إفريقيا لم تكن دائما سيدة قراراتها،صحيح أنها حصلت على استقلالها السياسي، لكن استقلال المؤسسات والشخصيات التي تتعاقب على حكم البلدان المشكلة للقارة يبدو أنه مازال بعيد المنال في ظل التطاحنات العسكرية والمطامع التي تحرك الرغبة في الاستيلاء على الحكم. الإعلام، بدوره، له نصيب من التأثير الممارس على حكام إفريقيا. فغياب الديمقراطية الحقيقية يجعل حكام القارة السمراء في تبعية دائمة لإعلام يلمع صورتهم مقابل عطايا مادية هائلة. كل مقال له ثمنه. «جون أفريك»، الأسبوعية التي أسسها الوزير التونسي الأسبق البشير بن ياحمد، واحدة من هذا «اللوبي» الإعلامي الذي يعرف كيف تؤكل كتف إفريقيا. بين البداية واليوم مرت سنوات عديدة... «مؤرخو» «جون أفريك» يتذكرون هذا المبتدئ العالم الثالثي، الذي بدأ مشواره في الصحيفة، التي لم يشتغل في واحدة أخرى غيرها، وهو في سن الثانية والعشرين. مازال الجميع يتذكر هذا المندوب عن الموظفين، الذي كان سريع الغضب، والمستعد للاحتجاج في أي لحظة على البشير بن ياحمد. لكن مع مرور الزمن، تغيرت ملامح الرجل، وتهذبت تسريحة شعر رأسه وشنبه. إلا أن آلة العمل عنده ظلت دائما تشتغل بكامل طاقتها.فرانسوا سودان يمثل في الصحافة الإفريقية ما تمثله باربارا كارتلان في الرواية الوردية... عندما أراد البنك الطوغولي للتجارة، في 2 أكتوبر 2003، أن يخبر وكالة الإشهار والتسويق «ديفكوم» التابعة لمجموعة «جون أفريك» بأنه حول إليها ما قيمته 95 ألف أورو بأمر من رئاسة الوزراء مقابل الخدمات التي قدمتها الصحيفة للحكومة الطوغولية، فإن فاكس الإخبار وجه باسم فرانسوا سودان. اعتاد الرجل على تلقين زملائه الأفارقة دروسا في الصحافة. لا يعرف هل يفعل ذلك من باب عدم الإدراك أم من باب السخرية والاستهزاء. وما يشهد على ذلك رده المسعور على الملف الموثق الذي نشرته «لوجورنال إيبدومادير» المغربية، الذي تحدثنا عنه أعلاه. ففي مقدمة لملحق نشرته الصحيفة حول وسائل الإعلام بالقارة السمراء، تهجم فرنسوا سودان، لأسباب يعرفها، على «صحافة خاصة غالبا ما لا تراعي المبادئ الأخلاقية» وعلى انحرافاتها من قبيل «المساومة، والضغط من أجل الحصول على المال.» لكن ثمة تحية جميلة وجهها إليه حميد برادة: «أكن له إعجابا كبيرا، يقول هذا القيدوم المغربي، الذي لجأ خلال الستينيات إلى فرنسا مكرها بعد أن أدانه نظام الحسن الثاني بالإعدام، خاصة لبراعته على المستوى الدبلوماسي والصحافي. «إنه ريشليو المثابر المثقف، السريع...». رأي برادة لا يشاطره فيه الجميع. ففي 3 أكتوبر 2006 اتفق فرانسوا سودان وأحمدو ولد عبد الله، الممثل الخاص لكوفي عنان في إفريقيا الغربية، على أن يتناولا طعام الغداء في مطعم «لاكوبول» المعروف في مونبارناس. إلا أن سودان تراجع عن الموعد عشية اليوم المحدد واقترح على الممثل الأممي الاكتفاء بحديث هاتفي. لكن هذا الأخير حكى فيما بعد ما يلي: «تحدثنا عن موريطانيا، إلا أنه بعد يومين علمت بأن سودان أسر للرئيس فال أنني غاضب جدا من الطريقة التي يدير بها الفترة الانتقالية. لي اليقين بأنه سجل حديثنا وبعث بتقرير عنه إلى نواكشوط. هكذا، إذن، تعيش «جون أفريك» ثقافة المساومة والاحتيال.» (حوار مع المؤلف). صحيح أن هشاشة الأنظمة في إفريقيا تسهم في إنعاش سوق الإعلان، فهي تخرج زعماء من الظل، الذين سواء كانوا منتخبين أم لا، فإنهم يحتاجون إلى تلميع صورتهم. إلا أنها تكره، أيضا، الصحيفة على التصرف بسرعة عندما تشعر بأن أحد زبنائها أصبح في وضع صعب. «الانعراج المفاجئ ب 180 درجة ل «جون أفريك»، يقول جون بول بيغاس، تجاه الكونغو برازافيل أدهشني.» (حوار مع المؤلف). والحقيقة أن سيطرة دنيس ساسو نغيسو على الحكم في خريف 1997 فاجأ الصحيفة، التي اعتادت على مغازلة عدوه باسكال ليسوبا، وباغتها. حينها كان بيغاس نائب مدير مجموعة «جون أفريك»، إلا أنه رد قرار فصله إلى العداوة التي كانت بين دنيس ساسو وباسكال ليسوبا. فقد توصل بيغاس بقرار الاستغناء عنه مباشرة بعد عودته من رحلة قادته إلى الكونغو. يقول في هذا الصدد: «كان هنالك خلاف حول مستقبل إفريقيا الوسطى. بن ياحمد كان محسوبا على ليسوبا، بينما كنت أنا قريبا من ساسو، الذي التقيته خلال فترة إقامته في باريس. «إلا أن بن ياحمد يرد على هذا الكلام بالقول: «لا علاقة لقراري بما قاله مطلقا. عندما اتخذت قراري، كنت أجهل علاقة القرب بينه وبين ساسو.» صحافيون من داخل الدار يقولون إن الوفاة المفاجئة للرئيس الطوغولي غناسينغبي أياديما، في فبراير 2005، زرعت الخوف داخل مقر الصحيفة. يقول أحدهم إن «الإدارة أصيبت بالهلع لأنها كانت ترى في هذه الوفاة خطرا على عقودها الإعلانية، فتحركت لإنقاذ الموقف. ويبدو أن تحركها كان مثمرا.» فيما يخص العلاقة مع الطوغو، يبدو بوضوح أن «جون أفريك» لم تتردد أبدا في اللجوء إلى سلاح المداهنة. فقد حرصت دائما على تجنب المواجهة مع عشيرة أياديما، التي «يبعث زعيمها، كما يقول أحد العارفين بالأمور، أحيانا، ملاحظات تنبهنا إلى الامتناع عن الكتابة عن مناطق الظل في المجتمع الطوغولي.» والدليل على ذلك ما أحدثه مقال خصصته الصحيفة، سنة 2004، للمعارض التاريخي سيلفانوس أولمبيو.