بورصة البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    السلة: الوداد في صدام قوي أمام المغرب الفاسي    المنتخب المغربي يواجه اليوم نظيره الجزائري من أجل تعبيد الطريق نحو مونديال الدومينيكان    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والجزائر ضمن تصفيات مونديال الفتيات    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    محمد عاطف يكشف ل"القناة" تفاصيل جديده الفني "جايا"    الرباط.. حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية للحج    "إنرجيان" اليونانية تشرع في التنقيب عن الغاز بالعرائش بترخيص ليكسوس    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    إصدار الحكم في قضية الدولي المغربي محمد الشيبي بمصر في 30 ماي    العثماني يلتقي قادة حماس في الدوحة    وزارة التضامن تُحدث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة إعاقة"    السجن سنة ونصف للمدون يوسف الحيرش    ما الذي سيتغير إذا منحت فلسطين صلاحيات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؟    الشبيبة التجمعية تستقبل شبيبة حزب مؤتمر التقدميين النيجيري    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    تطبيق صيني للتجارة الإلكترونية بأسعار منخفضة "قياسية" يثير الجدل بالمغرب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    أيوب الكعبي يواصل تألقه في دوري المؤتمر الأوروبي    ارتفاع أسعار النفط بفضل بيانات صينية قوية وصراع الشرق الأوسط    حزب فيدرالية اليسار الديموقراطي بسوق السبت يرفض سرية اجتماعات المجلس البلدي ويدين "منع" المواطنين من حضور دوراته    وقفة احتجاجية لشغيلة قطاع الصحة أمام المندوبية الإقليمية للصحة ببني ملال    القضاء على عدد من الإرهابيين في غرب النيجر    مجلس حقوق الإنسان يستقبل قدماء المعتقلين الإسلاميين ويبحث مطالبهم الاجتماعية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    تقرير إخباري l أمريكا تُقرر رفع الرسوم الجمركية على واردات "الفوسفاط المغربي" بسبب استفادته من امتيازات حكومية    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق وحماس تقول إن "الكرة بالكامل في ملعب إسرائيل"    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 38 مرشحا للهجرة غير النظامية    المجلس الاقتصادي يوصي بإنشاء نظام معلوماتي وطني لرصد الشباب وتتبع مساراتهم    تشاد.. رئيس المجلس العسكري يفوز بالانتخابات الرئاسية    اختتام القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بمشاركة المغرب    في 5 دقائق.. 3 زلازل تضرب دولة جديدة    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    الصين تطلق قمرا اصطناعيا جديدا    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    شركات عالمية تتوجه نحو منع "النقاشات السياسية" في العمل    حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان    حراس خواص يشتكون غياب الأجور    بركان تؤمن بالحظوظ في "كأس الكاف" .. ورئيس الزمالك يؤكد صعوبة المقابلة    تخصيص غلاف مالي بقيمة 98 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة لطنجة    صدمة أوناحي وحارث القوية في الدوري الأوروبي    سعار عضال.. خيال مخابرات الجزائر في مقال    هل جامعات المغرب مستعدة لتعليق تعاونها مع إسرائيل كما أعربت جامعات إسبانيا؟    المحكمة الإدارية تقضي بأداء وزارة الصحة تعويضا لمتضررة من لقاح كورونا    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    الحكومة ترد على جدل أسترازينيكا.. اللقاحات في المغرب لا يتم العمل بها إلا بعد الترخيص    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هينينغ مانكل.. يوميات كاتب مهان من قبل الصهاينة
تفاصيل رحلة الإبحار نحو غزة.. فالهجوم ثم الاحتجاز من قبل الإسرائيليين
نشر في المساء يوم 16 - 06 - 2010

شارك الكاتب السويدي الشهير هينينغ مانكل في قافلة الحرية إلى غزة. وهنا يحكي الكاتب تفاصيل تلك الرحلة منذ بدايتها إلى الهجوم الإسرائيلي
وإهانات الاحتجاز. كان مانكل على ظهر الباخرة التي كانت تحاول كسر الحصار على غزة. وهاكم قصة الإبحار والهجوم ثم الاحتجاز من قبل الإسرائيليين.
الثلاثاء 25 ماي- نيس
على الساعة الخامسة صباحا، كنت في انتظار طاكسي بأحد الأحياء لكي يقلني إلى المطار. لأول مرة منذ مدة طويلة، نحصل أنا وE معا على أيام معدودات من أجل العطلة. في البداية، فكرنا في أن تصل إلى أسبوعين، ولكنها تقلصت إلى خمسة أيام. كانت السفينة المتجهة إلى غزة على أهبة الاستعداد للإبحار، وكان علي أن أتجه إلى قبرص من أجل الالتحاق بالقافلة.
هدف كل سفر يكون معروفا منذ بداية الرحلة. وهكذا كنت أفكر عندما كنت أنتظر الطاكسي. حملت حقيبة ظهر لا يتعدى وزنها عشرة كلغ. هدف عملية «سفينة إلى غزة» كان واضحا وجليا: كسر الحصار غير القانوني المفروض من قبل إسرائيل على غزة. منذ الحرب على غزة منذ أكثر من سنة، أصبحت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للفلسطينيين في تلك المنطقة. إن الحاجيات كانت كبيرة فقط من أجل توفير شروط عيش كريمة.
غير أن هدف هذه الرحلة كان أوضح وأكثر جلاء. أعتقد أن «الفعل يؤكد القول». أسهل شيء القول بأننا ندعم، ندافع أو نحارب من أجل هذا الشيء أو ذاك. ولكن بالفعل نبرهن على ذلك القول. الفلسطينيون الذين فرض عليهم الإسرائيليون أن يعيشوا في هذا البؤس، هم بحاجة إلى أن يعرفوا بأنهم ليسوا وحدهم، وبأننا لم ننسهم. يجب أن نذكر بقية العالم بظروف عيشهم. ونستغل هذا التذكير أيضا كي نحمل بعض المنتوجات الأساسية: الأدوية ووحدات لتحلية المياه، والإسمنت.
وصل الطاكسي، وتناقشنا بشأن السعر الذي كان باهظا! وعبرنا الأحياء الخالية في ذلك الصباح، في اتجاه المطار. وأتذكر الآن أنه عندما كنت في الطاكسي بدأت أكتب أولى الملاحظات. لم أتذكر الكلمات بكل دقة، ولكن المضمون، لأني لم يخطر ببالي حجم الرهان: هذا المشروع أحدث كل هذا الحقد لدى الإسرائيليين إلى درجة أن باستطاعتهم اللجوء إلى العنف لمنع القافلة من العبور.
ولكن هذه الفكرة تلاشت حتى قبل أن أصل إلى المطار. وفي هذه النقطة بالتحديد، كان هدف المشروع واضحا أيما وضوح. فعلنا كان سلميا، بدون أسلحة وبدون إرادة في المواجهة. وإذا منعنا من الوصول إلى غزة، فإن المسألة كان يتعين أن تحل بدون تهديد حياة أي كان من المشاركين.
الأربعاء 26 ماي- نيقوسيا
كان الجو حارا مقارنة مع نيس. كل الأشخاص الذين كان يتعين عليهم أن يشاركوا في القافلة، تجمعوا في فندق Centrum بنيقوسيا. بدا الأمر شبيها بإحدى روايات غرهام غرين (Graham Greene): شخصيات غير متجانسة ولا يعرف بعضها بعضا تتجمع في مكان ما من أجل القيام برحلة جماعية... هدفنا هو كسر الحصار غير القانوني. هذه الكلمات ترددت بلغات مختلفة. ولكن فجأة، بدأت الشكوك تتعاظم. تأخر إبحار الباخرات بسبب بعض المشاكل، ولم نكن نعلم في أي مكان ستلتقي الباخرات الست. الشيء الوحيد المؤكد هو أنها ستلتقي في عرض البحر. رفضت قبرص أن تقترب الباخرات من الشاطئ. يبدو أن إسرائيل مارست ضغوطا. لاحظت أيضا لحظات توتر بين مختلف المنظمات التي كان على عاتقها تنظيم هذا المشروع. وتحولت قاعة الفطور إلى مكان سري للاجتماعات. فيما نودي علينا من أجل ملء استمارة بأسمائنا وهواتف أقربائنا في حالة حصول أي مكروه. كان الجميع يعمل على ملء الاستمارة بشكل دقيق. ثم طلب منا الانتظار. إنها الكلمة التي تتكرر على الألسنة خلال هذه الأيام. فلننتظر إذن.
الخميس 27 ماي نيقوسيا
ننتظر. كانت الحرارة خانقة.
الجمعة 28 ماي- نيقوسيا
فجأة، تساءلت ما إذا كانت الأمور ستنتهي على هذه الحال، ما إذا كان يتعين علي أن أترك هذه الجزيرة دون أن أبحر في أي باخرة. يبدو أن الأماكن كانت قليلة. كانت هناك لوائح انتظار لأشخاص يرغبون في المشاركة في هذا الفعل التضامني. غير أن النائب المحبوب K والطبيبة S، رفاقي السويديين في هذه الرحلة، ساهموا في الحفاظ على أجواء من المرح. السفر عبر الباخرة هو دائما شاق. وهو ما قلته في نفسي. واصلنا تأدية مهامنا. إننا ننتظر.
السبت 29 ماي- نيقوسيا
فجأة كل شيء يسير بسرعة كبيرة. سنبحر- بالرغم من أن الأمر يجب أن يكون مرافقا بكلمة ربما- على متن قارب سريع لكي نلتحق في البحر بخمس باخرات من أجل أن نبحر جميعا باتجاه غزة. ننتظر. قبل حوالي الخامسة بعد الزوال بقليل، سمحت لنا سلطات الميناء، في الأخير، بالإبحار عبر باخرة تسمى «Challenger » التي ستقلنا بسرعة 15 عقدة بحرية إلى مكان الالتقاء، حيث سنستقل باخرة صوفيا التي تنتظرنا هناك. كان هناك أشخاص كثيرون على متن الباخرة « Challenger» ينتظرون هم أيضا. أعتقد أنهم أصيبوا بخيبة أمل لما رأوا قدوم ثلاثة أشخاص فقط. كانوا ينتظرون بعض الإيرلنديين الذين تخلوا عن المشاركة وفضلوا العودة إلى ديارهم. صعدنا إلى القارب، قدمنا التحتية للجميع وتعلمنا بسرعة كيف نتأقلم مع القوانين سارية المفعول. كان المكان ضيقا وكانت هناك أكياس تحتوي على الأحذية، غير أن الأجواء كانت هادئة ورائقة. وفجأة كل الأسئلة تلاشت. في الساعة الخامسة من بعد الزوال، تحركت محركات القارب من نوع ديزيل. أخيرا بدأنا الرحلة.
الحادية عشرة ليلا
جلست على كرسي في مؤخرة السفينة. لم تكن الرياح تهب بقوة، ولكن سرعتها كانت كافية لتجعل عددا من الركاب يصابون بالدوار. ملتحفا بغطاء، كنت أنظر إلى ضوء القمر يرسم طريقا في البحر، متحديا الأمواج المتلاطمة، ومفكرا في كون العمل التضامني قد يتخذ أي شكل كيفما كان. التحدث هنا كان صعبا بسبب الضجيج. حاول العديد من الأشخاص أن يناموا، أو يستلقوا على الأقل. وقلت في نفسي إن العبور هادئ أيما هدوء. ولكنه كان هدوءا خادعا.
الأحد 30 ماي- البحر جنوب شرق قبرص- الليل- الواحدة صباحا
كانت الأضواء خافتة. القبطان الذي لم أتمكن من حفظ اسمه، خفف من السرعة. كانت الأضواء التي تتراءى من على بعد مسافة، آتية من باخرتين أخريين. ستتوقف الباخرة في انتظار انبلاج ضوء الصباح حينها يمكن أن يتنقل الأشخاص بين سفينة وأخرى. ولكن لحد الساعة لم أجد أي مكان يمكنني أن أتمدد فيه لأنام. غفوت وأنا على كرسي مبلل. إن التضامن يتولد من الانتظار، وهكذا نساهم في أن يكون للآخرين سقف.
الثامنة صباحا
هدأ البحر. توجهنا نحو أهم باخرة في هذه القافلة: باخرة كبيرة على متنها مئات الأشخاص. تناقشنا كثيرا بشأن فكرة أن الإسرائيليين سيوجهون تدخلهم ربما نحو هذه الباخرة.
ولكن أي تدخل سيقومون به؟ إنه بكل تأكيد السؤال الذي نجتره منذ البدء في هذا المشروع. ليس هناك أي شيء مؤكد. هل ستغرق البحرية الإسرائيلية البواخر؟ أو طردها بالقوة؟ أو أن يسمح للبواخر بالمرور وهو الحل المعقول، وأن تحسن إسرائيل شيئا صورتها التي تضررت أكثر فأكثر في عيون العالم؟ لا نعلم أي شيء من كل هذا. ولكن الاحتمال الأرجح هو أن يأمروننا بالتراجع مع الاقتراب من المياه الإقليمية عبر الأصوات المهددة المنبعثة من الأبواق من على ظهر بواخر البحرية الإسرائيلية. وإذا رفضنا الانصياع، سيعمدون إلى تكسير مراوح البواخر أو عوارضها قبل أن يعمدوا إلى جرها إلى أحد الموانئ حيث يمكن إصلاحها.
الواحدة بعد الزوال
بفضل سلم من القنب، تمكنا نحن الثلاثة من الصعود إلى باخرة صوفيا، وهي باخرة قديمة أكلها الصدأ ويقودها طاقم مفعم بالحب. كان هناك حوالي 25 شخصا على متنها. كانت حمولتها تتشكل من بين أشياء أخرى، من الإسمنت ومنازل مصنوعة من الخشب. أعطوني غرفة لأتقاسمها مع النائب البرلماني السويدي. بعد أيام طويلة قضيناها في نيقوسيا، أصبح هذا النائب بمثابة صديق قديم. اكتشفنا أن الغرفة بدون كهرباء. سيكون للقراءة زمن آخر.
وفي الساعة الرابعة بعد الزوال تجمعت البواخر، ثم اتجهت جميعها صوب غزة.
الساعة السادسة مساء
اجتمعنا في أحد الأماكن المعد ارتجالا. تحدث إلينا بصوت خفيض شخص يوناني كان يتكلف بالحراسة والتنظيم على متن الباخرة باستثناء مهام الإبحار، ومنحتنا كلماته ثقة كبرى. لم يعد لكلمة «انتظار» أي مكان هنا. إننا نتقدم الآن. ولكن نحو ماذا؟ لا أحد يعلم ما سيفعله الإسرائيليون. نعرف فقط تصريحاتهم المهددة والتي مفادها بأن البواخر ستطرد بكافة الوسائل. ولكن ماذا يعني كل هذا؟ النسف؟ سحب السفينة بالقوة؟ هل سيرسلون جنودا عبر المروحيات؟. من المستحيل أن نتكهن. ولكن العنف، إذا استعمل العنف، لن يكون من طرفنا. بغض النظر عن حق الدفاع عن النفس، فإننا لن نرد. وبالمقابل، يمكننا أن نعقد مهمة أي مهاجم محتمل. حينها يتعين علينا أن نحيط ظهر السفينة بالأسلاك الشائكة، أن نتدرب على استعمال الصدريات الواقية، أن ننظم دوريات للمراقبة، وأن نقرر في أي مكان نتجمع إذا ما صعد الجنود الإسرائيليون إلى الباخرة. آخر معقل هو غرفة القيادة.
ثم حان وقت العشاء. الطباخ كان مصريا، بدينا قوي البنية، ولكن كان له عيب في رجله. طعامه كان جيدا.
الاثنين 31 ماي- الثانية عشرة ليلا
ساهمت في حراسة يسار السفينة من منتصف الليل إلى الثالثة صباحا. كان القمر كبيرا، بالرغم من أن السحاب يغطيه بين الفينة والأخرى. كان البحر هادئا. وكانت أضواء الفوانيس تتلألأ. مرت ثلاث ساعات بسرعة كبيرة. اكتشفت أني منهك عندما جاء من يعوضني في الحراسة. مازلنا لم نصل إلى المياه الإقليمية، حينها يمكن للإسرائيليين أن يعتقدوا بأن لهم حق الدفاع. يتعين أن أنام ساعات قليلة.
شربت الشاي، تحدثت لبرهة مع يوناني، أحد أفراد الطاقم، كانت لغته الإنجليزية رهيبة للغاية، ولكن حرص كل الحرص على معرفة محتويات كتبي. كانت الساعة تقارب الرابعة صباحا عندما داهمني النوم.
الرابعة والنصف صباحا
لم أكد أنام حتى استفقت من جديد. عندما ذهبت إلى الجسر، رأيت الباخرة الكبيرة محاطة بالأنوار الكاشفة. وفجأة سمعت طلقات نار. فهمت أن إسرائيل اختارت المواجهة العنيفة. وفي المياه الدولية.
مرت ساعة بالتحديد عندما رأينا قوارب مطاطية قوية سوداء على متنها جنود ملثمون. استولوا على الباخرة. تجمعنا في غرفة القيادة. رغب الجنود في أن ننزل عبر الجسر. كانوا مستعجلين. تأخر أحد الأشخاص في الاستجابة لأوامرهم، ضربوه في ذراعه. سقط الشخص. وأصيب آخر برصاصة مطاطية لنفس السبب. أعتقد أن هذا الأمر يحدث بالقرب مني. إنه الواقع بعينه. أشخاص لم يرتكبوا أي شيء يعاملون كالقطيع ويعاقبون لأنهم أبطؤوا في الاستجابة لأوامر الجنود.
جمعونا وأجلسونا على الجسر. مكثنا هناك قرابة إحدى عشرة ساعة، حتى وصلت الباخرة إلى شواطئ إسرائيل. ومن وقت لآخر، كان الجنود يصوروننا في حين أن لا حق لهم. رغبت في كتابة بعض الجمل، لكن اقترب مني جندي في الحين، وطلب مني ما أكتب. إنها المرة الوحيدة التي انفعلت فيها. فأجبت بأن الأمر لا يعنيه. لم أر عيونه. لا أعلم فيما يفكر. ولكنه تراجع. إحدى عشرة ساعة من الجمود، كنا معرضين للحرارة، وكأننا في جلسات تعذيب. لكي نذهب من أجل التبول، كان يتعين علينا أن نطلب الإذن. وكانوا يمدوننا بالبسكويت والتفاح من أجل الأكل. لم يكن يسمح لنا بإعداد القهوة، في الوقت الذي كان بإمكاننا القيام بذلك بدون أن نغادر أمكنتنا. قررنا جميعا أن نطلب من الجنود الإذن بالطهي. قد يصوروننا وفيما بعد يستعملون ذلك كدليل على أنهم كانوا كرماء معنا. اكتفينا فقط بالبسكويت. كانت إهانة وأيما إهانة. (وفي تلك الأثناء قام بعض الجنود بإخراج بعض الأفرشة من بعض الغرف وناموا عليها في مؤخرة السفينة).
كانت الساعات الإحدى عشرة كافية لكي أكون صورة تركيبية. لقد هوجمنا في عرض البحر، في المياه الدولية. وهذا يعني أن الإسرائيليين تصرفوا كقراصنة مثل قراصنة الصومال. ومن الوقت الذي أخذ فيه الجنود الإسرائيليون قيادة السفينة واتجهت نحو إسرائيل، يمكن القول حينها بأننا اختطفنا أيضا. وهذا التدخل كان خارج القانون من البداية إلى النهاية.
حاولنا أن نناقش بيننا لفهم ما يجري لنا. اندهشنا لكون الإسرائيليين اختاروا هذا «الحل» الذي يجعل ظهرهم إلى الحائط. من يسندهم. الجنود يرمقوننا. بعضهم يتظاهرون بأنهم لا يفهمون الإنجليزية. في الواقع، كلهم يفهمونها بكل تأكيد. كان بينهم فتيات. يبدو عليهن الارتباك. ربما سيصرن مثل هؤلاء الذين يفرون إلى GOA من أجل التعاطي حتى الموت للمخدرات بعد قضاء خدمتهم العسكرية؟ يحصل هذا الأمر باستمرار.
السادسة مساء
بالميناء، بمكان ما في إسرائيل، لا أعلم أين. أنزلونا إلى الأرض. فرضوا علينا أن نجري في الأحياء بين الجنود في الوقت الذي كان فيه التلفزيون العسكري يصورنا. أعتقد أني لن أغفر لهم هذا الأمر بالتحديد. في هذه اللحظة، لم يكن في أفكاري إلا هذه القذارة والأوغاد.
فصلوا بعضنا عن بعض. لم يكن يحق لنا التحدث إلى بعضنا البعض. وفجأة، وقف بجانبي شخص من وزارة الشؤون الخارجية. فهمت أنه هنا لكي يتأكد من أنهم لا يعاملونني بفظاظة. كنت معروفا شيئا ما في إسرائيل باعتباري كاتبا. وترجمت أعمالي إلى العبرية. وطلب مني ما إذا كنت بحاجة إلى شيء.
قلت «أجل أن يطلق سراحي، وكذا الآخرين».
ظل صامتا. طلبت منه أن يذهب. تراجع خطوات، ولكن لم يذهب بالرغم من ذلك.
لم أعترف بأي شيء بكل تأكيد. علمت بأنهم سيطردونني. والشخص الذي أخبرني بذلك أضاف بأنه معجب بكتاباتي. أفكر في ألا أسمح بأن تترجم كتاباتي إلى العبرية. إنها فكرة لم تختمر بعد.
سادت أجواء توتر وفوضى في «قاعة استقبال اللاجئين» هاته. من وقت لآخر، يضرب شخص، يرمى على الأرض، يصفد. فكرت كثيرا في أن لا أحد سيصدقني عندما أحكي كل هذه الأشياء. ولكن هناك عيون كثيرة رأت نفس الشيء الذي رأته عيناي. كثيرون يمكنهم أن يقدموا شهادتهم. كثيرون يتعين عليهم أن يقبلوا بأن ما أقوله هو حقيقة.
يكفي مثال واحد. كان بجانبي رجل رفض فجأة أن تؤخذ بصماته. قبل أن يصور. ولكن بصماته؟ إنه يعتبر أنه لم يقم بأي شر. عارض وقاوم. ضربوه. ولما سقط أرضا، سحبوه خارج القاعة. إلى أين؟ لا أحد يعلم. أي كلمات يمكنني استعمالها؟ فظاعة؟ غير إنساني؟ لكم الاختيار.
الساعة الحادية عشرة ليلا
نقلنا نحن السويديين الثلاثة- النائب البرلماني، والطبيبة وأنا شخصيا- إلى مركز احتجاز. فصلونا. رموا لنا بعض السندويشات ذات طعم منشفات غسيل قديمة. كان الليل طويلا. وكانت قمصاني بمثابة مخدة.
الثلاثاء فاتح يونيو- بعد الزوال
فجأة جمعونا، أنا والنائب البرلماني، وأخبرونا بأنهم سينقلوننا إلى طائرة لوفتانزا لكي يطردونا. رفضنا أن نذهب طالما أنهم لم يقولوا لنا ما جرى للطبيبة. ولما علمنا بأنها في الطريق هي أيضا، قررنا ترك الزنزانة.
في الطائرة، قدمت لي المضيفة حذاء. أما حذائي السابق فقد سرق من طرف أحد عناصر الكومندو عندما كنت على متن السفينة.
أسطورة انهارت: أسطورة الجندي الإسرائيلي الشجاع والذي لا يخطئ. الآن يمكن أن نقول بأنهم أيضا لصوص. لم أكن الوحيد الذي تعرض للسرقة: سرقت أموال، وبطائق ائتمان، ألبسة، حاسوب...تعرض لهذا الأمر كل من كان على متن هذه الباخرة التي هوجمت من قبل جنود ملثمين على شاكلة القراصنة.
وصلنا إلى السويد ليلا. تكلمت إلى الصحفيين. ثم وقفت برهة في الظلام الدامس أمام باب المنزل حيث أعيش. أما E فقد التزمت الصمت.
في اليوم الموالي ثاني يونيو، سمعت الشحرور يغني. كانت أغنية مهداة لكل من ماتوا.
الآن ما زال هناك ما يمكن عمله حتى لا نحيد عن الهدف الذي هو رفع الحصار عن غزة. وراء هذا الهدف تتوارى أهداف أخرى. القضاء على نظام الفصل العنصري، وهذا يتطلب وقتا. ولكن ليس إلى الأبد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.