"عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    فريق يوسفية برشيد يتعادل مع "الماط"    مدرب بركان يعلق على مواجهة الزمالك    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    كلمة هامة للأمين العام لحزب الاستقلال في الجلسة الختامية للمؤتمر    مرصد يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    البطولة: المغرب التطواني يضمن البقاء ضمن فرق قسم الصفوة وبرشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    طنجة تسجل أعلى نسبة من التساقطات المطرية خلال 24 ساعة الماضية    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    اتحاد العاصمة ما بغاوش يطلعو يديرو التسخينات قبل ماتش بركان.. واش ناويين ما يلعبوش    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    أشرف حكيمي بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    حماس تنفي خروج بعض قادتها من غزة ضمن "صفقة الهدنة"    بيدرو سانشيز، لا ترحل..    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة واعتراض السبيل وحيازة أقراص مخدرة    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    جمباز الجزائر يرفض التنافس في مراكش    محكمة لاهاي تستعد لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو وفقا لصحيفة اسرائيلية    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار المظاهرات المنددة بحرب إسرائيل على غزة    بيع ساعة جَيب لأغنى ركاب "تايتانيك" ب1,46 مليون دولار    بلوكاج اللجنة التنفيذية فمؤتمر الاستقلال.. لائحة مهددة بالرفض غاتحط لأعضاء المجلس الوطني    نصف ماراطون جاكرتا للإناث: المغرب يسيطر على منصة التتويج    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية جيل ستاين في احتجاجات مؤيدة لفلسطين    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل المغاربة حقا «سحرة بامتياز»؟
نشر في المساء يوم 06 - 09 - 2015


مصطفى واعراب
هل المغاربة حقا «سحرة بامتياز»؟ سؤال يتكرر كثيرا من دون أن يلقى ردا حاسما. فليس نادرا أن يطفو على سطح الأحداث خبر عربي يربط السحر بالمغرب. حيث سبق أن سمعنا من قبل مثلا عن شريط كرتوني كويتي نعت المغرب بالسحر. وعلى امتداد سنوات طويلة ونحن نسمع ونشاهد ونطالع مقالات وبرامج تلفزيونية لبنانية ومصرية وخليجية تنحى المنحى نفسه ثم «يعتذر» مقترفوها اعتذارات باهتة، لا توقف التطاول على كرامة وشرف المغرب. وأخيرا جدا (قبل نحو شهر)، انبرى الرئيس المثير للجدل لنادى الزمالك المصري المدعو مرتضى منصور لاتهام فريقه الخصم اللدود (النادي الأهلي) بأنه ربح مباراته باستعمال السحر. ومن أجل إقناع المشككين الكثيرين في مزاعمه المكرورة، زاد منصور مدعيا في تصريحات تلفزيونية مثيرة بأن «الأخ هيثم عرابى (مدير التعاقدات بالنادي الأهلي) جاب معاه ساحر مغربي عمل لنا السحر».
وقبل مرتضى منصور، سبق أن أطال إعلاميون وفنانون مصريون (وغير مصريين) آخرون ألسنتهم على المغرب ومسوا شرفه بسوء، فنعتوه بأنه أرض السحر والشعوذة «بامتياز»، ضمن باقة قذرة من النعوت الشنيعة الأخرى. ونذكر من بينهم على سبيل الذكر لا الحصر الإعلاميتين المصريتين وفاء الكيلاني وأماني الخياط. والطريف في هذا الشأن أن مصر التي اعتاد فنانوها وإعلاميوها أن يرموا المغرب بتهمة السحر والشعوذة، هي مصر نفسها التي ذكرها القرآن الكريم بقوة سحرتها وكثرتهم، وهم الذين واجهوا النبي موسى في المبارزة الشهيرة بالسحر؛ ففشل خلالها فرعون في تأكيد ألوهيته بقوة سحرته.
وما يهمنا من تلك التصريحات ليس بالتأكيد هو مضمونها المشين ولا الرد على مزاعمها التي تتوسل السباب أسلوبا وغاية، ولا تستحق الرد. بل إن الأهم هو البحث في حقيقة انفراد المغرب بممارسة السحر بين أمة العرب.. فهل المغاربة حقا سحرة وبامتياز؟ وهل نساؤهم وبناتهم ساحرات يتعاطين الشعوذة لقضاء الأغراض من الاستحواذ على الحبيب، والحفاظ على الزوج بالسحر؟ الخ… وعطفا على ذلك السؤال يطرح سؤال آخر نفسه: وماذا عن باقي العرب؟ كيف هي علائقهم بالسحر وبالخفي عموما؟
المعروف أن السحر يعد من أقدم الظواهر الإنسانية التي عرفها البشر منذ العصر الحجري، وما يزال الناس إلى حدود الساعة يعتقدون في أشكال شتى من السحر عبر العالم ويمارسون طقوسها، بما في ذلك حتى بين أكثر الشعوب تقدما ورقيا في أوربا وأمريكا. ورغم ذلك لم نسمع (ولن نسمع بكل تأكيد) أوربيا يعيّر أمريكيا مثلا، لكونه يعتقد في وجود الأرواح أو لكونه يمارس سحرا، مهما اختلف معه في أمور أخرى.
ولذلك فإن ما يحتاج إليه العرب اليوم ليس رمي الآخر القريب بالسحر نأيا عن الذات منه، بقدر ما يحتاجون إلى فصل واقعهم عن التفكير الخرافي بشكل عام، التوهم في أن السحر قادر على تحقيق المعجزات. وفي سبيل ذلك تنكشف الحاجة الماسة يوما بعد يوم إلى دراسات علمية للظواهر السحرية في البلدان العربية. فالمتابعة الميدانية للموضوع تعاني تخلفا كبيرا في جميع المجتمعات العربية، ما يجعل أي حديث عن السحر مجرد خوض في العموميات ليس إلا.
ومن الدراسات الحديثة النادرة التي اشتغلت على موضوع السحر العربي، واحدة أجراها أخيرا المركز القومي المصري للبحوث الجنائية، وقدمت معطيات رقمية مثيرة للدهشة والقلق. وهكذا تشير الدراسة مثلا إلى أن ثمة ربع مليون (أي 250 ألف) دجال يمارسون أنشطة السحر والشعوذة في العالم العربي، يوجد بينهم 200 ألف في مصر لوحدها. وهناك 274 خرافة تسيطر على تفكير المصريين، الذين ينفقون 10 ملايير جنيه مصري سنويا في قراءة الغيب وعلاج المس من الجان وفك السحر. وبالمجمل، فإن هناك مشعوذا واحدا لكل 240 مواطن مصري، بحسب الدراسة نفسها. وهو رقم قد يبوئ مصر الريادة في هذا المجال عالميا.
بكل تأكيد لن يكون ملف واحد كافيا شافيا للجواب عن السؤال الكبير: هل المغاربة دون باقي العرب سحرة «بامتياز»؟ كما يصر على نعتهم بعض المشارقة وحتى بعض المغاربيين. فالموضوع الذي يثيره السؤال معقد ومتشعب الجوانب. ولذلك يقترح هذا الملف مقاربة مركزة له، من خلال العودة إلى بعض الجذور التراثية التي ما زالت ترسخ في المتخيل العربي صورة المغربي الساحر. ثم النظر بعد ذلك في مضامين بعض مدعي السحر المغربي على الإنترنت.. وصولا إلى إلقاء الضوء على مجالين بارزين من أبرز مجالات استعمال السحر لدى أمة العرب، وهما (السحر في الحرب) و(السحر في كرة القدم).
ولعل من خلالهما سوف يطلع القارئ المغربي على نماذج سحرية أغرب من الخيال، يجهلها أغلبنا نحن «السحرة بامتياز» !
موضوعان اثنان أثيران عند بعض العرب كلما جرى ذكر المغرب: الدعارة والسحر.
«سحرية» المغاربة التي تسكن متخيل العرب
بين إرث «ألف ليلة وليلة» ومشعوذي الإنترنت
يعود ارتباط المغرب في متخيل المشارقة بكونه أرض السحر، في جانب كبير منه، إلى مضامين بعض المصنفات التراثية، وأهمها: مقدمة ابن خلدون، وحكايات ألف ليلة وليلة، فضلا عن مؤلفات كل من البكري، وابن الحاج التلمساني، والبوني، وغيرها. وأما في زمننا المتأخر هذا، زمن العولمة الشاملة، فإن تناسل مواقع ومدونات على الإنترنت تنسب إلى ساحرات وسحرة مغاربة يكرس تلك الصورة المترسبة في متخيل العرب عن سحرية المغاربة، بالقدر الذي تلبي الطلب العربي (الخليجي أساسا) المتنامي إلى خدمات «السحر المغربي».
برأي محمد أسليم، فإنه من المفيد النظر إلى اقتران السحر عند العرب باسم المغرب من جانبين: جانب المتخيل وجانب الواقعي. وتأسيسا على ذلك الرأي، يسعى هذا المقال إلى الوقوف من جهة عند صورة «المغربي الساحر» في حكايات ألف ليلة وليلة، باعتبارها تندرج ضمن الجانب المتخيل الذي رسخ في ذهنية الانسان العربي. ثم ينتقل المقال بعد ذلك إلى رصد مضمون بعض مواقع ومدونات شيوخ وشيخات «الروحانية» على الشبكة العنكبوتية، باعتبارها المظهر الأبرز من الجانب «الواقعي» في الممارسة السحرية المنسوبة إلى المغاربة راهنا.
مُعلم السحر مغربي!
يقدم ديوان الحكايات العربية المسمى «ألف ليلة وليلة» نموذجا للتراث الأدبي الذي بصم المتخيل العربي على مدى القرون الماضية، بالكثير من الأفكار الخاطئة والأحكام الجاهزة. لنتأمل في ما يلي ملمحا من صورة المغربي الساحر في «الليالي».. ففي الليلة 613 تنفك عقدة حكاية «جودر بن عمر التاجر مع أخويه»، إذ تقول شهرزاد للملك: بلغني أيها الملك السعيد أن جودراً لما سأل المغربي وقال له أخبرني عن (المغربيين) اللذين غرقا أولاً، قال له: يا جودر، إن اللذين غرقا أخواي. أحدهما اسمه عبد السلام، والثاني اسمه عبد الأحد، وأنا أسمى عبد الصمد (…) وكان والدنا علمنا الرموز وفتح الكنوز والسحر، حتى خدمتنا مردة الجن والعفاريت. ونحن أربعة إخوة والدنا اسمه عبد الودود، ومات أبونا وخلف لنا شيئاً كثيرا.
فقسمنا الذخائر والأموال والأرصاد (بيننا) حتى وصلنا إلى الكتب فقسمناها. فوقع بيننا خلاف حول كتاب اسمه «أساطير الأولين»، ليس له مثيل ولا يقدر بثمن ولا يعادل بجواهر، لأنه مذكور فيه سائر الكنوز وحل الرموز. وكان أبونا يعمل فيه ونحن نحفظ منه شيئاً قليلاً فقط، وكل منا غرضه أن يملكه حتى يطلع على ما فيه لوحده.
فلما وقع الخلاف بيننا حضر مجلسنا شيخ أبينا الذي كان رباه وعلمه السحر والكهانة، وكان اسمه الكهين الأبطن، فقال لنا هاتوا الكتاب. فأعطيناه الكتاب، فقال أنتم أولاد ولدي، ولا يمكن أن أظلم منكم أحداً، فليذهب من أراد أن يأخذ هذا الكتاب إلى معالجة فتح الشمردل، ويأتيني بدائر الفلك والمكحلة والخاتم والسيف. فإن الخاتم له مارد يخدمه اسمه الرعد يملك به الأرض بالطول والعرض. وأما السيف فإنه لو جرد على جيش وهزه حامله لهزم الجيش. وإن قال له وقت هزه: اقتل هذا الجيش، فإنه يخرج من ذلك السيف…، إلى آخر الحكاية.
المغرب.. أرض السحر البعيدة !
وعلى هذا النحو الغرائبي نفسه، يشد متن الليالي أنفاس القارئ/المستمع لحكاية «علاء الدين والمصباح السحري» الشهيرة، من خلال حوادث يلعب فيها السحر المغربي، هي الأخرى، دورا بارزا. فرغم أن مكان الحكاية المفترض بحسب بعض الباحثين هو تركستان الحالية (إحدى مقاطعات الصين المسلمة حاليا)، إلا أن المحرك الرئيسي لها هو ساحر مغربي، وشخص يهودي. ومكانها البديل هو المغرب.
وملخص الحكاية أن علاء الدين شاب يتيم الأب وفقير جداً. يتصل به ساحر قدم من المغرب اسمه حسن وزعم له بأنه عمه وشقيق والده الراحل مصطفى، الذي كان يعمل خياطاً. يُظهر الساحر حسن نيته لعلاء الدين ووالدته، فيتعهد بأن يساعده لكي يصبح تاجراً ثرياً. لكن الدافع الحقيقي وراء طيبة الساحر كان هو إقناع الشاب علاء الدين ليستخرج المصباح السحري من كهف العجائب المليء بالمخاطر.
لكن في الكهف، يرفض علاء الدين تسليم المصباح السحري قبل أن يخرجه الساحر، فيقوم هذا الأخير بإغلاق فتحة الكهف وينصرف. يجد علاء الدين نفسه محاصراً في الكهف. كان علاء الدين يضع في أصبعه خاتماً سحرياً أعطاه إياه الساحر لحمايته، وعندما فرك يديه في يأس باحثاً عن مخرج، قام بحك الخاتم السحري من دون قصد، فخرج جني ساعده وأخذه إلى منزل والدته ومعه المصباح السحري. وعندما حاولت والدته تنظيف المصباح يخرج منه جني آخر أكثر قوة، وينفذ طلبات صاحبة المصباح.
يصبح علاء الدين غنياً وقوياً بمساعدة جني المصباح ويتزوج ابنة الملك الأميرة بدر البدور، بعد أن يفشل محاولة زواجها من ابن الوزير. ويقوم جني المصباح السحري ببناء قصر رائع لعلاء الدين وزوجته بدر البدور يفوق في روعته وجماله قصر الملك نفسه. لكن الساحر يعود ويستولي على المصباح السحري بالمكر والخداع، عن طريق زوجة علاء الدين التي تجهل حقيقة المصباح. ثم يأمر الساحر الجني بنقل قصر علاء الدين بكل ما فيه وضمنه الأميرة إلى بلاده المغرب.
لكن لحسن الحظ – تقول الحكاية – لا يزال علاء الدين يملك الخاتم السحري. فيستدعي جني الخاتم الذي لا يستطيع تحدي جني المصباح الأكثر قوة، ولكنه يأخذ علاء الدين مع ذلك إلى المغرب، حيث يتمكن علاء الدين من استرجاع المصباح وقتل الساحر المغربي، ويعود بالأميرة والقصر إلى مكانه السابق…، الخ.
على نحو ما يتضح من مضمون الحكايتين أعلاه، يدفع إصرار الراوي في ألف ليلة وليلة على نحت صورة سلبية للمغربي، إذ لم يذكره إلا بصفة الساحر الكبير والشرير، إلى التساؤل: هل السبب في هذا التشوه هو بعد بلاد المغرب عن المشرق وندرة الاتصال به، في زمن تأليف حكايات «الليالي»؟ فلعل ذلك ما أفسح المجال للخيال الأسطوري العربي بأن يغرق في رسم الصورة السلبية إياها. فالمعروف أنه كلما بعد الفضاء المكاني إلا ونشط خيال الراوي – المؤلف، بحيث تؤدي قلة العلاقات الإنسانية بين مشرق العالم العربي ومغربه مثلا إلى تراكم الكثير من سوء الفهم والأحكام المسبقة الخاطئة بين الحضارات والشعوب.
سَحَرة افتراضيون على الشبكة
من دون شك قد أسهمت حكايات ألف ليلة وليلة بدورها في رسم هذه الصورة المشوهة عن المغرب، من خلال وصمه بأنه بلد كبار السحرة، وموطن مصنفات السحر والجان. وفي هذا الإطار تنتشر على النت أعداد لا تحصى من المواقع والمدونات والمنتديات العربية المتخصصة في موضوعات السحر. وطبعا يعكس التنامي الهائل لتلك المساحات الافتراضية الشاسعة حجم الحاجة الكبرى والواقعية على الأرض لدى شرائح واسعة من الشعوب العربية، إلى حلول «خارقة» لمشكلاتها وقلقها المزمن.
بيد أن أكثر «المواقع السحرية» نجاحا هي تلك التي تنسب إلى مشعوذين ومشعوذات مغاربة؛ إذ لا يبدو الحديث عن السحر مقنعا بالنسبة إلى بعض العرب إلا متى اقترن باسم المغرب. ولذلك فإن التخفي وراء صفة «شيخ روحاني مغربي» أو»شيخة روحانية مغربية» يعتبر أول خطوة في سلم النجاح، وعامل جذب للزبائن. ولإضفاء مزيد من المصداقية على الموقع أو المدونات، يعاد نشر فصول من كتاب – دراسة مغربية مشهور حول المعتقدات السحرية في المغرب، ونتف متفرقة من التراث السحري المتنوع دون إشارة إلى المصادر، وذلك من أجل إعطاء الانطباع بأن صاحب(ة) المدونة هو مؤلف المادة المنشورة، وبأنه يعالج «الأمراض السحرية» التي تتطرق إليها.
ويشفع شيوخ وشيخات الروحانية المغاربة المزعومين دائما بألقاب مثيرة للاحترام مثل الشيخة الروحانية أم خديجة، وأم زهرة، وأم أحمد…، وألقاب أخرى مثيرة للدهشة من قبيل: أكبر وأصدق شيخة مغربية روحانية في العالم العربي والمغرب العربي، أو: أكبر وأصدق وأقوى شيخة روحانية مغربية، أو الشيخ الروحاني المغربي الدكتور، أو الشيخ الروحاني المجرب الثقة، الخ…
وعلى سبيل المثال، نكتشف بدهشة بأن من ضمن أهم الخدمات التي يدعي تقديمها شيخ روحاني «مغربي»، يدعي نسبه إلى منطقة سوس، ويصف نفسه بشيخ شيوخ الروحانية في المغرب: علاج السحر وفك وإبطال السحر الأسود والأحمر بجميع أنواعه، جلب الحبيب السريع القوي، ورد واسترجاع الحبيب والحبيبة الفوري، وزواج ورد المطلقة مهما كانت أسباب الطلاق، وجلب الحظ والقبول، وطرد النحس، وازدهار التجارة، وعقد الألسن، وعلاج وفك الربط، وإزالة النظرة والعين، وعلاج المس من الجن والشياطين، والكشف الروحاني المجاني، والكشف عن الدفائن، وفك الأرصاد، وإبطال الموانع، وتفسير العلامات، وفتح واستخراج الدفائن والكنوز، وبيع خواتم وقلادات وخرز روحاني يجلب الحظ والقبول والهيبة…
ويربط شيخ روحاني مغربي آخر «تخصصه» بقدرته على تحقيق الأغراض السحرية التالية: جلب الحبيب خاص بأهل الخليج /جلب الحبيب بطريقة سريعة خاص بأهل السعودية، والخاص بأهل الكويت، والخاص بأهل قطر، والخاص بأهل الإمارات..جلب الحبيب في ساعة أو في 24 ساعة أو ثلاثة أيام أو خلال سبعة أيام، جلب الحبيب للزواج، جلب الحبيب بالقرآن، زواج البنت البائر أو العانس…
«شيوخ» و«شيخات» السحر
إن لقب «شيخة» يعتبر كلمة عيب في الوسط المغربي كما نعلم، والمرأة التي تحمله لا تحظى بكثير من الاحترام. ولذلك يبدو من الواضح أن تلك الإعلانات لا تستهدف زبائن مغاربة. فبحسب متابعة الموضوع في وسائل الإعلام وبعض الدراسات العربية، يظهر بأن في مقدمة الشعوب العربية التي تقبل على «خدمات» مدونات أولئك «الشيوخ» و»الشيخات»، نجد شعوب الخليج العربي. ويبدو اهتمامهم بسوق الخليج مفهوما، باعتبار الطلب الخليجي الكبير على كل ما يتعلق بالسحر، وبالسحر المغربي على الخصوص.
رقميا يبلغ عدد النساء «العوانس» في السعودية البعيدة جغرافيا عن المغرب زهاء 4 ملايين، بينما يصل العدد في الجزائر الأقرب إلى المغرب مثلا إلى 11 مليون امرأة عانس.. ومع ذلك لا نعثر على إعلانات تستهدف زبونات جزائريات من قبيل: جلب الحبيب بطريقة سريعة لأهل الجزائر. فزبائن الخليج أكثر مالا وإنفاقا والمقارنة من الجلاء بحيث لا تحتاج إلى مزيد توضيح.
أما عن توطين تلك المدونات والمواقع المتخصصة في إعلانات «السحر المغربي»، فإن أغلبها لا يشير إلى مكان تواجد صاحبه «الشيخ الروحاني» أو «الشيخة الروحانية»، ما يحمل على الاستنتاج ضمنا بأنهم مغاربة يعيشون في المغرب. وبعضها فقط يشير إلى إقامة شيخ روحاني مغربي في بلد خليجي (في سلطنة عمان، مثلا). ولعل السبب في عدم استقرار كثير من الذين يدعون كونهم سحرة مغاربة كبارا في بلدان الخليج قريبا من زبائنهم، يعود إلى تشدد تلك البلدان في معاقبة من تتهمهم بإتيان السحر والشعوذة. فعقوبة السحر قد تصل في السعودية مثلا إلى حد الإعدام بحد السيف.
لكن، إذا كان «السحر المغربي» قد أصبح أصلا تجاريا مشاعا بين العموم، وبضاعة عزيزة يكثر الطلب عليها من لدن الميسورين العرب حتى أصبح يدعي ممارسته المغربي والمصري، والعراقي، والسوداني، واللبناني وحتى التشادي والنيجري، وكثيرون غيرهم.. فما الذي يضمن للزبون بأن صاحب خدمته ساحر «روحاني مغربي» حقيقي؟
سؤال لا يبدو ذا معنى بالنسبة إلى زبائن السحر من العرب. فالتهافت على «شيوخ الروحانية» بلغ مستوى سقط معه الحذر تماما.
عندما تصبح خلطة لتطويل الشَّعْر «عملا سحريا» في الجمارك!
شبهة السحر تلاحق المغربيات في الخليج
في شهر يناير الماضي، اعتقلت المصالح الأمنية بمطار أبو ظبي في الإمارات مواطنة مغربية لاتهامها بحيازة «مواد تستعمل في السحر». وعبثا حاولت المعتقلة أن تنفي عن نفسها التهمة أمام المحكمة العليا في البلد، وأن تشرح للسلطة القضائية بأن «المحجوزات» التي ضبطت في حوزتها لم تكن في الحقيقة سوى مواد تستعمل من لدن النساء للتجميل، وتباع بشكل عادي لدى محلات مستحضرات التجميل الطبيعية. لكن «الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة»، بعد «فحصها» لتلك المحجوزات كان لها رأي آخر. وبناء على حكمها الصادر في القضية والذي استندت إليه هيئة المحكمة إياها، تضمن صك الاتهام، بحسب صحف محلية، تهمة ثقيلة تتعلق ب»حيازة مواد تستخدم في السحر والشعوذة وتسبب أضرارا للآخرين».
لم يشفع للمتهمة أنها سيدة متزوجة، ولا كونها تقيم وتعمل في الإمارات منذ أكثر من 10 سنوات. ولم يلق قضاة المحكمة العليا في أبو ظبي بالا لتشبث «المتهمة» بنفيها للتهمة، ولا بتأكيدها أن المحجوزات، المتمثلة في مناديل وقماش تصنع تحت الطلب، هي سلع عادية كانت تجلبها من السعودية على مدى أكثر من 10 سنين دون أن تواجه مشاكل.
إن حالة هذه المواطنة المغربية ليست نادرة. كما أن اشتباه السلطات في الإمارات بإتيان المغاربة رجالا ونساء للسحر يجري على باقي بلدان الخليج، حيث يكفي أن تضبط جمارك بلد خليجي لدى مواطنة مغربية أعشابا من النوع المستعمل عندنا للعناية بالشعر أو صباغته، كي تعلن الطوارئ ويتم اعتقالها ومتابعتها. وفي هذا الصدد، سبق أن اعتقل مواطنات ومواطنون مغاربة في السعودية كما في الكويت، وحوكموا بالتهمة نفسها: السحر ! والأغرب أن السلطات المغربية (لا على مستوى الممثليات الدبلوماسية في الخارج ولا داخل الوطن) لا تتدخل في الموضوع، بل تترك «المتهمين» في مواجهة مصيرهم، كأنها تعترف بتورطهم في تلك «الجريمة».
والواقع أن بلدان الخليج كانت دائما تتوجس كثيرا من السحر، إلى درجة أن بعضها نظم دورات تكوينية لمفتشي الجمارك، من أجل إعدادهم للتعامل بحزم مع الموضوع. وكانت الإدارة العامة للجمارك الكويتية سباقة إلى تنظيم دورات لتأهيل مفتشيها على «كيفية التعامل مع السحر ومكافحته وفك طلاسمه، وكذا كيفية حماية مفتشي الجمارك من مضاره، حماية للوطن والمواطن من كل بلاء «، وفق ما نقلت الصحافة المحلية عن كبار مسؤولي تلك الجمارك. وقام بتأطير تلك الدورات التأهيلية مشايخ دين خليجيون «متخصصون في مجال محاربة السحر والجن والرقية الشرعية».
وكانت صحف عربية كشفت قبل أشهر بأن جمارك المنافذ الحدودية الخليجية باتوا يشتكون من ارتفاع محاولات تهريب الأعمال السحرية، ما دفع الجمارك الكويتية إلى رفع حالة التأهب لمواجهة الوضع. ووفق المصادر ذاتها فإن القيادات العليا للجمارك تدارست إمكانية التعاقد مع مشايخ شرعيين لتنظيم دورات للعاملين والمفتشين الجمركيين، الذين أصبحوا يخافون مجرد الاقتراب من «الأعمال السحرية» التي يعثرون عليها.
ومن المنافذ الأكثر ضبطا لسلع «سحرية» يوجد منفذ النويصب الحدودي بين الكويت والسعودية، والجسر الرابط بين البحرين والسعودية. وبحسب بعض التقديرات الخليجية، فإن 30% (فقط) من المضبوطين جمركيا في قضايا تهريب «أعمال سحرية» خليجيون، والباقي طبعا أجانب. وبذلك تكون الجمارك الخليجية هي الوحيدة في العالم التي تتوفر على «متخصصين» في التعامل مع السحر وإبطاله.
والطريف في الموضوع ختاما، أن المغاربة المغتربين في القارتين الأوربية والأمريكية يناهزون 4 ملايين، ولم نسمع من قبل أنه جرى توقيف أحدهم في المطار بتهمة جلب «مواد وسلع سحرية». في الوقت الذي لا يزيد عدد المغاربة المقيمين في بلدان العرب عن بضع عشرات الآلاف، ومع ذلك تلاحقهم شبهة السحر حيثما حلوا وارتحلوا، خصوصا في بلدان الخليج!
«عندما أعود من المغرب في نهاية عطلتي إلى بلجيكا، أجلب معي أكياسا من الأعشاب الطبيعية والعقاقير والغاسول وغيرها إلى بلجيكا، من كل ما أحتاج إليه ولا يوجد فيها. ونادرا ما يسألني مفتشو الجمارك البلجيكيون عن طبيعة مادة من تلك المواد، ولم يحدث أن اتهمتنا الجمارك الأوربية بالسحر ولا بغيره من التهم الغريبة»، تحكي مغتربة مغربية تعيش بالديار البلجيكية مع عائلتها منذ أكثر من 15 عاما.
نكات واقعية حول السحر في كرة القدم العربية
السحر باسم أُمِّ الحَكَم وتوظيف الجان لحراسة المرمى!
ليس استعمال السحر في مباريات كرة القدم تخصصا عربيا صرفا، فالفرق الأفريقية واللاتينية على الخصوص لها قصب السبق والباع الطويل في هذا المجال، وعندما تلجأ فرقة منها إلى السحر لربح مقابلة كروية، فإنها تفعل ذلك دون عقدة ولا نقص، لكن حال بعض الفرق العربية مختلف، بحيث كلما خسر فريق منها مباراة إلا وسارع إلى رمي فريقه الخصم باستعمال السحر. لنتأمل بعض النماذج من ذلك في ما يلي..
السحر في البطولة المصرية
حكاية الكرة المصرية مع السحر طويلة وذات تاريخ قد يمنحها الصدارة عربيا في هذا المضمار. فقد راج مثلا عن مدرب الفريق القومي المصري الأسبق محمود الجوهري أنه كان دائم التردد على ساحر سوداني، لحماية لاعبيه من الإصابات بأعمال سحرية. وراجت أخبار أخرى عن أن وراء إحراز المنتخب المصرى لثلاث بطولات إفريقية، السحر الذي كان يصنعه اللاعب حسن شحاتة، والتفاصيل حول هذا الموضوع أطول من أن يسعها هذا المقال.
بيد أن الظاهرة الكروية التي تستحق التوقف عندها باستغراب كبير، هي ظاهرة رئيس نادى الزمالك المصري مرتضى منصور، صاحب التصريحات النارية والمثيرة دوما لحالة من الجدل الواسع، والتي تجعل منه النجم الأول لكاميرات الإعلام الرياضي، خارج المستطيل الأخضر والمعروف عن منصور أنه يتحدث كثيرا في أمر السحر الذي يطال ناديه كلما تعرض لهزيمة. ففي منتصف ماي 2014، وبعد تعادل فريقه الزمالك مع وادي دجلة في الدوري المصري، خرج مرتضى منصور في تصريحات تليفزيونية نارية، ليتهم (بدون دليل) حارس الفريق الخصم عصام الحضري بأنه يستعين ب»السحر والعفاريت»، لإبعاد الكرات الخطيرة عن مرماه. وادعى منصور بأنه يعرف هوية «المشعوذ» الذي يقوم بمساعدة الحضري. ولم يتوقف الأمر بمنصور عند هذا الحد، بل إنه أشار إلى أن الحضري يتعاون مع «العفاريت» منذ زمن، وطالب الناس أن تأخذ حديثه على محمل الجد، بمبرر أن الحديث عن السحر موجود في القرآن.
وبعد مباراة الزمالك ضد فريق إنبى فى الدور الأول من الدورى المصرى (موسم 2014 – 2015)، والتي انتهت بفوز نادى إنبي البترولى بهدفين نظيفين، وبعدما اعترض منصور على أداء الحكم، استكمل حديثه الغاضب متوجها إلى مدرب الفريق الخصم، قائلا: «بطل [توقفْ]تمشى بالسحر والشعوذة ... نهايتك هتبقى سوده ... بطل تكسب بالسحر والشعوذة»!
وأخيرا جدا (قبل نحو شهر)، انبرى الرئيس المثير للجدل نفسه يتهم فريقه الخصم اللدود (النادي الأهلي) بأنه ربح مباراته باستعمال السحر. ومن أجل إقناع المشككين الكثيرين في مزاعمه، زاد منصور موضحا في تصريحات تلفزيونية مثيرة بأن «الأخ هيثم عرابى (مدير التعاقدات بالنادى الأهلى) جاب معاه ساحر مغربي عمل لنا السحر(كذا)».
وبالنظر إلى أن المعروف عن مرتضى منصور عفويته الشديدة، فإن تصريحاته المتكررة حول استعمال السحر ضد ناديه تكشف دون شك عن واقع حال قائم فعلا في ملاعب الكرة المصرية. من أبرز مظاهره تحول السحر والشعوذة إلى أحاديث تروى على ألسنة اللاعبين والمدربين، واعترافات بعضهم بأن من بينهم من يذبح عجولا أو يتحصن بطلاسم حماية تتضمن آيات من القرآن الكريم.
«الدنبوشي» في الملاعب السعودية
مفاجأة كبرى فجرها حارس مرمى النادي الأهلي السعودي عبد الهادي الحداد في أواخر فبراير الماضي، عندما كشف بأن أندية سعودية لكرة القدم تعتمد على السحر والشعوذة. وأوضح الحداد بأنه في إحدى المباريات «جلبوا للاعبين مياها صفراء أو حمراء لنتوضأ بها قبل المباراة، متوهمين أن الفوز سيتحقق بهذه الأعمال، إلا أننا خسرنا المباراة. «
ويسمى سحر الكرة في السعودية «الدنبوشي»، وقد خصص له الكاتب عثمان أبو بكر مالي كتابا جمع فيه كثيرا من قصص السحر الحقيقية، التي وقعت في الملاعب السعودية وغير السعودية. وكانت صحف سعودية نقلت في بداية الأسبوع الثاني من فبراير الماضي، عن متخصص في الرقية الشرعية ومحاربة السحر، قوله إن الإنجازات الكروية المتتالية التي حققها نادي النصر السعودي، جاءت عقب إخضاع جميع لاعبي الفريق لعمل الرقية الشرعية (التي أبطلت السحر الذي كان مسلطا عليهم). ولم يستبعد المتحدث نفسه بالمناسبة أن يكون المنتخب الكويتي بدوره «مسحورا»، ونصح مسؤوليه بأن يخضعوا اللاعبين للرقية.
السحر في البطولة العراقية
وتعرف البطولة العراقية من جانبها أشكالا مختلفة من السحر. فقد سبق أن صرح لاعبون مشهورون لوسائل إعلام محلية بأن العديد من الممارسات الغريبة تحدث في الملاعب العراقية، ومنها لجوء البعض إلى السحر من أجل تحقيق الفوز على الفرق المنافسة. وقد تعددت الممارسات السحرية التي يقومون بها بين ما يتم عمله داخل الملعب وخارجه. وكشفت تقارير صحفية عراقية بأن ملايين الدولارات تنفقها الفرق الكروية في بلاد الرافدين على أعمال السحر والشعوذة.
كما اعترف لاعبون عراقيون كبار، بينهم اللاعب الدولي السابق قحطان جثير، بأن هناك فرقاً ومدربين يعملون السحر ويعطون مقابله مبالغ تصل إلى مليونين ومليونين ونصف دينار عراقي للساحر. ويعترف لاعب دولي آخر بأن هناك من يذهب إلى (فتاحي الفال)، حيث يلبس خاتماً ويصافح به اللاعب أو المدرب الخصم لكي يتفاءل به، كما أن هناك من يلجأ إلى ذبح الذبائح لطرد النحس.
ومن أشكال السحر الأخرى التي يستخدمها العديد من المدربين والإداريين، أنهم يشربون الماء بكأس زجاجه ملون بلون الفريق الخصم الذي يلعبون ضده، لأنهم يؤمنون بسحر الألوان. كما أن هناك من يضع خاتمًا معيناً في أصبعه ويدوّره باتجاه فريق الخصم، وهناك من يرش ماء خلف مرمى الخصم على أن يكون من الكأس الذي يحمل لون فريقه. والطريف أنه إذا خسر المباراة يكسر الكأس وأما إذا فاز فإنه يحتفظ به لكسب مباريات أخرى.
أما الذهاب إلى أضرحة الأئمة والأولياء فهي عادة دأب عليها كثير من اللاعبين، حيث يزورون أضرحتهم قبل يوم المباراة، كنوع من التبرك بها. ومن أعمال السحر الأخرى التي يمارسها لاعبون ومدربون وإداريون عراقيون، ذكرت التقارير تعليق خيوط مسحورة في شباك مرمى الخصم، أو قراءة آيات قرآنية معينة في أماكن معينة من الملعب، أو رش ماء مسحور خلف المرمى (حتى يحرسه الجن ويمنعوا الكرات من دخوله)، إضافة إلى شد قطعة قماش خضراء على زنود اللاعبين.
وهناك من يقوم بذبح خروف في بداية الدوري أو المباريات الصعبة، لطرد النحس. ولمحت التقارير إلى مدرب معروف يستأجر ساحراً ويأتي به ليتبول على الكرة قبل بدء المباراة، ومن دون علم الحكم. كما أشارت إلى مدرب عراقي لنادي بغدادي يرمي حرزاً في مرمى فريقه قبل كل مباراة، وإلى رئيس ناد كروي عراقي يسأل قبل كل مباراة عن اسم أم الحكم، حتى يعمل له سحراً لدى أحد السحرة.
المدرسة العربية الوحيدة لتعليم السحر في مصر!
لم يتوقع أحد يومًا أن تكون «هوجورتس Hogwarts»، أي مدرسة تعليم السحر التي تجري فيها أحداث سلسلة رواية السحر الشهيرة (هارى بوتر) موجودة بالفعل في أرض الواقع، والأغرب من ذلك أن تقع في قلب الوطن العربي وتحديدا في مصر، وليس لندن كما في تلك الرواية الخيالية.
لقد أشرنا في الصفحة التقديمية لهذا الملف إلى ريادة مصر عربيا من حيث كثرة عدد السحرة فيها. وفاتتنا الإشارة إلى أن منهم المسلمون والمسيحيون، وأنهم منتشرون في القرى السحيقة كما في المدن الكبرى. وفي هذا الصدد يوجد بمنطقتي دهب وطابا في صحراء سيناء مقر لجماعة مسيحية تدعى (الويكان). والويكان هي طائفة دينية تتبع كنيسة رسمية، يوجد مقرها الأم فى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد انشقت سابقا عن الكنيسة القبطية المصرية بسبب قيام أتباعها بممارسة السحر الأسود. وتقوم هذه الطائفة بتعليمه ونشره حاليا في أنحاء مختلفة من العالم.
وتشير تقارير إخبارية إلى أن هذه المدرسة قامت بتعليم أكثر من 10 آلاف شخص، مابين مصري وعربي وأوربي انطلاقا من مقرها بسيناء المصرية، من خلال شبكة الإنترنت ووسائل التعليم الحديثة. وذلك خوفا من أن يتعرض المشرفون عليها لملاحقات أمنية وقضائية محتملة. وتضيف المصادر بأن هذه المدرسة تقوم بتعليم طلابها أنواع السحر الأسود التي كانت منتشرة فى أوربا خلال القرون الوسطى.
وتعتبر كنيسة الويكان في الولايات المتحدة الأكبر في العالم والأسرع نموا. وتمتاز بكونها كنيسة رسمية قانونية هناك، حيث تقدم الكثير من الخدمات الاجتماعية المتنوعة، كما أنها تمتلك مجموعة من الكنائس الفرعية التابعة لها في العديد من البلدان، مثل كندا وأستراليا وجنوب أفريقيا والدنمارك والسويد. كما أن هذه الطائفة العجيبة تضم مئات الآلاف من الدارسين للسحر الأسود على مستوى العالم. وتمتح فكرها السحري من التعاليم البوذية والهندوسية.
هكذا تستعين جيوش عربية بالسحر في حروبها
ساحر – جنرال ضد «داعش» وحوثيون يحاربون بالسحر!
تشير مصنفات السحر التراثية إلى إمكانية استعمال السحر في الحروب، من أجل التمكن من التغلب على العدو من دون الحاجة إلى معاركته. وفي المقال الثاني نقترح عينة محدودة من الطرائف السحرية الحقيقية، التي تكشف بأن استعمال السحر في الحروب هو أمر واقع فعلا في أمة العرب.
1000 جني يهودي يحتلون قرية جزائرية!
قبل أكثر من عام، وتحديدا خلال شهر رمضان قبل الماضي، غزت الأرواح الشريرة قرية جزائرية تسمى «أقلوع التراب»، وهي تابعة لبلدية خيران بولاية خنشلة (شمال شرق الجزائر). فبدأت النيران تشتعل كلما حل وقت الصلاة ومن دون سابق إنذار، في بيوت خمس عائلات من سكان القرية، وعجز أكثر من 400 متطوع قدموا من مختلف أنحاء البلاد عن إخمادها، ولم يجدوا لها أي تفسير، كما وقعت حوادث غريبة وغامضة أمام أعينهم دون أن يحرّكوا ساكنا: من الحرق والخطف إلى القتل الذي أودى بحياة رضيع لا يتجاوز سنه 20 شهرا، وحرق رضيعين آخرين وإصابتهما بحروق بليغة في أنحاء متفرقة من جسميهما، فضلا عن تكبيد القرويين خسائر مادية جسيمة في الممتلكات.
عجزت السلطات المحلية ومصالح الحماية المدنية عن إخماد النيران المشتعلة دون سابق إنذار، ووقف والي خنشلة شخصياً على معاناة العائلات الخمس التي تحوّلت حياتها إلى جحيم لا يطاق، نتيجة قيام نفر من الجن الأشرار بإحراق الأخضر واليابس. فقد أتت النيران الغريبة على أثاث وملابس وممتلكات العائلات، التي رغم إيوائهإ بإحدى المدارس البعيدة عن مكان إقامتها الأصلي، إلا أن لعنة الجن لاحقتهم بالتخريب وبأعمال شيطانية لازمتهم ليل نهار. فتدخل الوالي في الموضوع وأشار على العائلات المستهدفة بأذى الجن أن تربط الاتصال بالشيخ الجزائري الشهير أبو مسلم بلحمر، الذي تجمعه بالوالي علاقة صداقة ومعرفة شخصية. وبحسب متابعات جريدة «الشروق» على مدى أسابيع للموضوع، فإن تطوع الشيخ بلحمر بالتدخل أوقف أذى الأرواح الشريرة والجن المسلط على تلك العائلات. حيث تمكن الشيخ، بحسب تصريحاته، من هزم 1000 جني يهودي تكالبوا على خمس عائلات. وطردهم من ولاية خنشلة في معركة جندته لها السلطات بعد أن عجزت عن فعل ذلك بوسائلها.
ساحر برتبة جنرال في العراق!
بعيدا عن الجزائر وتحديدا في العراق، يستعين الجيش العراقي لمحاربة «داعش» المنتشر في مقاطعة الأنبار السنية، بجماعات المتطوعين الشيعة المعروفين باسم (الحشد الشعبي). لكن شراسة إرهابيي التنظيم في مواجهة جحافل تلك الفلول الطائفية، جعلت بعضهم يستعينون بخدمات بعض السحرة لدحر القوات الداعشية.
وفي هذا الصدد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خلال شهر غشت الأخير.صورا تظهر استعانة ميليشيات الحشد الشيعية بالسحر والشعوذة، حيث قاموا بتعيين مشعوذ هندي قائداً عسكرياً برتبة جنرال للاستعانة بأتباعه من الجن لدخول مدينة الفلوجة، بحسب ما ذكره موقع قناة «العربية». وتداولت عدد من المواقع العراقية من جانبها أن ذلك المشعوذ اسمه (سامور) أو (سامورا)، وتضاربت إفاداتها بين قائلة إنه أحد المرشدين الروحانيين للكتيبة الإيرانية المسماة «جند الإمام»، التي تقاتل ضد تنظيم «داعش» في صفوف «الحشد الشعبي الشيعي». في حين أفادت مصادر أخرى بأنه ساحر جاء مع المستشارين العسكريين الإيرانيين الداعمين للقوات العراقية. بينما قال آخرون بأنه زائر شيعي هندي من زوار الإمام الحسين فضل، وبأنه فضل البقاء في العراق لدعم المقاتلين الشيعة ضد «داعش».
واللافت للانتباه أن هذا الشخص سامورا الذي يرتدي المحابس على طريقة السحرة، ظهر على الصور إلى جانب وجوه عشائرية شيعية في قطاع الفرات الأوسط، حيث زار مواقع قتالية على الجبهة كقائد عسكري كبير، وأخذ معه الجنود ومقاتلو الحشد صورا. ورجحت مصادر عراقية أن يكون قد جرى نقله إلى حدود قريبة من الفلوجة والرمادي لتجريب سحره في أرض المعركة ضد «داعش». كما نقلت صفحات على الشبكات الاجتماعية صورا للساحر سامورا بلباس جنرال وهو يخطب في مقاتلي الحشد الشعبي، ليشحن عزيمتهم.
ونقلت مواقع عراقية عن مقاتلي «الحشد الشعبي» بأن الساحر سامورا يمتلك قدرات خارقة، حيث إنهم ما إن أخذوه إلى مسرح العمليات ومعسكرات التدريب حتى أبهرهم بها. ومن خوارقه المزعومة أنه إذا نفخ على دبابة حربية فإنها تطير. وإذا أشر بأصبعه على مدفع من الممكن أن يطير المدفع ومن معه إلى أعلى، الخ.
وكشفت التقارير بأن مقاتلي ميليشيات الحشد الشعبي الذين يخشون الوقوع أحياء في قبضة الدواعش، باتوا يتهافتون على المشعوذين والسحرة للحصول منهم على تمائم، يعتقدون بأنها تحصنهم من رصاص المعارك الشرسة وتقيهم شر الوقوع أسرى. ولذلك نشطت تجارة التعاويذ والتمائم كثيرا بين تلك الميليشيات، حتى بلغ سعر التميمة بين 100 إلى 700 دولار. وهي في الغالب عبارة عن قطع قماش خضراء يكتب عليها المشعوذون طلاسم سحرية خاصة. أو قد تكون التمائم حجارة أو خرزا له خصائص سحرية. ويزعم الدجالون بأنها تسخر لحامليها أعوانا من الجن يكونون معهم، ويحمونهم من التعرض للإصابة في المعارك أو الوقوع في الأسر.
وفي هذا الإطار، تخصص قنوات عراقية محلية برامج خاصة للعرافين والمشعوذين، يعملون خلالها طلاسم سحرية على الهواء مباشرة، وتلجأ إلى خدماتهم ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية. وتفيد التقارير بأن الاستعانة بالسحرة لا تقتصر على مقاتلي «الحشد الشعبي»، بل ينتشر في كربلاء والنجف والحلة والناصرية ومحافظات أخرى مشعوذون، يذهب إليهم بعض كبار السياسيين العراقيين طلبا لتعاويذ وتمائم تمنحهم، بحسب ما يعتقدون، الحماية من القتل.
السحر في حرب اليمن
وغير بعيد كثيرا عن العراق، وتحديدا في شبه الجزيرة العربية، حيث يخوض التحالف العربي بقيادة السعودية منذ أشهر، حربا شرسة في اليمن ضد الحوثيين وحلفائهم. يبدو أن ظاهر الحرب يجري بالأساس من خلال ضربات المقاتلات الجوية التابعة للتحالف، وكذا من خلال دعم التحالف للمقاومة اليمنية (المناهضة للحوثيين وحلفائهم)، وأيضا من خلال ما يجري على الحدود اليمنية السعودية التي التهبت كثيرا في الفترة الأخيرة.
لكن الوجه الخفي لحرب اليمن الحالية سلاحه السحر، رغم أن غموضا يشاء له أن يلف الموضوع. والواقع أنه منذ الحرب السعودية الأولى ضد الحوثيين (2009 /2010) راج كلام كثير حول استهداف الحوثيين للجيش السعودي بأعمال السحر الأسود التي يراد منها «تكبيله» [تقييده]، حتى أن متخصصين سعوديين في إبطال السحر سبق أن اقترحوا على سلطات بلادهم العمل إلى جانب الجنود، للتكفل بكل ما يتعرضون له من عمل سحري. وتنتشر على «اليوتيوب» حاليا بعض الفيديوهات التي تعرض كيف يتصدى الجنود السعوديون لأعمال السحر التي يستهدفهم بها الحوثيون.
وكانت صحيفة «الحياة» اللندنية كشفت أواسط شهر مايو الماضي بأن القوات السعودية المرابطة على الحدود مع اليمن، أسرت ساحرا خطرا أرسله الحوثيون ل»تكبيل» الجيش فكبلوه بالقيود. وأوضحت الصحيفة بأن إحدى دوريات فرق المجاهدين السعودية تمكنت من القبض على المتسلل اليمني بالقرب من مركز الخشل الحدودي مع اليمن، وكشفت بأنه كان يقوم بأعمال شعوذة أثناء القبض عليه، وأنه كان يهذي بكلمات بعضها غير مفهوم، وبعضها الآخر تم تفسيره بعبارة «سلسلوا العساكر والجيش وكل من يوجد في طريقنا».
وأضافت الصحيفة بأن الساحر الحوثي اعترف حين الاستنطاق معه بأن قادة حوثيين طلبوا منه «تكبيل أبصار» الجيش السعودي، في مقابل الشفاعة له لدى زعيمهم (عبد الملك الحوثي)؛ وذلك بغرض تمكين قوات الحوثيين من التسلل إلى داخل الأراضي السعودية وقتل أفراد جيشها.
ومن خلال الصورة التي رافقت الخبر، يتضح بأن الساحر اليمني كان لحظة القبض عليه يضع سلاسل وأقفالاً ومفاتيح في يديه ورجليه. كما كشفت السلطات السعودية التي اعتقلته بأنها عثرت بحوزته على ثلاث شرائح هواتف يمنية وعدد من الأعمال السحرية الأخرى.
ويذكر من جانب آخر أن السعودية كانت قد أعلنت قبل ثلاث سنوات عن إنشاء أول فريق غطاسين في العالم، «متخصص في فك السحر في أعماق البحار». وكشف المشرفون على الفريق الغواص لقناة mbc السعودية بأنه في حال شك الغواصون في أن عملا ما عثروا عليه في الأعماق يشتبه في كونه سحرا، فبإمكانهم إخراجه من البحر وعرضه على المختصين (على اليابسة) للبت في أمره.
أسليم: الإعلام المشرقي يساهم كثيرا في ترويج وهم اختصاص المغاربة بالسحر
قال إن هناك مجتمعات أخرى يشكل فيها السحر مؤسسة قائمة الذات
في هذا الحوار، نستدرج الباحث والأديب محمد أسليم من مناقشة موضوع الملف إلى البحث في ماهية السحر نفسه، و«مشروعية» اللجوء إليه وقضايا متعددة أخرى ذات الصلة بالسحر في المغرب والعالم العربي والعالم. والكاتب محمد أسليم يعتبر راهنا أبرز الباحثين المغاربة في موضوعات السحر على الإطلاق. فهو منذ حصوله على الدكتوراه في الإثنولوجيا من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بباريس (1990)، في موضوع (ظاهرة السحر بالمغرب)، وهو منشغل بالبحث في قضايا السحر وظواهره، على الرغم من انشغالاته المتعددة بقضايا الأدب والترجمة والتدريس.
وكان من ثمرات عمله البحثي الطويل النفَس كتب أصدرها حول الموضوع، هي: «الإسلام والسحر»، و»هوامش في السحر»، و»أبحاث في السحر «(جماعي)، و»السحر من منظور إثنولوجي «(جماعي)، فضلا عن عدد من المقالات والدراسات التي نشرت له حول الموضوع نفسه.
– أستاذ أسليم، أنت اشتغلت على موضوع السحر منذ مدة طويلة في إطار بحث جامعي للدكتوراه، هل ترى أن الاعتقاد في السحر والإقبال على ممارستة تراجع في المغرب مع زحف الحداثة؟
بالعكس، كلما ازدادت الحياة تعقيدا وجدَت المعتقدات والممارسات السحرية لنفسيهما مجالا للتكيف مع الأوضاع الجديدة للبقاء. يحدث هذا في المغرب كما في كافة البلدان. يمكن الإشارة في كندا، على سبيل المثال، إلى سحر الويكا، وفي إفريقيا السوداء إلى تفسير صعود طبقة الأثرياء الجدد باستعمال هذه الطبقة للسحر، كما في الكاميرون وغينيا، وإلى استدعاء المعتقدات السحرية في هذين البلدين لتفسير الصعوبات التي يلقاها قاطنو كبريات الحواضر الجدد وصعوبة تكيفهم مع السياقات الجديدة واستغلالهم من لدن الأثرياء. والمغرب لا يشذ عن هذه القاعدة. فبفعل زحف الحداثة، منذ الاتصال بالاستعمارين الإسباني والفرنسي، تعرضت بنية المجتمع المغربي التقليدي للاهتزاز والتصدع، ما يضع مجموعة كبيرة من الأفراد من الجنسين أمام مشاكل أسرية واجتماعية غير معهودة، فيتم استدعاء السحر لتفسيرها والبحث عن حلول لها. وعموما، في سائر قضايا السحر يتعلق الأمر بالتعبير رمزيا عن تأرجح وجداني بين الحداثة والتقليد. يتم كل شيء وكأن أناسا يريدون الحداثة، لكنهم يتمسكون بالتقاليد في آن. وضمن الفئة التي تجد نفسها موضوعا لهذا التجاذب، على نحو يولِّدُ مشاكل مستعصية التفسير والحل، نجد مزاولي المعتقدات والممارسات السحرية للخروج من مآزقهم. – في الاتجاه نفسه، ومن خلال متابعة ما تنشره الصحافة في المغرب، نستنتج بأن العمل السحري بمجالاته المختلفة يمثل ضرورة حقيقية بالنسبة إلى كثيرين للجلب والمحبة، وطرد العنوسة، وإبطال الحسد، والقبول، والنجاح، وعلاج الأمراض المستعصية، وما إلى ذلك، كيف تفسر ذلك؟ نجد هذه المجالات في كافة بقاع الأرض، بالتالي فتفسير استدعاء السحر في هذه الحالات قد يكمن في عجز العقل عن تفسير أشياء معينة، ثم في ضعف الإنسان أمام قضايا محيرة، كالموت والجنون والمرض، وما إلى ذلك. باستثناء المجتمعات التي يدخل السحر ضمن تنظيمها واشتغالها، بحيث يشكل مؤسسة قائمة الذات، تؤدي وظائف حيوية لسير الحياة الاجتماعية، كأن يكون الساحر مَلكا أو مطببا أو شخصا لا غنى عنه لمزاولة الأعمال الدنيوية، وممارسة طقوس اتصال الأحياء بالأموات وبالماوراء عموما… باستثنائها، يلجأ الفرد للسحر عموما، بوصفه ملاذا أخيرا، باجتياز ثلاثة مساعي: الأول محاولة تفسير مُصاب جسيم، باستعمال التفكير العقلاني، فيتساءل: لماذا جرى لي هذا الأمر بالذات؟ لماذا لي وليس لغيري؟ فيفسر ألمه باستدعاء العقل، فيبحث له عن حل أو أكثر من الحلول المعتادة، لكن بدون نتيجة. هنا، تتدخل المرحلة الثانية، فيفترض صاحبنا أنَّ مُصابَه هو من فعل فاعل فيلوذ بالسحر، مستشيرا عرافا أو ساحرا، فيُثبت هذا فرضية الضحية من خلال تسمية ساحر مسؤول، ليتم الانتقال، بعد ذلك، إلى المرحلة الأخيرة وهي إبطال السحر. وقد أظهرت مجموعة كبيرة من الدراسات أن هذه الخطاطة تنطبق على المجتمعات «البدائية»، والمجتمعات «المتحضرة»، والمجتمعات العربية الإسلامية على السواء. كما تبينَ من خلال دراسة مجموعة من الحالات السحرية المغربية أنها كلها تقريبا تعيد إخراج ما يمكن تسميته ب «أزمة سحر الرسول» صلى الله عليه وسلم، إذ تذكر المصادر أنه أصيب بأعراض جسدية وذاكرية، حيث قيل إنه عانى في فترة ما آلاما بدنية وكان لا يأتي نساءه ويخيل إليه أنه أتاهنَّ، فقدم تفسيرا عقلانيا بافتراض أن السبب كان جسمانيا، فجرب وسائل التطبيب المتداولة آنذاك، لكنها لم تنفع، فاستدعى الغيب، بإيكال أمره إلى الله، فزاره ملكان، وأكدا له أنَّ ما أصابه كان نتيجة سحر، وسَمَّيَا الساحر، وحدَّدا طقسه، وعيَّنا مكان دفن سحره، لتأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة، وهي إزالة السحر: تذكر المصادر أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر قريبين له، فذهبا إلى البئر التي دُفنَ فيها السحر، فأخرجاه، وأبطلاه بقراءة إحدى المعوذتين. عموما، وعلى غرار سائر من يلوذون بالسحر، في سائر الأزمنة والأمكنة، يتبع المغاربة المتعاطون لهذه الممارسات هذه الخطاطة الكونية نفسها. – لكن أغلب العرب والمسلمين يعتقدون بأن المغرب أرض السحر وأن المغاربة «سحرة بامتياز».. على ماذا يتأسس هذا الاعتقاد لديهم؟ أوَّلا، المغرب ليس هو الأرض المختصة بالسحر والسحرة، إذا ما وجدت هذه الأرض أصلا. فالسحر ممارسة سحيقة موجودة في كل المجتمعات، قديمها وحديثها، مورسَ – ويُمارَسُ – في روسيا، ورومانيا، وأمريكا، وكندا، وفرنسا، والعربية السعودية، والعراق، وإيران، واليمن، والسودان، ومصر، وسائر البلدان بدون استثناء. أما اعتقاد المشارقة بأن المغاربة «سحرة بامتياز»، فيتأسسُ على نقطتين: الأولى كون الساحر في سائر المجتمعات، فردا كان أو جماعة، هو نعتٌ يُلصَقُ بالآخر الذي يكونُ أجنبيا أو فئة اجتماعية معينة أو ممارسا لمهنة ما، كالحدادة، على سبيل المثال. في المغرب أيضا يُعتقد أن أكبر السحرة هم اليهود وأهل سوس. وما يصدق على المغاربة يصدق أيضا على المشارقة، إذ بقدر ما يعتبرُ هؤلاء المغربَ أرضا للسحر ويتوهَّمُونَ أنَّ المغاربة سحرة في المقام الأول، يعتبر المغاربة أيضا أنَّ المشرق أرضا للسحر ويتوهمون أنَّ المشارقة سحَرة بامتياز. لا ننسَ أنَّ مُعظم المصنفات السحرية العربية التي يستعملها مزاولو السحر في المغرب هي من تأليف مشارقة قدماء ومُحدثين، أشهرها مؤلفات البوني والطوخي الفلكي. أما النقطة الثانية ربما تتجدر في المخيال العربي القديم، عندما كان المشرق مركزا للكرة الأرضية، وكان المغرب يقع في أقصى حدود الأرض المعروفة آنذاك. كان المحيط الأطلسي وقتئذ يسمى بحر الظلمات، فكان من الطبيعي أن يُساهم موقعه هذا في تغذية المتخيل بكون هذه الرقعة من العالم متاخمة لمواطن الجن والشياطين والمجهول عموما. – هل صحيح أن المغاربة أكثر استعمالا للسحر من باقي الشعوب العربية والإسلامية؟ قطعا لا. من غير المعروف رقم معاملات التدخلات السحرية في المغرب، لكن من المعلوم أنه يبلغ في بلدان متقدمة، كأمريكا وفرنسا، ملايير الفرنكات والدولارات، ما يتيح القول بأن ممارسة السحر هناك تفوق بكثير نظيرتها هنا. بل إنَّ روسيا التي كانت قد شهدت حظرا صارما على الغيبيات طوال الحكم السوفياتي، ما أن تفكك النظام الاشتراكي فيها حتى طفت إلى سطحها المعتقدات والممارسات السحرية، ونبتت كالفطر. فالسحرَ ظاهرة ملازمة للإنسان، في سائر الأزمنة والأمكنة. وقد أصابَ بالفعل من اقترحَ إلحاق صفة «الساحر» بالإنسان الحالي على غرار باقي الصفات التي يختص بها دون سائر المخلوقات، كالعقل، وإنتاج الحكايات والأساطير، والتدين، والكلام، والسياسة، وما إلى ذلك. ثمَّ، باستحضار عدد فلكيي ومنجمي العالم العربي الذين يكثر ظهورهم في ختام كل سنة ميلادية في العديد من القنوات الفضائية، وتبث تسجيلات تنبؤاتهم في شبكة الإنترنت، يسهل استنتاج أنَّ منجمي المغرب وقراء أبراجه ليسوا بشيء أمام جحافل نظرائهم المشارقة. أما إن شئنا الحديث عن استعمال السحر عند المشارقة في مباريات كرة القدم، والحروب، واستشارة معظم الزعماء العرب لعرافين وسحرة ومنجمين، فالكلام يطول. – ولكن هؤلاء يقتصرون على التنبؤ وقد لا يمارسون السحر... بالعكس، فمن يتنبأ بقراءة الأبراج يمكنه مزاولة طقوس السحر بسهولة، لأنه يكون قد قطع شوطا كبيرا في الشطر النظري اللازم للتطبيق. فالسحر العربي الإسلامي، كالسحر عامة، يتأسس على ما يُسمى بنظرية التقابلات: ما من شيء في العالم الأرضي إلا وهو متصل بخط من الأشياء تبدأ هناك، في السماء، وتنتهي هنا، في الأرض، بحيث يشكل حلقة في سلسلة طويلة جدا، تشمل الأفلاك والأبراج والمعادن والملوك العُلويين والملُوك السّفليين والحروف الهجائية، والأطعمة، ويوما من أيام الأسبوع، ومنزلة من منازل القمر، والأبخرة، والنباتات، والمعادن، والأطعمة، والألوان، والحيوانات، وهلمَّ جرَّا. هذا الارتباط يجعل الفرد مسلوب الإرادة، لأن كل شيء يقرَّرُ هناك سلفا. لكن يُمكن التنبؤ به، وتعديل مساره وتحويله لصالح المرء. ومفتاح هذا التنبؤ هو التنجيم أو «علوم» أخرى، كالرمل، والحروف، والكف، وغيرها. تأتي المرحلة الموالية، هي معرفة أوقات العمل، وصرف عمار المكان، فإجراء الطقوس، وهي في غاية السهولة. بالتالي، يمكن الجزم بأن كل من ينجم ويقرأ الأبراج هو مُزاولٌ للسحر، وما يحول بين عموم الناس ومعرفة ذلك إلا إحجام قراء الأبراج عن ذكره، بسبب الحظر الديني على الممارسات السحرية في العالم العربي الإسلامي، كما في المجال الغربي المسيحي… وبالجملة، فالمعتقد المشرقي في اختصاص أهل المغرب بالسحر هو معتقد خاطئ تماما، إذ العكس هو الصحيح. ولا شك أن ثقل الإعلام المشرقي بكثرة صحافته وقنواته الفضائية وغيرها، مقارنة مع نظيره المغربي، يساهم كثيرا في رواج هذا الوهم. فلو كان للمغرب حضور إعلامي يفوق نظيره المشرقي لانقلبت الآية تماما، إذ المغاربة هم الآخرون يعتقدون أن أكبر السحرة وأكفأهم هم المشارقة واليهود والزنوج، وغيرهم. – هل يختلف السحر في المغرب (معتقدات وممارسات) عن نظيره لدى الشعوب والحضارات الأخرى؟ قد يكون وجه الاختلاف الأبرز هو الحرص هنا على منح هذه الممارسات والمعتقدات شرعية دينية، سواء على مستوى الخطاب المبرِّر للجوء إلى هذه الأعمال، أو على مستوى الطقوس. يستوي في ذلك السحرة والزبائن على حد سواء. – على مستوى آخر، نلاحظ بأن الهند والشعوب الإفريقية على سبيل المثال يؤمنون بالسحر ويمارسونه في حياتهم اليومية دون عقد. لماذا وحدهم العرب يتعاملون بنفاق مع السحر: يمارسونه في السر ويلعنونه في العلن؟ قد يعود ذلك إلى تأرجح موقف الدين من السِّحر. فمن جهة، معلوم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد تعرض لإيذاء هذه الممارسات، كما سبق القول. يُطلق على العَرَض الثاني لإصابة الرسول في مصنفات السحر العربية «الإسلامية» (انصراف الرجل عن زوجته) اسم «سحر التأخيذ». وخصَّه بعض مفسري القرآن الكريم بوصفات علاجية، بعد تحليلها يتضح أنها في نهاية المطاف تظل طقوسا سحرية، ما جعل موقف الفقه الإسلامي من السحر متأرجحا وجدانيا عموما. كل شيء يتم كما لو كان الفقهاء يقولون: «لا تمارس السحر، فهو حرام، ولكن إذا وقعتَ ضحيته فإليك كيفية التخلص منه» ! ومن هذا الباب سيجد السحر في المجال العربي الإسلامي حيزا في الدين، وسينقسم إلى رباني وشيطاني، قدسي ودنيوي، وللاثنين أساطير أصوله الواردة في محكيات ترد في سياق تفسير بعض آيات السحر. وبأخذ تلك الأساطير مجتمعة، يتضح أن أصل السحر في هذا المجال مزدوج: رباني وشيطاني، وبذلك أمكن للسحرة توظيف العديد من السور والآيات القرآنية في سائر الطقوس السحرية، ربانيها وشيطانيها! وبالجملة، عندما يتعلق الأمر بالممارسة، يتعذر الفصل بدقة بين الفضائين (القدسي والشيطاني، الخير والشرير، «الحلال» والحرام)، لأنَّ تحليل خطاب الشخص اللائذ بالسحر، وتبريره لجوئه إلى السحر باعتباره ملاذا أخيرا للخروج من ورطته، ذلك التحليل يُبيِّنُ أن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بتسمية مرتبطة بسياق: فمن يزعمُ أنَّهُ اضطر لممارسة السحر لإبطال سحر شخص ثان، واصفا نفسه بالضحية، سيُنظر إليه من لدن ساحره المزعوم باعتباره هو الساحر. لا أحد يقول إني ساحر، في المقابل يقول: «الآخر هو الساحر‌«. وإذا ما «اعترف» أكد أنَّ آخرا مَّا هو الذي أرغمَه على مزاولة السحر للدفاع عن نفسه. وهذه الازدواجية للعواطف خاصية ملازمة للنفس في سياقات عجز العقل عن تفسير ظواهر معينة أو مواجهة مواقف مستعصية. من هنا، يصعب اعتبار مزاولي السحر منافقين. هم بكل بساطة أناس يلوذون بما يظنون أنه لا بدّ منه، بعد انسداد جميع الآفاق أمامهم، ليتخطوا أزمات صحية أو نفسية أو أوضاع عائلية أو اجتماعية في غاية التعقيد. والعرب في هذا لا يختلفون عن المسيحيين بسبب قوة الحظر المسيحي المضروب على السحر، وتسببه في مآسي رهيبة. فقد أظهرت العديد من الدراسات أنَّ كل مزاولي السحر وزبائنهم هناك يمارسون أعمالهم اليومَ في سرية تامة، ولا يتحدثون عن ممارساتهم إلا اضطرارا وفي دائرة ضيقة جدا، لا تتجاوز المعنيين مباشرة بالسحر، ولغاية نفعية وعملية في المقام الأول. بمعنى أنَّ هذا الحقل يبقى مجال حظر في الأفعال والأقوال على السواء. إضافة إلى المثالين اللذين تفضلتَ بذكرهما، يمكن الإشارة إلى الهنود الحمر في
الأمريكيتين وشعوب شرق آسيا، وسكان أستراليا الأصليين، وقبائل الإسكيمو. يُمارَسُ السحر في هذه الثقافات علنا، لغياب الديانات التوحيدية. فحظر السحر تمَّ مع هذه، سيما مع المسيحية والإسلام. بل إنَّ للساحر في تلك المجتمعات منزلة كبيرة، تستند إلى الميراث الثقافي السحيق، حيثُ كان المُلكُ في بعضها يُسند للساحر، وتستند إلى الوظائف الاجتماعية والدينية التي يؤديها الساحر. فهو همزة الوصل بين البشر والآلهة والأرواح، هو المطبب، وضامن وفرة المنتج الفلاحي، وحامي الجماعة من الأرواح الشريرة وانتقام الموتى، وحامي الصيادين من الغرق ومن بطش الوحوش، وما إلى ذلك. وبدونه لا يمكن ممارسة أي طقس ديني أو دنيوي… – أصل معك إلى السؤال الذي يحير العقول، وهو: هل السحر موجود أم لا؟ يمكن الإجابة بطريقتين مختلفتين: الأولى: أن نفكر حِسَابيا، فنقول مجموع واحد وواحد هو اثنان. هنا، لا يمكن قولُ حاصل الجمع هو أربعة أو خمسة. إثبات وجود السحر أو عدمه بهذه الطريقة لا يؤدي إلى شيء، ويُمكِّنُ من نكران وجوده، من خلال تعجيز الساحر بسهولة، كأن نطلب منه إحضار فلان أو فلانة الآن، أو تسخير سحره لجعلنا نفوز بالجائزة الكبرى للعبة للوطو، على سبيل المثال. سيعجز الساحر بالتأكيد، وسيكونَ ذلك لنا حجة لنقول: لو كان السحر ينفعَ لانتفع به الساحر نفسه… لكن هذه الطريقة في التفكير غريبة عن السحر، إذ تستند إلى حتمية التفكير العقلاني الذي لم ينتشر في العالم إلا خلال القرون الخمسة الماضية. في حين يفكرُ السِّحر باستعمال آخر للعقل سحيق جدا، ما يحيلنا إلى الطريقة الثانية للإجابة وهي: أن نؤمن بأن ما من شيء يقع هنا في الأرض إلا ويُكتَبُ سلفا هناك، في السماء، وأنَّ عالمنا ليس مجرد أشياء مادية، بل فيه قوى خفية مبهمة، قد تكون أرواحا أو جنا (لاشعورا أو رغبة بلغة التحليل النفسي)، تلعب دورا حيويا في سلوكاتنا ومصائرنا، وأنه يمكن تحويل مجريات أحداث حياة الفرد من المسارات «السيئة» إلى المسالك «الخيرة»، عبر التفاوض مع تلك الطاقات الخفية… بإيماننا بذلك، تختفي الحتمية الجماعية لفائدة الحتمية الفردية، ويصير كل فرد كَوْنا في حد ذاته. بهذه الطريقة يفكر السحر، ويفسر كل شيء، بما في ذلك عجز الساحر نفسه.. والخلاصة أنَّ الأمر هنا يُشبه مسألة إثبات وجود الله من عدمه. فكما يعسر على الملحد إقناع المؤمن بعدم وجود الله، يعسر على هذا أن يُقنع الأول بوجود الخالق بأدلة مادية محسوسة، لا يقتنع الملحد بما عداها. – ومن أين يحقق السحر فعاليته؟ فعاليته رمزية نفسية. ويمكن اعتباره نظيرا للطب النفسي الغربي. فكما لا ينفع الذهاب بالمريض النفسي إلى اختصاصي نفساني ما لم يقتنع بأنه سيُشفى على يد مطببه، إذ تساهمُ هذه القناعة وحدها بحوالي 80 % من العلاج، والباقي يكون مجرَّد دعامات تكميلية مُساندة، كذلك لن تجدي المرء استشارة ساحر لحل مشاكله ما لم يؤمن بوجود السحر وبفعالية تدخل الساحر. فهذا الإيمان وحده يساهم بحوالي نسبة 80 %في حل معضلات من يلوذ بالسحر، لتبقى الطقوس مجرد مكملات إضافية داعمة. – هل أفهم من كلامك أنك لا تعترض على استشارة الناس للسحرة واستدعاء السحر لحل مشاكلهم؟ لا اعتراض، لكن دون حثهم على حل مشاكلهم بالسحر. فحيثما أمكن الابتعاد عن هذه الممارسات باستعمال العقل والحلول الواقعية والعملية، هذا أفضل. لكن حيثما تعذر على البعض حل مآسيه، وارتأى علاجها بالخفي فلا مانع، سيما في حالة المعضلات النفسية والأمراض المستعصية الجسمانية و/أو النفسية. اللجوء إلى السحر، في هذا الصدد يُشبه تجريب المريض بدائل للطب العصري بعد أن يؤكد هذا الأخير عجزه واستحالة العلاج، ويُرسل صاحبنا إلى ملاقاة مصيره وحيدا، وهو الموت. فكم من حالة مماثلة لاقت علاجا مُلغزا. بخصوص الأمراض النفسية، يُمكن المضي أبعد والدعوة إلى ضرورة تعاون الطب النفسي العصري وأشكال التطبيب التقليدية، كالعرافة والسحر والعلاج بالموسيقى والأضرحة والأولياء، وما إلى ذلك، كلما تبدَّى ذلك مفيدا لشفاء الحالات المستعصية التي تنمو في تربة غارقة في المعتقدات والممارسات السحرية ولا يُجدي فيها الطب العصري. أخيرا، بدل شجب هذه الممارسات واعتبارها من مظاهر التخلف الاجتماعي والاقتصادي والقصور العقلي، وما إلى ذلك، يليق اتخاذ موقف التفهم مع السعي لاستيعاب ما يسعى السحرة وزبناؤهم إلى ترميزه بمعتقداتهم وطقوسهم. فالسحر هو لغة أوَّلا وقبل كل شيء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.