رددناها أكثر من مرة، ويبدو أن الحاجة ماسة اليوم لتكرارها من جديد، ليس كلما ينشر على الأنترنيت من أخبار ووقائع وأحداث صحيحة الحدوث في الزمان والمكان، وليس كل ما يبث من أفلام وأشرطة فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي يحمل قدرا من التصديق.. على المتواجد الدائم في عالمنا الأزرق، أكان إعلاميا أو منتسبا لمهنة الصحافة أن يتميز عن المبحر العادي برجاحة عقل ، عليه أن يضع مسافة بينه وبين الأخبار والأشرطة والوثائق التي تقع عليها عينياه، عليه أن يلجم هواجسه و يضبط حماسه واندفاعه وهو يتحمس لتحقيق السبق الصحفي، أو توسيع شبكة صداقاته،عليه أن لا يتورط في ترويج الخبر أي خبر أو يتقاسمه قبل أن يتأكد من صدقية مصادره بالأحرى إشاعته ... ثمة مواقع باتت متخصصة في الإساءة للمغرب ضدا على أمنه واستقراره، هذه المواقع ومنها شبكة تدعى "ش ر م" ولاستقطاب النقرات والجمجمات ..تقوم بنشر فيديوهات للجريمة حدثت في تركيا وتنسبها للمغرب وتقول إنها في شارع كذا بالدار البيضاء. وبقليل من الذكاء يكتشف المتتبع أن سيارة رجال الشرطة الماثلة في الشريط " من كاميرا مراقبة" مختلفة تماما عن نظيرتها بالمغرب ..ومع ذلك تجد من يعلق باللوم على غياب الأمن المغربي... إن في هذا الوهم تحديدا تتأسس جنينات الصدمة، نعتقد أنه في ظل انزياح الصورة والتعدد المبهر والخارق لاستعمالاتها، بات شكل الحقيقة مرعبا في مواقع التواصل ففي الكوكب الذي يتقاسم هواءه ملايير البشر ثمة دسائس ومؤامرات تحاك بذكاء وحقد ومكر وخبث ضد الأفراد والشخوص والمؤسسات .... أعتقد أن وضع الإنسان العربي اليوم في ظل ما يكتنف وجوده السوسيونفسي المرتبك من ضياع وفقدان بوصلة الاستقرار السياسي، في ظل استتباب غير مريح للأمن النفسي والمجتمعي، بات يمتلك أكبر جاهزية ليس للتقبل والتصديق والتماهي مع الخوارق فحسب، بل و الترويج لها والمساهمة بقسط وافر في نشر التضليل وتوسيع قاعدة التفاهة. السؤال : إلى متى سيظل هذا الجدل العقيم حول الصورة حقيقتها واستيهاماتها؟ براعة الماركتونيغ ودهاؤه وذكاؤه حول الوصلات الإشهارية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أفلام وثائقية تحبس أنفاس ذوي القلوب الضعيفة، وتؤجج جريان الدم في العروق، وصلة إشهارية في قالب سينمائي تخطف اهتمام الناس وتجعلهم مثل ثور جامح لا يقوى على المشي دون أن يتعثر ويكسر ما في طريقه، التمساح يأكل سيدة " إشهار " لماركة معينة " إشهار الساعة والطلبة حين يحتفلون بعيد ميلاد أستاذهم الجامعي يهدونه "ساعة" إشهار لماركة معينة لكن الجميع يتأثر بحقيقة ذلك ويتماهى مع ويواسي أسرته كما لو أن ذلك حدث حقيقة ... الفرد العربي من المحيط الى الخليج بات اليوم أكثر من أي وقت مضى مستهدفا فريسة سهلة مصدقا للخرافة والأساطير، ويعتقد في المغامرات ، وحتى الخيال العلمي العربي هو الكائن الوحيد في الكوكب الذي يصدق أشرطة الخيال العلمي. وذلك مرده إلى انعدام الديمقراطية وحقوق الإنسان بما يتعارف عليه دوليا ، وما يتعرض له يوميا من دمار وتنكيل ومس بالكرامة والحرية الشخصية ، وإذا أضفنا مستوى الجهل والأمية والفهم السطحي للدين كانت النتيجة فاجعة .. علينا كمشاهدين ومبحرين أن نضع مسافة غير قابلة للتجسير بيننا وبين ما يبث وما يذاع فدور الإعلامي توعوي استقصائي بالأساس . علينا أن يساهم في تعزيز الوعي والكشف عن زيف الإدعاءات المغرضة سواء مست الأشخاص أو المؤسسات، بدل نشرها وتعميمها.