بعد وصولي ورفيقي الحاج محمد الى فندق العنود بالازا حيث كانت الحافلة التي ستقل وفد حجيج وكالة ريكوردي من الفندق الى حيث المشاعر. وبباب الفندق تناولنا فطورنا وما هي الإ لحظات حتى توقفت الحافلة التي امتطيناها في اتجاه منى لم تكن لي سابق معرفة بها باستثناء صور بسيطة كنت قد شاهدتها وأنا طفل صغير بالتلفزيون أو كتلك التي كانت ببعض الكتب المدرسية .مباشرة بعد مغادرتنا شارع إبراهيم الخليل رفعت التلبية من طرف الحجيج .وبينما كانت الحافلة تسير كنت أسترق النظر الى المنشآت التجارية الكبيرة التي يشملها حي العزيزية الذي بني على الطراز الغربي عمارات فارهة ومساحات تجارية كبرى تجد كل ما تبحث عنه فيها وما هي إلا ساعة تقريبا حتى كنا عند مشارف مدخل منى حيث كانت مختلف القوات الأمنية تراقب الحافلات التي تدخل منى خاصة وأن اللجنة المكلفة بالحج ووزارة الداخلية السعودية كانت قد اتخذت العديد من الإجراءات للحد من تدفق الأشخاص غير المتوفرين على شروط الحج من دخول مكة ومنى إلا أنه كباقي بقع العالم يظهر أن هناك من يقوم بالتهجير السري الذي لا يمكن محاربته مهما تعددت الوسائل وهذا ما رأيناه حيث ستنصب الخيام الصغيرة وسيفرش الورق المقوى وسنجد الحجيج ينام في الشارع وقد أخذ منهم التعب مأخذه كما أن انعدام الطهارة والاستحمام قد فعل فعلته بالحجيج الذي دخل سرا الى مكة ومنها الى منى خاصة حجيج إفريقيا السوداء وبعض البنغال و الهنود والباكستانيين وآسيا الوسطى منى هذه هي كل الحج تقريبا حسب الكتب الإرشادية التي يتم توزيعها من طرف مسؤولي المملكة على الحجيج وبلغات متعددة حيث تؤكد على أن أعمال الحج تبدأ في اليوم الثامن من ذي الحجة وهو المسمى يوم التروية .يخرج فيها الحاج المتمتع أو المقرن أو المفرد الى منى قبل حلول الظهر وتتم فيها صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء كل في وقتها لكن بالتقصير أي ركعتين فقط ويتم فيها المبيت ليلة التاسع من ذي الحجة لصلاة الفجر فيها. دخلنا منى وبإحدى الساحات الفسيحة القريبة من إدارة الدفاع الوطني والمستشفى الميداني توقفت الحافلة لنلج بوابة المخيم حيث كانت الجهة المكلفة بوكالة السياحة قد جهزت الخيام بالأسرة التي تتحول صباحا الى آرائك خاصة بالجلوس.غادر رفيقي في اتجاه المخيم 136 بعد أن اطمأن علي وتركني في أياد آمنة فكانت أولى ملاحظاتي أن الدولة السعودية ورغم ما تجنيه من موسم الحج من أرباح فإنها تستثمر وتجدد وتبني وتشيد وتوسع من أجل السلامة أولا وأخيرا. في منى يقيم أكبر تعداد من الحجيج ومن لا يقيم بها يجب أن يبيت فيها مساء يوم التروية حسب السنة النبوية كما أنه يجب أن يكون بها يوم النحر في العاشر من ذي الحجة ليرمي جمرة العقبة أو الجمرة الكبرى وبمنى تبدأ أيام التشريق أيضا من ليلة الحادي عشر من ذي الحجة. تتم بالمبيت بها ثلاث ليال أو ليلتان لمن أراد التعجيل حسب السنة النبوية وأن كل منسك يتم إلا وتعود بعده إليها إنها مدينة الحج بامتياز. إنها مدينة فريدة من نوعها تم بنيانها بعشرات الآلاف من الخيام المجهزة بأحدث التجهيزات من مكيفات ودور المياه والرشاشات المائية والمحلات التجارية والأمن والدفاع المدني وأن كل صف من هذه الخيام يشكل حيا مستقلا بذاته منها أحياء خاصة بالبعثات وأخرى بالوفود وثالثة بالوكالات التي يتكلف فيها الوكلاء بكل شيء كما الفندق المبيت إضافة الى المأكل والمشرب. أما الخيام الأخرى فالحجيج هو من يتكلف بتغذيته ونظافته وحتى تأطيره الديني في غياب المؤطرين وهذا ما بلغنا من احتجاجات من طرف العديد من الحجيج الرسمي ونحن بمنى كما أن الزيارات التي يقوم بها المؤطرون الدينيون التابعون للوكالات يتحملون قسطا من التأطير الديني للحجيج الرسمي الذين يتخلى عنهم الجميع أمام ضعف المؤطرين وضعف تعويضاتهم أيضا خاصة أثناء القيام بالمناسك. فكيف يمكن لهذه الأمواج البشرية التي يجمع بينها إله واحد ودين واحد رغم اختلاف الألسن أن تتوحد في مكان واحد إنها القدرة الإلاهية التي وحدت بينهم في الدين هي الآخرى التي جمعت بينهم في هذا المكان ذي الخصوصيات المقدسة . بعد صلاة العشاء لأول يوم قضيناه في منى كنا نستعد للصعود الى عرفات. تناولنا عشاء تلك الليلة واتصلت لأطمئن على رفيقي الحاج محمد بالمخيم 136 ونمنا من شدة التعب .وفي حدود الثانية صباحا تم إيقاظنا من طرف الإخوة في الخيمة للتوضؤ نظرا للازدحام الذي تعرفه الحمامات ودور المياه .بعد اقتراب أوقات الصلاة توضأنا وصلينا صلاة الصبح وقرأنا ما تيسر من القرآن الكريم. بعدها تناولنا الفطور جماعة في انتظار الحافلة التي ستقلنا الى عرفات. وماهي إلا لحظات حتى كانت الحافلة جاهزة للتحرك نظرا للنظام الذي كان يلتزم به حجاج هذه الوكالة والمخطط الذي كان يرسماه كل من صاحبيها حسن ومحمد بنغدان جزاهما الله خير الجزاء عما يسديانه لحجاج بيت الله بشكل إضافي عن الخدمات المقررة في المنتوج السياحي المقدم من طرف وزارة السياحة.