نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري    آيت طالب يستقبل أعضاء البعثة الصحية للحج    تفاصيل حكم قضائي انتصر لمواطنة مغربية متضررة من لقاح "أسترازينيكا" ضد الدولة المغربية وأمر بتعويضها    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    نقابة تنبه لوجود شبهات فساد بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير    قرار جديد من القضاء المصري في قضية اعتداء الشحات على الشيبي    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    متضررة من لقاح كورونا تشيد بالقضاء المغربي .. ووزارة الصحة تستأنف الحكم    أخنوش يرد بقوة على تقرير مجلس الشامي: الحكومة تبدع الحلول ولا تكتفي فقط بالتشخيص    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    تصفيات المونديال.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه نظيره الجزائري    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    السلة: الوداد في صدام قوي أمام المغرب الفاسي    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والجزائر ضمن تصفيات مونديال الفتيات    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    "إنرجيان" اليونانية تشرع في التنقيب عن الغاز بالعرائش بترخيص ليكسوس    السجن سنة ونصف للمدون يوسف الحيرش    العثماني يلتقي قادة حماس في الدوحة    ما الذي سيتغير إذا منحت فلسطين صلاحيات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؟    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    الشبيبة التجمعية تستقبل شبيبة حزب مؤتمر التقدميين النيجيري    تطبيق صيني للتجارة الإلكترونية بأسعار منخفضة "قياسية" يثير الجدل بالمغرب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    ارتفاع أسعار النفط بفضل بيانات صينية قوية وصراع الشرق الأوسط    حزب فيدرالية اليسار الديموقراطي بسوق السبت يرفض سرية اجتماعات المجلس البلدي ويدين "منع" المواطنين من حضور دوراته    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    أيوب الكعبي يواصل تألقه في دوري المؤتمر الأوروبي    القضاء على عدد من الإرهابيين في غرب النيجر    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    تقرير إخباري l أمريكا تُقرر رفع الرسوم الجمركية على واردات "الفوسفاط المغربي" بسبب استفادته من امتيازات حكومية    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق وحماس تقول إن "الكرة بالكامل في ملعب إسرائيل"    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 38 مرشحا للهجرة غير النظامية    تشاد.. رئيس المجلس العسكري يفوز بالانتخابات الرئاسية    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    اختتام القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بمشاركة المغرب    في 5 دقائق.. 3 زلازل تضرب دولة جديدة    الصين تطلق قمرا اصطناعيا جديدا    شركات عالمية تتوجه نحو منع "النقاشات السياسية" في العمل    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    تخصيص غلاف مالي بقيمة 98 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة لطنجة    حراس خواص يشتكون غياب الأجور    حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان    صدمة أوناحي وحارث القوية في الدوري الأوروبي    سعار عضال.. خيال مخابرات الجزائر في مقال    هل جامعات المغرب مستعدة لتعليق تعاونها مع إسرائيل كما أعربت جامعات إسبانيا؟    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحتنا النفسية في زمن كورونا: عن البكاء بسبب وبلا سبب
نشر في الأيام 24 يوم 19 - 06 - 2020


Getty Images
منذ أشهر تسيطر كلمة واحدة على حياتنا: كورونا.
وتزامن وباء كورونا مع جوائح موازية مثل: تصاعد وتيرة العنف الأسري عالمياً، وخسارة الملايين لوظائفهم، وتنامي الخوف من المستقبل المجهول...
وجد ملايين البشر أنفسهم في حالة حداد، وفوق ذلك، غير قادرين على التعامل مع مشاعرهم المتضاربة وهم منعزلون، كلّ خلف باب بيته.
سألت "بي بي سي" عدداً من الشباب والشابات العرب، عن تجاربهم النفسية خلال هذا الوباء، توزعوا بين عدة مدن ودول، في المنطقة العربية وخارجها.
وفضّل معظمهم الحديث إلينا باسم مستعار، حفاظاً على خصوصيته.
بعضهم وجد في الانعزال بعيداً عن الآخرين مواساة، وبعضهم الآخر، حلّت عليه الأزمة الصحيّة في وقت عصيب جداً من حياته. في هذه الشهادات المختصرة، يفتحون قلبهم لنا.
فالتجارب وإن كانت مختلفة وفرديّة إلى حدّ كبير، إلا أنّها تختصر على الأرجح كلّ ما شعرنا به خلال مرحلة من أصعب مراحل التاريخ المعاصر.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
Getty Images
سمير: أعيش باكتئاب مؤجل
لم أجد الوقت لأفكّر وأمتصّ ما يحدث، وتلك كانت معاناتي النفسية الأساسية.
كان عليّ أن أتصرّف بسرعة لكي أحمي عائلتي. تطلّب الأمر شهراً من الجدال والأخذ والردّ لإقناع أهلي بضرورة البقاء في المنزل، وبأخذ الخطر على محمل الجدّ.
لا أعيش معهم في المنزل ذاته، لذلك أمضيت وقتي على الهاتف، لأتأكد من أنهم يتبعون إجراءات السلامة.
لحسن حظّي، سمحوا لنا بالعمل من البيت، لكن ذلك لم يمرّ من دون انعكاسات سلبية على صحتي النفسية. أعرف أنني محظوظ لأن عملي استمرّ، مع أنّ معظم الناس كانت تخسر أشغالها. ذلك وضع عليّ عبئاً آخر، لأنّي كنت صاحب الدخل الوحيد في العائلة، وفجأة شعرت أني مسؤول عن ثلاث أسر. وفهمت أنّي إن أردت تغيير عملي، فإنني لم أعد أملك ذلك الترف الآن، على العكس، لقد باتت وظيفتي تمتلكني.
كان عليّ أن أجد طريقة لتخطي أمرين: الانهيار المالي في لبنان، ووباء كورونا. شعرت بالاختناق. لم يكن لديّ ما يكفي من الوقت للتفكير بكلّ ما يحدث. لم أجد الوقت للتفكير بما يتغيّر من حولي وفي العالم.
شعرت أني حُرمت من تلك المتعة الشخصية البسيطة بأن أسمح لنفسي بالتفكير. كل ما أتمناه لو أني منحت بعض الوقت لأعيش حدادي. أحاربه الآن بطريقة غير صحية. أعيش باكتئاب مؤجل. أشعر أننا محاربون جُرحوا في معركة، ولكن طلب منهم أن يواصلوا المسير.
Getty Images
سارة: فقدتُ الحبكة في حياتي
انفصلت عن زوجي قبل أشهر، ولا تزال الأمور ثقيلة. في البداية، وجدت في العزل مواساة وعزاءً لي. كنتُ وحدي، ولكنّي لم أكن الوحيدة، فكل الناس مثلي، منعزلون. شعرت بأنّ العالم الخارجي متسقٌ مع حالتي الداخلية، وأشعرني ذلك بالراحة.
مع الوقت، انقلبت تلك الراحة إلى غيمة ثقيلة، حجبت عني الرؤية.
أشعر أنّي فقدتُ الحبكة في حياتي، لم أعد أعرفُ أين أذهب، هل عليّ أن أترك مصر؟ هل أعود إلى ألمانيا؟ هل أنا قادرة على الذهاب إلى أيّ مكان أصلاً، حتى لو كان العالم مفتوحاً؟
قاومتُ التفكير بالأمور اللوجستية لفترة. شعرتُ أن العالم أخذ استراحة، فلماذا لا أستريح أنا أيضاً؟ أفضّل الحداد على الهلع.
زوجي وأنا، كنا حبيبين. كنا أعزّ الأصدقاء. كنا أشقاء. قمنا بكلّ شيء معاً، والآن أعيش وحدي في بيتنا. كأنني أعيش داخل متحف.
أحاول الحفاظ على عاداتي. لدي عمل متعب ومجزٍ، لكنه لا يلهمني. تلاميذي يبقونني منشغلة، ويضحكونني. حاولت أن أكتب نصاً مؤجلاً، أن أسجّل بودكاست أخطط له منذ مدّة، قبل أن تنسحب هذه الغيمة وتمضي، لكنّي لم أستطع فعل شيء. ما زلت غير قادرة على تسجيل صوتي حتى.
رغم وجود روتين ثابت في حياتي بفضل العمل، إلا أنّ الأيام والليالي باتت غير متوقّعة بالنسبة لي. يمكن لوصفة حلوى عشوائية، تمرّ أمامي على إنستغرام، أن تجعلني أنهار أرضاً، بعد أسابيع من الثبات. لم أعد أعرف ما الذي يستفزني.
BBC
ليلى: ارتحت من عبء المحاولة
في العزل، كنت مرتاحة جداً.
بدأت أشعر بالقلق مع عودة الحياة إلى طبيعتها، والإعلان عن فتح المتاجر وانتهاء الاغلاق.
لا أشعر أنّ الوضع آمن من جهة، ومن جهة أخرى، كنت أشعر في الداخل أنّي بأمان، بعيداً عن ضغط العمل والتوتّر.
كانت فترة الحجر ممتازة بالنسبة لي. بعد سنوات من تناول العقاقير المضادة للاكتئاب والقلق، وصلتُ خلال فترة العزل المنزلي إلى مرحلة شعرتُ فيها أنني مرتاحة لدرجة يمكنني تخفيف جرعتي اليومية، وأني لم أعد أحتاج للحبوب.
خلال الحجر، لم أعد أشعر بأنّه عليّ أن أركض وأحاول طوال الوقت لكي أنجز شيئاً ما.
في العزل، شعرتُ أن الأعباء قلّت، وأنّ الحمل خفّ. لم يعد عدم الإنجاز في العمل مشكلتي وحدي، بل مشكلة الكوكب بأكمله، ما أعطاني راحة داخلية كبرى، وارتحتُ من عبء المحاولة.
من ناحية أخرى، خفّ عني أيضاً عبء الاهتمام بشكلي وترتيب ملابسي وشعري. لم أعد أزور الحلاق، ولا صالون تقليم الأظافر.
السلبية الوحيدة أنّي اشتقت لبعض أفراد عائلتي، لأصدقائي.
طوال فترة الحجر، لم ألتق بأصدقائي المقربين إلا مرة واحدة، وكانت العودة إلى البيت بعدها صعبة، شعرت أنّي حزينة، كأني أودّع أحداً ما على المطار.
للصراحة اشتقت لممارسة الجنس، ولا أستطيع المخاطرة الآن بعد كورونا.
Getty Images
تيما: كوابيس العجز عن المشي
مع بداية فترة الحجر، صرتُ أعاني من كوابيس مزعجة، تزورني بوتيرة شبه يوميّة.
صرتُ أرى في المنام أنّي لا أستطيع السير، وأحاول النهوض للذهاب إلى مكان ما، لكن قدمي لا تستجيبان لي.
أحياناً، كنت أرى قدمي مقوستين، ولا أستطيع تقويمهما. أحياناً أخرى، كنت أرى في المنام أنّي انتعل حذاءً بكعب عال، مع انّ ذلك ليس من عاداتي الدائمة في الحياة، وأني أحوال السير فيه، لكنني أقع.
يترافق ما أراه في المنام مع شعور عارم بالخجل من أن يراني أحد، ويعرف أنّي غير قادرة على المشي. يزعجني هذا الحلم كثيراً، وأحياناً أستيقظ باكية بسببه، غير قادرة على الفصل بين الواقع والمنام.
كذلك أحلمُ كثيراً بجدتي التي توفيت قبل سنوات. كنت مقرّبة جداً منها، ولكني لم أرها في مناماتي سابقاً إلا بوتيرة قليلة. الآن أراها في منامي بشكل متواصل، وأرى بيتها المقفل، بكل تفاصيله.
أحلم أيضاً بأشخاص، لا يخطرون في بالي خلال الأيام العادية، لكني أرى في المنام أنهم ماتوا، وأستيقظ ليلاً لتفقّد صفحاتهم على مواقع التواصل، لأطمئّن أنّهم لم يصابوا بأي مكروه.
بعيداً عن المنامات الغريبة، أشعر بالامتنان لأني حافظت على عملي وراتبي خلال هذه الفترة، لكني على قلق وخوف دائم من فقدانه، ومن تبخّر الأمان المادّي الذي يوفره لي بلحظة. المشكلة أنّي أعمل ساعات طويلة جداً، ولا أستطيع أن أدرك كلّ ما يدور حولي يومياً، لكي أعرف كيف أتعاطى معه.
من ناحية أخرى، أجد مشكلة في العمل من المنزل، لأنّه لم يعد هناك فاصل بين البيت والمكتب بين النوم والاجتماعات، ولا دوام محدّداً، تعملين طول الوقت، بغض النظر عمّا تشعرين به، أو عمّا تمرين به من صعوبات، عليك فقط المواصلة.
Getty Images
عمر: أسوأ أيام حياتي
قبل أن أدخل كغيري في سرداب كورونا، كنت أعاني مع صحتي النفسية. لست مريض اكتئاب وقلق فحسب، بل شخّصتُ بداء توهّم المرض. لذلك كان الحجر أسوأ المراحل التي مرّت عليّ في حياتي على الإطلاق.
يسبّب لي مرضي أعراضاً جسدية، فأشعر بآلام تقلقني. طوال فترة العزل المنزلي، كنت أقرأ وأسمع عن أعراض مرضيّة، وذلك أمر أنا ممنوع عنه في الأساس، من المفترض أن أتجنّبه.
لكن كان من المستحيل أن أعزل نفسي عن المقالات والأخبار التي تصف الأعراض وعدد الحالات المستجدة والوفيات، مع تدفق الأخبار المستمرّ على مواقع التواصل. وكل يوم أشكّ أني مصاب بفيروس كورونا.
في الأساس، وعلى مدى سنوات طويلة من حياتي، كنت أشعر على الدوام أنّي مصاب بعارض صحّي خطير، لا أعرف ماهيته، وأنّه عليّ الذهاب إلى الطوارئ. وكانت الرحلة إلى قسم الطوارئ في المستشفى، مسكناً مؤقتاً لذلك القلق، لأنهم كانوا يقولون لي أنني بخير.
خلال الحجر، ورغم كلّ المحفزات للشعور بأنّي على وشك الانهيار، لم أكن أستطيع زيارة الطوارئ، لأن المستشفيات باتت بالنسبة لي مصدر عدوى. لذلك كنت قلقاً وأسأل نفسي باستمرار: "لو أصبت بعارض حقيقي، ماذا سأفعل حينها؟".
في حالتي كمريض قلق، من غير الصحي أن أنعزل، ولا أن أجلس لوحدي، ويطلب منّي المواظبة باستمرار على جلسات العلاج النفسي. خلال العزل أوقف المعالجون استقبال المرضى، واستبدلوا الجلسة وجهاً لوجه بجلسة عبر الانترنت، وذلك كان غير مريح بتاتاً بالنسبة لي. الآن، لا أشعر فقط أني أفضل الابتعاد عن الناس، ولكن أيضاً أشعر بشيء من الكراهية، لأن لا أحد مهتمّ بالحفاظ على إجراءات الوقاية.
Getty Images
شادن: الضعف ممنوع
انفصلت عن زوجي قبل أسبوعين من بداية الحجر الصحي والإقفال التام، ولم يكن متقبلاً لقراري بالانفصال على الإطلاق. مع اقفال المحاكم الأسرية، وطول مدّة الطوارئ الصحيّة، بدأت أشعر أنّي عالقة. أنتظر عودة المحاكم إلى عملها، لكي أنهي الموضوع، لأنّ ردّة فعل زوجي كانت عنيفة، وهجومية، وكأنّه متأهّب لافتعال أي مشكلة معي.
بجانب القلق الصحّي العام، والتبعات المالية للإقفال التام، صار يحمّلني مسؤولية لأنّي غادرت البيت، وتركت ابني، وهذا غير صحيح بالطبع، لأني لم أترك ابني. على العكس، هو يستعمله للضغط عليّ، واستفزازي.
يظنّ أنّ ولدنا ورقة بيده، يستخدمها ضدّي، لأنفذ له أوامره، وأقبل شروطه للطلاق، لأني مضطرة على السكوت خلال هذه الفترة، فلا خيارات أمامي، وكل شيء مقفل.
كلّ ما يهمّني حالياً أن أجد الوقت لكي أفسّر لابني ما الذي حصل، ولماذا تغيرت حياتنا، ولماذا تركت المنزل، وانتقلت للعيش مع جدته. طليقي لا يسمح بذلك، يلاحقني ويراقبني طول الوقت.
لا يسمح لي برؤية ابني إلا إن ملّ من تدريسه، أو حسب مزاجه. وإن أحضره لرؤيتي، يتركه عندي، ويذهب، ثمّ يبدأ بإرسال رسائل مزعجة، كي لا أفرح بوقتي مع الصغير. أشعر أني بحاجة لمساعدة معالج نفسي، لكن الوضع المادي لا يسمح حالياً.
مشكلتي أنّي العمود الفقري لأهلي، ومسؤولة عنهم، وممنوع عليّ أن أضعف أو أنكسر.
ما يتعبني أنه عليّ دوماً أبدو متماسكة وقوية. لكني أجد نفسي أبكي فجأة، لأتفه الأسباب، إذا كان سكّر الشاي زائداً، مثلاً. وكلّ يوم، أنتظر بفارغ الصبر لحظة وضع رأسي على المخدّة للنوم. ضبط النفس متعب إلى أبعد الحدود، خاصة في ظلّ طوارئ عالمية.
Getty Images
باسكال: أشعر أنّي صحراء
فجأة توقفت حياتي. أجواء التموين وشراء البضائع في بداية العزل، ردّتني لسنوات الحرب الأهلية في لبنان، أي إلى مرحلة لم أكن أريد أن أستعيدها.
كانت الحرب بالنسبة لي بشعة جداً، وأخذت طفولتي كلها: موت، وقذائف، واحترق البيت أكثر من مرّة. حين تكونين صغيرة، ترمين بالحمل على أهلك. الآن، وخلال هذه الظروف، أنا الأهل، وأنا الكبيرة، وأولادي يحتاجون لي.
من ناحية ثانية، أنا شخص يحبّ الحركة كثيراً، لا أستطيع البقاء في البيت. يوم عطلتي مثلاً، أقضيه في المقهى. علاقتي مع البيت ليست جميلة. بالنسبة لي البيت هو مسؤولياتي تجاه الأولاد، هو المكان حيث أطبخ، أدرّس، أنظّف. البيت بالنسبة لي ليس مكاناً للعمل، ولا للقراءة، ولا للأصدقاء.
في بداية العزل، رأيت كوابيس مزعجة، غالباً كنت أرى أسناني تقع. بكيت لشدّة التوتر. عملت جاهدة لأرتب حياتي على إيقاع معيّن، ثمّ سلب منّي. لم أتقبّل أن أنقطع عن عملي، عن روتيني اليومي، الاستيقاظ صباحاً، والاستحمام، والتبرّج، وتحضير الطعام، ومن ثمّ الخروج.
حتى علاقتي بجسدي تأزّمت. صرت أنظر إلى المرآة، وأرى عيوباً لم أرها من قبل، وصرت واعية جداً لتجاعيد ظهرت حول عينيّ.
لا شيء يملأ فراغي الداخلي إلا العلاقة مع الآخرين، وبالانقطاع عنهم، أشعر أنّي صحراء من الداخل. قال لي طبيبي النفسي أن كلّ الناس تشعر بذلك، لأننا فقدنا علاقتنا مع الطبيعة، وبتنا نتعاطى مع بعضنا البعض كأننا آلات، من دون مشاعر، لذلك نشعر بكلّ تلك التعاسة.
الخطر المحدق بالكرة الأرضية بأسرها، يشعرنا أن هناك قوّة تتخطانا، وأنّ العالم يتخلخل تحت أقدامنا. وهذه تروما، وأعتقد أنّ الوباء كان تروما جماعية.
Getty Images
ملاك: جائحة في الداخل وجائحة في الخارج
كنا نتناول الطعام، متحلقين حول المائدة، أمي أخي وأنا، وكنا نشاهد تقريراً في نشرة الأخبار عن تفشي الوباء.
قالت أمي: "أشعر أنّ الدنيا كلها ضدنا".
الموضوع ليس فقط مسألة وباء، وليس فقط مسألة حجر صحي في المنزل، وإقفال تام، وقيود على الحركة.
في مرحلة ما، شعرت أنّ الحجر بات أسهل همومي وأصغرها، لأنني دخلته في ظرف شخصي وعائلي مشحون. كلنا دخلنا أزمة الوباء، ونحن أساساً نحمل أزماتنا، كأنّ هناك جائحة في الخارج، وجائحة أخرى في الداخل.
تزامن الوباء مع أزمة صحيّة خطرة ألّمت بأبي، وكان في العناية الفائقة في المستشفى، وبقي فيها لأكثر من ستين يوماً. كنا طوال شهر وأكثر نحاول أن نسحبه من بين مخالب الموت. صرنا نعيش أزمتنا العائلية على وقع القرارات الحكومية، وساعات منع التجوّل، ومواعيد الاقفال، ما أشعرني بالعجز وبالاختناق.
من جهة، فكرنا، كيف لنا أن نبقى في المنزل، ووالدنا في المستشفى، يصارع كي يتنفّس؟ ولكننا أجبرنا على ذلك، أخي وأنا، لأننا نشكّل خطراً عليه، وربما ننقل إليه العدوى.
كانت أمي تزوره كلّ يوم، ولذلك أجبرنا أيضاً على عزل أنفسنا عنها، حتى داخل البيت. كنا بحاجة ماسة لنحضن بعضنا، ونحضن أمي، في هذا الظرف الخانق، ولكن لم نكن نستطيع ذلك خشية نقل العدوى لها. وما زاد من الضيق، أنّ التعب انعكس على وجه أمي، ووقوفها لساعات طويلة في العناية، ظهر بشكل واضح على جسدها، ولشدة حزني عليها، لم أعد أجد الكلام. شعرت بثقل في القلب لأسابيع طويلة.
Getty Images
حنين: سحابة سوداء على صدري
في بداية العزل كنتُ سعيدة، لأني أحبُّ بيتي، ومتعلقة به. هاجرتُ للعمل في بلد لم اتآلف مع الحياة فيه كثيراً، ولا أحبّ أجواء المكتب حيث أعمل.
السنة الماضية مع انتقالي من عمل لآخر، ومن بلد لآخر، مررتُ بتجربة احتراق نفسي. انتقلت إلى وظيفة جديدة يجب أن أثبت نفسي فيها، لكني كنت منهكة، وصرت آخذ أدوية وأزور معالجة، وتحسنت.
مع بداية العزل، صرت أعمل بكثافة شديدة، ومن دون انقطاع، وما أن سلّمت آخر ملفّ على لائحة الأعمال المطلوبة منّي، حتى انهرت انهياراً كاملاً. حتى الآن، لا أفهم من أين خرج كلّ ذلك الحزن، كنت أبكي ما أن أستيقظ من النوم، وإن قال لي أحدهم أي كلمة، أبدأ بالبكاء أيضاً.
خلال الإقفال التام، ومع فرض التباعد الاجتماعي، وجدتُ نفسي أتواصل فقط مع الأشخاص الذين أحبهم من قلبي. البعد الجغرافي لم يعد مهماً، يكفي فقط أن تتصلي بشخص ترتاحين له. خلقت ما يشبه الطقس اليومي، كلّ يوم، أذهب لأتنزه بجانب البحر، وأتصل بشخص اشتقت لسماع صوته.
في بداية الحجر، وجدت كثرة النصائح مزعجة: مارسوا اليوغا، اطلبوا الدعم النفسي. فكرت ما كلّ هذه الدراما. الآن، أشعر بسحابة سوداء على صدري، وأعاني من أعراض قلق. وأكثر ما يخفيني، أنّي لست مهتمة إن أعادوا فتح مجمع تجاري، أو متجر ملابس، أو مطعم. لن يتغير في حياتي شيء. أتوق فقط لإعادة فتح المطارات.
الإيجابية الوحيدة في الحجر، أن علاقتي مع شريكي توطدت كثيراً، ولأن الجميع ممنوعون من الحضن واللمس، بتنا نحتضن بعضنا طيلة النهار. ولم يكره واحدنا الآخر بعد لأننا فصلنا مساحتينا في المنزل، وكلّ واحد يعمل من غرفة مختلفة عن الآخر.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
اللوحات للتشكيلي النريويجي إدفارت مونك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.