عندما يرددون كلهم بصوت واحد «بارك الله فيك»، ويستعدون لقراءة الفاتحة لمباركة الاتفاق، سرعان ما يقاطعهم والد الفتاة «لم نصل بعد لذلك يجب تحديد المهر أولا»، وهكذا تبدأ جولة أخرى من المفاوضات. وغالبا ما يكون المشهد كالتالي ينفرد بعض الحاضرين من مرافقي والد الخطيب المفترض، بوالد الفتاة في أحد أركان الغرفة، وهناك بعيدا عن والد الشاب، يطلبون منه الإفصاح عن المبلغ الذي يطلبه مهرا لابنته، يفصح لهم عن المبلغ، فيدخلون معه في تفاوض من أجل تخفيضه، أحدهم يقبل رأسه ويترجاه ألا يعاند، وأن يعتبر التخفيض كهدية قدمها لهم. فيجيبهم «وخا» ويكون الاتفاق مثلا على ألفي درهم»، بعض الغرامات من اللؤلؤ، عقد من الذهب، عشرة أوشحة مطرزة، زنجية، وأخيرا الحناء والتمور، وهو ما يسمى هدية القبول « الدفوع» وهكذا يحدد ثمن الفتاة، يعود والد الفتاة إلى مكانه مع الحاضرين، ويستدعى والد الشاب إلى الركن نفسه الذي أخذ إليه والد الفتاة، ويبدؤون محاولة إقناعه بما تم التوصل إليه مع الأول، بمبلغ المهر الذي توصلوا إليه مع والد الفتاة، معللين قراراهم بما تمتاز به الفتاة، لكن رغم ذلك يحاول بدوره تخفيضه أو تخفيض غرامات اللؤلؤ أو وزن العقد من الذهب، وفي حال أصروا على ما اتفقوا عليه مع والد الفتاة، يقبل بدوره على مضض لكن يشترط ألا يهديها زنجية، فبإمكان عائلتها أن تضحي وتعطيها واحدة من منزلهم. فيعدونه أنهم سيحاولون مع والد الفتاة ويرجعونه إلى مكانه مع الحاضرين، ويأخذون والد الفتاة من جديد إلى ركن الغرفة، ويخبروه أن والد الشاب وافق على كل شيء باستثناء الزنجية، فيجيبهم والد الفتاة إذا كان لا يرغب في أن يهديها زنجية فعليه أن يساهم على الأقل بجزء من ثمنها، فأنا لا أقبل أن أهدي ابنتي زنجية عجوزا وأن يهديها هو زنجية عجوز. فيسألونه عن ثمن الزنجية التي يرغب في أن تحصل عليها ابنته، فيقترح من ألفي إلى ألفي وخمسمائة فرنك، فيكون ردهم أن ذلك كثير وأنه فقط ب15 مائة فرنك يمكن شراء زنجية جيدة، ويحاولون إقناعه بأن الأهم أن لا تكون الزنجية جميلة وشابة لأن أبنه قد يطمع فيها، بل قوية وقبيحة، وهذا يمكن إيجاده بسهولة بهذا الثمن. حينها لا يكون أمام الأب إلا أن يطلب منهم أن يحددوا المبلغ الذي يريدون مناسبا لذلك، شارحا أنه لزواج ناجح يجب تقديم تنازلات من الجانبين، فيقترحون أن يدفع كل واحد منهما نصف ثمن الزنجية فيرفض ويعدهم بثلث المبلغ فقط. يحدث حينها أن يرفض الشريف، الذي يلعب دور الوسيط، ويترجاه أن يعد المبلغ الزائد عن الثلث كأنه صرفه في دعوتهم وضيافتهم، سائلا إياه « هل إذا طلبت منك أن تضحي ببعض الدراهم ألا تقبل ذلك» فيجيبه والد الفتاة أنه مستعد أن يهديه عيناه إن هو طلبهما، ولو كانت الظروف غير الظروف لن يطلب ما طلبه. حينها يعاد إلى مكانه، ويجيء الدور من جديد على والد الشاب، ينقل إلى ركن الغرفة كما نقل أول مرة، ويخاطبه الشريف بأنه تم التوصل إلى اتفاق مرضي للجميع، ويخبره أنه تم تخمين ثمن الزنجية في 15 مائة فرنك، على أن يدفع هو نصفها ووالد الفتاة نصفها الثاني. والد الشاب أو الخطيب المفترض الذي كان يتوقع اتفاقا أفضل من ذلك، يستغرب الأمر بنوع من المزاح، لكنه سرعان ما يقر ويقبل، مضيفا أنه «مادمتم قد قررتم فأنا أقبل بذلك، متمنيا أن تكون الزنجية في قيمة المبلغ الذي سيدفع من أجلها. حينها يكون الاتفاق قد تم على المهر والهدايا، فيقبل والدا العروسين رأسي بعضهما البعض، وتقرأ الفاتحة ويدعو الحاضرين الله أن ينتج من هذا الزواج المبارك الذرية الصالحة. لكن الاتفاق رغم وصوله إلى مرحلة قراءة الفاتحة، فإنه لم يحسم بعد، فتنتظره جولة أخرى واستعانة بوساطة الشرفاء الأدارسة لتليين مواقف والد العروس، إذ أن الأخير سرعان ما تسكنه التساؤلات حول إن كان أهدى ابنته بسهولة وكأنه راغب في التخلص منها، ويسأل نفسه إن كان سمح في ابنته بمهر مساوي للمهور المخصصة لخطبة فتيات الفقراء.