إعدام ثلاثة صحراويين بتندوف.. الجزائر و"البوليساريو" في قفص الاتهام    إعادة انتخاب نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    مؤتمر الاستقلال.. اختلاف على اللائحة أجل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    هل تصدر الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو؟    ثورة الجامعات الأمريكية.. غزة تحرر العالم    ميسي كيحطم الرقم القياسي ديال الدوري الأميركي بعد سحق نيو إنغلاند برباعية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    ليفار: قرارات الرداد أثرت فخسارتنا لماتش الحسنية وغانشكيو به للجنة التحكيم باش ياخد الجزاء ديالو    بسبب خريطة المغرب.. إتحاد العاصمة الجزائري يتجه نحو تكرار سيناريو الذهاب    الملياردير ماسك يبدأ زيارة مفاجئة إلى بكين    تعيين حكم مثير للجدل لقيادة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان "مالمو"    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    الحسنية يلحق الهزيمة الأولى بالجيش الملكي في البطولة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    الحرب في غزة محور مناقشات قمة اقتصادية عالمية في المملكة السعودية    ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار    السلطات المغربية تتعقب صاحب صفحة "لفرشة"    محاولة الهجرة إلى سبتة تؤدي إلى مصرع شاب وظهور جثته في الحسيمة    ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق "تيك توك"؟    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    افتتاح مهرجان تطوان المتوسطي ب"بنات ألفة"    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الأمثال العامية بتطوان... (584)    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكان مزكيتام: المقدم يسكن بتازة، الشيخ بجرسيف والقائد كذلك من جرسيف، والكل ذهب وهجرنا..

تقودك الطريق القادمة من مدينة تازة نحو مدينة الناظور أو جرسيف، إلى مناظر كارثية تجمع بين الفظاعة وخطورة المسالك، شبه طريق مليئة بالحفر والمنزلقات الخطيرة، بل الاسمنت منعدم في أغلبها، قناطر أغلبها لم يعد يستطيع المقاومة أكثر، يبدو أن هاته الطريق لم تمسها أيدي المغاربة بعد، كل شيء يوحي بالدمار والخراب، وديان سحيقة ، آثار السيول الجارفة تحتل كل الفضاءات حتى ليخيل إليك أنك لن تصل إلى بر الأمان، وأنت «تجدف» بسيارتك في لجة أو مستنقع قد توقف محرك سيارتك بصخرة خفية أو حفرة رابطة للغرباء أو حتى منزلق قد يودي بحياتك إن لم تضاعف وتيرة انتباهك وترفعها إلى أقصى الدرجات.
«نستعطف جلالة الملك لزيارتنا ، لفك العزلة عنا .. المسؤولون هنا لا يبالون بما نعانيه ، لا طرقات، لا ماء، لا مصالح، نعيش العزلة والتهميش بكامل معنى الكلمة، ألسنا مغاربة ونحب وطننا وملكنا؟ فلم هذا العذاب والألم؟» تحدث البشير لوكيلي بحرقة كبيرة وهو يشرح تفاصيل معاناة القرية المعزولة على بعد 64 كلم من مدينة تازة، وفي مفترق شبه طرق انتصبت علامات تشير إحداها إلى عين زورة على اليسار ، وأخرى إلى مزكيتام على اليمين، وعلى بعد مسافة قصية تظهر منازل باتجاه مزكيتام، الهدوء يعم المكان، منازل متفرقة هنا وهناك والسكان لم يظهر منهم إلا القليل بمعاطفهم السميكة وأغطية رؤوسهم المتنوعة، يبدو أنهم متعايشون مع قساوة الطقس ، فهم لا يتحركون كثيرا ولا يخرجون من منازلهم إلا لقضاء أغراضهم الملحة أو لتفقد أحدهم إن كان مرض أو مات متجمدا في حضرة الموت القادم مع صقيع وقساوة الظروف هناك.
التقشف يفرض نفسه على سكان مزكيتام وكأنهم محاصرون ومغضوب عليهم ، لكن «القصف» الذي يتعرضون له يختلف عما تعرضت له غزة ، قنابل الطائرات وقصف المدافع والرشاشات في هذه المنطقة تجسدها حالة الطرق المقطوعة في عدة نقاط ، وفي انعدام البنية التحتية وقلة الماء، وغياب المسؤولين . حصار عنوانه الجوع والعطش والإهمال دفع عددا من السكان إلى الجلوس في منازلهم والصبر في انتظار الفرج الذي قد يأتي ولا يأتي في حين قام آخرون بدق أبواب المسؤولين الغائبين عن المركز كلية دون أن يجدوا آذانا صاغية لأنينهم الصامد، لكن مع قدوم مبعوثي «الاتحاد الاشتراكي»، تحول الأنين إلى صراخ لحناجر مقهورة و«ثورة» تتحدى الجوع والعطش والتهميش في سبيل تسليط الضوء عليهم ، وإيصال ملامح من أوجاعهم لأعلى سلطة في البلاد ،أوكما يقولون « سيدنا».
تستفزك الطريق نحو مزكيتام القادمة من مدينة تازة أو من جرسيف أو حتى قرية عين زوهرة، لدرجة تجعلك تتمنى لو أنك تغمض عينيك وتفتحهما لتجد نفسك استفقت من كابوس فظيع، أو أن تستقل طائرة «هيليكوبتير» لتتخلص من الفزع الذي يسكن قلبك في مقابل كل قنطرة مهترئة أو منحدر مليء بالحفر والمنزلقات، أمطار السيول الجارفة حملت معها الإسمنت في العديد من المقاطع في تلك الطريق الوحيدة وحتى إذا تحديت كل العقبات وتمكنت من المرور سالما، فالأكيد أنك ستقسم على عدم سلك تلك الطريق مرة ثانية، هذا حال العابرين فقط الذين لا يمكن أن تسلم سياراتهم من أذى، أما سكان المنطقة المضطرون إلى قطع تلك المسافات بصفة يومية أحيانا ، فلا يمكن لسياراتهم الصمود في أسابيع أو شهور قليلة في أحسن الأحوال. قال حيدة عياد أحد سكان المنطقة : «اشترى أحدهم سيارة ب 500 ألف درهم فكسرت له هنا ، عدد من أبناء المنطقة من الجالية المغربية بالخارج أصبحوا يفضلون قضاء عطلهم الصيفية في تركيا وأماكن أخرى عوض المجيء عند أهلهم هنا بسبب وضعية الطرق المزرية ، وجاء أحد «الطاشرونات» لإنقاذنا فأصلح مقطعا من الطريق لكنه اندثر بعد ستة أشهر ، وقد جاء أحد التقنيين للوقوف على حالة الطريق المزرية لكنه انصرف بشكل مفاجئ »!
شبح الطريق إلى مزكيتام
مرارة هذا المواطن أكدتها صيحات حشد من سكان القرية، حيث تقدم محمد بوكيلي، أحد المهاجرين المغاربة ببرشلونة الإسبانية ، والغضب باد على ملامحه ويداه لا تهدآن من التوتر، قال : لدينا طريق مقطوعة ما بين عرب امسوت إلى مزكيتام ومنها إلى عين زوهرة ومن هذه الأخيرة إلى دائرة الدريوش بإقليم الناظور، وقد حدث يوما أن مرض أحد أفراد أسرتي وفي غياب سيارات الإسعاف اضطرت لنقله إلى مدينة تازة، لنجد الطريق مقطوعة أمامنا ، علما بأن المريض كان يتقطع ألما ! ترى ما العمل أنتركه يموت ؟ في تلك اللحظة ، الوسيلة الوحيدة التي يمكن استعمالها هي طائرة هيليكوبتير، لكن في أوربا وليس هنا، وفي أحسن الأحوال إذا كانت كل الظروف جيدة، وتكاثف المواطنون لإصلاح بعض النقط المقطوعة تماما فمستحيل أن تمر بسيارتك بسرعة أكثر من 20 كلم في الساعة...».
عدد من أبناء المنطقة خاصة الجالية المقيمة بالخارج، قاموا بإعادة بناء قنطرة صغيرة كلفتهم 30000 درهم حيث أوضح أحدهم أن من لم يساهم بالمال ساهم في عمل البناء بساعديه وذلك لفك العزلة مؤقتا. وإذا كانت هذه القنطرة محظوظة نوعا ما بإعادة بنائها فعلى بعد 10 كلمترات من القرية باتجاه عين زوهرة مازالت قنطرة كبيرة مقامة على واد بوصواب مهدمة كليا ومنذ أزيد من 10 سنوات، كما أوضح ذلك أبناء المنطقة، وكأنها تعرضت لقصف حقيقي بصاروخ أو قنابل من الجو، أشار مصطفى نحو ممر صغير «نحته» السكان للمرور إلى الضفة الأخرى من وسط النهر القليل الماء لحسن حظهم في بعض فترات السنة ، وقال : «من هناك انتشلنا رجلا وامرأتين بالحبال كانوا في سيارة جرفها النهر حين حاولوا العبور، حيث نجحنا بالاستعانة بثلاث سيارات ، في إنقاذهم...».
وتدخل إدريس ليتحدث عن حادثة سير ذهب ضحيتها أحد السياح الأجانب في طريقه من عين زوهرة نحو مزكيتام حيث سقط من فوق بقايا القنطرة بسبب قدومه ليلا وعدم وجود أية علامة أو إشارة تنبه السائقين... « وأثناء تصوير تلك القنطرة ومحيطها قدمت سيارة حمراء من طريق عين زوهرة أشار صاحبها إلى أنه كان ذاهبا إلى هناك فعاد أدراجه لأن الطريق كانت مقطوعة بسبب الثلوج فابتسم أحدهم وقال : 3 قناطر مقطوعة والثلوج تحاصرنا...» ثم رفع رأسه بقوة وقال: بلا نقاش نحن منكوبون وتخصنا طائرة هيليكوبتير لإنقاذنا...».
الماء عملة نادرة وملوثة:
ينتابك شعور بالاستغراب وتستحوذ عليك الدهشة وتتناسل الأسئلة في ذهنك حتى يكاد رأسك ينفجر وأنت تسمع معاناة سكان قرية مزكيتام وصراعهم مع العطش من جهة ومع الماء الملوث من جهة أخرى، خاصة وأن موقع المنطقة جاء في إحدى أغنى الفرشات المائية بالمغرب، لكن شكاياتهم تجيب عن عدد من الأسئلة لتقلص من حيرتك أو تزيد رأسك انتفاخا ، فقد استرسل محمد الذي أنهى خدمته بالجندية في السنة الماضية، بهدوء لا تعكسه حرارة العبارات: أحد المواطنين اشترى منزلا هناك ب 400 ألف درهم فهجره ولم يجد من يدفع له فيه ولو 100 ألف درهم ، لأن الماء عملة نادرة هنا، شخصيا لم يصلني الماء لمدة أسبوع كامل في شهر أكتوبر الماضي ، أما في الحالات الجيدة فلا يصلنا إلا خلال20 دقيقة كل 24 ساعة ، ورغم ذلك فهو ملوث، إضافة إلى أن القنوات التي تمدنا به من الصهريج لاتزال هناك منذ أيام الاستعمار الفرنسي ولم يتم تغييرها إلى الآن ...» .
تلوث الماء ليس سببه الوحيد تلك القنوات القديمة والصدئة وإنما تساهم فيه أيضا ، وبنسبة كبيرة، قنوات الواد الحار التي تصب في المجرى المزود الرئيسي لهم بالماء إلى جانب القنوات القادمة من المجزرة التي تصب بدورها هناك مما يعرض السكان إلى أخطار صحية كبيرة خاصة الأطفال منهم. تتوفر المنطقة على أربعة صهاريج لكن السكان يصارعون العطش وإذا لجؤوا إلى مسؤول ما فلا يعودون إلا بوعود فقط ، كما أوضح ذلك أحد السكان حين قال : « ذهبنا إلى عامل المنطقة مرارا نطلب منه مدنا بالماء، آخر مرة وعدنا أنه سيجلبه لنا من تاوريرت ولم يفعل شيئا. الناس هنا يموتون عطشا، حاليا بوجود أمطار الخير نستعمل الأواني خارج البيوت أو فوق السطوح فنشرب مياه الأمطار...».
الحلول التي لجأ إليها بعض سكان قرية مزكيتام لتحدي العطش في الشتاء تنعدم في الصيف ، مما يعطي الانطباع بوجود مشكلة كارثية في تلك الفترة من السنة، إذ بمجرد ما تم ذكر مشكل الماء حتى ارتفع لغط كبير بين حشد من أبناء القرية، كأنك تذكرهم بكابوس ينتظرهم بعد شهور كل سنة، حيث أوضح أحدهم أنه يضطر لقطع عدة كيلومترات لجلب الماء لأبنائه لإنقاذهم من الموت بالعطش المترصد لهم مع كل اشتداد للحرارة، يتدخل إدريس بنبرات صوته القوية ويقول: «نشتري الماء في الصيف عبر «ستيرنات»ب 200 درهم للحمولة الواحدة، أذكر أني صرفت حوالي 5000 درهم كقيمة للماء فقط خلال الصيف الماضي...»!
قطاع الصحة «شبعان موت»
يعتبر مستشفى الولادة بقلب مركز مزكيتام شامخا ونقيا، وكأنه دشن حديثا ، لكن كلام المواطنين يدل على أنه ربما لم يفتح في وجه نساء المنطقة الحوامل من قبل ، إذ أن أغلبهم يؤكد أن لا وجود لاسم مرفق صحي بمزكيتام، حيث يضطرون لنقل مرضاهم إلى مدن أخرى للعلاج، أشار أحدهم ، نحو أحد المداشر القريبة وهو يقول بانفعال: «لقد تعرض رجل هناك للسعة أفعى ولم يجد من يسعفه حتى مات أمام أعين أهله العاجزين عن فعل أي شيء، وهنا أيضا مرضت امرأة في ذلك الجبل فظلت تنتظر رحمة في غياب سيارات الإسعاف .نحن نموت هنا يا سيدي...».
وانتابت الحسرة والحنق آخر وهو يوضح حالة المستشفى حين أكد أنه شاهد الطبيبة وقد وصلت للتو عبر سيارة أجرة حيث دخلت وخرجت بعد خمس دقائق لا أكثر لتعود في نفس السيارة التي أقلتها ، وقد أكد أنه يتواجد في المستشفى بالإضافة إلى الطبيبة ممرض وممرضتان مع انعدام وجود الدواء تماما والذهاب إلى المستشفى يضطر السكان إلى اكتراء سيارة أجرة ب 300 درهم « بالطليب والرغيب» الحل الوحيد الذي يتوفر لديهم هناك هو الصيدلية الوحيدة التي تقوم فيها الصيدلية بدور الطبيب والصيدلي في نفس الوقت حيث يلجأ إليه السكان ويصفون له بما يحسون فيمدهم بالدواء الذي يراه مناسبا ، وقد علق أحدهم على ذلك بقوله: «كنشريو الدوا عاالله وصافي...» .
وتدخل أحدهم أيضا ليخبرنا بأن والدته التي تعاني من مرض السكري ذهبت إلى المستشفى لأخذ الدواء أرسلتها الممرضة عند الممرض لكن هذا الأخير اكتفى بإخبارها أنه غير موجود ببساطة!
أما مستشفى الولادة «الرابض» بالمركز فقد أكد الجميع أنه متواجد هناك منذ 12 سنة لكنه لم يجر ولو عملية ولادة واحدة، قال أحدهم متهكما «مستشفى الولادة لم يُولد حتى نفسه ..يا للمهزلة!.
كل المتحدثين إلينا يقسمون على عدم وجود المولدات أو الأطباء ليضطر الأهالي إلى نقل نسائهم اللائي على وشك الولادة إلى مدينة تازة.
أما بالنسبة للتلقيح فقد ذكر أبناء المنطقة أنه يعرف عشوائية كبيرة وتدافعا وازدحاما شديدا نظرا لكثرة المداشر التي تستفيد من هاته العملية كأولاد طالب وأولاد حقون وتينغير وأنكيد وعرب بوزيفن، وبني موسى وكندبور وامسون ومغراوة وشعشوع ... حيث يجتمع الكل في يوم الأربعاء لتنتهي العملية في المساء ، وأكد بعض المواطنين بمركز مزكيتام أنه لم يتمكن من فرصة تلقيح طفله فلا حظ له في ذلك إلا بعد حين. قال أحدهم وهو يجسد بيديه ورجليه حركة الازدحام والركل: «إذا أردت أن تلقح ابنك فعليك الانتظار إلى يوم الأربعاء ليجتمع الجميع ... وآنذاك لا يمكنكم أن تتصوروا مدى التدافع الحاصل هناك ، لأننا نعلم أنه لا حل أمامنا لتمكين أطفالنا من التلقيح سوى القوة ، رغم أن ذلك خطأ إنما ما باليد حيلة» .
وأشار آخر إلى أن التلقيح، الذي يقع الازدحام بشأنه، يشكل أحيانا «مبعثا للمرض أو العلة التي قد تؤدي إلى الموت أو إلى عاهة ، وقد شهدت المنطقة عدة حالات من هذا القبيل لكن شيئا رسميا في ذلك لم يظهر لكون سكان هاته المناطق يكتمون العديد من الأسرار»!
كل الإشارات وتعبيرات السكان هناك تقول بعبارة خفية أنه لا مجال للمرض بمركز مزكيتام والدواوير التابعة لها ولا حتى في إنجاب الأطفال مادام ذلك يعرض حياة المرضى والحوامل للخطر، وحتى إن حدث الإنجاب فستبدأ مشاكل أخرى تتعلق بالتلقيح والامراض العارضة التي ليس أي أحد من سكان المنطقة في منأى عنها نظرا للظروف التي يعيشون فيها والتغذية التي يؤكد الكثير أنها غير مراقبة ، من أسماك تفتقر للحد الأدنى من شروط الحفظ وذبيحة شبه سرية وماء ملوث أليس من الأجدر إضافة أطباء آخرين عوض سحب وتماطل المتواجدين؟!
حكاية مسؤولين هجروا القرية
« لم نعد نثق في مسؤول أقل من وزير ، حتى عامل المنطقة بنفسه جربنا وعوده، حيث يأتي الواحد وينصرف، إنني أقول الصراحة وإذا كان كلامي يقودني إلى السجن فمرحبا، لأن العامل أخلف وعوده ثلاث مرات، وعدنا بتزويدنا بالماء والكهرباء وأشياء أخرى، لكن لاشيء من ذلك تحقق.. ». وافقه كل الحاضرين من أبناء المنطقة، كان كلاما قويا ردده مواطنو مركز مزكيتام ليختموا عباراتهم بترقب « زيارة ملكية » .
مطلب حيدة عياد ومن معه جاء بعد أن تكلموا كثيرا عن معاناتهم مع المسؤولين حيث تحدث محمد العسكري بعصبية واضحة «نحن لا نطالب المسؤولين هنا إلا بإصلاح الطريق وتزويدنا بالماء فقط، لا نطلب منهم أكثر من الاستماع لصوتنا .. آباؤنا وأجدادنا تركونا هنا قاوموا الاستعمار الفرنسي وطردوه ولانريد أن نهجر أرضنا، بإمكاننا فعل ذلك لكننا صامدون ... كل المسؤولين لا يقطنون هنا أو بالمنطقة القريبة، بعضهم بالرباط وآخرون بتازة ، نحن فعلا منسيون....» .
بعض «المزكيتاميين» أكدوا أن التهميش الحاصل بالمنطقة مرجعه الأساسي غياب المسؤولين ، حيث شرح أحد الشباب الأمر بقوله :المقدم يسكن بتازة ،الشيخ بجرسيف والقائد كذلك من جرسيف، والكل ذهب وهجرنا.. لماذا كل هذا التهميش والإقصاء ؟ وإذا أردت أية وثيقة تنالها بعد أسبوع أو أكثر...» . رد عليه آخر بسخرية مريرة : « بل إنك لن تحصل عليها قبل سنة ، اللهم إذا أعطيت رشوة، وإلا لن تراها طوال حياتك...» !
ليلخص لوكيلي المهاجر المغربي المقيم بإسبانيا حقيقة الوضع وعصب المشاكل حيث يقول: « المشكل لدينا في المسيرين، نريد من يخدم مصالحنا ، لكن مع الأسف لا أعتقد أن جماعة قروية في المغرب أكثر تضررا وتهميشا منا» .
في السياق ذاته ، عبر عدد من أبناء المنطقة عن إمكانية مقاطعتهم للانتخابات الجماعية المقبلة، مادام «المنتخبون» لم يحققوا لهم أدنى المطالب كتزويدهم بالماء وإصلاح الطرق لفك العزلة عنهم ، حيث تحدث أحدهم قائلا: « ترصد لنا ميزانيات لكننا لم نر أي شيء يتبلور على أرض الواقع،أعتقد أن فترة الانتخابات قادمة وسوف يظهرون حتما وسنفكر ألف مرة قبل أن نصوت ... أنا شخصيا لم أعد أثق في أحد ليخدم مصالحنا ... وأملنا معلق على ملك البلاد».
معانة حادة مع الحالة المدنية
قصة حادة زكاغ تطرح ثلة من الأسئلة الحرجة على المسؤولين الذين يجب عليهم تطبيق روح القانون باعتبارها لا تتوفر على دفتر الحالة المدنية لابنها الذي وصل إلى الأولى ثانوي في دراسته بجرسيف ليظل مستقبله مهددا في ظل رفض المسؤولين الموافقة على حصوله على هذه الوثيقة التي لا يمكن أن يستمر في دراسته بدونها . تكاد الكلمات تخرج من حنجرة حادة زكاغ بكاء أو عويلا وهي تقول: «لقد مات زوجي وأتوفر على البطاقة الوطنية ودفتر الحالة المدنية لوالدي، لقد كان زوجي فقيرا جدا ولم يحصل على البطاقة الوطنية ولا على العقد ، الكل يعرف قصتي هنا الآن أينما ذهبت يطردونني وإبني لم يعد له الحق في الدراسة، وأعيش على إعانات ومساعدات أبناء المنطقة بالخارج من الجالية المغربية لا واقي لي من البرد ومن الثلج والمعاناة إلا الله ...».
الإبن يدرس حاليا بالأولى ثانوي بجرسيف يشهد له عدد من أبناء مزكيتام بنباهته وفطنته الكبيرة كما تنبأ له عدد من المدرسين بمستقبل كبير في الميدان العلمي نظرا لإجادته الرياضيات والعلوم الأخرى حيث يعتبر من المتميزين بين أقرانه.
التعليم والكهرباء .. وأشياء أخرى
يتواجد بمركز قرية مزكيتام منبه كبير لإعدادية على ثلة مرتفعة،كلما كان الحديث عن التعليم إلا وأشارت الأصابع إلى هناك كشاهد كبير على معاناة رجال المستقبل المزكيتاميين. الماء منعدم بصنابير الإعدادية والكهرباء لا يستمر إلى نهاية الحصص الدراسية، أشار أحد التلاميذ إلى هناك وبدت شكايته كأنه يخاطب مدير المؤسسة من تظلم أحد التلاميذ في الفصل : «يقولون لنا اجلبوا معكم الشموع ، كل تلميذ يجلب معه شمعة ليشعلها حين تغرب الشمس قبل نهاية الحصة الأخيرة. ومن لا يجلبها معه فإنه يدرس بالظلام» .
تكلم أحد الشباب بعفوية عن ثلاث سيارات أرسلت لمركز مزكيتام لمساعدة الأطفال على الالتحاق بالمدرسة لكن المسؤولين رفضوها بدعوى أنهم مكتفون ، لكن أحد الحضور فند ذلك باعتباره رئيس جمعية الآباء هناك، غير أن عددا من المتجمهرين أكدوا الواقعة ، حيث أصر أحدهم على الكلام فقال: «استقدموا لنا ثلاث سيارات لنقل التلاميذ لكن المسؤولين أخبروهم بأنهم مكتفون ولا يحتاجون لهاته السيارات، كيف ذلك، وبعض التلاميذ يقطعون مسافة 6 إلى 7 كلم على الأقدام في جو ممطر ووسط الثلوج من أنجيد...». كما أكد أحد أبناء المنطقة بجلبابه الصوفي وبنبرات صوته الواثقة والجدية «هناك من يقطع 7 كلم للدراسة بالإعدادية ويفرضون عليهم دفع أموال للاستفادة من دار الطالب علما بأن بعض التلاميذ من أسر فقيرة لا يستطيعون أداء ما طلب منهم فيضطرون إلى سحب أبنائهم وهذا يساهم بشكل كبير في الهدر المدرسي...» معظم تلاميذ مزكيتام يتوجهون إلى مدينة تازة أو جرسيف لإتمام دراستهم بعد تجاوز المرحلة الإعدادية.
وبالحديث عن المؤسسات فقد أكد جل المتحدثين لبعثة الجريدة عن دار شباب شبح ، وعن مركز للأطفاء حيث من المفروض أن يعمره رجال الإطفاء، لكنه تحول إلى سكن لقائد المنطقة ،إذ يظل مغلقا لفترة طويلة قبل أن ينفض القائد عليه الغبار . وفي مقابل مركز الإطفاء المفترض توجد بناية الدرك الخاوية بدورها على عروشها حيث لا أحد هناك منذ مدة.
وقد فجر موضوع الكهرباء غضب بعض المواطنين حين تحدث بعضهم عن مشاكل التوصل بالأسلاك الكهربائية، تحدث أحد الرجال من الجالية المغربية بالخارج : «أملك منزلا بمدينة فاس لكني جئت لأعيش هنا مع إخوتي وعائلتي، لكن المشاكل كثيرة ضمنها الكهرباء، فلدينا بزاوية انكيد التابعة لمركز مزكيتام، السكان القاطنون فوق الطريق يتوفرون عليه ، أما الواقعون في أسفل الطريق فمحرومون منه، هذا حرام، ألسنا مغاربة ومن حقنا أن نحظى بكرامتنا كمواطنين...».
وحتى المناطق أو الدواوير التي وصلتها الأعمدة وأسلاك الكهرباء تعاني من طريقة أداء الفواتير حيث أوضح عدد من السكان أن موظفا وحيدا يأتي إليهم من جرسيف وذلك يوم الأربعاء. تكلم أحد الشباب بحرقة الحانقين وهو يلوح بيديه تعبيرا عن ضيق في النفس : «يأتي السكان من أولاد طالب التي تبعد عن مركز مزكيتام ب 25 كلم لأداء فواتير الكهرباء وإذا لم يؤدونها في الوقت يفرض عليهم المسؤولون زيادة 90 درهما كعقوبة، جراء التأخير، علما بأن بينهم نساء عجائز وأرامل وشيوخ متقدمين في السن لايستطيعون المشي ولا يتوفرون على درهم واحد ، كلهم يذهبون إلى مدينة جرسيف لأداء الفاتورة قبل أن تفرض عليهم الزيادة...هذا منكر ولا يقبله العقل ولا المنطق...» .
ارتفعت الجلبة مرة أخرى وعلت عبارات الاستياء تندد بتعامل المسؤولين معهم ، حيث أكدوا أنه طيلة اسبوع كامل يتم الإعلان عن أن الموظف سيأتي لاستخلاص الفواتير ويأتي الناس من كل المداشر فينتظرون طول النهار ولا يظهر للموظف أثر فينصرفون خائبين، قال أحدهم :« موظف استخلاص فواتير الكهرباء يأتي من جرسيف بسيارته وحين يصل يخبرنا أنه سيأتي يوم الإثنين ثم لا يأتي وفي الأسبوع الموالي ينتظره المواطنون أيضا فلا يأتي ، ولحد الآن وعدنا بالمجيء ولم يفعل ثلاث مرات متتالية منذ 30 من الشهر الماضي ومازلنا لم نره...» .
غمرت المشاكل سكان قرية مزكيتام وبدء صبرهم ينفد ، تفسر ذلك طريقة كلامهم المتأثرة جدا بما يعانون من إهمال وتهميش وحصار، وقد علمنا أنه لم يسبق أن زارهم أي طاقم صحفي تلفزي كان أو إذاعي أو صحافة مكتوبة، لتكون رسالتهم الواضحة للمسؤولين بأننا «مغاربة ونحب بلدنا وملكنا، لكننا يجب أن نعيش بعيدا عن «الحكرة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.