تواجه فرنسا ظاهرة خطيرة، وهي التحاق شبابها بمناطق التوتر والحرب بسوريا والعراق، وبعضهم لا يتردد في المشاركة في الاعمال الارهابية بل يهددون بلدهم فرنسا عبر فيديوهات تنشرها مواقع تابعة لهذه الحركات الجهادية، التي يدعو بعضها الى الحرب الاهلية من خلال مطالبة مسلمي فرنسا بإعلان الحرب على بلدهم فرنسا. هؤلاء الشباب بعضهم من أصول مسلمة والبعض الآخر من الذين اعتنقوا الدين عبر الانترنيت، من خلال متابعتهم لمواقع هذه الحركات التي تمكنت من تجنيد عدد كبير من الشابات والشبان، جزء منهم قاصرون، في هذه الحرب. ولمواجهة هذه الظاهرة التي أصبحت تتجاوز العائلات، والجمعيات الدينية بفرنسا، اتخذت باريس هذا الاسبوع عدة إجراءات سواء في تنظيم الاسلام الفرنسي أو اتخاذ قرار بالمنع الاداري من السفر، بسحب جواز السفر وبطاقة الهوية ، في حق كل الشباب أو الشابات المرشحين للالتحاق بالجماعات الجهادية بمنطقة الشرق الأوسط. وقال وزير الداخلية في تصريح للصحافة هذا الاسبوع حول هذه الظاهرة « تم التوقيع على 6 قرارات إدارية بالمنع من السفر، وهناك 40 قرارا هي قيد الإعداد، هذه القرارات التي سوف يتصاعد عددها وقوتها في الاسابيع المقبلة، وسوف نحرص على أن تكون فعلية، وتمكن من الحد من الخطر الإرهابي المرتبط بإرادة بعض مواطنينا الالتحاق بأماكن الارهاب سواء بالعراق أو سوريا، وهم أساسا من الشباب، بعضهم اعتنقوا الإسلام ونسبتهم تصل الى 20 في المائة. الذين يحاولون المشاركة في الأعمال الارهابية ولنا ما يكفي من المعطيات والشهادات حول ذلك. والمنع الاداري من مغادرة التراب الوطني، يمكننا من حمايتهم من هذا الالتحاق ، وهذا القرار أيضا يمكن من حماية البلد من الخطر الارهابي.» يقول وزير الداخلية الفرنسي. وحسب عميد مسجد ايفري الكبير بالضاحية الباريسية خليل مرون، فإن هذه القرارات التي اتخذتها الدولة الفرنسية هي مناسبة لحماية هؤلاء الشباب القاصرين، وإنقاذهم من الانتحار ومن هذه الظاهرة التي تمس بلدانا أخرى غير فرنسا. وصرح ل»الاتحاد الاشتراكي» « هذا القرار الذي اتخذته السلطات الفرنسية جد مناسب، لأنه يمكن من سحب جوازات السفر وبطاقة الهوية من القاصرين الذين يريدون التوجه الى مناطق الحرب، وهذه الظاهرة لا تمس فقط أبناء المسلمين بل أبناء المسيحيين كذلك والذين اعتنقوا الاسلام. إحدى الحالات التي تطرقنا لها بالمسجد تخص أما من قرية نائية بفرنسا تبكي لان ابنها ضاع منها والتحق بمناطق القتال. لهذا فإن قرار السلطات الفرنسية جاء في محله من أجل إنقاذ هؤلاء الشباب.» وفي سؤال آخر حول شرعية هذا القرار الذي يمس حرية التنقل، قال عميد مسجد ايفري :» عن أية حرية نتحدث هل هي حرية الانتحار؟ هذا القرار هو وقاية لهؤلاء الشباب، حتى لا يتعرضوا لعمليات غسل الدماغ هناك ويعودوا الى محاربة بلدهم فرنسا. وهذه الظاهرة لا تمس فرنسا لوحدها بل عددا من البلدان الأوربية وكذلك البلدان المسلمة بما فيها المغرب الذي يتخوف هو الآخر من انعكاسات سفر شبابه الى تلك المناطق.» وأضاف العميد خليل مرون «إن هناك حالات أخرى لا تريد العائلة سحب جواز السفر لأبنائها حتى تتجنب الصراع. أحد الآباء قال لنا لا أريد أن أدخل في عداء طوال حياتي مع ابني إذا سحبت منه جواز سفره.» وفي ما يخص المشاكل مع عائلات معتنقي الاسلام يقول العميد « نستقبل مثل هذه العائلات بالمسجد ونشرح لهم أن الاسلام لا علاقة له مع تعلمه أبناؤهم عبر الانترنيت، ونقول لهم إن الدخول الى الاسلام هو أيضا طاعة الله وطاعة الوالدين والرحمة بالناس وليس الالتحاق بالحركات الجهادية وكل القتل الذين نراه عبر فيديوهات شبكة الانترنيت.» في ظل هذه الأجواء الخاصة التي تعيشها فرنسا، تحضر الحكومة الفرنسية لإنشاء «هيئة حوار» تضم أبرز مكونات الإسلام الفرنسي، ممثلة في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وأئمة ومثقفين. ويأتي هذا وسط مخاوف السلطات من تنامي التطرف الإسلامي لدى قسم كبير من الشباب. وهذه الهيئة البديلة سوف يتم تشكيلها حسب وزير الداخلية الفرنسي في أفق الصيف المقبل. وسوف تضم هذه الهيئة المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية الذي أنشئ في 2003 برعاية الحكومة، وكذلك أئمة ومثقفين «يمثلون الإسلام المعتدل والمتسامح». وأضاف وزير الداخلية أن هذه الهيئة الجديدة ستجتمع «مرتين في السنة حول رئيس الوزراء» من أجل «معالجة قضايا محددة» مثل إعداد الأئمة والذبح على الطريقة الإسلامية «ضمن الاحترام الصارم لمبادئ العلمانية». وأعلن كازنوف أيضا إعداد «شهادات جامعية خاصة بالأئمة» ستطلب من المرشدين قبل تكليفهم بالخدمة في الجيش وفي السجون. ولا تخفي السلطات الفرنسية قلقها إزاء تنامي التطرف الديني لدى قسم من الشباب، كما كشفت الهجمات الجهادية من 7 إلى 9 يناير في باريس (17 قتيلا) وذهاب مئات الفرنسيين إلى سوريا والعراق للانضمام إلى صفوف تنظيم «الدولة الإسلامية». وأكد الوزير الفرنسي أن العلمانية تفرض أيضا «أن تحمي الجمهورية جميع أبنائها وأن تحمي المساجد من كل الأفعال المناهضة للمسلمين»، مذكرا بأنه وقعت في يناير «أعمال معادية للمسلمين أكثر من كل العام 2014». الهجوم على الاسلام بفرنسا أصبح لا يقتصر على المتطرفين بل حتى من طرف السياسيين، فالوزير الاول الفرنسي مانويل فالس لم ينتبه في أحد تصريحاته وجمع بين كلمة اسلام وفاشية دون أن يميز الاسلام عن الحركات الاسلاموية المتطرفة. ممثل أكبر منظمة يهودية بفرنسا تسمى «كريف» روجي كيكمان، عبر في احدى الاذاعات الفرنسية « إن العنف، كل العنف الذي يتعرض له اليهود بفرنسا هو من اقتراف شباب مسلم»، وهو تصريح كاذب، حيث ان هذا العنف حسب الاحصاءات الرسمية الفرنسية لا يتجاوز الثلث والباقي من اقتراف اليمين المتطرف وغيره، كما أن ممثل اليهود اعتبر اليمين المتطرف وزعيمته مارين لوبين حزبا كباقي الأحزاب وهي تصريحات عفوية تعكس آراء رئيس هذه المنظمة، قبل أن يتراجع عنها في لقاء بنفس اليوم بباريس.(هذه المنظمة التي يعتبرها بعض المتتبعين للشأن الفرنسي ممثلا غير رسمي لإسرائيل بفرنسا.) وسحبت السلطات الفرنسية جوازات السفر لمواطنيها كانوا يستعدون لتوجه إلى سوريا، في سابقة من نوعها بهذا البلد ، منذ إقرار قانون مكافحة الإرهاب الجديد في شهر نونبر الماضي. هذه الخطوة الفرنسية الجديدة تبعتها بلدان أخرى مثل بلجيكا، هولندا وبريطانيا، هذه الاخيرة التي تريد ان تحرم من الجنسية مواطنيها الذين يلتحقون بسوريا والعراق من أجل القتال. أوربا وضعت ترسانة قانونية جديدة لمواجهة الارهاب الذي أصبح يهدد شبابها. فهل ينجح الجدار القانوني والأمني لوحده في حمايتها، أم أنها ستكون مجبرة على اتخاذ إجراءات أخرى اقتصاديه اجتماعية وثقافية من أجل حماية شبابها من التطرف وإخراجه من الفقر الاجتماعي وحالة الأبرتايد التي يعيش عليها سكان الضواحي والذين يتشكلون أساسا من أبناء المهاجرين وعائلاتهم.