه بمن يبحث عن قط أسود، أبكم في غرفة مظلمة.. حيث إنه أمام عدم الاستقرار الذي تعرفه العديد من بلدان المنطقة التي تعيش حروبا مدمرة، أو في ظل سيادة أنظمة شمولية لا زالت لم تكتشف شعوبها صناديق الاقتراع.. بالنتيجة يصبح تنظيم انتخابات في إطار تعددية حزبية وسياسية بدون حوادث مؤلمة، والقبول الضمني بالنتائج من طرف جميع الأطراف، رغم كل الملاحظات التي سبقت ورافقت الانتخابات، هو في حد ذاته يعتبر نجاحا، لكنه نجاح يعبر في الوقت ذاته عن انخفاض مخيف في سقف مطالب الإصلاح، ونوعا من الفرملة للنسق المتصاعد للإصلاح و للأجواء التي عاشها المغرب منذ خطاب 9 مارس 2011. كانت هناك رهانات متناقضة سبقت محطة السابع من أكتوبر، في المستوى الأول كان هناك تيار داخل الدولة يعتبر أن القوس الذي تم فتحه بعد 20 فبراير 2011 يجب غلقه بأقصى سرعة، وأن البلاد لا خوف عليها من أي تراجع في منسوب الديمقراطية، وأن محاصرة تيار الإسلام السياسي، أضحت مسألة وجودية، وأن هذا الأمر ليس بمقدور الأحزاب التقليدية القيام به، مما يستوجب تدخلا أكبر في الحياة السياسية وتوجيه الانتخابات بما يخدم هذا الهدف.. أصحاب هذه القناعات والأفكار وضعت أمامهم كل الإمكانيات والوسائل لتحقيق ذلك الهدف، فتم التصرف فيها برعونة شديدة لم تساهم سوى في إفراز نتائج عكسية، بدأت مع الانتخابات الجماعية ل 4 شتنبر 2015 و تأكدت في الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016، وتستمر فصولها حتى بعد ظهور النتائج. المستوى الثاني يمثله تيار سياسي وطني ديمقراطي ذو حساسيات يسارية و محافظة وليبرالية، يعتبر هذا التيار غير الموحد وغير المنسجم، أن البلاد بحاجة إلى تعزيز الديمقراطية وتحصين دولة المؤسسات، والانتصار المستمر لقضايا ومطالب المواطين وأن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق سوى بالتقيد التام بالقواعد الديمقراطية، وفي صدارتها نزاهة العمليات الانتخابية، والتي شكلت على الدوام، نقطة سوداء في تاريخ المغرب، حيث لم تخل أية انتخابات منذ تشريعيات 1963 من طعون قانونية وسياسية، وهو ما أثر على الدوام على صورة المؤسسات وعلى مشروعيتها. المغرب اليوم يوجد أمام حقيقة مفادها أن مشروع الحزب الأغلبي لم يستطع أن يعكس كل تلك الرهانات التي كانت عليه، بل أكثر من ذلك، فالنتائج أسفرت عن فوز انتخابي وسياسي واضح لحزب العدالة والتنمية.. هنا تظهر المفارقة المتمثلة في كون ذات الانتخابات تعتبر محطة "ديمقراطية" عند البعض، وعند الآخرين ما هي إلا محطة جديدة من محطات الإخفاق في تعزيز الممارسة الديمقراطية، وسط مقاطعة واسعة فاقت كل التوقعات، حيث يوجد حوالي أكثر من ثلثي الكتلة الناخبة خارج هذا المسلسل برهاناته المختلفة. ما كسبه المغرب هو أنه لا زال يؤمن بفضيلة الاستقرار والتي أضحت اليوم عملة نادرة في المنطقة، كما كسب أيضا تكريس اختيار رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات وعلى أساس نتائجها، حيث اختار الملك التقيد الحرفي بالفصل 47 من الدستور، علما أن هذا الموضوع لم يخل من تشويش فضل الملك حسمه يومين فقط بعد إجراء الانتخابات، لكن مع ذلك فالتشويش لازال مستمرا إلى اليوم. بعد كل هذا المسار الطويل الذي عرفه المغرب، يمكن القول بأنه لا زال هناك لدى بعض الأفراد وعي بأهمية الاختيار الديمقراطي الذي أصبح ثابتا من الثوابت الدستورية، بينما فئات أخرى مفارقة للواقع، لا زالت لم تستوعب حجم التحولات البنيوية التي تعرفها بلادنا..والخوف هو أن تبقى كذلك مدة طويلة… د. عادل بنحمزة للتواصل مع الكاتب: