اتفاق بين الحكومة والنقابات… زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000        الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    استطلاع: انخفاض عدد الأمريكيين الداعمين لبايدن والغالبية تميل نحو ترامب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية        يوم دراسي حول مكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    التنسيق النقابي لقطاع الصحة…يقرر مواصلته للبرنامج النضالي    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل الاحتجاج    التقنيون يتوعدون أخنوش بإضرابات جديدة        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    تزگل باعجوبة. مقرب من العائلة ل"كود": زكريا ولد الناصري ما عندو رالو وها كيفاش وقعات لكسيدة    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الجرف الصامد" الحرب الإسرائيلية الجديدة على غزة‪: مغامرة متجددة لعكس مسار الصراع.. بقلم // عمر نجيب
نشر في العلم يوم 14 - 07 - 2014

منذ إنطلاق عملية "الجرف الصامد" وهي التسمية التي أطلقتها إسرائيل على هجومها الواسع النطاق الذي بدأ على قطاع غزة يوم الثلاثاء 8 يوليو 2014 وما أعقبه من رد المقاومة، والمراقبون والمتتبعون للأحداث يطرحون احتمالات عديدة للتطورات المقبلة أهمها ثلاثة وهي: وقف العدوان الإسرائيلي المرتكز على العمليات الجوية قبل نهاية الشهر بعد التوصل إلى تفاهمات جديدة مشابهة لما تم التوصل إليه في مواجهات سابقة مع حركتي حماس والجهاد، قيام الجيش الإسرائيلي بعمليات برية محدودة داخل القطاع قبل التوصل إلى اتفاق لوقف القتال، عملية عسكرية إسرائيلية برية واسعة النطاق بهدف احتلال كل قطاع غزة أو تقطيعه إلى أجزاء، ثم فرض وقف النار بشروط مواتية للكيان الصهيوني.
العملية العسكرية الإسرائيلية وبغض النظر عن الكيفية التي ستنتهي بها، أفرزت أو أثبتت عدة معطيات: 1- الكيان الصهيوني وخاصة بفضل الدعم الأمريكي المطلق قادر على مواصلة إرتكاب جرائم حرب وشن عمليات إبادة ضد المدنيين الفلسطينيين دون الإكتراث بالضغط الدولي أو خشية التعرض للمحاسبة على الأقل في المستقبل القريب. 2- رغم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالفلسطينيين في غزة بفضل أحدث الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي والتي جاء غالبيتها من الترسانة الأمريكية، تبين تقلص قدرة الردع الصهيونية. 3- المقاومة الفلسطينية استطاعت تعزيز قدراتها العسكرية وإيصال صواريخها إلى أهداف كانت في الماضي عصية عليها وهو ما أثار انتقادات داخل الكيان الصهيوني حول عجز أجهزة استخباراته. 4- للهجوم الإسرائيلي الواسع أهداف أوسع من الحد من قدرات المقاومة على توجيه ضربات، وأهمها نسف المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس. 5- الحملة العسكرية الصهيونية احيطت بمسلسل أكاذيب ضخم لن تتضح أبعاده إلا بعد حين.
"عندما تدوي المدافع تصمت الأقلام"
جاء في تقرير نشر في لندن: "وسائل الإعلام القريبة من المؤسسة الحاكمة تنقل لقرائها ومستمعيها ما يبدو كذبا مقصودا من جانب الناطق بإسم الجيش". بهذه الكلمات أجمل الصحافي الإسرائيلي يوفال درور تغطية وسائل الإعلام العبرية، المرئية والمطبوعة والمسموعة، للحرب على قطاع غزة، مؤكدا بذلك حقيقة أن وسائل الإعلام تتصرف الآن تماما كما تصرفت في كل الحروب السابقة، خصوصا في أيامها الأولى، عملا بالمقولة إياها: "عندما تدوي المدافع تصمت الأقلام"، إذ تبنت في عناوينها الرئيسة روايات الجيش وبلاغاته من دون التمحيص والتدقيق في صحتها، فيما أطلق معلقوها السياسيون والعسكريون العنان لأقلامهم لإعلان دعمهم الحكومة والجيش في كل ما يقررانه، ولم يتردد بعضهم في إسداء النصيحة للجيش عما ينبغي عليه أن يفعل.
ويرى درور أن أكاذيب الجيش تنفضح خلال دقائق من نشر بياناته حين تنشر الحقائق والأخبار الموثوقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل "واتس أب" و"فايسبوك".
وفي مراجعة سريعة لعناوين الصحف العبرية في الأيام الماضية، وباستثناء صحيفة "هآرتس" التي تغرد في العادة خارج سرب الإجماع الصهيوني، فإن قتل الأطفال والمدنيين في قطاع غزة من القصف الإسرائيلي المتواصل، يغيب عن صفحاتها الأولى التي تحفل ب "نجاح منظومة القبة الحديد"، و"معاناة سكان الجنوب"، و"الصدمات النفسية لأطفال الجنوب"، وغيرها من العناوين التي يراد منها استدرار عاطفة الإسرائيليين المتماهين بسوادهم الأعظم، كما أحزابهم، سواء في الائتلاف والمعارضة، مع الحرب.
ويبرز تنافس المعلقين في قنوات التلفزة والإذاعة معلقو الشؤون العسكرية أو الشؤون العربية، إذ لا يتردد روني دانئيل "القناة الثانية" في أن ينتقد الجيش على التأخر في شن العملية البرية، أو يسدي النصيحة بعنجهية إلى قائد الجيش بالمطلوب فعله. أما مراسلة الإذاعة العامة فتتحدث بانفعال شديد عن "إمطار غزة بألفي طن من المتفجرات"، ليرد عليها مقدم البرنامج بأن "هذه الأرقام رائعة فعلا". أما معلقو "الشؤون العربية"، وهم عادة خريجو "القسم العربي" في شعبة الاستخبارات العسكرية، فيعرفون ما يدور في أذهان قادة "حماس"، ويظهرون للمشاهد أو المستمع اليهودي أنهم فلاسفة عصرهم في فهم الذهنية العربية.
ويضيف درور أنه على مدار سنوات، سخرت المؤسسة الإسرائيلية من "الخيال العربي الخصب وتصريحات القادة العرب التي لا أساس لها من الصحة، في موازاة صدقية الناطقين الرسميين الإسرائيليين... لكننا اليوم بتنا نتلقى بخنوع تام ما يقوله ضابط يرتدي البزة العسكرية". ويتابع أنه عندما يتم تفنيد أقواله عبر شبكات التواصل الاجتماعي حيث تنشر الحقيقة، تأتي "جهات عسكرية" وتنكر ما جاء في الشبكة، "لكن إذا كانت هذه الجهات واثقة من تفنيدها، فلماذا لا تكشف عن هويتها، فيكون تفنيدها موثوقا أكثر، أو لماذا لا ينفي هذه الأخبار الناطقون الرسميون أنفسهم؟".
ويستبعد الكاتب أن يتم الآن التحقيق الجدي في هذه العلاقة بين وسائل الإعلام والناطق الرسمي باسم الجيش وجهاز الرقابة العسكرية على الإعلام، "ليقول لنا أيا منها ذا صدقية". ويضيف أن المشكلة أن أحدا لن يفعل ذلك الآن، لكن حتما سيتم التحقيق في ذلك بعد أن تهدأ المدافع، كالعادة.
ويقدم أورن بريسكو، الذي يرصد وسائل الإعلام عبر موقع "العين السابعة"، أمثلة على تجند الإعلام إلى جانب الحكومة، فيقتبس ما كتبه كبير معلقي "يديعوت أحرونوت"، أحد أكثر المعلقين تأثيرا على الرأي العام ناحوم برنياع: "الشارع، على الأصح أجزاء منه، يريد صورة انتصار واضحة، يفضلها مهينة، يريد ضربة قاضية "نوك آوت" سبعة لصفر، أو على الأقل سبعة لواحد"، مستوحيا النتيجة من فوز ألمانيا على البرازيل. وهذا ما ينقله رسام الكاريكاتير في "هآرتس"، فيرسم رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو يقول لوزير الدفاع موشيه يعالون: «أريد نتيجة سبعة لواحد"، وفي الخلفية تبادل النار بين إسرائيل وقطاع غزة.
ويعلق فريسكو على بارنياع والكاريكاتير بالقول إن ألمانيا والبرازيل قوتان عظميان في كرة القدم، فيما الفلسطينيون لم يكونوا ذات يوم عظماء في هذه اللعبة، مثل البرازيل، و"عليه، فإن هزمهم بالنتيجة سبعة لواحد، ليس مفاجأة كما حصل للبرازيل". ويضيف: "المعركة الدائرة الآن بين إسرائيل وحماس هي أحادية الجانب، سواء من ناحية القوة العسكرية أو الضرر للبنى التحتية وعدد القتلى ... دولة عظمى إقليميا تواجه منظمة فقيرة الموارد نسبيا، الجيش ضرب مئات الأهداف في غزة، وحماس بالكاد أصابت هدفا عسكريا واحدا. عدد كبير من القتلى الفلسطينيين معظمهم مدنيون، لا قتيل واحدا في إسرائيل".
ويضيف أن وسائل الإعلام تقدم صورة معاكسة للواقع، "والمتتبع لها يخرج بانطباع أن إسرائيل وسكانها هم الذين يتعرضون إلى هجوم أحادي الجانب لا يتوقف، وكأن قطاع غزة هو معقل العدوانية الذي لم يتلق أي هدف". ويشير إلى أن الصحف الكبرى الأربع، باستثناء "هآرتس"، لا تشير إلى عدد القتلى الفلسطينيين في صفحاتها الأولى بل إلى "الضحايا الإسرائيليين"، وفي غياب قتلى تتوقف عند الجرحى والأضرار في الممتلكات أو صور شظايا قذيفة "قسام" متناثرة في مدينة إسرائيلية".
ويخلص الكاتب إلى الاستنتاج أن وسائل الإعلام العبرية تقوم بعملية رقابة ذاتية، فالقراء لا يعنيهم الضحايا الفلسطينيين، ووسائل الإعلام ليست معنية بالنشر عن ذلك، "فتكون النتيجة صورة مشوهة لحقيقة الأحداث تبرر وتشجع مواصلة العملية العسكرية الفتاكة للجيش الإسرائيلي".
أحد الأكاذيب الأخرى التي لم يتناولها الصحفي الإسرائيلي هي تلك المتعلقة بقدرة جهاز الدفاع الإسرائيلي المضاد للصواريخ الذي يسمى القبة الحديدية، على اعتراض صواريخ المقاومة، ففي كل يوم تتضارب الأخبار الرسمية أو شبه الرسمية الصهيونية ففي حين يذكر أنه تم تدمير 90 في المئة من الصواريخ التي تستهدف أهدافا إسرائيلية، تنخفض النسبة في تقارير أخرى إلى 10 في المئة.
الاجتياح البري
في الوقت الذي تستبعد فيه قيادات سياسية وعسكرية سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية قيام الجيش الإسرائيلية بعملية برية واسعة النطاق ضد غزة، تروج في تل أبيب أخبار عن النقاشات الدائرة حول العمليات العسكرة المقبلة.
جاء في تقرير من القدس المحتلة يوم السبت 12 يوليو: النقاش المتصاعد في أروقة الحكم في إسرائيل، بعد التلخيصات الأولية للعملية الحربية "الجرف الصامد"، تركز على الاجتياح البري للقطاع وإذا ما سيكون سلاح الجو قادرا أم عاجزا عن القضاء على قواعد الصواريخ وحده من دون مساعدة برية، واحتدم هذا النقاش مع تكثيف إطلاق الصواريخ على تل أبيب ووصولها إلى مشارف حيفا وعلى مقربة من المفاعل النووي في ديمونة.
وترافق النقاش مع التحذير من مفاجآت يمكن أن تواجه الجيش الإسرائيلي عند إعادة احتلال القطاع، بخاصة بعد كشف الأنفاق الضخمة التي تقيمها "حماس"، واحتمال نصب الكمائن للجيش والتخطيط لعمليات نوعية. الوزراء في المجلس الوزاري المصغر وأعضاء لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، من اليمين الإسرائيلي، دفعوا باتجاه عملية برية لتصفية "حماس" أو إضعافها. لكن القيادة والاستخبارات العامة لم تحسم القرار لأنها ترى في سلطة "حماس" مصلحة عليا لإسرائيل كونها تكرس الصراعات الداخلية بين الفلسطينيين وتبقي للجيش الإسرائيلي حرية شن حرب على القطاع متى يشاء.
وتغلغل هذا الخلاف إلى وزارة الخارجية، إذ أن الخبراء والسلك الدبلوماسي يرون أن الاجتياح البري سيكلف ثمنا باهظا للدبلوماسية الإسرائيلية، فكلما زاد عدد القتلى المدنيين في القطاع، يقل التأييد الدولي لإسرائيل وتزداد احتمالات تشكيل لجنة تحقيق دولية على نمط لجنة غولدستون. بينما يرى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، أن تصفية "حماس" ستعزز علاقات إسرائيل مع الدول العربية التي تكافح الإرهاب وهذا بدوره يساعد على إبقاء وتعزيز التأييد الدولي لإسرائيل. وقد أمر ليبرمان السلك الدبلوماسي بالانطلاق في حملة شرح وإقناع في دول العالم بضرورة تصفية "حماس". وبدأ هذه الحملة بنفسه، من خلال إجراء سلسلة اتصالات هاتفية مع مختلف القادة في دول العالم.
ويرى ليبرمان وغيره من زعماء اليمين السياسي المتطرف، أن عدم وقوع خسائر بشرية بين الإسرائيليين، حتى الآن، يساعد على مواصلة التصعيد. فالجمهور الإسرائيلي يؤيد بغالبيته العمليات الحالية، على الرغم من أن القصف الصاروخي من غزة بات يصل إلى قيساريا، التي تبعد 25 كيلومترا عن حيفا، ومفاعل ديمونة النووي في النقب. وهم يريدون تصفية حماس ومخزونها الصاروخي قبل أن يتفاقم أكثر ويهدد مواقع استراتيجية تتسبب في كارثة، مثل قصف المفاعل النووي أو مصانع تكرير البترول والكيماويات أو مجمع تجاري يسقط فيه ضحايا كثر.
ومع أن الجيش يميل إلى موقف الاستخبارات، ويرى أن الوضع يستدعي بداية القيام بعمليات قصف تتصاعد بالتدريج بلا عملية اجتياح تكلفه ثمنا باهظا من الجنود، إلا أنه يؤيد استخدام العملية البرية كتهديد فعلي، أي بالترافق مع خطوات عملية. ولذلك استدعى 40 ألف جندي من قوات الاحتياط وأرسل أرتالا من الدبابات التابعة لثلاثة ألوية إلى حدود غزة. ولكنه يعتمد على عمليات الضغط الجوي والاغتيالات. ويقول إنه طالما لا توجد خسائر بشرية في البلدات الإسرائيلية فإن مسار عملياته الحالي يجب أن لا يتغير.
ويقف نتنياهو محايدا بين الطرفين، مع الميل لموقف الجيش وهو ما دفعه إلى الإعلان، في أعقاب المطلب المصري بوقف قصف غزة، أن إسرائيل "قررت زيادة الهجمات على حماس والتنظيمات الإرهابية في غزة، وأن الجيش على استعداد لكل الاحتمالات، بما في ذلك الاجتياح البري". وتطرق إلى قلة الخسائر البشرية بشكل غير مباشر قائلاً: "الجبهة الداخلية الصامدة في إسرائيل هي الرد على التنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى المس بنا". وأضاف: "إن العملية ستتواصل حتى يتوقف إطلاق النار على بلداتنا ويعود الهدوء".
مواصلة العملية، في هذه المرحلة تكمن في تنفيذ سلاح الجو ضرباته، وفي حال استنفذ بنك أهدافه وتواصل قصف الصواريخ على إسرائيل، أي عدم تنفيذ أهداف العملية، ولم تنجح جهود الوساطة بتحقيق التهدئة فلن يكون أمام إسرائيل إلا تنفيذ عملية برية. وبحسب التوقعات الإسرائيلية فإن استكمال بنك أهداف سلاح الجو يستغرق أسبوعا. وفي التوقعات الإسرائيلية فإنه لدى صدور قرار بالاجتياح البري لن يتم السعي إلى احتلال القطاع وتحطيم "حماس"، وإنما الاكتفاء بأهداف أقل تواضعا وقابلة للتحقيق كتقليص القصف الصاروخي أو إصابة منظومات استراتيجية لحماس، يصعب معالجتها بالقصف الجوي.
وقبل الوصول إلى استنفاد بنك أهداف سلاح الجو، تعمل أجهزة الاستخبارات والشاباك للحصول على المزيد من المعلومات حول حماس وصواريخها لتوفير أهداف جديدة لسلاح الجو، على أمل أن تكون الهجمات الجوية كافية لإخماد النيران فلا يتحتم إرسال القوات البرية بشكل مكثف، وإنما بشكل موضعي لتحقيق أهداف معينة فقط.
وفي التقديرات الإسرائيلية فإن حماس تملك من الصواريخ ما يبقيها قادرة على إطلاقها لمدة أسبوعين. وفي أية عملية برية سيواجه الجيش مفاجآت تستخدمها ورقة ضغط، كالطائرات من دون طيار التي يمكنها الانفجار في قواعد عسكرية، أو صواريخ من طراز جديد، أو عملية كوماندوس مثيرة، أو إصابة مفاعل ديمونة أو أي منشأة استراتيجية أخرى.
على رغم كل ما حاولت إسرائيل إظهاره وكأنه "بطولات"، خلال ترويج الجيش لصور اعتراض خلية فلسطينية وتصفية جميع أفرادها الخمسة، الذين تسللوا عبر البحر باتجاه قاعدة لسلاح البحرية، شمال غزة، إلا أن عسكريين وأمنيين وصفوها بالعملية الجريئة، ومثل هذه الجرأة أثارت نقاشا لجهة ما قد يعترض مخططات الاجتياح البري لدى دخول الجيش إلى قلب غزة. وفي نقاش المعارضين للحملة ما اعتبره إسرائيليون دروس حزب الله في غزة، أي أن "حماس" تعلم كيف استطاع حزب الله أن يحافظ على ترسانته الصاروخية ويطورها ما بين عام ألفين وحرب يوليو 2006.
غزة "الفخ"
غزة، بحسب الإسرائيليين، مبنية كفخ، وفي حال انطلاق إسرائيل إلى عملية برية فإنها ستكون الحرب الحقيقية، فوق وتحت الأرض، فتحت المدينة هناك مدينة من الأنفاق، التي يمكن لحماس أن تستخدمها لاختطاف جنود.
وعلى رغم أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم تعرض صورة حقيقية لوضع القدرات العسكرية لحماس، خلال الاجتماعات التي عقدت مع المجلس الوزاري المصغر إلا أن مسئولي الشاباك وأجهزة الاستخبارات، خرجوا في اليوم الثالث من العملية بتقارير تستعرض معطيات عن حيازة حماس للصواريخ، في محاولة لإظهار أن إسرائيل، وقبل دخولها في عملية اجتياح لديها بنك أهداف وخريطة لمخازن هذه الأسلحة وقدراتها، وهو أمر جاء مناقضا لما طرحه عسكريون وأمنيون. فقد خرج ضابط رفيع في سلاح الجو الإسرائيلي بتصريحات لوسائل إعلامية إسرائيلية يقول من دون ألغاز ولا تلعثم أنه لو كان سلاح الجو يعرف أين تتواجد الصواريخ طويلة المدى لقام بقصفها. وبأن سلاح الجو "لا يعرف كل شيء، ولا يمكنه مهاجمة كل شيء". ووفق الضابط فقد تمكن الجيش خلال عملية عمود السحاب السابقة وبفضل المعلومات الاستخبارية الدقيقة، من تدمير غالبية الصواريخ طويلة المدى في قطاع غزة، ولكن، يضيف: "إن الحديث كان في حينه عن عدد قليل من الصواريخ، أما الآن، فهناك مئات الصواريخ التي تصل إلى أبعد من 40 كليومترا". ومن دون أن يوجه إليه أي سؤال قال هذا الضابط: "لم ألمح إلى عدم وجود استخبارات لنا، وإنما إلى محدودية فعالية حتى أفضل الاستخبارات التي نملكها". وقال إن سلاح الجو يهاجم الأهداف بشكل واسع بحسب ما يملكه من معلومات توفرها قيادة الجنوب وشعبة الاستخبارات العسكرية والشاباك".
وبحسب أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فان "حماس" تملك مئات الصواريخ التي يصل مداها إلى 80 كيلومترا. كما يتكهن الجيش بحيازتها صواريخ M302 التي يصل مداها إلى 150 كيلومترا. وفي تقارير الشاباك فقد طورت حماس قوتها العسكرية ومستوى عملياتها، بشكل كبير منذ عمود السحاب. وعملت على إعادة بناء قوتها الصاروخية بخاصة بواسطة أسلحة مصدرها سوريا وإيران. ويدعي جهاز الشاباك أن حماس قامت بتفعيل شبكة لتهريب الأسلحة عبر السودان وليبيا ودول أخرى، تصل إليها الأسلحة ويتم تحويلها إلى القطاع عبر سيناء.
الجنرال في الاحتياط يفتاح رون طال يقول: لن يكون أمامنا أي مفر من الدخول في عملية برية لأن سلاح الجو لن يكون قادرا على حسم المعركة وحده وتحقيق الأهداف بضرب الترسانة الصاروخية لحماس والقضاء على البنى التحتية لها.
وساند رون طال بموقفه هذا جنرال احتياط عوزي ديان الذي رفض فكرة "الهدوء مقابل الهدوء"، ودعا إلى تعريف عملية "الجرف الصامد" بالشكل الدقيق وهو تدمير سلطة حماس الحالية وتفكيك قطاع غزة، كله. ويصف ما تملكه حماس من ترسانة صاروخية ب "القاعدة الإقليمية للصواريخ". ويرى أنه "يتوجب القضاء عليها من خلال تهديد قاعدة حماس وهزم الحركة وتدمير البنى التحتية السلطوية وتصفية قادتها أو جعلهم يهربون من غزة. ولضمان تحقيق الهدف يتوجب تنفيذ عملية برية". وخرج ديان بحملة تحريض على القيادة الإسرائيلية التي أعلنت أنها "لن ندخل إلى غزة"، وقال: "إن تصريحات كهذه تعتبر حمقاء وتساعد العدو، الذي يستخلص من ذلك أن عليه فقط الصمود لعدة أسابيع والخروج منتصرا".
ويعرض عوزي ديان تنفيذ عملية اجتياح بري، بحيث يحول الجيش كل منطقة يسيطر عليها إلى قاعدة لقصف حماس وتوجيه الضربات القاسية لقيادة الحركة ومختلف التنظيمات، التي يصفها ب "الإرهابية"، والبنى التحتية للصواريخ، حتى تدمير السلطة، وان لا تخرج إسرائيل من هناك إلا بشرط تفكيك شبكة الصواريخ في القطاع.
ويقدر المراقبون أنه من المرجح أن ترتفع خسائر الجانبين بشكل كبير إذا اقتحمت القوات الإسرائيلية القطاع المكتظ بأكثر من مليون ونصف المليون نسمة والممتد لمسافة 40 كيلومترا على البحر المتوسط. وسيكون الغزو البري الأول من نوعه منذ الحرب التي استمرت ثلاثة أسابيع مع حماس خلال 2008 و 2009 وأستشهد خلالها 1400 فلسطيني بينما خسر الجانب الإسرائيلي 13 قتيلا.
خيبة الأمل العامة في إسرائيل
كتب عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس" يوم 9 يوليو: برغم أن حماس في نقطة ضعف بل في ازمة استراتيجية، فانها هي التي تحدد صورة الأمور إلى الآن في المواجهة الحالية. وقد أخذت إسرائيل تجر إلى صدام عسكري لم ترده من البداية. وإن عدد الخسائر المرتفع في قطاع غزة وحقيقة أن نحوا من 3 ملايين إسرائيلي جربوا يوم 8 يوليو الجري إلى الملاجئ والغرف الأمنية مع سماع الانذارات، وأن اكثر من 100 قذيفة صاروخية أطلقت على إسرائيل حتى يوم 9 يوليو تملي تصعيدا أخذ يقوى. ولأنه لم تصغ الى الآن خطة خروج منظمة للطرفين ولأنه لم يتضح في هذه المرحلة مبلغ استعداد الوسطاء المصريين لبذل الجهد المطلوب للتوصل اليها، فلا يبدو الآن في الأفق موعد إنهاء متكهن به للصدام.
إنتهزت المواجهة في القطاع عملية الخطف وقتل المخطوفين الإسرائيليين الثلاثة في غوش عصيون، لكنها تتسع دون صلة بها. ولم تكن قيادة حماس في القطاع كما نعلم جزء من سلسلة القيادة التي تولت الخطف الذي نفذته خلية من المنظمة من الخليل في 12 يونيو. لكن فشل العملية عبر عدم قدرة الخلية على عرض مطالب على إسرائيل وكشف الجيش الإسرائيلي عن الجثث، ترك "حماس" بلا انجاز. وأضيف غلى ذلك الشعور بالحصار الذي أخذ يقوى للقطاع وفشل محاولات قيادة حماس لكسره.
بحثت حماس عن انجاز بديل ولهذا بادرت الذراع العسكرية "كما يبدو إن مقدار التنسيق مع القيادة السياسية للمنظمة ليس واضحا تماما"، بادرت إلى تسخين الجبهة بإطلاق قذائف صاروخية أخذ يقوى. وردت إسرائيل..
إن مشكلة إسرائيل هي أنها جرت إلى المواجهة مرغمة. وقد حدث شيء مشابه جدا في الأسبوع الذي سبق عملية عمود السحاب في نوفمبر 2012، فقد أخطأت حماس آنذاك أيضا تقدير مقاصد حكومة نتنياهو "السابقة" وقدرت أنها ستضطر إلى ضبط نفسها في وجه تصعيد متعمد منها. بيد أن إسرائيل كان لها آنذاك ميزة المفاجأة. وفي بداية العملية صفي احمد الجعبري، رئيس الذراع العسكرية لحماس، وأصيب أكثر مخزون القذائف الصاروخية لمدى متوسط. واصبح الوصول إلى وقف إطلاق نار من هنا أسهل.
وفي هذه المرة أصبح قادة المنظمة في مكان عميق في الملاجئ تحت الأرض، ويقدر عدد القذائف الصاروخية التي يبلغ مداها إلى غوش دان ببضع مئات أخفي بعضها على الأقل إخفاء جيدا. ويبدو أن حماس تعلمت أن تكون أكثر حذرا. فقد برز في جولات مواجهة سابقة عدد خلايا الاطلاق التي قتل رجالها بهجمات سلاح الجو في حين كانت تعد القذائف الصاروخية للإطلاق. وفي هذه المرة، وحسب أفلام نشرت في السنتين الإخيرتين، أصبحت بعض قواعد الاطلاق موجودة في ملاجئ تحت الأرض ويحافظ مشغلوا القذائف الصاروخية على مسافة أمن من المكان وقت الإطلاق.
في هذه الظروف، وبازاء خيبة أمل الجمهور التي أخذت تقوى في إسرائيل، يجب على الحكومة أن ترد ردا قويا جدا. وقد تحدث وزراء كبار يوم 8 يوليو عن أن إسرائيل أزالت كل الحواجز، وقالوا إن كل هدف في حماس إصابته مشروعة الآن. ويبدو أن "كل هدف" يشمل اصابة القادة الكبار.
البحث عن إنجازات
ويضيف المحلل الصهيوني: تواصل حماس في الوقت نفسه البحث عن انجازات لها. أحبطت عملية النفق في كيرم شالوم لكن وردت انباء عن انفجار آخر في المنطقة نفسها دون مصابين من الجانب الإسرائيلي هذه المرة أيضا. فأرسلت مع ذلك خلية غواصين إلى ساحل زيكيم بعد أن قتل سلاح الجو الإسرائيلي أربعة من رجال القوة البحرية لحماس بساعات قليلة. وقتل المخربون بعد نزولهم على الشاطئ في صدام مع قوة من جفعاتي. وقد لوحظ أن حماس أعدت سلسلة مفاجآت تكتيكية كهذه ترمي إلى التشويش على العملية الإسرائيلية والى تسجيل انجازات معنوية ما.
يد إسرائيل كانت هي العليا من البداية في الجولة السابقة بسبب العملية الافتتاحية. وليس لنتنياهو في هذه المرة انجاز في يده، وقد يتسع اطلاق الصواريخ على النقب والوسط. ويزيد الضغط على الحكومة والجيش في هذه الظروف لفعل شيء ما، وقد يكون هذا الشيء هو اطلاق الفريقين اللذين نظما من المظليين ومن جفعاتي في عمل هجومي محدود.
أجاز المجلس الوزاري المصغر تجنيد 40 ألف جندي من الاحتياط بطلب من الجيش. ولم يستدع الجيش الإسرائيلي الجميع في هذه المرحلة. ودعي إلى الخدمة جنود من عدة وحدات: ممن يعملون بصفتهم جزء من الغلاف حول الوحدات النظامية، ورجال استخبارات وقيادة الجبهة الداخلية، ومنظومة الدفاع الجوي وكتائب مشاة احتياطية مهمتها أن تحل محل الكتائب النظامية التي تتجه إلى الجنوب. وهم لم يكرروا خطوة تمت في عمود السحاب إلى الآن حينما انتظر آلاف من رجال الاحتياط في مناطق التدريبات في الجنوب وتلقوا قذائف صاروخية واشتكوا من أن الحكومة غير قادرة على أن تقرر هل ترسلهم في عملية أو ترسلهم إلى بيوتهم. وقد كان للتجنيد كما يبدو قيمة ردعية لكن كان للغليان تأثيرات عامة إشكالية. ويبدو أنهم يريدون في الجيش هذه المرة الامتناع عن ذلك. وإن تجنيدا أوسع يشمل ألوية احتياط من اجل عملية برية سيوزن مجددا بسبب اتساع إطلاق الصواريخ في الليل.
يمكن أن تستمر جولة القتال بين إسرائيل والقطاع بضعة أيام أخرى على الأقل بل قد تقوى بصورة ملحوظة. وهنا يوجد دور رئيسي للوساطة المصرية. وتقول مصادر فلسطينية إن قادة كبارا من الاستخبارات المصرية كانوا في إسرائيل في مهمة وساطة في مطلع الأسبوع، وقد أصبحت حماس تعرض مطالبها علنا، وأساسها تخفيف الحصار، والعودة إلى وقف إطلاق النار الذي كان بعد عمود السحاب والإفراج عن السجناء الذين اعتقلوا مجددا بعد أن أفرج عنهم بصفقة شليط.
الأهداف السياسية
إذا كانت هناك توجهات متناقضة داخل الكيان الصهيوني بخصوص ما يجب تحقيقه بعملية "الجرف الصامد"، فإنه تطرح بالنسبة للجانب الفلسطيني ومن جانب بعض المحللين تصورات حول الأهداف التي تسعى حماس لإنجازها بمواصلة المواجهة إلى حين، ومن بينها فرض واقع لتوازن جديد للردع، وتعزيز موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مفاوضاته مع الإدارة الأمريكية حول تسوية وتحسين علاقات حماس العربية وخاصة مع القاهرة.
غير أن هناك من يرى أهدافا غير تلك: يفيد تحليل أن هناك سيناريو أكثر احتمالا وأقل تعقيدا على مستوى النتائج والمألات وقد يكون مضمونا، ويقتضي بمحاولة التصعيد مع الإحتلال الإسرائيلي وجره نحو شن حرب جديدة على القطاع كالحربين السابقتين خلال عامي 2008 و2012، وهو الأمر الذي بدأت تلوح بوادره في الأفق فعلا في قطاع غزة، حيث بدأت مؤخرا عمليات عسكرية داخل القطاع. تدرك حركة حماس التي تعد القوة الأكبر في قطاع غزة حجم الخطورة التي قد تنجم عن شن حرب جديدة على القطاع، وبحسب حساباتها العسكرية فإن الدخول في مواجهة جديدة غير متكافئة مع الإحتلال الإسرائيلي لن تقدم أكثر مما قدمت لها الحربين السابقتين: ضرب الداخل الإسرائيلي، إعادة التموضع واختبار القوة، تجنيد الرأي العام العربي والإسلامي لصالح سكان القطاع، وبالتالي ما يعود بالنفع على الحركة، تعزيز التعاطف الشعبي والجماهيري حول المقاومة لرد العدوان تحت راية حركة حماس، رفع الحصار أمام قوافل التضامن والدعم لأهالي القطاع، وبالتالي تخرج حماس منتصرة من أي حرب يشنها الإحتلال الإسرائيلي على غزة وفقا لتلك الحسابات.
وبالتالي فإن حماس ستجد في نفسها القدرة على تغيير اللعبة وقلب الأوضاع لصالحها من خلال تطبيق هذا السيناريو، ولعل في الانتصار الذي ستحققه حماس هذه المرة، مذاق آخر غير مسبوق، حيث إنها ستعيد دراسة القضايا المرتبطة بملف المصالحة وحكومة الوفاق الوطني لأنها ستكون المفاوض الأقوى والأكثر حظا على طاولة الحوار المجتمعي والفصائلي.
وفي ظل هذا السيناريو ستتمكن حماس من المحافظة على أوراقها الرابحة في الوسط العربي والإسلامي، كما سيحفظ هذا السيناريو الحركة من الترهل والعجز قبل استشراف المرحلة المقبلة التي ستشهد انتخابات فلسطينية عامة، والتي تسعى فيها الحركة لتكون الرابح الأقوى في هذه المعركة للسيطرة على النظام السياسي الفلسطيني كله.
عودة الإنقسام
هناك سيناريو ثاني يزداد قوة يوما بعد يوم ويبقى محتملا من الناحية العملية، ومن الممكن أن يصبح الأرجح في ظل الاتهامات الموجهة من جانب البعض لحكومة رام الله بعدم التحرك بقوة لدعم الكفاح المسلح ضد إسرائيل وفتح جبهة جديدة ضده في الضفة لشغله عن تركيز طاقاته العسكرية على غزة.
ووفقا لهذا السيناريو فإن حماس ستعود للحكم في غزة من جديد لسد الفراغ الموجود في القطاع، ما سيؤدي إلى إسقاط اتفاق الشاطئ والعودة إلى الوراء، وهو ما قد لا تحبذه كل قيادات حركة حماس، ولكنه إن وقع فسوف يكون له تداعيات كبرى على مستقبل المصالحة الفلسطينية، وقد جاء ذلك على لسان بعض القيادات في حماس. وبالتالي فإن حماس سترى نفسها متوجهة للعودة إلى الأضواء من جديد.
ولكن المنتظر من حماس أن تعود بشكل يختلف عن السابق وقد يأخذ شكل العودة أحد الأشكال التالية:
تشكيل مجلس إدارة في قطاع غزة تشارك فيه الفصائل الفلسطينية يقوم على رعاية شئون القطاع.
تشكيل حكومة جديدة من طرف واحد في غزة من كفاءات وطنية لها كامل الصلاحيات الدستورية تقودها الحركة وتشارك فيها الفصائل والمستقلين.
تشكيل حكومة مستقلة تغيب عنها حماس وتكتفي بالمراقبة والضبط من خلف الكواليس.
للتاريخ والجغرافيا ثوابت لم يستطع أحد تعديلها خلال تاريخ المنطقة المعروف، وهو أنه مهما كانت طبيعة الصراعات أو نوعية القوى المشتبكة، فإنه لا يمكن لجسم غريب أن يبقى ويعمر طويلا في وسط المنطقة العربية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.