إذا كان تساقط الثلوج مرحبا به في مناطق كثيرة من المغرب و يعتبر فيها ضيفا يستحق أن يحتفى به، فإن الأمر غير ذلك تماما في الأرياف المتاخمة لمدينة خنيفرة، فحين يصبح هذا الزائر ثقلا على مستضيفيه في رقعة جغرافية تغيب فيها البنية التحتية اللائقة عن مخططات المسؤولين المحليين و تصل فيها درجة الحرارة إلى ما تحت 15 درجة أحيانا، فلا يمكن طبعا إلا أن يكون هذا الأخير مصدر إزعاج و إرباك لحياة الساكنة هنا. لقد أدى الانخفاض الكبير لدرجات الحرارة التي يشهدها إقليمخنيفرة ، في الأيام الأخيرة، و بالضبط في جماعة أجدير التي لا تبعد عن مركز المدينة إلا بثلاثين كيلومترا، إلى تجدد المشاهد المعتادة من مسلسل المعاناة التي لا تنتهي إلا بدخول شهر أبريل من كل سنة، شهر يجعل سكان المنطقة و النواحي يتذوقون طعما آخر للحياة غير ذاك الذي لا يجدون به لذة و لا حلاوة. شهدت المنطقة منذ أسبوعين تقريبا تساقطا كثيفا للثلوج بلغ سمكه في بعض الأماكن ثلاثة أمتار، إضافة إلى حدوث زوابع ثلجية قوية أدت في بعض الأحيان إلى قطع الطريق بعد أن انجرفت إليها السيول، و يجد سكان جبال الأطلس الكبير ضنكا كبيرا مع كل فصل شتاء، خاصة التي تقطن على علو أكثر من 1400 متر على سطح البحر، طقس قارس و متقلب في كل مرة، زوابع ثلجية، ندرة للكلأ الطبيعي تحت طبقات الثلوج المتراكمة، طرق مسدودة، عزلة يعيش على وقعها المئات من سكان المداشر و القرى المجاورة لعاصمة قبائل زيان و أيديهم على قلوبهم في انتظار الفرج، إلى ذلك اضطرت العديد من الأسر القاطنة بنواحي مدينة خنيفرة و بالضبط التي تتواجد بالمناطق التي تشهد حاليا تساقطات ثلجية مهمة، إلى البقاء في منازلها إلى حين تحسن الأحوال الجوية، إما من أجل قضاء مآربها أو إخراج غنمها للرعي، تساقطات الأيام الأخيرة مثلا وصلت إلى أكثر من 50 سنتميترا في هذه الفترة الأولى للتساقطات، ما ينذر ، حسب العارفين ، بشتاء قاس على السكان و مبشر للفرشة المائية و الخزانات الجوفية للمياه. مشاكل الحياة في أجدير كما بباقي المناطق المجاورة، لا تنتهي ، فظاهرة الهدر المدرسي في جبال الأطلس المتوسط تعد مثالا حيا لجملة عوائق تكشر أنيابها في وجه سكان البوادي و الأرياف بشكل خاص، و رغم غياب إحصائيات رسمية في الموضوع إلا أن الظاهرة ما فتئت تتسع رقعتها في السنوات الأخيرة، خاصة بالنسبة لفئة الإناث، فبالإضافة إلى غياب داخليات بخدمات ذات جودة مقبولة، يطرح مشكل سوء الأحوال الجوية الذي يغتال أحلام أطفال في زهرة العمر و يحرم العشرات، بل و المئات، من فرص استكمال الدراسة في المدينة. لا شك بأن قساوة الحياة في الجبال يتقاسمها الكبير كما الصغير، و الزوج كما الزوجة أيضا، لكن الأخيرة هنا في ثغر الأطلس المتوسط تتحمل الجزء الأكبر من شظف حياة لا ترحم، تبدأ من الساعات الأولى لكل صباح «جلب الماء و جمع الحطب»، إضافة إلى غيرها من الأعمال التي تناط بالمرأة في باقي المناطق من إعداد الشاي و غيرها، مهمات روتينية تتكرر كثيرا عند المرأة القروية لكن بجرعات معاناة أكبر و أكثر، فأغلب الأسر في الأطلس المتوسط معوزة، تقطن في دور لا تتوفر فيها أحيانا أبسط شروط العيش الكريم.