راهن جون كيري على نوع من التكتم في قيادة حوار فلسطيني إسرائيلي، من أجل حل يكون وزير خارجية أمريكا، عرابه، بمعية بلاده. لكن الشرق الأوسط، وفي قلبه معادلة القضية الفلسطينية صرة التفاعل الكبري في العالم ،استعصى على إرادة الوسيط بين عباس أبو مازن وناتانياهو. و تعالت الأصوات في إخراج متساو إلى أن يسقط الصمت من الصحراء الدبلوماسية التي تخيم على كل قضايا المنطقة. لكن الذي يصرخ أكثر، أو بصوت أعلى في الصحراء، على حد توصيف ثقافي للطوارق الأفارقة، هو ... الصمت . لا شيء أكثر صوتا من الصمت في ديبلوماسية الشرق الأوسط.. بالرغم من كل الخبطات والأخبار والتنقلات التي تقود قادة الدولة المحتلة إلى واشنطن، قدما من تل أبيب. لماذا؟ ففي الصمت هناك محاولة الفهم المركزية لما يجري في فلسطين اليوم 1 - العجز الأمريكي الذي رافق قرارات إسرائيل بالزيادة في الاستيطان والعنف، والتنكيل بالشعب الفلسطيني، ثم في توسيع دائرة التهويد، لم يترك لجون كيري صوتا يسمع من لدن الفلسطينيين. وقد زاد قرار تعليق الإفراج عن إسرائيل من عزلة الصوت الأمريكي، المرافق لكل عجز في إغضاب الحليف الدائم. 2 - الصوت العربي كان أقل من الصمت في القمة العربية الأخيرة. والدليل، الذي تقف على قاعدته القرائن، هو أن القمة العربية، بالرغم من ترتيبها للقضية الفسلطينية، ولخفايا كلام الرئيس الفلسطيني في مقام الأولويات، لم تستطع أن تعطي، في بيانها السياسي أي صوت مسموع للقضية، وسط أصوات انفجارات العراق وسوريا ولبنان، والصراعات البين خليجية والصراعات حول مصر ودورها في المنطقة بعد سقوط دولة «ا» على يد السيسي... لم تستطع القمة أن تعيد قضية العرب المركزية إلى مركز القضايا، وجاءت القرارات من بين رفع العتب ( حتى أن القادة العرب وجدوا الوقت كاملا ليملأوا سلال الديبلوماسية بقضايا البيئة والاقتصاد الأخضر .. بالرغم من صعوبة الأرض العربية تحت النيران !). 3 - العزلة الفلسطينية، إقليميا بسبب ما سبق ذكره، ودوليا بسبب مسافة العطف التي يتمتع بها الحليف الإسرائىلي، و عجز الصوت الفلسطيني الاندغام في صرخة واحدة (موزعا كما هو بين قذائف حماس وبين .. صوت الديبلوماسية في فم السلطة الفلسطينية)، كله وضع السلطة ورئيسها في وضع صعب، وضيق من هامش المناورة. وقد كان ديدي بيون، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي محقا وهو يفسر لجوء السلطة إلى إعلان التوقيع، بالإجماع، على 15 معاهدة انضمام أو اتفاق مع دول العالم. وهو القرار المتخذ ردا على قرار إسرائيل تصعيدي برفض إطلاق سراح 104 أسرى فلسطينيين، بناء على اتفاق برعاية أمريكية. وهو ما اعتبر «قلبا لطاولة المفاوضات» السابقة. هي على الأقل محاولة «تغيير قواعد اللعبة» التي تريد إسرائيل الاستفراد بها في ظل وضع متفجر إقليميا. بالنسبة للخبير الفرنسي ، لم يبق «لدى السلطة سوى المبادرة على المستوى الديبلوماسي، بالرغم من ضيق هامش المناورة» والسبب في اللجوء إلى هذه المناورة، هو «دفع دول الأممالمتحدة إلى اتخاذ مواقف واضحة من القرار الفلسطيني»، وهي مواقف لن تكون بعيدة عما تريده السلطة الفلسطينية بذاتها. كيف ذلك؟ فالحركة الحالية امتداد لمبادرة ديبلوماسية سبق للسلطة قد اتخذتها وتتعلق بطلب الانضمام إلى الأممالمتحدة كدولة برتبة ملاحظ . وهو القرار الذي أثار وقتها مواقف متشنجة من إسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة، ومعارضة قوية (باسم معاهدة السلام أوسلو الطيبة الذكر !). قبل سنتين من هذا القرار، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد صوتت بأغلبية 138 ومعارضة 9 دول وامتناع 41 دولة عن التصويت على منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو. وتضمن القرار ، في ديباجته الإعراب عن الأمل« بأن ينظر مجلس الأمن إيجابا» في قبول طلب الدولة الكاملة العضوية الذي تقدم به الرئيس محمود عباس في شتنبر 2011، وأسقطته أمريكا باستعمال حق النقض أو الفيتو. وعليه،فإن طلب الانضمام إلى 15 منظمة ومعاهدة واتفاقية دولية هو، من جهة الخطوة الثانية بعد قبول دولة فلسطين بالصفة المعلنة أعلاه، وهو من جهة أخرى خطوة لا يمكنها أن تحظى بأقل من الاصوات من طلب الانضمام نفسه إلى الجمعية العامة كدولة مراقب. وهي طريقة دائرية لدفع الدول إلى اتخاذ المواقف وإعادة فلسطين إلى الرقعة بين التمثيليات الديبلوماسية. نقطة الضعف الكبرى، إذا ما اسثتنينا الخروج العربي من رقعة اللعب، هو التنافس والاحتدام بين حماس والسلطة الفلسطينية. في تعامل السلطة( فتح باب الوحدة من جديد، والدفع بالديبلوماسية إلى الواجهة) ما ينقذ القضية من الغرق الطويل في بحيرة اللامبالاة الإقليمية. وأمام حماس ذاتها فرصة لكي تنقذ موقفها، لا سيما بعد ما وقع بسقوط حكم الإخوان في مصر (الحليف الاستراتيجي السوري في المنطقة وتحويل التحالف إلى خارج دمشق وبعثرة الرأسمال الحاصل من مقاومة غزة ومقاومة حزب الله على حد سواء. وهو ما يعني أن الصمت قد يكون الصوت الأعلى في الصحراء التي تعبرها اليوم، عوض التفجيرات الصادرة عن صواريخ، وهي تعلة إسرائيل للعودة إلى الطاولة الدم، وليس المفاوضات والهروب من خطوات الديبلوماسية، بكل علاتها.