طنجة .. لقاء يبرز أهمية المنظومة القانونية للصحافة في تحصين المهنة والمهنيين    من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟    رئيس بلدية لندن العمّالي صادق خان ربح ولاية ثالثة تاريخية    أخبار سارة لنهضة بركان قبل مواجهة الزمالك المصري    توقعات أحوال الطقس ليوم الأحد    إدارة المغرب التطواني تناشد الجمهور بالعودة للمدرجات    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    دياز بعدما ربح لاليگا: حنا الريال ديما باغيين نربحو الالقاب وغانقاتلو فماتش البايرن    موريتانيا حذرات مالي بعدما تعاودات الإعتداءات على مواطنيها.. ودارت مناورات عسكرية على الحدود    قمة منظمة التعاون الإسلامي.. الملك يدعو إلى دعم الدول الإفريقية الأقل نموا    آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بصفقة تبادل أسرى وإسقاط حكومة نتنياهو    أسواق أضاحي العيد ملتهبة والمغاربة أمام تغول "الشناقة"    لمجرد يقطع صمته الطويل..قائلا "أريد العودة إلى المغرب"    طنجة.. محاميون وخبراء يناقشون رهانات وتحديات مكافحة جرائم غسل الأموال    القضاء يدين سائحا خليجيا بالحبس النافذ    التوقيع على ثلاث اتفاقيات للتنمية المجالية لإقليمي تنغير وورزازات    إبراهيم دياز يتوج رفقة ريال مدريد ببطولة الدوري الإسباني    إبراهيم دياز يهدي ريال مدريد لقب الليغا الإسبانية بهدف خرافي    لقجع يضع حدا لإشاعات التدخل في تعيين الحكام .. لو كنت أتدخل لفاز المغرب بكأس إفريقيا    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    افتتاح معرض يوسف سعدون "موج أزرق" بمدينة طنجة    تعاون مغربي إسباني يحبط تهريب الشيرا    فرنسا.. قتيل وجريح في حادث إطلاق نار في تولوز    حكومة أخنوش في مرمى الانتقاد اللاذع بسبب "الاتفاق الاجتماعي"    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الداخلة    تعيينات جديدة فال"هاكا".. وعسلون بقى فمنصب المدير العام للاتصال    مادة سامة تنهي حياة أربعيني في تزنيت    "دعم السكن" ومشاريع 2030 تفتح صنابير التمويل البنكي للمنعشين العقاريين    سمرقند تحتضن قرعة مونديال الفوتسال    تونسيون يتظاهرون لإجلاء جنوب صحراويين    قطر تدرس مستقبل "حماس" في الدوحة        الوكالة الحضرية لتطوان تواصل جهود تسوية البنايات غير القانونية    هل تبخر وعد الحكومة بإحداث مليون منصب شغل؟    تتويج الفائزين بالنسخة الثانية من جوائز القدس الشريف للتميز الصحافي في الإعلام التنموي    "نخرجو ليها ديريكت" يناقش مخرجات الحوار الاجتماعي وتهميش فئة المتقاعدين    كأس الكونفدرالية الافريقية .. طاقم تحكيم كيني يدير مباراة نهضة بركان ضد الزمالك    صناديق الإيداع والتدبير بالمغرب وفرنسا وإيطاليا وتونس تعزز تعاونها لمواجهة تحديات "المتوسط"    سيناريو مغربي ضمن الفائزين بالدعم في محترفات تطوان    106 مظاهرات في عدة مدن مغربية لدعم غزة والإشادة بالتضامن الطلابي الغربي    بطل "سامحيني" يتجول في أزقة شفشاون    مهرجان الدراما التلفزية يفتتح فعاليات دورته ال13 بتكريم خويي والناجي (فيديو)    صندوق الإيداع يشارك في اجتماع بإيطاليا    وزير العدل طير رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية فتاونات بعد فضيحة اختلاس 350 مليون من الصندوق    انتهى الموضوع.. طبيب التجميل التازي يغادر سجن عكاشة    بمشاركة مجموعة من الفنانين.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البهجة للموسيقى    إلغاء الزيادات الجمركية في موريتانيا: تأثيرات متوقعة على الأسواق المغربية    كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    الأمثال العامية بتطوان... (589)    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مائة عام على مشروع دستور 1908..
الظروف السياسية لمشروع دستور 1908
نشر في المساء يوم 24 - 09 - 2008

مشروع دستور 1908 كان امتدادا للبيعة المشروطة للسلطان عبد الحفيظ، حيث كان العلماء لا يتصورون البيعة كتفويض مطلق للسلطة كما يحاول أن «يجتهد» البعض اليوم، وإنما هي تعاقد حقيقي بين الحاكم والمحكوم يحدد حقوق وواجبات كل واحد منهما.
تميزت المرحلة الممتدة من 1904 إلى 1908 ببعض المحطات البارزة التي تدل على تقدم الفكر السياسي المغربي، ونزوعه نحو تنظيم السلطة بمقترحات دستورية أكثر وضوحا، كما تأثر هذا الفكر بالمعطى الخارجي وإرادة الهيمنة التي كان يحاول الأوروبيون بسطها على المغرب.
وأهم هذه المحطات، بغض النظر عن المحاولات الدستورية التي سبق تحليلها، هناك تشكيل مجلس الأعيان سنة 1905، والبيعة المشروطة للسلطان عبد الحفيظ بعد خلع المولى عبد العزيز.
جاء نشر مشروع دستور 1908 في أعقاب مرحلة تاريخية كانت فيها أوضاع المغرب من الناحية السياسية تنذر بالانهيار، حيث أصبحت فرنسا أكثر جسارة على المغرب بعد إبرامها للاتفاق الودي مع انجلترا سنة 1904، ولذلك تقدمت بمطالب إصلاحية على يد مبعوثها «سان روني تاياندي» الذي جاء إلى فاس في 26 يناير 1905، يمارس ضغوط فرنسا على المخزن المغربي.
في تلك الفترة قدم وفد من العلماء على رأسه جعفر بن إدريس الكتاني ليطلب من السلطات عدم استقبال المبعوث الفرنسي الذي حل بطنجة، كما طالب في نفس الوقت بإخراج جميع الأطر العسكرية الأوروبية.
كما أصدر علماء فاس فتوى قوية، يطالبون فيها بعدم مهادنة الأجانب والاستغناء عنهم، ومما جاء فيها: «إن الأجانب هم سبب همومنا، وإليهم يرجع تأخرنا وفوضانا وصراعاتنا الداخلية وفقدان استقلالنا وخرابنا، فأي نفع أتونا به، وما هي العلوم الجديدة التي علمونا، وما هي المكاسب التي جنيناها من هذه العلوم في حين يمكن الاستغناء عنهم».
أمام تصاعد معارضة العلماء من جهة، وضغط الأجانب على عبد العزيز لاستقبال «طايا ندييي» دعا السلطان عبد العزيز إلى تشكيل مجلس للأعيان للبت في برنامج الإصلاح الفرنسي.
ومما جاء في رسالة السلطان: «إلى أن عرض أمر مهم من آكد الأمور، التي يهتم بها الخاصة والجمهور، ولم يسع فيها إلا الكتب لسائر قبائل رعيتنا السعيدة لتعين كل قبيلة فردا من كبرائها وأعيانها ممن يثقون بهم ويأتمنونهم على أمور دينهم وعرضهم ومالهم ويرتضونهم وكلاء عنهم، ولايرون في قبيلتهم أصلح ولا أرجح منهم. ويوجهونهم لشريف حضرتنا بقصد اجتماعهم على المفاوضة في علاج هذا الأمر المهم والخطب العارض المهم لتكون المشاورة فيه بين جميع أعيان الرعية ونستبرئ بذلك لديننا ونتخلص من شوائب التقصير الذي يتوهم فيه العمل والروية إذ – على كل حال – إن المشورة في الأمر العام أمر مطلوب، لاسيما وفيها سر الإصابة بتوفيق الله مع سلامة الصدور واطمئنان القلوب».
يعتبر هذا النص بمثابة طفرة في العمل الإصلاحي الذي انطلق منذ عقود من السنين، لأنه يفيد بأن السلطان عبد العزيز يعترف بقراره ودعوته إلى مجلس الأعيان بأن أسلوب المخزن التقليدي لم يعد صالحا لمواجهة المشاكل، ولتدبير أمور الحكم، خصوصا في مثل هذه المواقف.
ولعله لجأ إلى أسلوب الاستشارة والشورى استفادة من أسلافه السابقين، الذين كانوا يعرضون القضايا المستعصية على العلماء وذوي الرأي، لكنهم يفعلون ذلك بمحض اختيارهم وإرادتهم، ولم يكونوا ملزمين بأي قانون ولا عرف، فكانوا يتصرفون حسب مزاجهم واستعدادهم للحوار. بحيث إن فعل «الشورى» في نظرهم لم يكن ملزما ولا منتظما، ولم يكن ينتظر منه البت النهائي في القضايا، وإنما هو ذو صبغة استشارية لا أكثر ولا أقل، فيمكن الأخذ بالآراء المقدمة، ويمكن الاقتصار على الاستئناس بها كما يمكن تجاهلها بالمرة.
ومع ذلك فإن نص الدعوة العزيزية يستبطن اعترافا صريحا بحق الشعب (القبائل) في تسيير الشأن العام بواسطة وكلائه المنتخبين، على قاعدة الصلاح ورجاحة الرأي، وإن سكت على مصير هذه الآراء: هل هو الإلزام أم الاستئناس، ولكن مع ذلك فإن تنصيصه على الاستبراء للدين واعتبار المشورة أمرا مطلوبا «فإن هذا يعني أن القرارات الصادرة عن مجلس الأعيان تستحق أن تأخذ حقها من نظر السلطان، وإلا فإن معارضة العلماء يمكن أن تتطور إلى شكل آخر..
من هنا، فإن المغاربة كانوا يعتبرون انعقاد هذا المجلس بفاس يمثل إحياء وبعثا لمبدأ الشورى، بينما لم يستند عليه مولاي عبد العزيز إلا ليتذرع به أمام فرنسا، ويبرر به رفض المصادقة على مطالبها.
وبالفعل انعقد مجلس الأعيان وناقش بجد وحزم مذكرة المبعوث الفرنسي وانتهى إلى رفض المطالب الفرنسية، بحيث لم يكن مجلسا للمجاملة، بل قدر مسؤوليته التاريخية، وعلى أساس القرار المتخذ بنى السلطان عبد العزيز جوابه الرسمي بعدم الموافقة على أي إصلاح عسكري أو غيره في هذا البلد، بواسطة دولة أجنبية إلا بعد عقد مؤتمر دولي بطنجة يشترك فيه وزراء الدول الموقعة على اتفاقية مدريد ومندوبون عن المخزن من أجل التفاوض على شكل الإصلاحات التي يقتضيها الوضع في البلاد وأن يكتسي الاتفاق المنبثق عنه صورة ترضي الرأي العام.
وآل الأمر أخيرا إلى عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء، في ظل توازنات دولية جديدة، وبالتالي عجلت قراراته المفروضة على السلطان بانهيار صرح المخزن العزيزي، وانتزاع فرنسا لتفويض أوربي ستستند إليه لترسيخ وجودها، وهذا ما كانت تتطلع إليه منذ الاتفاق الودي لسنة 1904.
ومع ذلك يمكن القول بأن عمل مجلس الأعيان، على محدوديته وقصر مدته، مثل صفحة مهمة من صفحات تطور الآليات التنظيمية لتفعيل مبدأ الشورى، وبالتالي فسح المجال أمام النخبة المغربية للاجتهاد الدستوري والقانوني. ويبقى أن فشل هذا المجلس مرتبط بسياق تاريخي معين يحمل عدة عراقيل ومثبطات ناشئة عن تخلف فكري وثقافي عام لا يسمح بالتقدم في اتجاه بعث منظور جديد للحكم على أساس قانوني واضح يحدد الحقوق والواجبات والاختصاصات في دستور مبني على السيادة الشعبية، طبقا للتطور الطبيعي الذي وقع في العديد من البلدان، «فانفجار» قضية الشورى كان رد فعل على الغزو الاستعماري، ولم يكن وليد تطور فكري وحضاري عميق.
وتطورت قضية الشورى مع تطور الغزو الأوربي، وبالتالي مع تطور فكر المواجهة الذي لجأ إليه العلماء وكذلك السلطان، ومع زيادة الضغط الأوربي المدني، وخصوصا الضغط التجاري والسياسي انتقلت فكرة الشورى إلى مستوى التجربة العملية الشعبية، وفق قرارات مجلس الأعيان الذي برزت فيه شخصيات مناضلة تتمتع بموقف قوي في الدفاع عن قضايا الوطن.
ولاشك بأن من نتائج هذا الحدث ظهور فكر دستوري إصلاحي، كما سبقت الإشارة، تجلت في مجموعة من الاقتراحات كمشروع دستور 1908. هذا الفكر الدستوري الناشئ هو الذي دفع بالنخبة المثقفة آنذاك، عند الإطاحة بالمولى عبد العزيز وتنصيب مولاي حفيظ، إلى المطالبة بإلحاح بتضمين البيعة الحفيظية بجملة من الالتزامات الدستورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.