عرفت المؤشرات الاقتصادية تحسنا كبيرا خلال الأشهر القليلة الماضية، رغم جملة الكوابح التي حاولت الحد من هذا التحسن، إلا أن أسباباً أخرى دفعت بمؤشره نحو الصعود ، ليؤكد أن الوضعية الاقتصادية العامة في البلاد ليست بذلك السوء الذي تحرص بعض الجهات على تثبيته وإلصاقه بالوضعية العامة. الوزير الأول عباس الفاسي استعرض أمام الصحفيين في لقائه الأخير به رزمة من هذه المؤشرات وجسدها بالأرقام والنسب والإحصائيات، فرغم الارتفاع المهول لأسعار المحروقات في الأسواق العالمية والتي تضاعفت مرتين خلال أقل من ستة أشهر ورغم محدودية محاصيل الموسم الفلاحي التي كانت في حدود المتوسط، ورغم الارتفاع الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية في الأسواق العالمية لأسباب لا يملك أي قطر من الأقطار التحكم فيها، مع كل ذلك تحسنت المؤشرات الاقتصادية في البلاد، فقد أكد الوزير الأول أن نسبة البطالة انخفضت إلى 2،9% ويتوقع أن تنزل عن 9% في الأشهر القليلة القادمة، ووضح أن معدل الفقر نزل إلى 9% ، وطبعا تبقى الحرية متاحة أمام الذين يصرون على تسويد الوضع. وعوض أن يسجلوا هذا الانخفاض الهام في هذه النسب فإنهم يصرون على إبراز استمرار ارتفاع هذه المعدلات، وبذلك يعتقدون أنهم ينجحون في حجب التطور والتحسن. إن الوزير الأول عباس الفاسي ذكر بأن معدل النمو وصل خلال النصف الأول من هذه السنة الى 8،6% وتلاه بيومين تصريح للمندوب السامي للتخطيط يوضح أن المعطيات الأخيرة توضيح أن معدل النمو وصل لحد الآن إلى 7% ، وهو مؤشر على أن معدل النمو يزداد ارتفاعا. وللتذكير فإن معدل النمو لم يتجاوز خلال السنة الفارطة نسبة 3% . ويحق للرأي العام الوطني أن ينتبه إلى أن تحسن المؤشرات الاقتصادية تخلص من المعطيات المرتبطة بالقطاعات الاقتصادية التقليدية خصوصا الفلاحة، ومهم جدا أن تتحسن هذه المؤشرات رغم تراجع الإنتاج الفلاحي، وطبعا نقول هذا الكلام ليس شماتة في القطاع الفلاحي الاستراتيجي ، بل للتأكيد على أن الاقتصاد المغربي أصبح متنوعا ومنفتحا على بدائل اقتصادية مهمة. ومن الغبن أيضا حصر أسباب هذا التحسن في الأداء الحكومي، بل إن هذا الأخير عامل من العوامل، أولا هناك مبادرات ملكية مهمة من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي بدأت تؤتي أكلها، ثم هناك الأعمال المهمة التي قامت بها حكومة إدريس جطو، وبدأنا نقطب ثمارها، وهناك روح المواطنة التي زادت تكريسا في أوساط اقتصادية كثيرة خصوصا لدى الخواص. لكن ثمة مفارقة يجب أن نتوقف عندها، ذلك أنه بقدر ما تزداد المؤشرات الاقتصادية تحسنا وتؤكد أن البلاد تسير فوق السكة السالكة، بقدر ما تزداد في المقابل أجواء الاحتقان بمبررات مرتبطة بالاقتصاد، والمثير حقا أن يكون تحسن المؤشرات الاقتصادية والسياسية أكثر إشادة من أوساط خارجية. والتفسير المنطقي لهذه المفارقة هي أن هناك من يصر على فرض حرب نفسية في البلاد تصل في أحايين كثيرة حد التشكيك في المؤسسات. ومع كل ذلك، ورغم أن عمر هذه الحرب قد طال فإن المؤشرات الاقتصادية تتحسن، بما يؤكد أنه لا جدوى ولا أهمية لجميع معاول الهدم.