وزارة الحج والعمرة السعودية: لن يسمح بدخول المشاعر المقدسة لغير حاملي بطاقة "نسك"    بايتاس: الحكومة حققت 50 في المائة من أهداف مشروع دعم السكن    لأول مرة.. الحكومة تعتمد قرارا تاريخيا لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة (فيديو)    الحكومة ترد على جدل الآثار الجانبية للقاح أسترازينيكا    تندوف تغلي بعد جريمة قتل طفل .. انفلات أمني ومطالب بتدخل دولي    245 ألف ليلة مبيت سياحية بوجهة طنجة    افتتاح بورصة البيضاء على وقع الارتفاع    بسبب الاقتطاع من رواتبهم.. موظفون يعتصمون بمقر جماعة أولاد عياد    فرار 80 ألف شخص من رفح خلال ثلاثة أيام    "كارثة" في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا وتوخيل يصب غضبه على التحكيم    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه نظيره البلجيكي وديا استعدادا لأولمبياد باريس    الأمن يمنع ترويج آلاف "الإكستازي" بطنجة    طنجة تواصل تأهيل مدينتها العتيقة وتستهدف ترميم 328 بناية جديدة مهددة بالانهيار    عامل إقليم تطوان يترأس اجتماعا موسعا لتدارس وضعية التعمير بالإقليم    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    سابقة.. حكم قضائي ينصف مشتكية مغربية في ملف "مضاعفات لقاح كورونا"    رسميا.. وزارة بنموسى تعلن مواعيد الامتحانات الإشهادية وتاريخ انتهاء الدراسة    كونفرنس ليغ | أستون فيلا يحل ضيفا على أولمبياكوس في مهمة انتحارية بعد هاتريك الكعبي    طبيب عائد من غزة: النساء يتحملن العبء الأكبر لأهوال الحرب    سلطات مراكش تواصل مراقبة محلات بيع المأكولات بعد حادث التسمم الجماعي    بحضور الملك..الحموشي يشارك في احتفالات الذكرى 200 لتأسيس الشرطة الإسبانية    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى مقاربة مندمجة لتسريع إدماج الشباب بدون شغل ولا يتابعون الدراسة أو التكوين            مرضى السكتة الدماغية .. الأسباب والأعراض    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    ملتمس الرقابة يوسع الخلاف بين المعارضة وتبادل للاتهامات ب"البيع والمساومة"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية    تقدم أشغال إنجاز منطقة الأنشطة الاقتصادية "قصر أبجير" بإقليم العرائش ب 35 في المائة    المغرب يدخل القطيع المستورد من الخارج الحجر الصحي قبيل عيد الأضحى    ارتفاع أسعار النفط مدعومة بتقلص مخزونات الخام الأمريكية    بعد اعترافها بآثاره الجانبية المميتة.. هيئة أوروبية تسحب ترخيص لقاح كورونا من أسترازينيكا    أفق جديد لسوسيولوجيا النخب    من بينها المغرب.. سبع دول تنضم لمبادرة "طريق مكة"    "طيف سبيبة".. رواية عن أطفال التوحد للكاتبة لطيفة لبصير    ترقب استئناف المفاوضات بمصر وحماس تؤكد تمسكها بالموافقة على مقترح الهدنة    جوائز الدورة 13 لمهرجان مكناس للدراما التلفزية    متحف "تيم لاب بلا حدود" يحدد هذا الصيف موعداً لافتتاحه في جدة التاريخية للمرة الأولى في الشرق الأوسط    مركز السينما العربية يكشف عن أسماء المشاركين في فعالياته خلال مهرجان كان    مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل يفتتح فعاليات دورته الخامسة عشرة    علم فرنسا يرفرف فوق كلية الطب بالبيضاء لتصوير "حرب العراق" (صور)    ريال مدريد يضرب بايرن ميونخ 2-1 ويتأهل رسميا لنهائى أبطال أوروبا    المرزوقي: لماذا لا يطالب سعيّد الجزائر وليبيا بالتوقف عن تصدير المشاكل إلى تونس؟    البرهان: لا مفاوضات ولا سلام إلا بعد دحر "تمرد" الدعم السريع    محاكمة الرئيس السابق لاتحاد الكرة بإسبانيا    تسليم هبة ملكية للزاوية الرجراجية    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    ضربة موجهة يتلقاها نهضة بركان قبل مواجهة الزمالك    الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    كأس العرش.. الجيش الملكي يتجاوز نهضة الزمامرة ويتأهل إلى دور ربع النهائي    "ريال مدريد لا يموت".. الفريق الملكي يقلب الموازين في دقيقتين ويعبر لنهائي "الأبطال"    الداخلة على موعد مع النسخة ال 14 من الأيام العلمية للسياحة المستدامة    أخنوش: الحكومة خفضت مديونية المملكة من 72 إلى 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام    الحمل والدور الحاسم للأب    الأمثال العامية بتطوان... (593)    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهيب الصحراء - حفلة التعذيب [ 10 ]
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022


1. الرئيسية
2. لهيب الصحراء
لهيب الصحراء - حفلة التعذيب [ 10 ]
محمد الساحلي
السبت 1 أبريل 2023 - 20:11
رواية لهيب الصحراء هي حكاية عن مقاتل داعشي يراجع أفكاره خلال عملية بين ليبيا والمغرب حين يكتشف فساد أفكار داعش، وتحكم بعض الأنظمة العربية فيها. خلال رحلة أبي حفص عبر صحراء ليبيا، متوقفا في مخيمات تيندوف في الجزائر، يكتشف العلاقات السرية بين أمير داعش في ليبيا والمخابرات الجزائرية. يجد أبو حفص نفسه في مواجهة التناقضات التي يرزح تحتها الفكر الداعشي، وكيف أن القادة يصطادون الشباب مستغلين لحظات ضعفهم الإنسانية لملئ رؤوسهم بأفكار متطرفة وفاسدة. حين يقرر أبو حفص التخلي عن العملية والهروب من سجن أفكار داعش، يجد أمامه ضابطا من المخابرات الجزائرية لهما معا تاريخ مشترك، وعندها تبدأ المواجهة، ويشتعل اللهيب في الصحراء.
[ 10 ]
مقتطفات من يوميات أبي حفص:
جاء الجزار كشبح من الماضي وأشعل فيّ كل الحرائق التي أطفأتها السنوات منذ توفي والدي ووجدت نفسي أسير الشخصية الطاغية للشيخ الزياني.
في ذلك اليوم هجم رجال الأمن على بيتنا بحثا عن الشيخ. لم يكن في البيت غيري ووالدتي، وبعد أن قلبوا كل أثاث البيت ونقبوا في كل ركن، أخذوا مجموعة من الكتب الدينية وأخذوني معهم إلى المركز الأمني التابع للحي. في البداية كانت التحقيقات بسيطة، أخذوا معلوماتي الشخصية وتحققوا من صلة القرابة بيني والشيخ الزياني، وسألوني عن كل الأماكن التي يمكن أن يكون الشيخ مختبئا فيها. تكررت التحقيقات مع أشخاص مختلفين، ودائما نفس الأسئلة. الأسئلة ذاتها بذات الترتيب الممل، إلى أن جاءت ليلة أيقظوني فيها عنوة ووضعوا على رأسي كيسا أسودا ونقلوني إلى مكان ما، سأعرف لاحقا أنه مركز تعذيب، في ضواحي المدينة، تشرف عليه المخابرات، وبالضبط ضابط وحشي شهير بلقب الجزار.
اللقب لم يكن مجانيا بالمرة.
بمجرد إنزالي من السيارة أُخذت إلى إحدى الغرف، بعد السير في مسارات معقدة، ثم عُلقت من يدي إلى السقف ونُزعت عني كامل ملابسي تمزيقا، وبقي الكيس الأسود الكريه على رأسي.
بقيت طيلة تلك الليلة وجزئا من النهار معلقا من يدي، مرتكزا بالكاد على أصابع قدمي.
سمعت الباب يفتح ثم خطوات ثقيلة رتيبة قادمة في اتجاهي. شممت رائحة تبغ نفث إلى وجهي مباشرة، ثم أحسست بيد تنزع الكيس عن وجهي.
ذلك اليوم رأيت وجه الجزار لأول مرة، وانطبع في ذاكرتي للأبد.
لامست أصابعه ذقني بقسوة مفرطة وأدار رأسي في الاتجاهين يتأمل في الكدمات على وجهي، وتحدث بالفرنسية متمتما بتعاطف مصطنع لم يخف عني زيفه: "يا صغيري الجميل ماذا فعل بك هؤلاء الأغبياء؟"
استدار إلى الوراء خطوتين ثم التفت إليّ بغتة موجها إلى بطني لكمة أخرجت كل الهواء الذي في رئتي وجعلت ظهري يتقوس، وبدأت أتأرجح أماما وخلفا ويدي تصرخان من الألم الشنيع للقيد الليفي الذي سلخ الجلد عن معصمي.
أوقف الجزار تأرجحي مستقبلا صدري بسيجارته. أذكر أنني شعرت كأن مسمارا ناريا يخترق لحمي لكني لم أجد طاقة للصراخ واكتفيت بأنين مكتوم وعضضت على شفتي.
كنت خائر القوى لكن الجزار اعتقد أن تأوهي المكتوم صلابة مني وتحديا له، فتبسم وصفق بيديه بمرح وضحك منتشيا قبل أن يربت على خدي، ويتحدث بصوته الذي بدا لي كالفحيح: "جميل، جميل. لدينا بطل هنا."
توجه بعد ذلك إلى طاولة بجانب الباب أخذ منها وسادة وعصا خشبية مصقولة للغاية، وجاء فتوقف خلفي. أحسست بالمخدة توضع على ظهري، ثم شعرت بضربة تنزل على الوسادة وبألم شنيع يتوزع على كامل ظهري.
انفجرت بصرخة عاتية، وانطلقت بعد ذلك قهقهات عالية من الجزار وبدأ يتقافز بمرح كطفل صغير، ثم جاء وقبّل خدي واحتضنني قائلا بالفرنسية: "أحسنت يا فتى،" وتابع بالعربية، "دع صرخاتك تصل إلى ربك في السماء لعله ينزل لمساعدتك."
اللعين! قررت في تلك اللحظة أنه لن يسمع مني أي صرخة ولا حتى تأوها مسموعا. احتجت لإرادة صلبة ودعوت الله أن يرزقني الصبر لأتحمل هذا العذاب وألا أدع هذا السادي يستمتع بمهمته.
اكتفى الجزار بتلك الحصة من التعذيب ذلك اليوم وخرج دون أن يوجه إليّ أي سؤال.
تمدد الخدر في ذراعي وصار الألم لا يطاق. حاولت التطاول قدر الامكان والوقوف على أطراف أصابعي حتى أمسك الحبل بيدي لتخفيف الضغط على معصمي، كنت أنجح قليلا ثم يغلبني التعب فأرخي يدي ويلسعني الألم في معصمي من جديد.
استمر الأمر ساعات حتى بدأ ضوء النهار يختفي من الكوة الصغيرة في الغرفة، وعاد الجزار مجددا. جاء معه هذه المرة رجلان أنزلاني من الحبل المعلق، فهويت أرضا منهارا متكورا على نفسي.
أحسست بعد ذلك ببرودة معدنية حول عنقي ففتحت عيني لأجد الجزار يضع على عنقي طوقا بسلسلة يشبه طوق الكلاب، ثم قام وبدأ يجرني من السلسلة.
تمنعت وقاومت جره، فترك السلسلة تسقط من يده وذهب ليأتي مجددا بالوسادة والعصا الخشبية. وضع الوسادة هذه المرة على رأسي وهوى بالعصا.
ارتج كياني كاملا ولحسن حظي فقدت الوعي قبل أن تهرب الصرخة المحبوسة في صدري.
استيقظت وأطلقت شهقة عالية فوجدت الجزار منحنيا عليّ وفي يده حقنة نزعها من صدري. قام وأمسك بالسلسلة من جديد، ولم يكن أمامي هذه المرة سوى أن أمشي على أربع تاركا له حرية جري في أرجاء الغرفة، حتى اقتربنا من الطاولة، فانحنى يربت على كتفي وألقمني تمرة عسلية، للمفارقة الغريبة لم أتناول ألذ منها من قبل ولا من بعد.
"والآن نظف حذائي بلسانك."
اعتقدت أنني لم أسمعه جيدا فرفعت بصري إليه، فأشار بسبابته اليسرى إلى حذائه وطلب مني الاستعجال حتى لا يتأخر عن اجتماع مهم.
ما زلت حتى اليوم لا أفهم إصرار الجزار على إذلالي بتلك الطريقة. لم يوجه لي أي سؤال وكان بديهيا، بحكم سني آنذاك وبحسب تحقيقات الشرطة قبل ذلك، أنني لا أخفي عنهم أي شيء. لا شك أنه خلف سادية هذا السفاح تكمن أكوام من العقد النفسية وربما سنوات من الحرمان الأبوي.
ضغط الجزار بيده على رأسي حتى لامست شفتاي حذائه، لكني رفضت بإصرار لحس حذائه. أحسست بعد ذلك بأصابعه تشدني من شعر رأسي ثم رأيت سواد حذائه يأتي إلى وجهي بركلة طيرت سنا من فمي مصحوبا ببصاق دموي، ثم فقدت وعيي مرة أخرى.
لا أعرف كم بقيت فاقدا للوعي هذه المرة. حين استيقظت وجدت الغرفة شبه مظلمة، وأحسست تحت وجهي بقعة من الدماء المتجمدة. رفعت رأسي ببطء فلم أجد الجزار ولم أجد الطوق حول عنقي. رأيت بجانبي قطعة من الخبز اليابس وقنينة بلاستيكية صغيرة لا يصل الماء فيها إلى نصفها.
التفكير في هذه الذكريات أعاد إليّ كل ذلك الألم. أشعر بأن أصابعي تيبست وما عدت قادرا على كتابة المزيد. عليّ الآن التوقف عن الكتابة والتفكير في الخطوة القادمة.
الخطوة القادمة؟ لا توجد أي خطوة قادمة. بالتأكيد لن أصحب الجزار في هذه المهمة. هو ليس شخصا يمكنني الثقة به. وحتما لن أكون بيدقا تحركه المخابرات الجزائرية لتنفيذ أجنداتها الخاصة. عليّ أن أفر من هنا. الآن، وفورا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.