يعيش الرأي العام المغربي هذه الأيام حالات من الترقب والخوف والتساؤل حول توقيت وحقيقة وأسباب وأبعاد وتداعيات حالة التأهب الأمني والعسكري التي تعرفها عدة جهات من المملكة. بل إن جل المغاربة أصيبوا بالدوران بسبب ما ينشر ويبث ويشاهد في وسائل الإعلام بكل أشكالها حول التغطية الأمنية والعسكرية للمواقع الحيوية والاستراتيجية بالمملكة مقابل صمت رهيب للجهات الرسمية .وطبيعي أن يسرب هذا الصمت القلق والخوف والكثير من التساؤل حول حقائق ما يعرفه المغرب من استنفار أمني وعسكري لأسباب متعددة: * توقيت التأهب: تزامن التأهب الأمني والعسكري بالمغرب مع انهيار نظام الأمن الإقليمي العربي بالشرق الاوسط وبشمال إفريقيا، خصوصا بليبيا التي تحولت الى مستنقع للتطرف وامتلاك جماعات متطرفة أسلحة متطورة، وبالجزائر والساحل الإفريقي حيث الانفلات الأمني غير المسبوق ، ونوعية الحرب الإعلامية بين المغرب والجزائر بالإضافة الى فشل المقاربة العسكرية والاستراتيجية الأمنية الأمريكية بالعراق وسوريا وليبيا، مما أدى لانهيار كل أنظمة هذه الدول وفتح المجال للحركات المتطرفة مثل داعش وغيرها من الحركات الإرهابية- لتستولي على أسلحة كثيرة ومتطورة وتفرض قوانينها بهذه الدول المنهارة، مما دفع بعدة عواصم غربية تنبيه أنظمة دول شمال إفريقيا باحتمال تعرضها لهجمات إرهابية، خصوصا وأنها تتزامن مع الأحداث الإرهابية التي ضربت العمق الأمريكي 11 شتنبر 2001. * مدى جدية تهديد الأمن القومي للمغرب : أخبار كثيرة وقراءات مختلفة وتأويلات متعددة تتداول جدية تهديد الأمن القومي الوطني من طرف المجموعات الإرهابية مقابل صمت ممنهج للجهات الرسمية، لكن كل ما يقال وينشر عن هذه التهديدات يبقى مجرد تخمينات أو تأويلات غير مبنية على معطيات رسمية أو على معلومات من مصادر موثوق بها، وإن كانت كل المنابر الإعلامية وآراء الباحثين تتفق على أن هذا التأهب له ارتباط بالمقاربة الأمنية والعسكرية والاستراتيجية الاستباقية للمغرب ضد أي عمل إرهابي وارد نتيجة تطور الأوضاع الأمنية بالعراق وليبيا والجزائر وسوريا. * اختلاف مصادر التهديد: لم تتفق جل المنابر الإعلامية والقراءات الأكاديمية حول مصدر معين للتهديد الإرهابي للمغرب، هناك من يربط ذلك بداعش ومنها من يربطها بالتيارات المتطرفة بليبيا وأخرى بجبهة البوليساريو، وبالتالي الجزائر، ومنها من يربطها باستراتيجية القاعدة واستهدفها بلدان شمال افريقيا ،ومنها من ربطها بمعلومات أوردتها تقارير دولية من أهمها التقرير الأمريكي الأخير الذي نبه المغرب الى خطورة هشاشة الوضع الامني والعسكري بالنظام الاقليمي العربي، وإمكانية استغلال الحركات المتطرفة هذا الوضع لضرب بعض المواقع الحيوية والاستراتيجية ببلدان شمال افريقيا ومن بينها المغرب . * غموض التهديد: الى حد اليوم لا يعرف أحد أي شيء عن نوعية التهديد، فكل ما يتردد في الصحف أو يقوله بعض الباحثين هو مجرد تأويلات يصعب تكذيبها أو تصديقها لذلك سيبقى الغموض حول هوية التهديد هو سيد الموقف، خصوصا بعد صمت الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 61 لثورة الملك والشعب عن أسباب الاستنفار الأمني والعسكري بالمغرب، وعن هوية التهديد المفترض ومصادره. * المناطق الجغرافية المستهدفة: يتبين من بعض المعلومات غير الرسمية نشر الجيش المغربي لبطاريات صواريخ أرض جو متطورة قرب عدد من المواقع الصناعية الحساسة، ووضع القوات الجوية في حالة تأهب قصوى.. وقد نشرت القوات المسلحة الملكية مؤخرا مجموعة من بطاريات الصواريخ والمضادات الجوية بعدد من الواقع الحيوية والاستراتيجية بجهات الدارالبيضاء، والمحمدية وفاس والعيون ومراكش والشمال والساحل الاطلسي .لكن جل ما تتناوله المنابر الاعلامية ويردده بعض الباحثين والاكاديميين حول الجهات أو المواقع المستهدفة من هذا التهديد، غير مبني على مصادر رسمية خصوصا في غياب أي معطيات رسمية حول ما يجري، بل إن حتى بعض الصور التي تتداولها بعض الأشرطة ووسائل الاعلام تبقى دون مصادر مضبوطة: كيف ومتى تم التقاطها أو هل تم تسريبها؟ . * التأثير الإيجابي والسلبي لنشر الأسلحة بجهات المملكة: نشر أشرطة وصور عن تحركات الآليات العسكرية المغربية يمكن أن يكون له إما تأثير سلبي على المغاربة عبر تسريب الخوف والترقب والتساؤل الى نفوسهم، وإما تأثير إيجابي عليهم لأن نشر تحركات الجيش المغربي وسلاحه من خلال الصوت والصورة يمثل استراتيجية إعلامية لطمأنة المغاربة من جهة أخرى، وإرسال رسائل إليهم مفادها قدرة المغرب واستعداده على المواجهة العسكرية وحماية الوطن ضد كل تهديد كيفما كان نوعه. * تأثير صمت الجهات الرسمية على تحركات الجيش على الرأي العام: "هناك ترقب وحيرة وخوف وطرح أاسئلة مقلقة من طرف الرأي العام حول تحركات الجيش المغربي بعتاده في وقت كثر فيه نشر الأشرطة والصور عن أسلحة وآليات حرب مراقبة جد متطورة - دون تحديد المصادر- في كل وسائل الاتصال الجماهيرية. وأمام استمرار صمت الجهات الرسمية داخ المواطن المغربي، وضاع بين عالم الإشاعات والتأويلات، بل إنه لم يعد يفهم سر هذا الصمت وهنا أعتقد أن من حق المواطن والرأي العام أن يعلم بكل تفصيل عن أي تهديد للوطن ليكون مستعدا نفسيا ومعنويا لكل طارئ إذا قدر الله-.. وفي كل الحالات، استمرار صمت القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية المغربية بشأن أسباب إقامة منصة الصواريخ المضادة للطائرات في وضع غير مسبوق سيزيد من حيرة المواطن وتأويلاته، وسيفتح الباب أمام التكهنات والإشاعات والتأويلات. والغريب في الأمر أن يلتزم رئيس الحكومة بنكيران وأعضاء حكومته بمن فيهم وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة صمتا رهيبا، بل إنه لم يجرؤ أي فريق برلماني كان من الأغلبية أو المعارضة على الدعوة إلى اجتماع طارئ للجنة الشؤون الخارجية لتداول ما ينشر وما يكتب وما يذاع حول تهديدات خارجية للبلاد. قد يكون هناك أكثر من مبرر لصمت الجهات المعنية حول هذه التهديدات، لكن مبادئ الديمقراطية تلزم هاته الجهات بتقديم معلومات عن التهديد الذي يمس المغرب لأن المغرب ملك للجميع كما أكد الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 61 لثورة الملك والشعب لهذه السنة، لأنه بدون هذا الحق يصعب الحديث عن ديمقراطية حقيقية، وإن كانت المادة 19 من مشروع القانون التنظيمي للوصول للمعلومة تستثني المعلومات المشمولة بالحق في الحصول عليها بموجب هذا القانون، خصوصا تلك المعلومات المتعلقة بأمن الدولة الداخلي والخارجي الذي ليس له أية علاقة بما يعرفه المغرب من استنفار أثار مخاوف الرأي العام حول أسباب وتوقيت وتداعي وأبعاد نشر الجيش المغربي لمعدات عسكرية من هذا النوع بأكبر حواضر المغرب، خصوصا في ظل الصمت المطبق للحكومة والقيادة العامة للقوات المسلحة... صمت من شأنه تغذية تنامي الإشاعات والتأويلات. لذلك نقول من حق الجهات الرسمية الصمت لكنها لن تستطيع حجب الحقيقة أو سجن المعلومة لأن حقيقة هذا الاستنفار العسكري بالمغرب ستصل للرأي العام لكن عبر وسائل ومصادر أخرى، مما سيجعل المواطن يهرب أكثر من الاعلام الرسمي ويفقد الثقة أكثر في مؤسسات الدولة. وعلى هذا الأساس فعلى صناع القرار بالمغرب أن يفهموا أنه لم يعد بمقدور أي نظام أو قوة أو مؤسسة التحكم في المعلومة والتستر عليها أو إخفاؤها لأن المعلومة في القرن 21 أصبحت تستنشق مع الهواء.. بل أصبحت قاهرة لكل الأنظمة والمؤسسات ومن بينها المؤسسات الأمنية والعسكرية التي أمامها خياران: إما نشر المعلومة لصنع الحدث، وإما إخفاء المعلومة ليفعل فيها الحدث. (*)أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق اكدال الرباط أستاذ التواصل السياسي