السنغال رسميا تعلق على وجود "حراݣة" عالقين بالصحراء المغربية    بعد شهر على الانتخابات.. أمير الكويت يحل مجلس الأمة ويعلق بعض مواد الدستور    هلال: المبادرة الأطلسية مقاربة متبصرة لتحقيق التنمية المشتركة    زخات رعدية قوية مصحوبة بالبرد مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    اضطرابات في حركة سير القطارات بين البيضاء والقنيطرة    بلاغ هام من القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    المغرب يشيد باعتماد الأمم المتحدة قرار دعم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة    حكيمي يقطع صمته بخصوص رحيل مبابي عن باريس    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    بنعدي، بلحاج، العيادي، بنحمو وآخرون بالمجلس الوطني لحزب "البام"... هل يدخلون المكتب السياسي؟    المعرض الدولي للكتاب والنشر.. المجلس الأعلى للتربية والتكوين يناقش الرافعات الكبرى لحكامة المنظومة التربوية الوطنية    "أسبوع القفطان" يقدم عرض أزياء لدعم المواهب الشابة في مجال صناعة القفطان    أحكام قضائية.. تعزز مرامي مديرية الأمن في التخليق وربط المسؤولية بالمحاسبة    نشرة إنذارية .. زخات رعدية مرتقبة اليوم السبت بعدد من مناطق المملكة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تبرز الأدوار التاريخية والرهانات المستقبلية لقنواتها الأمازيغية في المعرض الدولي للنشر والكتاب    كونفدرالية الصيادلة تشتكي "مستشفى الشيخ زايد" بالرباط وتطالب بفتح تحقيق في توزيعه الأدوية    مباراة انتقامية بين حسنية أكادير والرجاء الرياضي وصدام متكافئ بين "الماص" والمغرب التطواني    مستشار بوتين السابق: الأمريكييون ينجذبون إلى جُحر الثعابين.. والحرب ستنتهي باستسلام الغرب في أوكرانيا    مظاهرات في 58 مدينة مغربية تضامنا مع غزة ورفضا لاجتياح رفح (فيديو وصور)    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور ويقول:"لن أسمح بأن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة"    بنسعيد: المغرب منخرط في خلق صناعات ثقافية وإبداعية قوية وتنافسية    فرقة كانديلا ارت الفنيدق- تطوان تترافع عن التراث الوطني في المهرجان الوطني لهواة المسرح بمراكش    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الفيضانات أفغانستان تودي بأكثر من 200 شخص    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو حول دعوتها للمشاركة في إدارة غزة    المغرب يُؤيد منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    سحب 317 "رخصة ثقة" من "سيارات الأجرة في مدينة واحدة بسبب ممارسات مخالفة للقوانين    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    طقس السبت.. أجواء حارة ونزول قطرات مطرية بهذه المناطق    بأگادير : وبحضور الاستاذ عزيز الرباح انتخاب السيدة سميرة وكريم رئيسة فرع جهة سوس ماسة لجمعية المبادرة "الوطن أولا ودائما"    مزور تستقطب شركة عالمية رائدة للمغرب    القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا بالمغرب    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    تصفيات كأس العالم لكرة القدم النسوية لأقل من 17 سنة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الجزائري    "الطاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    لحجمري ينصب 3 أعضاء جدد في الأكاديمية    منتخب "لبؤات الأطلس" يكتسح الجزائريات    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    مدرب الجيش مطلوب في جنوب إفريقيا    صدمة جمهور الرجاء قبل مواجهة حسنية أكادير    جديد موسم الحج.. تاكسيات طائرة لنقل الحجاج من المطارات إلى الفنادق    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    تفاصيل قاعدة عسكرية مغربية جديدة لإيواء الدرونات والصواريخ    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    أصالة نصري تنفي الشائعات    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة لمقاطعة الأحزاب السياسية / قراءة في آليات اشتغال السلطة بالمغرب
نشر في أسيف يوم 11 - 10 - 2006

تتأسس هذه القراءة على بعض المفاهيم المستقاة من الواقع المغربي الأليم و تمتح من بعض المناهج العلمية المؤسسة للحقل السياسي خاصة منها منهج الواقعية السياسية الذي تمقته بامتياز، التشكيلات الحزبية المغربية بحكم غياب الديموقراطية الداخلية و سيادة الزعامات الكاريزمية و غياب دورة النخب و تفشي ظاهرة الإقصاء و الولاء الفردي.
كما تؤثث هذه القراءة بعض التصورات التي أعتقد أنها لم تنضج بعد, وقد تكون سابقة لأوانها بفعل سيادة ثقافة سياسية يؤطرها فعل الهيمنة و الانتهازية الإنتخابوية و الحسابات السياسية الضيقة, وهي ثقافة سائدة لدى النخبة السياسية المغربية بصفة عامة، وتغلب جانب المنفعة والولاء على مبادئ المواطنة و المسؤولية.فالشأن الحزبي الداخلي لم يكن أبدا شأنا عاما, لأن التكتل الحالي هو تكتل حول الأشخاص و ليس تكتل حول الأفكار(1).و الحالة هذه، أن التنظير الفقهي و المدرسي السائد حاليا, و الذي يؤطره بشكل خاطئ و دعائي, خطباء "متحزبين" يدعون البراءة,و أبواق مؤد لجة ومبرمجة لتمييع و تسفيه و تسطيح النقاش السياسي الدائر حول القضايا الوطنية الكبرى، لأن كثيرا من المفاهيم أفرغت من محتواها، و غدت شعارات جوفاء تقلقنا و تزبدنا؛ العهد الجديد، التناوب، المشاركة السياسية، الرأي العام، المجتمع المدني، نزاهة الانتخابات، دولة الحق و القانون، حقوق الإنسان، النخبة السياسية، تخليق الحياة العامة، المفهوم الجديد للسلطة، الانتقال الديموقراطي...فكتاب، أو بالأحرى "كتبة" هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المغرب يمنحون الأوهام و الأحلام لشعب يعشق لحظة الحلم لأن الواقع لم يعد يحتمله، واقع أوقع الجميع في مأساة شيكسبيرية. فالتعامل الانتهازي أوصلنا إلى الكوارث(2)، إلى درجة يمكن القول فيها إن ليس (1) حوار مع خالد السفياني , أسبوعية الصحيفة , العدد 9. (2) خالد الجامعي "حوار مع" , أسبوعية الصحيفة العدد 6 , من 23 فبراير إلى 1 مارس 2000 (3) حوار مع المهدي المنجرة : مجلة الآداب اللبنانية , نقلا عن أسبوعية الصحيفة العدد 62 هناك نموذج إصلاحي مغربي، و إنما هناك "خيانة كبرى" قامت بها نخبة سياسية في حق تاريخها النضالي, لقد تنازلت هذه النخبة كثيرا من أجل الدخول في لعبة نتيجتها غير مضمونة(3). هل يمكن أصلا أن نسائل أحزابنا عن 48 سنة من الضياع و الخذلان ؟ماذا قدمته هذه الأحزاب لهذا الشعب الصبور الحالم، أم أننا يجب أن نكون واقعيين ولا نسائلها عن الشأن السياسي العام لأنه ليس بيدها حيلة كما يقال، أم نسائلها فقط عن الأوهام التي زرعتها فينا، فالأحزاب السياسية لديها مسؤولية مزدوجة فقد منحتها أحلاما وردية مازلنا نتلذذ بها, وقايضتنا بتمثيلية لم تكن حقيقية. قايضتنا لأنها شاخت و تهالكت، وأضحت لا تعبر عن النبع الأصيل للمجتمع و أيقنت أن الجماهير فطنت لما أسماه المهدي المنجرة "بالخيانة الكبرى". هذه التراجعات الخطيرة تفسرها الحصيلة الهزيلة لأدائها المترهل ومواقفها المتخاذلة اتجاه القضايا المشتركة التي نؤمن بها جميعا ونتفق عليها: الإصلاح الدستوري, فصل السلط, تحديد المسؤوليات, ضمان التنمية المستديمة.فالمتتبع للمشهد الحزبي الوطني يلاحظ أن خطاب الأحزاب أصبح خطابا احتفاليا و موسميا، لأنه استنفذ شعاراته الغوغائية واختزل الديموقراطية في آلية الانتخابات. قد تبدو للبعض أن هذه الدعوة غريبة أو متحاملة على اعتبار أن الأحزاب هي بحق لحمة الضبط السياسي والاجتماعي للنسق السياسي العام, إذ لايمكن تصور نظام ديموقراطي بدون وجود أحزاب سياسية حسب تعبير ماكس فيبر. لكن الأغرب من ذلك في هذه القراءة, هو التساؤل في ما إذا كانت لدينا فعلا أحزاب حسب مفهوم علم السياسة المتعارف عليه كونيا، على اعتبار أن الحزب في أبسط مفاهيمه هو ذاك التنظيم السياسي الذي يهدف إلى الوصول إلى السلطة أو ممارستها بغية تحقيق سياسة أو برنامج معين.لم أجد أبدا أي مفهوم للحزب يعرفه على أنه عبارة عن تنظيم يهدف للحصول على كراسي مريحة في البرلمان, "فهل لدينا أحزابا أم أننا نقول حزب لأنها كلمة استعملت منذ القديم ؟ هل هذه الأحزاب في تكوينها و طبيعتها و ممارستها هي مطابقة لمفهوم الحزب في اللغة السياسية ؟ هل لدينا أحزاب أم زوايا" (4) أم" وكالات سمسرة"؟ُ"! )4(حوار مع خالد الجامعي " المنظمة " العدد690 , 16 شتنبر1999 )5( الفقيه البصري : جوانب من المشهد السياسي في المغرب , النشرة , العدد201 , 27 دجنبر 1999. "إن أحد أهم المفاتيح الأساسية لإدراك طبيعة معوقات الحياة السياسية في المغرب يكمن في أن عددا من الأحزاب السياسية، التي شكلت طيلة السنوات الماضية طاقة الدفع الأساسية للنضال من أجل الديموقراطية ، تعاني بدورها من أزمة ديموقراطية، إن مساحة أساسية من إصلاح الدولة في المغرب تنطلق من إصلاح الأحزاب عبر مصالحتها السياسية مع المجتمع" (5). ويرى بعض "الكتبة المحترفين"، "أننا نتوفر على المنظومة المؤسساتية التي نستحقها كمجتمع, كما نتوفر على الأحزاب التي نستحقها ونتوفر أيضا على مجموعة من المؤسسات الأخرى التي نستحقها"(6) حسب مقولة أفلاطون المثالية:Chaque peuple a le gouvernement qu'il mérite» هذه الصيغة التحقيرية و التبريرية تنم بوقاحة عن الوضع الانتهازي و الوصولي الذي يعشش في مخيال ما يسمى مجازيا بالنخبة السياسية.وهذا ما دفع بأحد المتحزبين إلى الاعتراف بأن "هناك إقطاعيات في بعض الجهات الحزبية, و لابد من عامل الشجاعة و الجرأة لفتح ملفات شائكة مثل هذه( 7 ). وفي ذات السياق، يعترف أحد قياديي الأحزاب أن المخزن دخل إلى الأحزاب، فأصبح تفكيرنا داخل الأحزاب تفكيرا مخزنيا , بحيث كل واحد له موالين له في النظام المخزني و يبايعونه، فالأزمة ليست أزمة يسار بل أزمة أحزاب" (8).إذن، ومن خلال هذه الشهادات الدالة, التي تفوه بها مسئولون قياديون داخل الأحزاب السياسية, يتضح أن هناك إجماع, على الأقل بين فرقاء الأحزاب, على وجود أزمة في الأحزاب السياسية المغربية وبالذات أزمة هوية، لان الحزب لم يعد يمثل أي شيء بالنسبة للمجتمع. 6( حوار مع نبيل بن عبد الله, العمل الديموقراطي, العدد11, 19 ماي 2001 (7) ع.البقالي, العدد6, الصحيفة, العدد6, "23 فبراير2001 8(خالد الجامعي: , حوار مع جريدة المنظمة, العدد690,"16 شتنبر 1999"الأحزاب المغربية أصبحت جزء من منظومة المخزن، أي جزء من النسق العام لآلية الضبط المخزني.وهذا الطرح يؤكده زارتمان، حيث يرى أن الأحزاب السياسية المغربية هي عبارة عن جماعات المصالح، هدفها الأساسي استقطاب نخب جديدة لضمان صيرورة وإعادة إنتاج النظام القائم. صحيح، هناك أقلية منتفعة "سماسرة "، تريد الحفاظ على الوضع القائم بأي ثمن كان، « فأي واحد له مصداقية وتربطه التزامات بالجماهير، عليه أن يحدد بوضوح ما هي الإمكانيات الكفيلة بتحقيق التزاماته، فالأكيد أن أساس كل العوائق التي يتحدث عنها الجميع كان واضحا منذ البداية (9)، و بالتالي" فهل الذي يقبل بتزوير الانتخابات و يقبل بالدخول إلى الحكومة على هذا الأساس, هل يمكن أن يتحصن من بعد بالشعب و بناخبيه"(10).إذن، لماذا هذه الدعوة؟وهل من المنطق أن نقاطع ما نسميه نحن في المغرب ب "الأحزاب السياسية"؟هل هي دعوة لقطيعة مطلقة أم أنها دعوة لتصحيح المسار و إعمال النقد الذاتي في آليات الاشتغال و التنظيم لدى الأحزاب السياسية ؟في البداية، لابد من التأكيد أن هذه القطيعة موجودة و بقوة، و تجد تفسيرها في عدم الثقة بالأحزاب السياسية: عزوف الشباب والنساء عن العمل السياسي, ارتباط مفهوم السياسة لدى رجل الشارع بالانتهازية و الوصولية, الانفصال الخطير بين النخبة و القاعدة، و تغليب الخطاب و الوعود على الممارسة و البرامج، و الأهم من هذا كله هو القبول بالاشتغال في دائرة دستورية وسياسة ضيقة لا تسمح البتة بالمشاركة في صنع القرار السياسي.هل استطاعت الأحزاب السياسية المغربية أن ترقى بأدائها السياسي في اتجاه جبر الزخم المطلبي لجماهير الشعب المغربي, أم أن هذا الأداء رهين بتحولات تكتيكية" من أجل كسب عطف و تودد الجماهير؟الواقع أن الأحزاب السياسية فشلت فشلا ذريعا في مواكبة التطور الحاصل في التشكيلة السوسيو-اقتصادية للمجتمع, فمطالب المجتمع لاتسعها برامج الأحزاب المتخثرة و المترهلة, فالإنتظارات الضخمة و الهائلة لا يوازيها أي عمل ملموس إذ أن أي تجسير لهذه الفجوة، بعد46 سنة من الاستقلال الشكلي، يبدو أمرا مشكوكا فيه، خصوصا أن آلية اشتغال الأحزاب استنفرت جهدها للحصول على مكان ظليل ) 9(نجيب اقصبي جريدة كازابلانكا, العدد32, "28 يوليوز2002" (10) نجيب اقصبي، نفس المرجع يؤمن لها العيش بترف في كنف النظام الذي صنعها و طوعها..طبعا بما نسميه بالتناوب التوافقي, وعلى حساب نضالية و كدح الجماهير التي فوضتها التمثيلية ذات يوم؟! فالدستور المغربي لا يقر صراحة على تعيين الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية, لأن الفصل 24 من الدستور ينص على أن الملك يعين الوزير الأول و يعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول, و له أن يعفيهم, أي الملك. من مهامهم و يعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها, وهو الشيء الذي لم يحدث مطلقا في تاريخ المغرب.كما أن الفصل60 من الدستور، ينص صراحة على أن الوزير الأول يتقدم أمام كل من مجلسي البرلمان بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ليعرض البرنامج الذي تعتزم الحكومة تطبيقه. وهذا يعني أن الحكومة تكون "قائمة" وممارسة لاختصاصاتها بالمفهوم القانوني بمجرد تعيين الملك لها و لا تحتاج إلى تصويت البرلمان لكي يقرر في ذلك، بدليل أن الفصل75، الذي يحيل إليه الفصل60 يتحدث عن الاستقالة وليس الانسحاب.فالملك من الناحية الواقعية يعتبر رئيسا للدولة و رئيسا للحكومة، فهو صاحب السلطة التنفيذية و يمارس صلاحيات فعلية و واسعة بالرغم من عدم تحمله للمسؤولية.و تمارس الحكومة صلاحياتها و مهامها تحت إشراف الملك، ولا تتمتع باستقلالية أو حتى هامش منها تخول لها سلطة التقرير الفعلي, لأن جميع القضايا التي تهم السياسة العامة للدولة و حتى مشاريع القوانين و المراسيم التنظيمية لا تجرؤ على البث فيها إلا بعد عرضها على المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك بمقتضى الفصل 25من الدستور.و لابد من التنبيه إلى أن مجلس الحكومة الذي يرأسه الوزير الأول لا يتوفر على أية صلاحيات تقريرية و يقتصر دوره على إعداد و تهييئ و ترتيب الملفات و دراستها من الناحية الفنية و التقنية قبل عرضها على المجلس الوزاري.فالهندسة الدستورية المغربية تتميز بتضييق الخناق على الحكومة. إذ أن الوزراء في النظام الدستوري يعتبرون كسائر موظفي الدولة، لهذا فالوزير الأول لا يتوفر على سلطة تحديد وتوجيه السياسة العامة, كما أنه لا يستطيع قيادة العمل الحكومي أو تأسيس أي انسجام، لأن الوزراء مسئولون شخصيا و جماعيا أمام الملك بمقتضى "الفصل 60" من الدستور، بالإضافة إلى بروز ظاهرة وزراء الدولة أو السيادة ثم كتاب الدولة والتقنوقراط التي عمقت الجرح الدستوري وأقصت ما تبقى للحكومة من اختصاصات ضئيلة.فالحكومة بهذا المنطق، هي أداة لتنفيذ سياسة الملك, لأن رئاسته للمجلس الوزاري تمكنه من ممارسة الوظيفة التنفيذية من خلال توجيهاته وتعليماته والتي لا تستطيع الحكومة الخروج عنها بمقتضى الفصل (25). وهذا ما دفع بأحد قيادي حزب الاستقلال إلى القول بأنه مختلف مع الحزب داخل الحكومة، فحكومة اليوسفي ألحقت الضرر بالمغرب والحالة لا تبعث إلى الاطمئنان"، ونفس الشيء أكده لحبيب الفرقاني حين صرح " أن الحكومة بوزرائها الاتحاديين ليست لها أية علاقة مع الحزب, لا علاقة اتصال ولا علاقة إصلاح", فبالأحرى متابعة ومحاسبة، فالحكومة في النهاية حكومة للأشخاص الاتحاديين الموجودين فيها، وليست قط حكومة حزب الاتحاد الاشتراكي.فالإشكالية الدستورية قائمة ولا مجال للمقامرة أو الرهان على الوهم, «لأن النظام المغربي مند سنة 1960وهو يشتغل كنظام شبه مغلق, مستعملا في ذلك "زبناء" منتظمين في إطار شبكات زبونية على شكل جمعيات أو أحزاب." 26فأي حديث عن الإصلاح بمعزل عن الإصلاح الدستوري والسياسي هو حديث مجاني وغوغائي. و من ثم، لا أحد يستطيع أن ينكر هذا الفراغ الدستوري المهول الذي يسم الحكومة والبرلمان معا.فالحكومة القوية في المغرب لن تفرزها الانتخابات أبدا، لأنها غير موجودة أصلا في الدستور. والمشكلة في المغرب أن الأسئلة واضحة والأجوبة مؤجلة، فالمسألة لم تكن في البداية في قبول أو رفض شكل التناوب الممنوح بقدر ما تتعلق بموقف أصبح متجاوزا للأحزاب، لأن التطور المجتمعي الحالي هو أضرار بمصالح الأحزاب، فالقضية في النهاية تتحدد في مصالح خاصة وحسابات ضيقة.وحتى لو افترضنا أن
هناك حكومة لها برنامج معين تريد تطبيقه هل تستطيع بالفعل تحقيق ذلك ؟هل فقط الإطار الدستوري والسياسي الذي تشتغل فيه الحكومة هو ما يبرر ذلك؟إن الممارسة السياسية في النظام المغربي يغلب عليها منطق التعليمات والأوامر والإشارات وليس منطق القانون والمشروعية، فالتعامل والعلاقات مبنية على أساسالولاء والانبطاح والخنوع، وليس على أساس الشرعية والمشروعية.فلا أحد يستطيع أن يؤكد أن هناك اختصاصات محددة تميز إحدى المؤسستين"البرلمان والحكومة".فالوصاية المفروضة والخلط الواضح في الاختصاصات وعدم تحمل المسؤولية يساهم إلى حد كبير في تأزيم الوضع السياسي العام والتملص من المحاسبة. "26" حوار مع ع اكنوش، النشرة العدد.198 من 6 إلى 12دجنبر1999


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.