تزايد اهتمام الباحثين و الفاعلين التربويين في الآونة الأخيرة بظاهرة العنف بالفضاء المدرسي لاستفحالها ، ولما أصبحت تشكله من خطورة ، الأمر الذي يستدعي التفكير في مواجهتها، و الحد منها من خلال ضبط مظاهرها و متغيراتها . لرصد ظاهرة العنف المدرسي هاته ، أنجز العربي عماد - أستاذ باحث في علوم التربية - بحثا ميدانيا انطلق من إشكاية تحديد أبعاد هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها ونتائجها . لمقاربة هذه الإشكالية و ضبط بياناتها و معطياتها ،استعمل الباحث منهجا وصفيا من خلال تصميم استبيان أخضع لصدق المحكمين ضمانا لصلاحيته ، قبل توجيهه إلى عينة من الفاعلين التربويين [ 50 مديرا ، 50 أستاذا و 500 متعلما ] ينتمون لمؤسسات تعليمية بالسلك الثانوي الإعدادي بالأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين لجهات : الدارالبيضاء الكبرى، دكالة عبدة، الشاوية ورديغة ، و سوس ماسة درعة . و قد أسفر هذا البحث عن النتائج الأولية التالية : 1- هيمنة النزاعات البدنية : انتشرت النزاعات البدنية في صفوف التلاميذ بفضاء المدرسة بكيفية ملفتة للانتباه ، و هذا ما أكده 78% من التلاميذ الذين شملهم الاستطلاع ، و 22%من فئة مديري المؤسسات التربوية و 46 % من فئة الأساتذة المستجوبين. 2- تعدد أشكال العنف : يمكن التميز في هذه الأشكال بين العنف الجسدي و اللفظي و التهديد . - العنف الجسدي : هو عبارة عن شجار تختلف مستوياته بين المتعلمين ، أو تخريب لممتلكات المؤسسة . وقد بينت نسبة 44% من التلاميذ و 62% من الأساتذة، ونسبة 48% من المديرين أن هذه الأنواع من العنف تحدث بمعدل مرتين كل أسبوع . - العنف اللفظي : يتمثل في الشتم والإهانة : أثبتت نسبة 82 % من التلاميذ حدوثه أسبوعيا بين ثلاث و خمس مرات،وهو ما أكدته نسبة 8% من الأساتذة،وأقرت به نسبة 28% من المديرين .هذا دون احتساب حالات العنف التي تتم معالجتها دون اللجوء إلى الإدارة. - التهديد: أخبرت بحدوثه بين التلاميذ نسبة 22% من تلامذة العينة المستجوبة . و أثبتت نسبة 18% من أساتذة تعرضها لذلك من قبل التلاميذ . كما عبرت نسبة 35%من المديرين ممن شملهم الاستطلاع أنهم أيضا يعانون هذا النوع من العنف من قبل تلامذتهم. 3- تعدد أماكن العنف : يحدث العنف المدرسي في أماكن مختلفة داخل المدرسة . على أن هذا السلوك غير المدني يحدث بشكل أساسي بثلاث نقط رئيسية هي على التوالي : باب المؤسسة، ساحتها و مراحيضها . وذلك حسب ما أكدته عناصر العينة المستجوبة من متعلمين ومدرسين ومديرين بنسب متفاوتة. 4- سرقة الممتلكات الشخصية : أكدت نسبة 82 % من التلاميذ و50% من الأساتذة و 24% من المديرين استفحال ظاهرة سرقة الممتلكات الشخصية . 5- تهديد سلامة الأساتذة والمديرين : أكدت نسبة 22% من التلاميذ و 12%من الأساتذة و27% من المديرين الذين شملهم الاستطلاع أن سلامة كل من الأساتذة و الإداريين قد غدت مهددة،ولا سيما بعد الحصص الدراسية . و في هذا السياق أثبتت نسبة 84% من التلاميذ و 64% من الأساتذة و 51% من المديرين ارتفاع درجة العنف بهذه الفترة الزمنية من اليوم الدراسي. كما اثبتت الدراسة ارتفاع مستوى عنف التلاميذ هذه السنة (2012-2013) ، و هو الشيء الذي تؤكده نسبة 42% من التلاميذ و يقره 38% من الأساتذة و 53% من المديرين . تؤشر هذه المعطيات بشكل كبير على أن أجواء المؤسسات التعليمية أصبحت أقل أمنا من السنة الماضية (2011-2012) حسب 38% من التلاميذ و 26% من الأساتذة و 58% من المديرين . 6- أسباب العنف المدرسي : - التفكك العائلي و الفقر: أظهرت الدراسة أن التفكك العائلي والفقر يأتيان في الدرجة الأولى متبوعين بعدم تدخل الأسرة والحالات النفسية ،وتفشي ظاهرة التعاطي للمخدرات بين التلاميذ، الشيء أثبته المتعلمون أنفسهم بنسبة 52% و أكده كل من الاساتذة بنسبة 44 % والمديرين بنسبة 39 % . - غياب وسائل الترفيه التربوي والأنشطة الموازية : لقد أكدت نسبة 78% من التلاميذ غياب وسائل الترفيه التربوي بالمؤسسات التعليمية . وهو غياب أثبتته نسبة 52% من الأساتذة،و 56% من المديرين. و في ظل غياب الأنشطة الترفيهية و الرياضية و تردي أساليب التواصل و قنوات الحوار بين المدرسة و باقي الشركاء ، يبرز السلوك العدائي للتلميذ تجاه ممتلكات المؤسسة . فقد أكدت نسبة 85% من التلاميذ استفحال هذه الظاهرة . و هو الأمر الذي أقر به 35% من الأساتذة و 42% من المديرين. 7- ضعف المعرفة بطرق الحد من العنف المدرسي : كشف استطلاع الرأي المعتمد ان 74% من الأساتذة ،و73% من المديرين يعترفون بأنهم يملكون معرفة جد نسبية بكيفية التعامل مع العنف المدرسي ، ويحتاجون إلى تكوين مستمر يجعلهم قادرين على التصدي للظاهرة بشكل علمي. خلصت الدراسة من خلال هذه النتائج الأولية إلى مجموعة من التوصيات للحد من ظاهرة العنف المدرسي يمكن إجمالها فيما يلي : - جعل المدرسة فضاء للإبداع عبر تفعيل الحياة المدرسية. - تمكين المدرسة من إقامة شراكات حقيقية يضطلع فيها كل طرف من الشركاء بمهمته على أساس أنها مسؤولية وطنية. - العمل على إدخال الحياة الواقعية إلى المدرسة في أفق تدريب المتعلم على اختبار العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ضمن وضعيات تربوية ملموسة . - العمل على دمقرطة الحياة التربوية باعتماد تعاقد اجتماعي يحكمه قانون واقعي ملموس يكون للتلميذ دور أساسي في صنعه . - إشاعة ثقافة الحق والواجب و ثقافة المشاركة داخل المدرسة. - تمكين التلاميذ من الوعي بأن التعلم مهنة مقدسة شأنها شأن غيرها من المهن الاجتماعية ، تتطلب التزاما مادامت ستؤهلهم لتحمل مسؤوليات اجتماعية مستقبلية ، و بالتالي تستدعي التسلح بكفايات تساهم في تحقيق التنمية بمعناها الحداثي. - تفعيل المقاربات البيداغوجية الفعالة التي تحفز التلاميذ على الإنتاج بدل الاستهلاك المعرفي. - إعادة النظر في نظام التقويم التربوي لمردودية التلاميذ. - تفعيل المراصد الجهوية للعنف المدرسي.