نقابة "البيجيدي" ترفض مقاربة الحكومة للحوار الاجتماعي    أمطار قوية أحيانا رعدية غدا الأربعاء بعدد من أقاليم شمال المغرب    أسعار النفط تهبط للجلسة الثالثة ترقبا لمباحثات هدنة في غزة    "الأمم المتحدة": تدخل الشرطة "غير متناسب" ضد احتجاجات الجامعات الأميركية    ال"طاس" تصفع النظام الجزائري وترفض طلب الاتحادية الجزائرية بشأن مباراة اتحاد العاصمة وبركان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    حريق المتلاشيات بإنزكان.. العثور على جثة متفحمة والأمن يفتح تحقيقا (فيديو)    الدكتور هشام المراكشي يصدر مؤلفه الجديد 'نوازل العقار في الفقه المالكي والعمل بأحكامها في القضاء المغربي    السكوري: الحوار الاجتماعي نال إعجابا دوليا.. وأولويتنا تحسين دخل الشغيلة    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    التلسكوب الفضائي"جيمس ويب" يلتقط صورا مفصلة لسديم رأس الحصان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الناصيري ل"الأيام 24″: أشغال ملعب "دونور" تسير بوتيرة سريعة ومعالم الإصلاح ستظهر قريبا    أندية سعودية تغري "وست هام" للتخلي عن أكرد    بطولة إفريقيا للجيدو.. المنتخب المغربي يحتل المركز الثالث في سبورة الترتيب العام    رئيسة الجمعية العامة لليونيسكو تطلع على ورشة لتكوين صناعة الزليج التقليدي التطواني    البحرية الملكية تقدم المساعدة ل81 مرشحا للهجرة غير النظامية    ثلاث وفيات وعشرون حالة تسمم بأحد محلات بيع المأكولات بمراكش    ثلاثيني يُجهز على تلميذة بصفرو    تسارع نمو الاقتصاد الإسباني خلال الربع الأول من العام    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولاتها بأداء سلبي    ثمان نقابات بقطاع الصحة تعلن عن سلسلة إضرابات وتحشد لإنزال بالرباط    هل تحول البرلمان إلى ملحقة تابعة للحكومة؟    حماس تستعدّ لتقديم ردّها على مقترح هدنة جديد في غزة    العصبة الاحترافية تتجه لتأجيل مباريات البطولة نهاية الأسبوع الجاري    النعم ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا    وحدة تابعة للبحرية الملكية تقدم المساعدة ل81 مرشحا للهجرة غير النظامية جنوب – غرب الداخلة    ستة قتلى في هجوم على مسجد بأفغانستان    فتاة هندية تشتكي اعتداءات جنسية .. الأب والعم بين الموقوفين    الوداد يحدد لائحة المغادرين للقلعة الحمراء    ف 5 يام ربح 37 مليار.. ماسك قرب يفوت بيزوس صاحب المركز الثاني على سلم الترفيحة    مع اقتراب افتتاح الاولمبياد. وزير داخلية فرانسا: خاص يقظة عالية راه وصلنا لمستوى عالي جدا من التهديد الارهابي    الموانئ الأوروبية في حاجة إلى استثمار 80 مليار يورو لبلوغ التحول الطاقي    أسترازينيكا كتعترف وتعويضات للمتضررين تقدر توصل للملايين.. وفيات وأمراض خطيرة بانت بعد لقاح كورونا!    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    يتقاضون أكثر من 100 مليون سنتيم شهريا.. ثلاثون برلمانيًا مغربيًا متهمون بتهم خطيرة    الصين تتخذ تدابير لتعزيز تجارتها الرقمية    بطولة اسبانيا: ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز على فالنسيا 4-2    مطار الحسيمة يسجل زيادة في عدد المسافرين بنسبة 28%.. وهذه التفاصيل    معاقبة جامعة فرنسية بسبب تضامن طلابها مع فلسطين    مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    محتجون يغلقون "السوربون" بسبب غزة    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوجه المزدوج للعالم الافتراضي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 07 - 02 - 2020

على الرغم من أن تاريخ الإنترنيت وما صاحبه من تقنيات تواصل وإعلام حديث العهد في استعماله الشعبي في ربع القرن الأخير، فإننا نلمس بأن هذا التاريخ ينقسم إلى حقبة “الانبهار الجماهيري” به وكل ما يسمح به على كل مستويات الحياة الفردية والجماعية. تلته حقبة اكتشف المرء فيها الجوانب السلبية، ومنها ما هو خطير جدا على الأفراد والمجتمعات، وأصبح سلوك الناس اتجاه العالم الرقمي/الإفتراضي يتسم بالتجاذب: فهو محبوب ومنبوذ في نفس الوقت، ولربما يعتبر هذا الأمر من أخطر مشاكله على الإطلاق؛ لأنه بقدر ما يجذب فإنه أيضا يُنفِّر، وهذا ما يُشكل عموما ما يمكن تسميته مجازا ب”تمزيق الإنسان”، وهو تمزُّق يقبع وراء كل مظاهر الإدمان على العالم الافتراضي، التي لا تقل أهمية عن إدمان مخدر ما، وهو ما يُصطلح عليه الإدمان دون مادة معينة.
كثرت الدراسات حول الإنترنيت والتقنيات الحديثة للتواصل في العقد الأخير بكثافة وفي كل ربوع المعمورة تقريبا، لم تستثن الدول العربية، حتى وإن كانت دراسات وبحوث في مهدها، لم ترق بعد إلى مستوى دراسات أكاديمية بكل معايير المفهوم. وإلى جانب هذه الدراسات الموثقة في كتب ومراجع، هناك دراسات أخرى تُنشر نتائجها بانتظام في مجلات متخصصة أو مقالات، وهي أيضا على المستوى العالمي، بما في ذلك العالم العربي الإسلامي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسات هي بمثابة أحكام “قاسية” على النتائج السلبية للإنترنيت وكل ما نما من حواليه من تقنيات إلكترونية. وتكفي نظرة خاطفة على عناوين بعض الدراسات للبرهنة على قولنا هذا: “الجانب المظلم لوسائل التواصل الاجتماعي: كيف تؤثر على الأفراد وعلى حياتنا الخاصة”، “الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي والتأثير السلبي على اللغة”، “منصات التواصل الاجتماعي تؤثر سلبًا على العلاقات الرومانسية”، “باراك أوباما يشن هجوما على تكنولوجيا العصر”، “وسائل التواصل الاجتماعي تعرض الأطفال والمراهقين للتنمر”، “صناعة التفاهة :الميديقراطية القذرة”، “أسوأ ما تُسببه لنا السوشيال ميديا”، “الإمارات تستعد لافتتاح أول عيادة لعلاج إدمان الألعاب الإلكترونية”.
لكن لماذا كل هذا “الحقد” على الإنترنيت والعوالم الافتراضية؟ أهو استيقاظ وعي البشرية وملاحظتها بأن الوقت لربما فات لترميم ما أفسدته الرقمنة؟ ففلانير، مثلا، الذي يُعتبر بحق أب “الواقع الافتراضي” ومعلوماتي محترف عبر عن هيبته من تقدم الذكاء الاصطناعي، لأسباب لا حصر لها، ومنها بالخصوص إضعاف مفهوم الإنسانية، بسبب إفقار الميدان الثقافي، والقضاء على الطبقة المتوسطة في الغرب وإحلال التفرقة. بعبارة أوضح، إنه يؤكد على أن قيمة الإنسان كإنسان وكذات عاقلة ووجدانية تقل أكثر وأكثر بالمقارنة مع جهاز الحاسوب، ويتم ذلك بتشبيهنا للآلة الذكية بالإنسان، ولربما العكس هو الصحيح حاليا: يُقال في أحاديثنا العامة عن فلان بأنه كحاسوب، وبهذا يُصبح هذا الأخير فوق الإنسان. أوصل زمن انقلاب الأمور وأصبح الإنسان في خدمة ما يخترعه من تقنيات وأدوات سيطرة عوض أن يكون العكس؟ وبكل هذه الأسئلة، ألا نعطي العالم الإفتراضي وتقنيات التواصل الاجتماعي والتقنيات الناتجة عن الرقمنة أكبر مما تستحقه من جهة ونُشَيطِنها من جهة أخرى؟ قد يكون هذا صحيح، أو يتضمن بعض الصحة، لكن ما لا جدال فيه هو أن المرء بَوَأَ التقنية والإنترنيت وكل ما له صله بهما مركزا قد نسميه مكانة “الصنم”. فقد أصبحا صنما مزدوجا أو بوجهين، واحد منهما خَيِّر والآخر كله شر على الإنسان. يُعبدان بطريقة لاواعية، ويؤمن المرء بقدراتهما “الخارقة”، سواء خيرا أو شرا، ويعتقد بأن الآتي أعظم. ما هو أكيد أيضا، إذا استمر الأمر على هذا الحال، هو أن الإنسان سيخضع إلى ديكتاتورية تقنية لم يسبق لها مثيل في تاريخه، قوامها آلات وتقنيات وبرامج ولوغاريتمات إلخ. وإذا كان من الصعب بمكان حاليا المقاومة ضد بعض المظاهر السلبية للعالم الإفتراضي والإنترنيت، فما بالك عندما يصبح الديكتاتور آلة تُسير الإنسان؟
صدر عام 2011 بمدينة ميونيخ الألمانية كتاب “الإنسان اللامحدود” لصاحبه راينر فونك، وهو ليس تقييما لا ماديا ولا معنويا لهذين الوجهين المختلفين للحاسوب وتقنياته والإنترنيت وعالمها، ولا صرخة استغاثة لإيجاد حلول لمشاكل العصر الرقمي وإنقاذ الإنسانية من خطر فنائها، بل هو في المقام الأول بحث سيكولوجي، بمنهج التحليل النفسي، للآثار النفسية للتقنية الرقمية والعوالم الإفتراضية على الإنسان. والبحث مستوحى من الواقع الفعلي لأناس من لحم ودم، كانوا يُعالجون لمدة طويلة في عيادة فونك نفسه بمدينة توبينغن الألمانية. بمعنى أنه عبارة عن تأمل لحالات من الواقع الميداني للمؤلف. كما أنه ربط بين تحليلاته وبعض الدراسات السوسيولوجية في الميدان، وهذا ما أعطى الكتاب نكهة سيكو-اجتماعية أيضا، تعتبر قيمة مضافة له.
يمكن القول بصفة عامة بأن موضوع الكتاب هو التحليل النفسي-الاجتماعي للإنسان الافتراضي في أكثر تجلياته وتمظهراته الواعية واللاواعية. وهو إلى ذلك في استنتاجاته مصباح يساعد على فهم الإنسان المعاصر في جانبه المعرفي والوجداني وسلوكه الاجتماعي وعيشه مع الآخرين. لا يُشير راينر فونك بالأصبع إلى أي كان ويحمله مسؤولية ما، بل يركز على تبيان و”تشريح” نفس الإنسان الحالي، ليتسنى للأفراد والجماعات والمجموعات البشرية تحمل مسؤوليتها بنفسها في تقرير مصيرها في الكون ومكانها فيه. وتعتبر دراسة فونك هذه، بهذه الطريقة -بالمنهج التحليل النفسي- فريدة من نوعها حاليا. فحسب علمنا، لم يسبق أي باحث آخر لمثل هذا البحث.
سيكون جميلا لو تم إشعال فتيل الوعي عند كل من يتكلم لغة الضاد في وقتنا الحاضر، لتأمل الوضع الراهن لما وصل إليه الإستغلال الفاحش للتقنيات الرقمية لاستتبات الديكتاتوريات السياسية والترويج للإيديولوجيات الدينية المتناقضة، الراكبة على الإسلام كحصان حرب، وفهم ما وصل إليه المواطن العربي من تشرذم ذاتي وسقوطه في مستنقعات وجودية لا حصر لها، تُبعده يوميا عن نفسه وعن بني قومه، وتأثير كل هذا على حياتنا في بيئة لغوية وعقائدية وأخلاقية مشتركة. كباقي المنتوجات التقنية الأخرى، نستهلك في العالم العربي المنتوجات الافتراضية “المصنوعة” في “معامل افتراضية” بمساعدة حاسوب وتقنيات رقمية لا حصر لها، دون تمييز بين الغث والثمين لما نستهلكه، ودون المساهمة في هذه الصناعة. بل نتوغل أكثر وأكثر في إدماننا على عوالم رقمية تبعدنا عن الواقع الفعلي، نقوم بثوراتنا من خلف شاشات أجهزتنا الرقمية، ونهاجم بعضنا البعض بسبب ودون سبب، نشتغل على تضخيم أَنَانَا وحشوه بكل ما لا يمت بصلة لهويتنا الذاتية، نخلق عوالم خيالية بكاميرات هواتفنا ونلعب دور كاتب السيناريو والمخرج والكاميرامان وتقني التركيب والناقد، و”نتمرغد” في تراب أَنَانِيَتَنا حتى النخاع الشوكي، وإذا حصل أن انتبهنا مرة، نجد خزائن خيراتنا قد نهبت وحقوقنا هُضمت وهويتنا سلبت ونحن في “دار غفلون”. فعيش الثورة والتغيير افتراضيا في ركن من أركان البيت، أهون وأسهل وأعذب من ممارستها في الشارع العام مع آخرين، لأن ذلك لا يقود لا لزنازن ولا معتقلات ولا قطع الأرقاب.
هامش:
1على سبيل المثال لا الحصر: سامي عبد الرؤوف، الإنترنت في العالم العربي: دراسة ميدانية على عينة من الشباب العربي، المجلة المصرية لبحوث الرأي العام، عدد 4، 2000. معتصم زكي، الشاشة الصغيرة وأثرها في سلوكيات الأطفال، مجلة التربية، العدد 154، السنة الرابعة والثلاثون، اللجنة الوطنية القطرية للتربية والثقافة والعلوم، قطر، 2005. المشكلات الاجتماعية داخل المجتمع العربي (السلوك المدرسي- الزواج العرفي- الطلاق- الانحراف الجنسي- إدمان الإنترنت)، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، الطبعة 1، 2013. محمد بن صالح الخليفي، تأثير الإنترنت في المجتمع: دراسة ميدانية»، عالم الكتب، المجلد 22، العددان 5 و 6، ص469- 502. حلمي ساري، ثقافة الإنترنت دراسة في التواصل
الاجتماعي، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2005. شعاع اليوسف، التقنيات الحديثة فوائد وأضرار دراسة التأثيرات السلبية على صحة الفرد، كتاب الأمة- قطر، العدد 112، السنة السادسة والعشرون، الطبعة الأولى، 2006. د. بهاء الدين محمد مزيد، «المجتمعات الافتراضية بديلاً للمجتمعات الواقعية/ كتاب الوجوه نموذجاً»، جامعة الإمارات العربية المتحدة، 2012.
2- بؤس الإنسانية الرقمي والحكمة العمياء – ترجمة: رقية الكمالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.