منتدى متوسطي بطنجة يناقش موضوع الجريمة المنظمة العابرة للقارات    توقعات مثيرة للقلق .. أسعار الاضاحي قد تصل إلى 250 درهم للكيلوغرام    تواصل حراك التضامن مع الشعب الفلسطيني في المغرب.. مظاهرات في 56 مدينة دعما لغزة    قناة عبرية: استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي قريبا وجميع الضباط المسؤولين عن كارثة 7 أكتوبر سيعودون إلى ديارهم    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب هذه الدولة    إقليم الحوز : أزيد من 600 مشارك في البطولة الوطنية المدرسية للعدو الريفي    معلومات استخباراتية تطيح بثلاثة متورطين في ترويج الأقراص المخدرة بطنحة    الخارجية البريطانية: ما عندنا حتى تعاون مع المغرب فمجال الطاقة النظيفة والمناخ فالصحرا    روينة فمؤتمر الاستقلال..هجوم على المنصة وتيار ولد الرشيد لعب بخطة وطلع واعر سياسيا وغلب فاسا: الانصاري مرشح لرئاسة المؤتمر    مجلس الأمن.. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    فرنسا مستعدة ل"تمويل البنية التحتية" لنقل الطاقة النظيفة من الصحراء إلى الدار البيضاء    خمسة فرق تشعل الصراع على بطاقة الصعود الثانية وأولمبيك خريبكة يهدد حلم "الكوديم"    مجلس أمناء الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    إسبانيا تعزز وجودها العسكري بالقرب من المغرب    طقس السبت... نزول أمطار في عدد من مناطق البلاد    "التكوين الأساس للمدرس ورهان المهننة" محور ندوة دولية بالداخلة    ملف الطبيب التازي ..المحكمة غادي تقول الكلمة ديالها الجمعة الجاية بعدما أخرات باش تسمع الكلمة الأخيرة للمتهمين    مراكش: فتح بحث قضائي في واقعة تسمم غدائي تسبب في وفاة سيدة    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة    مصادقة المؤتمر بالإجماع على مشاريع تقارير اللجان    سيناريوهات الكاف الثلاث لتنظيم كأس إفريقيا 2025 بالمغرب!    زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية            لجنة ثلاثية لرئاسة المؤتمر 18 لحزب الاستقلال    زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    هجوم روسي استهدف السكك بأوكرانيا لتعطيل الإمدادات د مريكان    سامسونغ تزيح آبل عن عرش صناعة الهواتف و شاومي تتقدم إلى المركز الثالث    حريق كبير قرب مستودع لقارورات غاز البوتان يستنفر سلطات طنجة    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    زلزال بقوة 6 درجات يضرب دولة جديدة    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    ممثل تركي مشهور شرا مدرسة وريبها.. نتاقم من المعلمين لي كانو كيضربوه ملي كان صغير    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    رئيس بركان يشيد بسلوك الجمهور المغربي    الصحراء تغري الشركات الفرنسية.. العلوي: قصة مشتركة تجمع الرباط وباريس    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    "طوطو" يشرب الخمر أمام الجمهور في سهرة غنائية    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    رئيس اتحاد العاصمة صدم الكابرانات: المغاربة استقبلونا مزيان وكنشكروهم وغانلعبو الماتش مع بركان    الأمثال العامية بتطوان... (583)    السعودية تحذر من حملات الحج الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    ‬غراسياس ‬بيدرو‮!‬    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    الأمثال العامية بتطوان... (582)    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكرى السنوية لمعركة وادي المخازن على ضوء الأزمة المغربية الإسبانية ..معركة الملوك الثلاثة عبرة للحاضر والمستقبل
نشر في التجديد يوم 05 - 08 - 2002

يوم أمس الأحد مرت على معركة الملوك الثلاثة أو معركة وادي المخازن 424 سنة، وتتميز الذكرى هذه السنة بالأزمة التي تشهدها العلاقات المغربية الإسبانية، بعد أن كشفت بلادنا عن رغبتها الأكيدة في تصفية ماتبقى من جيوب استعمارية إسبانية. لكن الغطرسة الاستعمارية لم تتغير وتصر الجارةالشمالية على الاحتفاظ بأجزاء من ترابنا الوطني والتشويش على قضية وحدتنا الترابية، وكأنما يكرر التاريخ نفسه عندما تنبعث الخيانة من جيران لنا لا يريدون لنا استقلالا كاملا. نقدم للقراء ظروف المعركة التاريخية وملابساتها ونتائجها، راجين أن تكون في ذلك العبرة لمن يعتبر.
تربع ( سبستيان ) عام 1557م على عرش إمبراطورية البرتغال التي يمتد نفوذها على سواحل إفريقية وآسية وأمريكية ، فتطلع إلى استخلاص الأماكن المقدسة المسيحية في المشرق من يد المسلمين ، فاتصل بخاله ملك أسبانيا ( فيليب الثاني ) يدعوه للمشاركة بحملة صليبية جديدة على المغرب العربي كي لا تعيد الدولة السعدية بمعاونة العثمانيين الكرة على الأندلس .
أما حكام المغرب الأشراف السعديون فهم من نسل محمد بن انفس الزكية من آل البيت النبوي ، فبعد دولة المرابطين قامت دولة الموحدين ثم دولة بني مرين ثم دولة وطاس ، ثم قامت دولة الأشراف السعديين .
وكان من حكامهم محمد المتوكل على الله وكان فظاً مستبداً ظالماً قتل اثنين من إخوته عند وصوله إلى الحكم ، وأمر بسجن آخر ، فكرهته الرعية ، فرأى عمه عبد الملك أنه أولى بالملك من ابن أخيه ، فأضمر المتوكل الفتك بعميه عبد الملك وأحمد ففرا منه مستنجدين بالعثمانيين ، الذين كتبوا إلى واليهم على الجزائر ليبعث مع عبد الملك خمسة آلاف من عسكر الترك يدخلون معه أرض المغرب الأقصى ليعيدوا له الحكم الذي سلبه منه المتوكل الظالم .
وعندما دخل عبد الملك المغرب مع الأتراك ، وانتصر في معركة قرب مدينة فاس ، وفر المتوكل من المعركة ، ودخل عبد الملك فاس سنة 983ه وولى عيها أخاه أحمد ، ثم ضم مراكش ، ففر المتوكل إلى جبال السوس ، فلاحقته جيوش عمه حتى فر إلى سبتة ، ثم دخل طنجة مستصرخاً بملك البرتغال سبستيان ، بعد أن رفض ملك أسبانيا معونته .
أراد ملك البرتغال الشاب محو ما وصم به عرش البرتغال خلال فترة حكم أبيه من الضعف والتخاذل ، كما أراد أن يعلي شأنه بين ملوك أوروبا فجاءته الفرصة باستنصار المتوكل به على عميه وبن جلدته ، مقابل أن يتنازل له عن جميع شواطئ المغرب .
استعان سبستيان بخاله ملك أسبانيا فوعده أن يمده بالمراكب والعساكر ما يملك به مدينة العرائش لأنه يعتقد أنها تعدل سائر مراسي المغرب ، ثم أمده بعشرين ألفاً من عسكر الأسبان ، وكان سبستيان قد عبأ معه اثني عشر ألفاً من البرتغال ، كما أرسل إليه الطليان ثلاثة آلاف ، ومثلها من الألمان وغيرهم عددا ًكثيراً ، وبعث إليه البابا بأربعة آلاف أخرى ، وبألف وخمس مائة من الخيل ، واثني عشر مدفعا ً ، وجمع سبستيان نحو ألف مركب ليحمل هذه الجموع إلى العدوة المغربية . وقد حذر ملك أسبانيا ابن أخته عاقبة التوغل في أرض المغرب ولكنه لم يلتفت لذلك
مسيرة الجيشين إلى وادي المخازن :
الجيش البرتغالي : أبحرت السفن الصليبية من ميناء لشبونة باتجاه المغرب يوم 24 يونيو 1578م ، وأقامت في لاكوس بضعة أيام ، ثم توجهت إلى قادس وأقامت أسبوعاً كاملاً ، ثم رست بطنجة ، وفيها لقي سبستيان حليفه المتوكل ، ثم تابعت السفن سيرها إلى أصيلا ، وأقام سبستيان بطنجة يوماً واحداً ، ثم لحق بجيشه .
الجيش المغربي : كانت الصرخة في كل أنحاء المغرب : ( أن اقصدوا وادي المخازن للجهاد في سبيل الله ) ، فتجمعت الجموع الشعبية وتشوقت للنصر أو الشهادة ، وكتب عبد الملك من مراكش إلى سبستيان : ( إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك ، وجوازك العدوة ، فإن ثبت إلى أن نقدم عليك ، فأنت نصراني حقيقي شجاع ، وإلا فأنت كلب بن كلب ) . فلما بلغه الكتاب غضب واستشار أصحابه فأشاروا عليه أن يتقدم ، ويملك تطاوين والعرائش والقصر ، ويجمع ما فيها من العدة ويتقوى بما فيها من الذخائر ، ولكن سبستيان تريث رغم إشارة رجاله ، وكتب عبد الملك إلى أخيه أحمد أن يخرج بجند فاس وما حولها ويتهيأ للقتال ، وهكذا سار أهل مراكش وجنوبي المغرب بقيادة عبد الملك وسار أخوه أحمد بأهل فاس وما حولها ، وكان اللقاء قرب محلة القصر الكبير .
قوى الطرفين :
الجيش البرتغالي : 125000 مقاتل وما يلزمهم من المعدات ، وأقل ما قيل في عددهم ثمانون ألفاً ، وكان منهم 20000 أسباني ،3000 ألماني ، 7000 إيطالي ، مع ألوف الخيل ، وأكثر من أربعين مدفعاً ، بقيادة الملك الشاب سبستيان ، وكان معهم المتوكل بشرذمة تتراوح ما بين 300-6000على الأكثر .
الجيش المغربي : بقيادة عبد الملك المعتصم بالله ، المغاربة المسلمون 40000مجاهد ، يملكون تفوقاً في الخيل ، مدافعهم أربعة وثلاثون مدفعاً فقط ، لكن معنوياتهم عالية ؛ لأنهم غلبوا البرتغاليين من قبل وانتزعوا منهم ثغوراً ، وهم يعلمون أن نتيجة المعركة يتوقف عليها مصير بلادهم ، ولأن القوى الشعبية كانت موجودة في المعركة وكان لها أثرها في شحذ الهمم ورفع المعنويات متمثلة في الشيوخ والعلماء .
قبيل المعركة :
اختار عبد الملك القصر الكبير مقراً لقيادته ، وخصص من يراقب سبستيان وجيشه بدقة ، ثم كتب إلى سبستيان مستدرجاً له : ( إني قد قطعت للمجيء إليك ست عشرة مرحلة ، فهلا قطعت أنت مرحلة واحدة لملاقاتي ) فنصحه المتوكل ورجاله أن لا يترك أصيلا الساحلية ليبقى على اتصال بالمؤن والعتاد والبحر ، ولكنه رفض النصيحة فتحرك قاصدا ًالقصر الكبير حتى وصل جسر وادي المخازن حيث خيم قبالة الجيش المغربي ، وفي جنح الليل أمر عبد الملك أخاه أحمد المنصور في كتيبة من الجيش أن ينسف قنطرة جسر وادي المخازن ، فالوادي لا معبر له سوى هذه القنطرة .
وتواجه الجيشان بالمدفعيتين ، وبعدهما الرماة المشاة ، وعلى المجنبتين الفرسان ، ولدى الجيش المسلم قوى شعبية متطوعة بالإضافة لكوكبة احتياطية من الفرسان ستنقض في الوقت المناسب .
المعركة :
في صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة 986ه الموافق 4 أغسطس 1578م وقف السلطان عبد الملك يحرض الجيش على القتال ، ولم يأل القسس والرهبان جهداً في إثارة حماس جند أوروبا مذكرين أن البابا أحل من الأوزار والخطايا أرواح من يلقون حتفهم في هذه الحروب .
وانطلقت عشرات الطلقات النارية من الطرفين كليهما إيذاناً ببدء المعركة ، وبرغم تدهور صحة السلطان عبد الملك الذي رافقه المرض وهو في طريقه من مراكش إلى القصر الكبير خرج بنفسه ليرد الهجوم الأول ، ولكن المرض غالبه فغلبه فعاد إلى محفته، وما هي إلا لحظات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ، ومات وهو واضع سبابته على فمه مشيراً أن يكتموا الأمر حتى يتم النصر ، ولا يضطربوا ، وكذلك كان فلم يطلع على وفاته إلا حاجبه وأخوه أحمد المنصور ، وصار حاجبه يقول للجند : ( السلطان يأمر فلاناً أن يذهب إلى موضع كذا ، وفلاناً أن يلزم الراية ، وفلاناً يتقدم ، وفلاناً يتأخر ) ، وفي رواية : إن المتوكل دس السم لعمه عبد الملك قبل اللقاء ليموت في المعركة فتقنع الفتنة في معسكر المغاربة .
ومال أحمد المنصور بمقدمة الجيش على مؤخرة البرتغاليين وأوقدت النار في بارود البرتغاليين ، واتجهت موجة مهاجمة ضد رماتهم أيضاً فلم يقف البرتغاليون لقوة الصدمة ، فتهالك قسم منهم صرعى ، وولى الباقون الأدبار قاصدين قنطرة نهر وادي المخازن ، فإذا هي أثر بعد عين ، نسفها المسلمون ، فارتموا بالنهر ، فغرق من غرق ، وأسر من أسر ، وقتل من قتل .
وصرع سبستيان وألوف من حوله بعد أن أبدى صموداً وشجاعة تذكر ، وحاول المتوكل الخائن الفرار شمالاً فوقع غريقاً في نهر وادي المخازن ، ووجدت جثته طافية على الماء ، فسلخ وملئ تبناً وطيف به في أرجاء المغرب حتى تمزق وتفسخ .
دامت المعركة أربع ساعات وثلث الساعة ، ولم يكن النصر فيها مصادفة ، بل لمعنويات عالية ، ونفوس شعرت بالمسؤولية ، ولخطة مدروسة مقررة محكمة .
وتنجلي المعركة عن نصر خالد في تاريخ الإسلام ، وعن موت ثلاثة ملوك : صليبي مجندل وهو سبستيان ملك أعظم إمبراطورية على الأرض آنذاك ، وخائن غريق مسلوخ وهو محمد المتوكل ، وشهيد بطل وهو عبد الملك المعتصم بالله فاضت روحه ، وسيذكره التاريخ يفخر بإخلاصه وحكمته وشجاعته وفروسيته .
أسباب النصر :
1- آلام المسلمين من سقوط غر ناطة وضياع الأندلس ومحاكم التفتيش جراح لم تندمل بعد ، وهي ماثلة أمامهم .
2- الخطة المحكمة المرسومة بدقة ، واستدراج الخصم لميدان تجول فيه الخيول وتصول ، مع قطع طرق تموينه وإمداده ، ثم نسف القنطرة الوحيدة على نهر وادي المخازن .
3- المشاركة الفعالة للقوى الشعبية بقيادة العلماء والشيوخ ، مليئة بالإيمان وحب الشهادة وبروح عالية لتحقيق النصر حتى قاتل البعض بالمناجل والعصي .
4- تفوق المدفعية المغربية على مدفعية الجيش البرتغالي مع مهارة في التصويب والدقة .
5- وكانت خيل المسلمين أكثر من خيل النصارى ويلائمها السهل الذي انتقاه السلطان للمعركة .
6- وكان سبستيان في جانب ومستشاروه وكبار رجالاته في جانب آخر .
وادي المخازن ، للدكتور شوقي أبو خليل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.