حزب فيدرالية اليسار الديموقراطي بسوق السبت يرفض سرية اجتماعات المجلس البلدي ويدين "منع" المواطنين من حضور دوراته    وقفة احتجاجية لشغيلة قطاع الصحة أمام المندوبية الإقليمية للصحة ببني ملال    مجلس حقوق الإنسان يستقبل قدماء المعتقلين الإسلاميين ويبحث مطالبهم الاجتماعية    مطالب نقابية بالتحقيق في شبهات فساد بمندوبية قدماء المقاومين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    تقرير إخباري l أمريكا تُقرر رفع الرسوم الجمركية على واردات "الفوسفاط المغربي" بسبب استفادته من امتيازات حكومية    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    ارتفاع أسعار النفط بفضل بيانات صينية قوية وصراع الشرق الأوسط    العثماني يلتقي إسماعيل هنية بقطر    القضاء على عدد من الإرهابيين في غرب النيجر    2900 مظاهرة في مختلف المدن المغربية دعما لغزة منذ 7 أكتوبر    فتيات المغرب يتطلعن لهزم الجزائر في تصفيات المونديال    أيوب الكعبي يواصل تألقه في دوري المؤتمر الأوروبي    القضاء المصري يتخذ قرار جديدا في قضية اعتداء الشحات على الشيبي    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 38 مرشحا للهجرة غير النظامية    المجلس الاقتصادي يوصي بإنشاء نظام معلوماتي وطني لرصد الشباب وتتبع مساراتهم    محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق وحماس تقول إن "الكرة بالكامل في ملعب إسرائيل"    تشاد.. رئيس المجلس العسكري يفوز بالانتخابات الرئاسية    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    بيليغريني يفاجئ الزلزولي بتصريح مثير    في 5 دقائق.. 3 زلازل تضرب دولة جديدة    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    اختتام القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بمشاركة المغرب    الصين تطلق قمرا اصطناعيا جديدا    حكم قاس على يوسف الحيرش بسنة ونصف حبسا نافذا بسبب تدوينات    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    شركات عالمية تتوجه نحو منع "النقاشات السياسية" في العمل    منتخب فتيات الجزائر يتجنب الإعلام    حراس خواص يشتكون غياب الأجور    حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان    تخصيص غلاف مالي بقيمة 98 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة لطنجة    بركان تؤمن بالحظوظ في "كأس الكاف" .. ورئيس الزمالك يؤكد صعوبة المقابلة    صدمة أوناحي وحارث القوية في الدوري الأوروبي    سعار عضال.. خيال مخابرات الجزائر في مقال    هل جامعات المغرب مستعدة لتعليق تعاونها مع إسرائيل كما أعربت جامعات إسبانيا؟    موسيقى نساء تطوان بين الماضي والحاضر (1)    المحكمة الإدارية تقضي بأداء وزارة الصحة تعويضا لمتضررة من لقاح كورونا    الكعبي هداف دوري المؤتمر الأوروبي    الإيسيسكو تنظم أكثر من 60 نشاطا بجناحها في الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    بوريطة: الأمن الغذائي، أولوية استراتيجية ضمن السياسة الإفريقية لجلالة الملك    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    بايتاس… عدد الطلبات المتعلقة بالدعم المباشر للسكن تناهز 64 ألف طلب    الحكومة ترد على جدل أسترازينيكا.. اللقاحات في المغرب لا يتم العمل بها إلا بعد الترخيص    245 ألف ليلة مبيت سياحية بوجهة طنجة    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    بعد اعترافها بآثاره الجانبية المميتة.. هيئة أوروبية تسحب ترخيص لقاح كورونا من أسترازينيكا    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    الحمل والدور الحاسم للأب    الأمثال العامية بتطوان... (593)    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد إلغائه للباليه، وأخونة الوزارة المثقفون والفنانون المغاربة يساندون زملاءهم المصريّين ضدّ ظلاميّة وزير الثقافة

يخوض المثقفون المصريون، منذ 5 يونيو الجاري اعتصاما مستميتا بهدف إقالة وزير الثقافة علاء عبد العزيز. ويأتي هذا الاعاتصام، الذي يتقدّمه الرّوائيان المصريان بهاء طاهر وصنع الله إبراهيم، اللذيْن اتُّهما من طرف الإسلاميين ب»تكدير الأمن العام وتعطيل العمل في الدولة»، فضْلا عن الشاعريْن سيد حجاب وشعبان يوسف، والمخرج المسرحي جلال الشرقاوي، ورئيسة دار الأوبرا السابقة إيناس عبد الدايم والروائيون يوسف القعيد وسكينة فؤاد وسلوى بكر وهويدا صالح وسعد القرش والفنان التشكيلي محمد عبلة ومدير »دار ميريت للنشر« محمد هاشم.
ويعتبر المثقفون في مصر أنّ أساس الاعتراض في مصر ليس سياسيا بإطلاق بقدر ما هو ثقافي في الأساس، ذلك لأنّ «الصراع الدائر في مصر الآن هو صراع بين ثقافة جماعة مؤطَّرة بإرْث تاريخي يصلح لها وحدها، وثقافة شعب متعدد العقائد والمشارب، والثقافات والاتجاهات». وأمام تغاضي المسؤولين المصريين، وتمادي وزير الثقافة في أخْونة الوزارة وإلغاء فنّ «الباليه» وتهميش الإبداع الحقيقيّ، صعّد الأدباء والكتّاب والفنانون موقفهم ليشمل الدعوة إلى إجْراء انتخابات رئاسية مبكّرة.
وفي هذا السياق دعا مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر الجمعية العمومية للاتحاد إلى عقد اجتماع استثنائي في 21 الجاري للنظر في إمكان تبني الدعوة إلى عزل الرئيس محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. تنسيقاً مع الحملة التي تتبناها المعارضة السياسية، والتي دعت إلى محاصرة القصر الرئاسي في 30 من الشهر الجاري.
المثقفون والفنانون أشاروا إلى الأخطار التي تهدد الثقافة الوطنية المصرية والمؤسسات الثقافية التي هي تراث روحي عريق عاشت به وعليه الحضارة المصرية منذ آلاف السنين، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال التعامل معه بمنطق «الطّالبان». وكان المثقفون المصريون قد أصدروا بيانا جاء فيه أن «الثورة مستمرة، وأن مصر لا تملك ترف التخلي عن ثورتها بعد كل هذه التضحيات، وأن الأديب لا يملك ترف التخلي عن دوره في صنع المستقبل الذي تستحقه البلاد»، مضيفين أنّ »التاريخ أثبت بأن وقوف المثقف العربيّ في الواجهة، وقيامه بالمبادرة، لهما تأثيرهما الاجتماعي الهائل، والقادر على التغيير، باعتباره ضمير الأمة وصائغ وجدانها، ما يجعل تأثيره يتعدى الفعل السياسي، وهو تأثير لا يمكن تحققه إلا من خلال فهم للثقافة لا يرتبط بالحدود الضيقة للكتابة الأدبية فحسب، بل يرتبط بالمثقف بالمعنى الاجتماعي للثقافة«. لكن عضو الاتحاد الشاعر السماح عبد الله، الذي يشارك في الاعتصام ضد وزير الثقافة، دعا عبر »فايس بوك« إلى إنشاء اتحاد بديل »نظراً إلى الموقف المتخاذل الذي ظهر عليه اتحاد كتاب مصر في الأزمة الثقافية الأخيرة». وبالنظر للتفاعل الدائم للمثقفين المغاربة، من كتاب ونقاد وشعراء وروائيين وباحثين، مع قوى الثقافة التقدمية في العالم العربي، فإننا نقرأ في هذا العدد ردّات فعل لبعض من الكتّاب المغاربة.
الثورة المصرية تترقب
دورتها الثانية
محمد الولي
على الشعب المصري اليوم أن يختار بين العيش في شروط لا تتحملها إلا العجماوات، وبين العيش في الشروط التي تليق بالآدميين. لقد أبان خلال نهضته التي أطاحت بأحد رموز الفساد أن قوته جبارة وأن خياله يحلق بألف جناح.
إلا أن المتورطين في ملفات اغتيالات المفكرين وتكفير الفنانين والأدباء ومطاردة المناضلين الشرفاء واحتقار النساء لن تصعب عليهم سرقة الثورة، بل جهاز الدولة. والدليل ها هو مرسي يستأنف حرب مبارك على الشعب المصري، والمتمثلة في التضييق على الأحزاب والجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان عبر مراقبتها البوليسية وحجز مصادر تمويلها وتضيِيق مجال حركتها ومنع تواصلها مع المنظمات الدولية واضطهادها والزج بالمناضلين في السجون ومضايقة الصحفيين وتدجين الفضاء الإعلامي. ومواجهة احتجاجات المحرومين بالآلة القمعية البوليسية.
وفي الوقت الذي كان مبارك يقترف كل المآثم الخارجة على القانون فإن مرسي يسيج ممارساته الاستبدادية بسنِّ التشريعات التي تؤمن له الغطاء القانوني.
إن ما يهيئه أو ينفذه على الصعيد الاقتصادي يعتبر حرباً حقيقية على الشعب. إن هناك تلويحاً، (صدِّق أو لا تصدِّق!) برفع دعم ثمن الخبز، أما مواد الاستهلاك من اللحوم والأسماك فقد ارتفع ثمنها بنسبة العشرين في المئة. ولقد أصبحت الدولة المصرية عاجزة عن توفير حاجات هذا الشعب من القمح، حيث تعتبر مصر هي المستورد الأول في العالم. وإن مصر التي تزود إسرائيل بالغاز بأثمان رمزية مخجلة، تعاقب شعبها فلا توفر له من النفط ما يسمح للفلاحين الفقراء باستخدام محركات سقي مزروعاتهم، وجراراتهم وآلات حصادهم. وليست حركة النقل المواصلات أقل تضرراً من هذا العجز في سدِّ حاجات الشعب من البترول.
إن الآفاق كلها مسدودة في مصر، فهل هي ساعة الثورة الحقيقية وقد أزفت، لكي تضع حداً للطغيان الأصولي وتكنِّس البدع من كل المدن والقرى المصرية؟ إن للشعب المصري العظيم موعداً ثانياً مع الثورة بل دورة ثانية لامتحان الثورة.
السلفي لا يكره الفن خوفا من الله، بل خوفا من نفسه
سعيد بنگراد
لا يمكن النظر إلى موقف التيار السلفي من الفن بكل أشكاله باعتباره موقفا من صيغ تعبيرية شبيهة بكل ما أضافه الإنسان إلى المعطى البيولوجي والطبيعي فيه، ما يصنف ضمن الطريقة التي يدير بها النفعي في وجوده. إنه في واقع الأمر موقف من الجسد ذاته؛ أو هو خوف من طاقات تعبيرية يتخلص من خلالها المرء من روتينية الوظيفي والمكرور في حياته. وحالات الاحتفال في تاريخ الإنسان ليست سوى تحايل صريح لخرق الممنوع، أو رغبة في إسقاط لزمنية منفلتة من الممتد إلى ما لا نهاية.
إن السلفي لا يكره الفن خوفا من الله، بل خوفا من نفسه؛ وهو لا يحرمه تطبيقا لشرع الله، فلا يمكن لمن خلق أصل الجمال أن يكون عدوا لنسخة في الحياة منه، بل يفعل ذلك لكي يحارب الغواية في ذاته. فمن ليس راغبا في الرؤية لا يمكن أن يؤذيه ما لا يُرى. لذلك يصر السلفي على إقصاء المرأة من الفضاء العمومي، أو يُشْرطه بتجريدها من هوية الوجود فيها، من جسدها، وجهها، عيناها، صفاتها في الاجتماع، أي كل ما يكشف عن إنسانية الإنسان فيها.
ولأن الفن فرجة، فإن الجسد، عند السلفي هو المظهر الأول «للطاقة الجمالية « التي يحاربها في الفن والمرأة. لذلك، لا يمكن أن توجد هذه الفرجة إلا مجسدة في مجموعة من المحددات الدلالية مصدرها العين التي ترى، وليس النص المحرم أو المحلل. وهذه الحقيقة وحدها هي التي تدفع السلفي إلى معاداة «السفور» في المرأة: فإذا كانت المرأة عنده عورة، فإنها أيضا متعة، ولكنها متعة تتم في السر. لا يحق للمرأة، في الفن و في الفضاء العمومي، أن تستمتع بجسدها، إنها متاع.
يود السلفي من خلال محاربة الفن، إفراغ الجسد من كل طاقاته، عدا ما يتحدد في أطراف هي الفاصل بين المتعة والوظيفي في الجسد عندها. يستعيد الجسد من خلال الفن كل هوياته المضمرة، فهو ليس كلية يمكن سترها وراء قناع، بل هو «خارطة للحنان» ، أو «خطوط» بعضها مرئي في العين ذاتها، وبعضها الآخر يأتي من الفن والمضاف الجمالي في ممارسة وجود يتم خارج التوزيع المألوف للزمنية والحيز الفضائي.
يعرف السلفي قبل غيره أن السكينة مودعة في الجسد ذاته، فالوصول إليه يستدعي استنفارا لطاقاته، هذا ما يقوم به في حالات الذكر، أو في حالات ترديد أمداح تهتز لها النفس عبر ما يبيحه الجسد نفسه. فكما أن مصدر الطاقة المضافة هي في الصوت لا في الكلمات، فإن الرقص والغناء واللعب وكل الاستعمالات المضافة هي تحرير للجسد من أجل الدفع به إلى الكشف عما لا يستطيع قوله في حالات سكونه.
تلك هي الطاقة الاستشفائية، للفن، وذاك مداه في النفس والجسد: لذلك فالخلاعة في عين السلفي لا في الجسد، الجسد طاهر إلى أن تدنسه العيون التي تبحث عن «لحم»، لا عن جمال لا يمكن أن يكون إلا روحيا. لقد كان الإشباع دائما، كل حالات الإشباع، من طبيعة روحية، ولكن الروحي لا يمكن أن يتم إلا من خلال ممكنات الجسد، ولو لم يكن الأمر كذلك لما أحل السلفي لنفسه التثنية والثليث في النساء وما ملكت الأيمان.
خطوات هجومية
مجنونة
شرف الدين ماجدولين
أعتقد أن الإجراءات المتسارعة التي اتخذتها حكومة التيار الديني، في مصر، في مجال الثقافة، تدل، فيما تدل عليه، على أن القادة الجدد للجمهورية، بعد أن انتهوا إلى أفق مسدود في الاقتصاد والأمن القومي، وبعد عجزهم التام عن إيجاد حلول لقضايا البطالة والتضخم وتراجع الاستثمارات، وانهيار مؤسسات الدولة، وتدني خدماتها في التعليم والصحة وغيرها من المجالات الحيوية....، بعد هذا الإخفاق الذريع والسريع الذي قوض أسطورة الحلول السحرية للتيار الديني لكل مشاكل المجتمع، بات الانتقال إلى حقل القيم والجماليات والإبداع والحريات الفردية، حلا مرحليا لحفظ ماء وجه «حكومة الإخوان» أمام جمهورها وقواعدها الأكثر تطرفا.
من هنا يجب فهم قرارات وزير الثقافة المتعلقة بمحاصرة الفنون والتضييق على المبدعين و إقالة القيادات الليبرالية واليسارية في قطاعات وزارة الثقافة واستبدالهم بأشباه مثقفين ينتمون للتيارات الدينية، من حيث هي إجراء سياسي واع يستهدف فضلا عن تنزيل أطروحة الإخوان المتزمتة، أولا، جر المجتمع ، ونخبه الثقافية، إلى نقاش هامشي، في المرحلة الراهنة، وتحويل النظر من الإخفاق الذريع في التدبير والحكامة إلى ما يمكن أن يشكل انتصارا لدى بعض الشرائع الاجتماعية على العلمانيين ومظاهر الفسق والفجور... والثقافة غير الشرعية وغير الحلال.
وبفهمنا لهذا الدافع السياسي يمكن استيعاب تلك الخطوات الهجومية المستفزة التي تلبست كلام وزير الثقافة وقراراته، والتي انتهت إلى تطاول غير المسبوق على مجال يشكل الصورة المشرقة تاريخيا للدولة المصرية، بل أكثر من ذلك توجيه إهانات غير مسبوقة للنخب الثقافية المصرية، سيما تلك الأسماء التي انخرطت في مناهضة مباشرة لشخصه وخطابه، من مثل بهاء طاهر، وصنع الله ابراهيم، وابراهيم عبد المجيد، والغيطاني، وعبد المعطي حجازي، وغيرهم وغيرهم، من أجيال مختلفة، واسعي إلى تسفيه إنجازاتهم ونعتهم بالكتاب المحليين، لكنني أظن أن هذه الخطوات «الشعبوية» لن يكون لها جدوى على المدى البعيد، فالهوة بدأت تتسع بالفعل اليوم بين التيار الديني والرأي العام المصري...
الحكم عبر الانتخابات ضد الديمقراطية
محمد أقضاض
أسفر ما عرف «بالربيع العربي» عن هيمنة حركات وأحزاب الإخوان المسلمين على السلطة، رغم أنها لم تسهم في انطلاق موجات الاحتجاج، بقدر ما ركبت أمواجها بعد الانطلاق. وهي حركات وأحزاب يتداخل لديها الدعوي والوعظي بالسياسي بل يشكل الدعوي لديها مطية نحو الوصول للسلطة. ولما كانت «ثورة الربيع العربي» تركز على ممارسة الديمقراطية، استثمر الأخوان المسلمون في البلدان العربية شعار الديمقراطية واستفادت منه. ومن المؤكد أنها حركات معادية للديمقراطية، تستغل فيها فقط الانتخابات، انتخابات بدون ديمقراطية. وهي لأنها تنطلق من أن السلف أعطى كل شيء، وما على المسلم الراهن إلا أن يعود إلى سلفه ليعيد إنتاجه، لا يمكن أن تقتنع بالديمقراطية، بما هي حرية الفرد، وحرية الجماعات وحرية الإنسان وحقه في الرأي المخالف وفي التعبير عنه، وحقه في الإسهام في تدبير شؤون مجتمعه، فضلا عن حقه في الشغل والعيش الكريم والتعلم والعلاج. فالديمقراطية ليست فقط الانتخابات، وكما يقول إدغار موران Edgar Morin، «الديمقراطية في حاجة ليس فقط لبرلمان تمثيلي ناتج عن الانتخابات، وليس في حاجة فقط للفصل بين السلط، التنفيذية التشريعية والقضائية، بل هي في حاجة أيضا لتعدد التصورات والآراء المخالفة في المجال السياسي، في حاجة لحرية الصحافة والوسائط ولحرية الرأي، ولاحترام حقوق الفرد، ولحماية الأقليات الفكرية والعرقية»1. بينما حركات الإخوان لا يهمها لا فصل السلط ولا حقوق الإنسان ولا حرية الفرد وحرية الصحافة وحرية الفكر والرأي بقدر ما يهمها أن تمارس قناعاتها الأخلاقية التي لا علاقة لها بالعصر...
ومن المعروف أن بلدانا عربية عديدة وصل فيها الإخوان المسلمون إلى السلطة، عبر الانتخابات من أجل أن يلغوا الديمقراطية. وهم ثلاثة أنواع: 1 نوع يخضع للشروط السائدة في البلاد التي يصلون فيها إلى السلطة، كما جرى في تركيا حيث قوة المجتمع العلماني نافذة، أو في المغرب حيث الملكية قوية سياسيا ومرنة عقائديا ومتحررة اجتماعيا وليبرالية اقتصاديا، غير أن ممارستهم للسلطة الدينية لفرض أرائهم ومواقفهم تبرز كلما سنحت الفرصة. 2 نوع يوظف التكفير والقتل للوصول إلى الهيمنة على الدولة، كما جرى في أفغانستان ومالي مثلا، وحين يتمكنون منها يعمدون إلى هدم ما بدا لهم، من مآثر، أنها بدع، وهم بذلك يؤمنون إيمانا راسخا، ووهميا، أن عملهم هو شرع الله. 3 حركات توظف الدين والعمل السياسي في نفس الوقت، دون أن تهمل الترهيب والتخويف، لتصل، عبر الانتخابات، إلى التحكم في السلطة، ثم تلغي الديمقراطية وتبني دولة ثيولوجية، حينذاك لا تتوانى في استعمال العنف اللغوي والتكفيري والسياسي والتهديد والترهيب الماديين، إلى درجة إمكانية تحريك هوامش الحزب الديني المتطرفة لتنفيذ التهديد بالاغتيال كما حدث في تونس أخيرا ويحدث في ليبيا ومن المنتظر أن يحدث في مصر أيضا..
مصر التي تمكنت فيها حركة الإخوان المسلمين من الفوز في الانتخابات بالأغلبية البرلمانية وبرئاسة الدولة، وهي الآن تمثل نموذج الحكم الدعوي. يمثل هذا الحكم الصورة الكائنة والممكنة التي يمكن أن يستأثر بها الإخوان المسلمون. ومن أهم تجلياتها الأولية: 1 التخلي عن الشعارات التي دافعوا عنها قبل الانتخابات. 2 الخطاب المناقض للفعل. 3 إلغاء الرأي المخالف ومحاربته، 4 تطبيق بعض الأحكام السلفية بشكل، ضمني أو مباشر، لمحاربة ما يعتقدونه بدعا. 5 اعتبار البرلمان غرفة استشارية، وغير ذلك خروج عن الشريعة. 6 الآراء والأفكار التي لا تتناسب مع أفكارهم هي علمانية والعلمانية كفر والكفر يطبق عليه الحد. 7 والحد بتشويه المخالف أو تهديده أو تنفيذ بالاغتيالات التي يقوم بها فروعهم الهامشية التي يحتضنونها في الخفاء ويتبرأون منها في العلن...
لذلك يتجلى الحكم في مصر بعيدا عن الإنسان المصري ومضادا لنخبه السياسية والفكرية المدنية وغير الدعوية ومعاكسا للتنمية التي يحتاجها الشعب المصري في الزمن الراهن. فهم، كباقي الحركات لإسلامية السياسيوية المعاصرة، يعتقدون في قرارة أنفسهم، أنهم يمثلون الله في الأرض بطريقتهم الخاصة لفهم الدين والشريعة، وأن وصولهم للحكم عبر الانتخابات هو منة من الله لحماية العقيدة، ومن الله يستمدون حكمهم بذلك يؤمنون ب»إطلاقية فكرهم» و»مواقفهم»، وأن لديهم كل «الحقيقة المطلقة»، وغيرهم هو «حقيقة مزيفة» الأمر الذي يختزل الديمقراطية في الانتخابات من أجل الحكم، والمحفل المنتخِب يصوت لأن تصويته فرض عين، مهما كان حكم الإخوان المسلمين... ومحاربة الرأي المخالف واعتقادهم أنهم يحكمون باسم الله وأن رأيهم يمثل الحقيقة المطلقة، هو ما يجعلهم يرفضون إشراك الغير المخالف في التدبير، لذلك لا ينبغي الأخذ بأفكاره ومواقفه، وفي نفس الوقت تتحرك هوامشها ضد كل معارض للثقافة السياسة الإخوانية، فيتم تشويههم وتهديدهم بالتصفية الجسدية كما أشرنا.
ونأمل أن تتصدى الحركات السياسية والثقافية الديمقراطية العلمانية والتقدمية، بكل إمكانياتهم السياسية والفكرية والجماهيرية لكل تهديد من تلك الحركات للبلدان العربية والإسلامية، وأن تفضح كل الممارسات الترهيبية سواء بالخطاب والفتاوى أو بالتهديدات المباشرة وغير المباشرة، إن بلداننا إذا بقيت زمنا بين أيدي تلك الحركات الإسلاموية ستعيدها إلى عصور الانحطاط في كافة المجالات، خاصة وأنها حركات تصل إلى السلطة دون برنامج محدد واقعي وشامل يتوخى التنمية الوطنية، برنامجها الأساسي مرتبط ب»التقويم الخلقي» بطريقة دونكيشوطية.. ومن المفروض لمواجهة هذا التراجع المرضي أن يضغط الجميع من أجل إصلاح الحقول الثقافية والإعلامية والتربوية، ومواجهة كل أنواع الرداءة التي أغرقت بلداننا. ولابد أن يتم التضامن المطلق مع المثقفين والسياسيين المصريين الذين يواجهون دائما تهديدا إرهابيا، ولابد من التنديد بتلك السياسة الرسمية وغير الرسمية التي تستخف بالرأي الآخر وتخنق الحريات الفردية والجماعية والحريات الصحافية وتعمل على إلغاء الديمقراطية بالتدريج.
1 - LA VOIE Pour l'avenir du l'humanité, Ed. Pluriel, 2012, p. 103-104.
مصر الآن
يحيى بن الوليد
من وجهة نظر تاريخية، كانت الحاجة إلى الثورة ملِّحة، سواء في السياق المصري أو في سائر أقطار العالم العربي بالنظر ل»الاستعمار الداخلي البشع»، الذي ظلت البلدات العربية تخضع له، وعلى نحو لا يقلّ فظاعة على الاستعمار السابق والمباشر. ومن وجهة نظر تاريخية أيضا لا بدّ من أنْ نتقبّل «النتائج السياسية» للثورات وعلى النحو الذي أفْضى بالأحزاب الإسلامية، واعتمادا على انتخابات مراقبة، إلى أن تصل إلى الحكم. وأخطر ما لا نلتفت إليه، وبالقدر الكافي، هو «التحوّل» الحاصل في «ثقافة الأداء الإسلامي». ومن ناحية «التحوّل» الذي لم يعد يستقر على «لغة التكفير المباشر» الذي يفضي إلى «الاجتثاث المباشر». الخطورة هي في الإمساك ب»أجهزة الدولة» وتسخيرها إلى أداة لملاحقة «العقل النقدي» ومحاصرة مناط تشكُّله.
أجل إن السياسة والاقتصاد والاجتماع... جميعها عناصر تسهم في تقدير التحول المجتمعي الملموس مثلما تسهم في تقدير تعطيله المعكوس، إلا أن دور الثقافة يظل الأبرز على هذا المستوى وبشقيه. فتنزيل الدستور والقبول بالديمقراطية... ومناصرة قيم العقل والحرية والتسامح... يستلزم نوعا من الاستناد إلى «الثقافة» بمعناها «المجتمعي» الذي يغذي الاختلاف والقبول بالآخر... وكل ذلك في إطار من تعميق شرط الدولة باعتبارها ضامنة لحق التعايش باعتبارها مؤسِّسة للمواطنة والحق في التدرج في العيش المحترم وباعتبارها حامية من «الانفجار»... وهذا هو الأخطر، وهذا ما لا نرغب لمصر أو أي بلد عربي الانتهاء إلى مستنقعه. فدور المثقف على مستوى تعميق هذا النقاش أساسي، لكن دون أن نجعل منه ملاكما أو أن نقذف به إلى «نيران الغليان» و»رمال الاندثار».
«تخونيج» الثقافة
أدريس الخوري
ما تتعرض له الثقافة والفنّ، في مصر، على يد «الإخوان» الذين ركبوا على السلطة بعد ثورة 25 يناير 2011، لأمر جدّ محزن ويبعث على الخطورة وتردّي الأوضاع هناك، إذْ أن تعيين كائن إخوانجي مغمور وزيرا للثقافة ترك صدى واسعا ومضادا لدى الكتّاب والمثقفين والفنانين الذين رأوا في تعيينه عدّا عكسيا خطيرا سيمسّ بحرية التعبير والتضييق على الثقافة بصفة عامة. ذلك أنّ الأمر لا يخلو من «سياسة» دينية مفكّر فيها من قبل، وها قد أتيحت الفرصة للإخوان كي يطبقوها حرفيّا وبشكل ممنهج، وما قيام المثقفين والفنانين باعتصامهم في مصر وزارة الثقافة إلا دليل على مدى خطورة ترفض كل فكر مغاير لإيديولوجيتها الدينية المتزمّتة. على المثقفين العرب، ومنهم المغاربة، أن يقفوا صفّا واحدا ضدّ «أخْونة» الثقافة في بلاد نجيب محفوظ وأم كلثوم وعبد الحليم، في بلاد هند رستم وليلى فوزي وماري منيب وسيّد درويش ومحمد عبد الوهاب وإسمهان وليلى مراد الخ. نحن الآن راجعون إلى الوراء بشكل متسارع لأ أفق له سوى الظّلام الدامس الذي يخيّم علينا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.