يحكي أ. م، وهو اليوم مهاجر في إسبانيا، كيف أنه كان قبل أزيد من 10 سنوات حارسا أمن خاص في شركة «خيبر» في طنجة، التي تعتبر اليوم واحدة من أقوى وأكبر شركات الأمن الخاص ونقل العمال في المدينة. «كانت البداية تشبه اللعب. تقدمنا للعمل في هذه الشركة فتم قبولنا وبدأنا العمل فورا. في البداية صنع صاحب الشركة بنفسه «بادج» مصنوع من ورقة صغيرة وعليها خطان بالأحمر والأخضر، يعني تشبه بطاقات أمن أو بطاقات رسمية، مع أنه رسمهما بالقلم، وعلقنا البادج على صدورنا، ثم رمانا على أبواب عمارات في أماكن خطيرة في طريق مغوغة. أحيانا كان صاحب هذه «الشركة» يفاجئنا في الرابعة صباحا وهو يسوق سيارة مهترئة، وعندما كان يجدني جالسا، وليس نائما، كان يرغي ويزبد ويهدد بطردي وأنا كنت أتحمل كل حماقاته مع أنه لم يسجلنا في صندوق الضمان الاجتماعي ولا في صندوق البطيخ. ويتذكر هذا الرجل قائلا «كان يعاملنا كأننا عبيد في بيته، ونتلقى أجرا لا يصل ألف درهم، وفي النهاية تعبت والتحقت بمعمل في المنطقة الصناعية بعد وساطات كثيرة، ثم كافحت من أجل الحصول على فيزا وهاجرت إلى إسبانيا. تلك أيام مريرة لا أريد تذكرها». شخص آخر كان يشتغل مع «خيبر» يصف جزءا من معاناته. «في صباح أحد الأيام كنت أقف في مكان عملي كالمعتاد. فجأة وصل صاحب الشركة ونظر إلي وصرخ في وجهي «لماذا لم تحلق ذقنك؟»، وقبل أن أجيبه قال لي «سأخصم منك أجر يوم»، ثم انصرف. «المشكلة أن ذقني كان حليقا جدا وكنت على أحسن حال»، يقول الحارس. يومها كانت شركة «خيبر» تحتكر الكثير من الصفقات الخاصة بالحراسة الأمنية، وعقدت اتفاقيات مع مؤسسات كثيرة بدءا بالمعامل والشركات والقنصليات الأجنبية، وانتهاء بمكاتب الإدارات والمقاهي والمطاعم. لكن هذه الشركة، التي كان صاحبها مجرد «موظف» بسيط في عمالة طنجة، تركت اليوم مجال الحراسة الأمنية وتخصصت في مجال نقل العمال وأشياء أخرى. هناك عامل في شركة حراسة بميناء طنجة يحكي معاناته قائلا «نشتغل أكثر من 12 ساعة في اليوم، وأحيانا أكثر، ولا نتوفر على نقل، لذلك أستغرق حوالي ساعة مشيا من أجل الوصول إلى المنزل، يعني أني أضيع أزيد من 15 ساعة في اليوم في مجال عملي، ويا له من عمل، كم سيتبقى لي إذن من أجل نفسي وأسرتي؟ يعني كم ساعة سأنام وكم ساعة سأجلس مع أبنائي وزوجتي. هذا العامل الذي لا يريد أن يكشف عن اسم الشركة التي يعمل معها. «لو ذكرتم اسم الشركة فسيطردونني بمجرد أن يقرؤوا هذا الخبر»، يقول الحارس محذرا. أغلب حراس الأمن الخاصين يسردون معاناتهم ويلحون من أجل عدم ذكر أسمائهم أو أسماء شركات الحراسة التي يتعاملون معها. ويقول حارس أمن خاص» أشتغل مع شركة ب1500 درهم في الشهر ولست مسجلا في أية مصلحة أخرى. أنا مجرد حرّاك في بلدي، وصاحب الشركة يطلب مني أن أحرس باب فيلته عندما يكون مسافرا، وبما أن الشركة بها أيضا عاملات للنظافة فإنه يطلب من العاملات أن يتوجهن نحو فيلته لتنظيفها، وكان يطلب من عامل الحدائق أن يهتم بحديقته، يعني أن هذه المهنة، إذا أمكن أن نطلق عليها اسم مهنة، لا فرق بينها وبين العبودية لأن صاحب العمل يملكك بألف درهم في الشهر، وهذا ثمن كان عبيد القرون الوسطى يقبضون أفضل منه. محسن. ح، شاب لا مشكلة لديه في الحديث بطريقة مختلفة لأنه تدرج في هذا المجال من مجرد حارس أمن عادي إلى صاحب شركة للأمن الخاص. بدأ محسن عمله في هذا المجال قبل حوالي 10 سنوات بعد أن حصل على دبلوم جامعي في الميكانيك والكهرباء. «كنا نشتغل في شركة للأغطية وأفلست، ثم توجهنا للعمل في شركة «إس. أو. إس» للحراسة. في البداية اشتغلنا في طنجة، ثم طلبوا منا التوجه للعمل في كابونيغرو ب2500 درهم في الشهر، بعد ذلك اكتشفنا أننا لم نسجل في صندوق الضمان الاجتماعي فانتقلنا إلى شركة أخرى»، ويضيف: «تدرجت في جميع مستويات هذا المجال حتى أصبحت صاحب شركة للأمن الخاص، ولهذا أقول لك إن المسؤول عما يحدث ليس أصحاب العمل فقط، بل حراس الأمن أنفسهم لأنهم يرضون برواتب هزيلة. أحيانا يأتي عندي شخص ويقول لي إنه مستعد للعمل ب2000 درهم بينما أدفع 1800 درهم لعمالي، لكني أرفض أن أستغل العمال برواتب زهيدة لأني كنت حارس أمن بسيطا وصرت صاحب شركة، لكني أعرف أن الكثيرين يستغلون العمال، ومع ذلك فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع، على أصحاب الشركات وعلى العمال أنفسهم الذين يقبلون بهذه المذلة». ويتساءل محسن «هناك الكثير من المنافسة حاليا، وفي طنجة وحدها توجد حوالي 100 شركة أمن خاص، والكثير منها يقبل «مارشي» ب2000 درهم، فكم ستعطي إذن للحارس؟ وهناك شركات توظف عمالا لثلاثة أشهر في البداية وتؤدي لهم أجر شهر واحد، وشخصيا التقيت في وجدة مع عمال كانوا يطالبون فقط بأجورهم الزهيدة من شركتهم فلا يحصلون عليها. إنهم لا يطلبون لا زيادة ولا ضمان اجتماعي، إنهم يريدون أجورهم فقط، ومع ذلك لا يحصلون عليها. في طنجة هناك مشكلة من نوع خاص، وهو الغبن الذي يحس به أبناء المدينة إزاء العاملين في هذا القطاع من القادمين من مدن ودواوير بعيدة. عدد من حراس الأمن الطنجاويين قالوا بعبارة صريحة إن القادمين من مدن ودواوير أخرى «طيّحوا علينا السوق»، أي إنهم يريدون الاشتغال بأي أجر حتى لو كان ألف درهم في الشهر لأنهم يسكنون بشكل جماعي في بيوت رخيصة ويريدون الاشتغال في طنجة بأي أجر، بينما شباب المدينة يطالبون بحقوقهم كاملة، أو حتى بشكل نسبي. الوجه الآخر لهذه «المهنة» هو أن كثيرا ممن يزاولونها يقبلون بشروطها المهينة ولا يقدرون على تركها لأسباب كثيرة، أولا لأنها مريحة ولا تتطلب مجهودا كبيرا رغم ساعات «العمل» الطويلة. ثانيا لأن هناك حراسا يعملون في أماكن استراتيجية تمكنهم من الحصول على قدر وافر من المال، وهناك حراس أمن في أبواب المستشفيات أو الإدارات يحصلون يوميا على 300 أو 400 درهم من المواطنين من أجل تقديم خدمات أو تسهيل دخول الناس أو الوساطة في أشياء كثيرة. في طنجة توجد اليوم عشرات شركات الأمن الخاص التي يتراوح عملها ما بين محاولة الظهور بمظهر الشركة المحترمة، وما بين شركات عبودية حقيقية. ومن بين أكثر الشركات شهرة في طنجة اليوم واحدة يملكها شخص «يعمل في القصر الملكي في الرباط» حسب شهادات بعض عمالها، وهي شركة تحتكر قطاعا عريضا من العمل خصوصا في المنطقة الصناعية الحرة، وهم يتلقون أجرا يعتبر جيدا وهو 2400 درهم في الشهر، لكنه أجر مقابل 30 يوم عمل، أي 80 درهما في اليوم، ويتوفرون على تنقل مجاني لكنهم من دون تأمين أو ضمان اجتماعي. وعموما لا توجد في مجال الأمن الخاص شركات شريفة مائة في المائة، هناك فقط شركات أقل سوءا من غيرها، وهناك حراس أمن يرضون بالهوان أكثر من اللازم لأنهم يريدون الاشتغال فقط في ظروف صعبة، وهناك أصحاب عمل يتقمصون دور النخاسة ويطالبون عمالهم بأن يؤدوا دور العبيد، وأن يشتغلوا في كل الأيام وبدون عطلة، ويحرسوا منازل وفيلات أصحاب الشركات، ويقفوا أيضا في أبواب خيمات الأعراس، وأن يتلقوا أجورهم كما يتلقون صدقة أو بوربوار بدون ورقة أداء. ويقول أحد العارفين بهذا القطاع: كنت أعتقد أن أصحاب الشركات هم المسؤولون الوحيدون عن هذا الوضع المزري.. لكن عمال هذا القطاع يشتركون أيضا في المسؤولية.