أخنوش يرد بقوة على تقرير مجلس الشامي: الحكومة تبدع الحلول ولا تكتفي فقط بالتشخيص    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    تصفيات المونديال.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه نظيره الجزائري    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    متضررة من لقاح كورونا تشيد بالقضاء المغربي .. ووزارة الصحة تستأنف الحكم    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    السلة: الوداد في صدام قوي أمام المغرب الفاسي    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    محمد عاطف يكشف ل"القناة" تفاصيل جديده الفني "جايا"    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والجزائر ضمن تصفيات مونديال الفتيات    الرباط.. حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية للحج    العثماني يلتقي قادة حماس في الدوحة    ما الذي سيتغير إذا منحت فلسطين صلاحيات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؟    الشبيبة التجمعية تستقبل شبيبة حزب مؤتمر التقدميين النيجيري    السجن سنة ونصف للمدون يوسف الحيرش    تطبيق صيني للتجارة الإلكترونية بأسعار منخفضة "قياسية" يثير الجدل بالمغرب    "إنرجيان" اليونانية تشرع في التنقيب عن الغاز بالعرائش بترخيص ليكسوس    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    إصدار الحكم في قضية الدولي المغربي محمد الشيبي بمصر في 30 ماي    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    حزب فيدرالية اليسار الديموقراطي بسوق السبت يرفض سرية اجتماعات المجلس البلدي ويدين "منع" المواطنين من حضور دوراته    القضاء على عدد من الإرهابيين في غرب النيجر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    تقرير إخباري l أمريكا تُقرر رفع الرسوم الجمركية على واردات "الفوسفاط المغربي" بسبب استفادته من امتيازات حكومية    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    ارتفاع أسعار النفط بفضل بيانات صينية قوية وصراع الشرق الأوسط    أيوب الكعبي يواصل تألقه في دوري المؤتمر الأوروبي    فتيات المغرب يتطلعن لهزم الجزائر ببركان    وقفة احتجاجية لشغيلة قطاع الصحة أمام المندوبية الإقليمية للصحة ببني ملال    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    تشاد.. رئيس المجلس العسكري يفوز بالانتخابات الرئاسية    محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق وحماس تقول إن "الكرة بالكامل في ملعب إسرائيل"    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 38 مرشحا للهجرة غير النظامية    في 5 دقائق.. 3 زلازل تضرب دولة جديدة    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    اختتام القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بمشاركة المغرب    الصين تطلق قمرا اصطناعيا جديدا    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    شركات عالمية تتوجه نحو منع "النقاشات السياسية" في العمل    حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان    بركان تؤمن بالحظوظ في "كأس الكاف" .. ورئيس الزمالك يؤكد صعوبة المقابلة    تخصيص غلاف مالي بقيمة 98 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة لطنجة    حراس خواص يشتكون غياب الأجور    سعار عضال.. خيال مخابرات الجزائر في مقال    هل جامعات المغرب مستعدة لتعليق تعاونها مع إسرائيل كما أعربت جامعات إسبانيا؟    المحكمة الإدارية تقضي بأداء وزارة الصحة تعويضا لمتضررة من لقاح كورونا    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة ودلالات الانتماء ديوان «فرجة الغابة المضاءة بالغناء» للشاعر عبد الغني فنان نموذجا

يمكن القول بأن المدينة في الشعر شكل من أشكال الحداثة. وعدد كبير من الشعراء تناولوا الكتابة عن المدينة في نصوصهم الشعرية نذكر من بينهم على سبيل المثال الشاعر الأمريكي «روبرت فروست Robert Frost «.
وفي هذا الإطار،»تعتبر «المدينة» الخيط الرابط بل ومسكن اللغة الشعرية في ديوان:»فرجة الغابة المضاءة بالغناء»للشاعر والمترجم المغربي عبد الغني فنان. وللإشارة ، فالشاعر أستاذ باحث بجامعة القاضي عياض ،حاصل على شهادة الدكتوراه حول أعمال الأديب والمفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي. و من بين أعمال عبد الغني فنان في الشعر :
ديوانJe ne mourrai pas avant le printemps »» ( لن أموت قبل فصل الربيع ) وصدر سنة 2012 عن دار النشر لارماتان بفرنسا وكذا ديوان: «Poèmes en seul majeur « وصدر سنة 2015 أيضا عن دار النشر لارماتان بفرنسا.
يتشكل هذا الديوان الشعري ،الذي يهديه صاحبه إلى شاعر مغربي مرموق هو محمد الوكيرة، من قصيدة واحدة. وصدر الديوان الذي يقع في 71 صفحة من الحجم المتوسط عن المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش سنة 2014.
اللغة الفرنسية هي لغة الديوان الأصلية بالإضافة إلى أن الديوان يضم في دفته المقابلة الترجمة العربية التي أنجزها الشاعر والمترجم المغربي رشيد منسوم.
وقد وفقت الترجمة العربية باقتدار شديد في الحفاظ على قيمة الديوان الإبداعية عن طريق استعمال عدة آليات في الترجمة منها ما هو مباشر مثل: الترجمة الحرفية، الترجمة بالدخيل أو الاقتراض، الترجمة بالنسخ. ومنها ماهو غير مباشر على غرار: الاقتباس والتصرف، المعادلة أو المقابلة، التكييف، التحوير باستراتيجياته الثلاث: تبديل الثابت، الترجمة بالزيادة، الترجمة بالنقصان أو الحذف.
الديوان هو في حقيقة الأمر احتفاء بالمدينة وبمدينة مراكش المغربية تحديدا. هو احتفاء بطبيعة مدينة مراكش الخلابة وبتاريخها التليد. هو أيضا انتقاد لحاضرها بعد أن انتهكت معالمها الحضارية و الجمالية.
هندسة القصيدة بديعة جدا. ويتجلى ذلك مثلا في أن الديوان يستهل بكلمة» مدينة» وينتهي بكلمة « مراكش» ومن هذا التشكيل العمودي يمكن أن ننتج عنوانا للديوان وهو «مدينة مراكش».
عبر هذه الهندسة الفنية الجميلة والتي تعبر عن حس شعري عميق وفكر متقد، تتجسد المدينة بكل صيغها المادية والروحية والرمزية لتمنح شعرا بخصائص إستيطيقية مختلفة. هذا الاختلاف والتنوع في التعامل مع المدينة يتشكل ضمن انفعالات نفسية مع واقع مدينة عريقة في القدم وفاتنة بطبيعتها. مدينة تغيرت ملامحها الآن حسب الشاعر الذي يتحسر لحالها ويعبر عن حبه الجارف لها رغم الأسى والحزن الذي يعتريه. يقول الشاعر:
المدينة/القدية
التي تهاجر فيما ليست تراه،
استيهام الماضي العتيق وشهوة الحاضر الأبدي.
المدينة/المؤمنة
الثابتة في شكلها الهلامي الدائري،
س ب ع ة
أولياء صالحين. (ص.13)
العلاقة الجدلية بين الماضي والحاضر حاضرة بقوة في هذا المقطع. الذاكرة هي التييستدعيها الشاعر لتوصيف المدينة انطلاقا من تاريخها المجيد. فالذاكرة بالنسبة له ليست شيئا جامدا بل شيئا متحركا. والذاكرة كما يقول عبد الكبير الخطيبي:
«كالحاضر في المستقبل.فالماضي متغير،ليس هناك ماض مطلق ولا منتهي،هو كالهوية مجموعة من الآثار والبصمات تكون الذات وتكون الموجود كخريطة من آثار هي مرة أخرى مستقبلية.»
تصبح المدينة في هذا الديوان عنصرا جماليا ومعرفيا قائما بذاته. ويتم توظيفها من طرف الشاعر بشكل سلس وبانسيابية شديدة وعبر محطة مهمة من حياة الإنسان ألا وهي مرحلة الطفولة:
على حافة أقصى شمال ذلك الشمال المغناطيسي، كان لي بيت، بيت: غرفة، ووعاء،
وفي فنائه،رقعة من العشب ;
شجرة الماندرين التي تجيد قراءة الفصول، ..(ص.63)
يلجأ الشاعر إذن إلى الحنين إلى الماضي ليس هروبا من الواقع ولكن من أجل التعبير عن الفخر بالانتماء لمدينته وللتربة التي نشأ فيها. وأمله ثائر وأمنيته حالمة بغد أفضل وأجمل رغم الهجوم البربري على المدينة وعلى معالمها و علامات تاريخها المشرق ورغم أن الصورة البهية للمدينة لن تعود مرة أخرى:
يا مدينتي، أغنيتي ليست نشيدا لبجع يودع الحياة !
لأنني أعرف تماما: أن لا شيء سوف يكون كما مضى،
وأنه لم يكن هناك أبدا شيء كما كان من قبل ;
وأن الإنسان محكوم بأن يحب كل ما يتحول بعيدا عنه. (ص.69)
الارتباط القوي بالمدينة يتشكل أيضا عبراستعمال الشاعر لياء الإضافة كما في المقطع التالي:
تلك المدينة مدينتي،
أغنية قادمة من أعماق البحر،... (ص.31)
ويقول أيضا:
المدينة، مدينتي،
الضريح حيث ينام الولي والشاعر
على الحجر، ... (ص.35)
وتبقى المدينة شامخة والشموخ كما يراه الشاعر يتأسس وفق حقيقة مفادها أن المدينة ليست شيئا مرئيا أو ماديا فقط ولا بنية معمارية ليس إلا بل إنها أعمق من هذا وذاك. عمق يتداخل فيه الشعور النفسي والبعد الحسي والموروث الثقافي والمرجع التاريخي. يقول الشاعر:
المدينة ليست سريرا بأربعة أعمدة حيث يتشابك صبي وجارية نوميدية تفتح صدرها من الشوق.
خيال !خيال !خيال !
شرق غير مرغوب فيه ! (ص.47)
الصورة عنصر جمالي مهم داخل ها الديوان. والصورة بكل إيحاءاتها المجازية والاستعارية تجسد وبقوة مدى ارتباط الشاعر بمدينته. يمكن إعطاء مثال لذلك من خلال المقطع التالي:
المدينة قافلة/
جزيرة مغرة راسية
جزيرة زعانف ذهبية/
في عين السماء النارية (ص.33)
من خلال تفحص الديوان، يتبين أن اللغة تعكس بشكل واضح وجلي مستويات الانفعالات النفسية للشاعر اتجاه مدينته. فعندما يحاول ملامسة حاضر المدينة الذي لا يعجبه، فإن لغة الشاعر تصبح في شكل صرخة تنتقد مآل المدينة وتنتقد كل ما يحاك ضد معالمها. ويصبح النص «عنيفا» بتعبير الناقد الفرنسي «مارك كونتار». يقول الشاعر:
المدينة المتغطرسة حيث الذاكرة وهج من الهب والعلم والقتل في ذروة النهار.
المدينة الحمراء، الشرسة. من أصدر مرسوما بأنك لست غير مأوى للجنس؟
ورغم كل شيء، يبقى الشعر والغناء مصدرين من مصادر الوجود والعيش نكاية في الظلمة وقسوتها وأهوالها. والأمل الإيجابي هو مفتاح التحرر من مختلف السياجات التي تقيد المدينة بشكل أو بآخر:
لها السبب أنا أغني منحازا للأمل، لا أساوم ;
أغنيتي حقيقتي الوجودية،
قلعتي الأخيرة لدرء النسيان والشؤم: (ص.69)
الحياة في هذا الديوان هي الملاذ وهي الخلاص Salvationوهي الكلمة التي يصوغ بها الديوان نهايته. والحياة هي للمدينة ولمدينة مراكش تحديدا:
لك الحياة أيتها العنقاء المنقوشة في جدران حدائق سرية
لك الحياة يا مراكش. (ص.71)
إجمالا، يمثل الديوان الشعري « فرجة الغابة المضاءة بالغناء»للشاعر والمترجم المغربي عبد الغني فنان نموذجا مهما في حسن توظيف للغة الشعرية من أجل تعميق الحديث عن دلالات الانتماء للمدينة والتي تمثل في الأصل استعارة عن الأمكنة وعن الأزمنة المتعاقبة بل عن الهوية بكل تشكلاتها. رغم الجرح ورغم مسحة الحزن التي تطبع هذا الديوان الشعري من حين إلى حين، فإن لغته الساحرة أضفت عليه قيمة جمالية وفنية مميزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.