هلال يفضح السفير الجزائري أمام أعضاء الأمم المتحدة وينتقد تعطيل بلاده للعملية السياسية بخصوص قضية الصحراء    منح جائزة التميز لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لوكالة بيت مال القدس الشريف    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    رئيس الحكومة يحل بالمنامة لتمثيل جلالة الملك في القمة العربية    أندية "البريميرليغ" تجتمع للتصويت على إلغاء تقنية ال"VAR" بداية من الموسم المقبل    ولاية أمن طنجة تتفاعل مع شريط فيديو يظهر شرطي مرور يشهر سلاحه الوظيفي على وجه أحد مستعملي الطريق    ذكرى تأسيس الأمن الوطني.. 68 سنة من الحفاظ على النظام العام وحماية المواطنين    القمة العربية: عباس يتهم حماس ب"توفير ذرائع" لإسرائيل لتهاجم قطاع غزة    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    ميناء طنجة : تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 30% حتى متم أبريل    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة.. نزول أمطار ضعيفة ومتفرقة فوق مناطق طنجة واللوكوس    "فيفا" يدرس مقترحا بإقامة مباريات الدوريات المحلية خارج بلدانها    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    باحثون يعددون دور الدبلوماسية الأكاديمية في إسناد مغربية الصحراء    اعتبروا الحوار "فاشلا".. موظفون بالجماعات الترابية يطالبون بإحداث وزارة خاصة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    سفارة المغرب ببانكوك توضح بخصوص وضعية المغاربة المحتجزين بميانمار    انطلاق القافلة الثقافية والرياضية لفائدة نزلاء بعض المؤسسات السجنية بجهة طنجة تطوان الحسيمة من داخل السجن المحلي بواد لاو    بعثة نهضة بركان تطير إلى مصر لمواجهة الزمالك    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    مربو الماشية يؤكدون أن الزيادة في أثمنة الأضاحي حتمية ولا مفر منها    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    رسالة اليمامة لقمة المنامة    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    هنية: إصرار إسرائيل على عملية رفح يضع المفاوضات في مصير مجهول    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الملتقى الوطني الثاني حول اللغة العربية بفاس..اللغة العربية صمام أمان لحفظ الأمن الثقافي بالمغرب
نشر في التجديد يوم 08 - 03 - 2011

أكد متخصصون وأساتذة جامعيون، على أن اللغة العربية صمام أمان، لحفظ الأمن الثقافي بالمغرب، وخلصت توصيات الملتقى الوطني الثاني للغة العربية، الذي نظم الثلاثاء والأربعاء الماضيين بفاس، ونظمته الجمعية المغربية للغة العربية فرع فاس، بتعاون مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله، في موضوع ''دور اللغة العربية في حفظ الأمن الثقافي بالمغرب''، خلصت التوصيات- إلى دعوة المؤسسات التعليمية، وعلى رأسها جامعة سيدي محمد بن عبد الله، إلى اعتماد اللغة العربية، في جميع الوثائق الإدارية والتربوية، تفعيلا للمذكرات والقرارات الوزارية الصادرة في شأن تعريب الوثائق والمراسلات الوزارية، وكذا دعوة مجلس مدينة فاس، إلى تفعيل القرار الذي أعلن عنه السنة الماضية، القاضي باعتماد اللغة العربية في كل اللافتات والإعلانات واللوحات الإشهارية وواجهة المؤسسات والمحلات التجارية، وتوصيات أخرى.
نحو تأهيل اللغة العربية
أشغال الملتقى الوطني، شهدت أيضا إلقاء عرضا لموسى الشامي، رئيس الجمعة المغربية لحماية اللغة العربية، حول ''تأهيل اللغة العربية في ضوء التأمين الثقافي بالمغرب''، المتدخل انطلق من تحديد مفهوم للتأهيل، إذ اعتبر أن هاته العبارة تظل غامضة، وتحتاج إلى تفسير أو إلى توضيح أو إلى تأويل، وأن ''تأهيل'' اللغة العربية يعني أن شيئا ما ينقصها، وهذا الشيء هو الذي يعرقل تأديتها لمهامها، وبالتالي فهي حسب هذا التعبير، مشلولة لا تقوى الآن، في ذهن من يستعمل عبارة التأهيل، على القيام بما يمكن أن تقوم به إذا أهلت، أي إذا تغير شيء فيها، أو إذا غير أصحابها شيئا فيها، أو إذا هم غيروا بعض مواقفهم منها، يمكن أن تصبح لغة ذات حيوية''، ولفت موسى الشامي الانتباه إلى أن العبارة يمكن أن توحي أيضا بأن اللغة العربية لم تكن لها أي أهلية، ''قدرة، كفاءة، قوة...''، فوجب الاستدراك والعمل على أن تكون لغة قادرة على مواكبة التطور الحديث، ومن أجل تبيان إشكالية تحديد مفهوم ''التأهيل''، ويرى الشامي أنه يجب الرجوع بالضرورة إلى اللغة العربية كبنيان وككيان أو نظام قائم بذاته، وكذا إلى المحيط أو المناخ المادي والبشري الذي تعيش فيه هذه اللغة، من أجل ذلك، تساءل الشامي عن الغاية من الحديث عن تأهيل اللغة العربية، وأكد أن طرح السؤال يأتي على بينة من ''ضعفنا وتأخرنا مقارنة مع أمم أخرى، سبقتنا في التقدم بلغتها''، يضيف المتحدث، ''ونعتقد جازمين أن اللغة العربية هي سبب هذا الضعف، وفي نفس الوقت نهفو إلى أن نقود صراع التنمية ومعركة التطور والنماء بهذه اللغة، دون غيرها، لأننا نؤمن أننا نحن هم اللغة العربية واللغة العربية هي نحن''. من جهة أخرى، اعتبر الشامي أن واقع اللغة العربية يقول إنها، بعد أن كانت اللغة الأولى في العالم، فيما أسماه الغرب اعتباطا بالقرون الوسطى، وبعد دخول العالم العربي والإسلامي في سبات طويل وغيبوبة عميقة، ''استرجعت أنفاسها في أوائل القرن العشرين، وبعد فترة نقاهة، تجد نفسها اليوم تعاني من بعض بقايا هذه الغيبوبة الطويلة''، وذكر المتحدث بحادث سقوط غرناطة في أواخر القرن الخامس عشر، إذ لم يكن العالم يعرف في ذلك الوقت لغة اسمها ''اللغة الفرنسية''، وهي اللغة التي يحاول البعض، يقول الشامي، ''إحلالها محل اللغة العربية في شمال إفريقيا، وهي التي لم يستقم عودها إلا في أوائل القرن السابع عشر، ولازالت اليوم تعاني من مشاكل، سواء في إملائها المعقد أو نحوها المتشعب''، بالمقابل يرى الشامي، أن ما تعرفه اللغة العربية من مشاكل، يمكن نعتها بالمشاكل ''الخارجة عنها''، أي أن مشاكلها غير متعلقة بها كلغة، ولا علاقة للغة بها، وتطرق الشامي إلى أربع عوائق تعرقل تقدم اللغة العربية، وهي ''عوائق خارجة عنها، ولا علاقة لها ببنية اللغة العربية''، وهاته العوائق هي الأمية والاتكالية في الحقل العلمي والنفوذ اللغوي الأجنبي والتيه السياسي لأصحاب الحل والعقد في العالم العربي، فبالنسبة للنفوذ الأجنبي، اعتبر المتحدث، أن هناك دور سلبي كبير تلعبه الدول الاستعمارية القديمة، والتي ''تأمل لأن تعود لغاتها إلى مستعمراتها السابقة، وتعمل جاهدة وبكل الوسائل من أجل ذلك، وترى في اللغة العربية منافسا شرسا لها''، وهو حال اللغة الفرنسية بالمغرب، يضيف الشامي، ''إذ أصبحت بسبب هيمنتها على جميع المجالات الحيوية، هي اللغة الرسمية الفعلية للبلاد، بينما تعتبر العربية لغة رسمية على الورق فقط، من أجل ذلك استعملت فرنسا كل ذكائها ونفوذها المالي لترسيخ لغتها في الواقع المغربي، حيث كونت في مدارسها نخبة مغربية فرانكفونية''.
وخلص رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، إلى أنه لا بد من انتفاضات لغوية، وحاجة إلى التنسيق بين علماء اللغة العربية، للضغط على أصحاب القرار، والدفع في اتجاه إنتاج المعرفة، وتأهيل الإنسان العربي أولا، وانتشاله من براثين الأمية المتفشية في العالم العربي، والتي هي العدو اللدود للغة العربية.
التحصين سبيل تحقيق الأمن الثقافي
اعتبر عبد الحي بنعمور، رئيس المجلس العلمي المحلي بفاس، أن انعقاد الملتقى الوطني من لدن مؤسسات علمية وثقافية، لمناقشة دور اللغة العربية في حفظ الأمن الثقافي بالمغرب، يعني أن المهتمين بالشأن الثقافي يريدون من جديد أن يعبروا عن واقع اللغة والثقافة العربية وما تجتازه من أزمة تهدد هوية الأمة في بعض مقوماتها، ويعلنوا عن التذمر والرفض لهذا الواقع المرير الذي آلت إليه اللغة والثقافة العربية، والتي اعتبرها لغة الوحي والتراث والفكر، وهو الواقع الذي أصبح يهدد الأمن الثقافي والوجود الحضاري للأمة، واعتبر رئيس المجلس العلمي أن مفهوم الأمن الوطني لأمة من الأمم، أصبح يتشكل اليوم من منظومة مترابطة يتداخل فيها الغذائي مع الأمني، والاجتماعي مع السياسي، وكذا اللغوي والثقافي والحضاري، الذي يعتبر حجر الزاوية في بناء شخصية الأمة، والحفاظ على هويتها وقيمها الدينية ومثلها الأخلاقية، وأكد المتحدث أن التفريط في حفظ الأمن الثقافي الذي سبيله لغة الأمة، ووعاؤها الديني والفكري والتراثي، يعتبر تهديدا لأمنها العام، وانتكاسة خطيرة لقيم الوحدة وعرى التآلف والائتلاف. من جهة أخرى، تحدث عبد الحي عمور عن الاختراق اللغوي والثقافي والديني للأمة العربية وللمغرب كجزء من هاته الأمة، وشدد على أن هذا الاختراق يهدف إلى تمزيق وحدة الأمة لأغراض تنصيرية واقتصادية وأخلاقية واجتماعية توسعية، ''بحكم أن الأمة وأعداءها والمستلبين من بعض أبنائها، يعرفون أن سبيل تحقيق الهيمنة وتمزيق الوحدة، وإبعاد الأمة عن دينها وقيمها، هو ثقافي لغوي''، وأضاف المتحدث قائلا ''إنهم يعملون جاهدين لغزونا لغويا وثقافيا، وإن هذه الاختراقات تجاوزت مراكز دفاعنا في أكثر من جهة، وأن بعض مؤسساتنا وراء المنظمات الفرنكفونية، ففسحت المجال لأنشطتنا الثقافية واللغوية، بحجة التفاعل الثقافي والتفاهم الحضاري، مع انعدام التكافؤ والقدرات والإمكانيات والوسائل ووسائط الاتصال والتأثير''. وخلال نفس المداخلة، اعتبر عمور، أن الحديث عن ضرورة عولمة القيم والثقافة والحضارة، يندرج في المخططات الهادفة لصهر الثقافة والقيم والهوية المغربية، في النموذج الحضاري الغربي الذي سينتهي، حسب المتحدث، إذا لم يقع تحصين الأمة بأمنها الثقافي واللغوي، إلى ''احتلال العقل العربي الإسلامي وإفراغه من تراثه ومكتسباته العقدية والثقافية، وتعبيد الطريق أمام الإستراتيجية الجديدة للهيمنة على المقدرات، وتذويب الخصوصيات، والتحكم اللغوي والثقافي في مسار الأمة. واعتبر رئيس المجلس العلمي المحلي بفاس، أن خطابات العولمة والعلمنة التي يروج لها بالمغرب، من أجل الانخراط في الكونية الحضارية العالمية القائمة على الفلسفات الوضعية والتيارات المادية، إذا لم يتم التعامل معها بكثير من الحذر والانتقاء، ''سوف تذيب قيمنا وتراثنا الديني وثقافتنا''، مؤكدا على أنه لا يجب إنكار ما للحضارة الغربية وعلومها وثقافتها من فضل على الثقافة والفكر، وإنما ''لا ينبغي أن يكون على حساب وحدة الأمة وأمنها الثقافي''. واختتم عبد الحي عمور مداخلته بالإشارة إلى أن الأمن الثقافي، يقتضي تنمية ثقافة كل أمة بلغتها وخطابها، بما يفسح لها مجال النماء والإبداع أمام عقول أبنائها ومثقفيها وعلمائها، للإسهام في صناعة الفكر الإنساني والعلمي والحضاري، من منطلقاتها وتصوراتها ومرجعياتها، ''الأمر الذي يفرض حمايتها من الارتهان والتبعية لثقافة الآخرين''، يضيف المتحدث، ''والعيش على نتاجهم العلمي والثقافي والفكري، والسقوط في نزعة الاستهلاك بدل الإنتاج والابتداع، والذلية والذوبان، بدل الإسهام والبناء''.
اللغة العربية وسؤالُ المعرفَة
في مداخلة له حول ''اللغة العربية وسؤال المعرفة في سياق تحقيق الأمن الثقافي''، اعتبر عبد الرحمن بودرع، الأستاذ بكلية الآداب بتطوان، أن سؤال المعرفة وأثرها في التّنمية وتحقيق الأمن الثقافي للبلاد، يعد سؤالا مركزيا في صميم الحديث عن التنمية البشرية، وذلك لوجود علاقة جدلية بين نسقِ المعرفة وسياقات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأكد على أنه لا يمكن النهوض بلغة من اللغات الطبيعية، إلا ضمن ثقافة الأمة التي تتداول هذه اللغة، وأضاف قائلا ''لا يمكن النهوض بالعربية إلا ضمن الخلفية الثقافية للأمة العربية الإسلامية، باعتبار هذه الخلفية محورا أساسا تدور حولَه التنمية، وتتبوأ اللغة الموقع المركزي في المنظومة الثقافية لارتباطها بالفكر والإبداع والعقيدة والتراث''، وأكد بودرع أن هناك مسوغات للحديث عن علاقة المعرفة بالتنمية، منها ما يحصل من تحولات اقتصادية في العالَم الراهن، وما عرفه ميدان تكنولوجيا المعلومات والتواصل من تقدم هائل، ومن المسوغات أيضا، بزوغ نوع جديد من الاقتصاد، وهو الاقتصاد المبني على المعرفة، وما تستطيع المعرفة أن تسديه للاقتصاد من حركة وتنمية وإنعاش.
من جهة أخرى، تحدث المتدخل عن موقع اللغة من اقتصاد المعرفة، إذ اعتبر أن ''المعرفة ترتبط بالاقتصاد الراهن ارتباطا وثيقا، لأنها تتعلق بمعرفة المعلومات المتداولَة في عالَم الاقتصاد''، ولأن تطوير الإنتاج الاقتصادي، رهين بما يُخطط من مشاريع علمية معرفية، واستعرض المتحدث وجهين لعلاقة اللّغة بالاقتصاد، أولها أن الكلمة في ميدانِ اللغة كالمالِ في ميدانِ الاقتصاد، وبهذا الخصوص قال بودرع ''لا شك أن الكلمات تصاغ كما تصك العملات، وتظل متداولَة ما دامت سارية المفعولِ''، أما الوجه الثاني لهذه العلاقَة، فتتمثل في كون ''الوظيفة الاقتصادية للغة تتركز في استعمالها في المجالات الاقتصادية بكفاءة عالية''، وانتقل بعد ذلك المحاضر إلى تبيان موقع اللغة العربية من مجالات الاستثمار، إذ لاحظ أن هناك ''ضعف اقتصاد المعرفة في الوطن العربي''، وهو ما أرجعه إلى قلة استثمار المعرفة اللغوية العربية في مجال إعداد البرمجيات والبرامج الإلكترونية، والبرامج التعليمية ومعالجة النصوص، والترجمة الفورية والذكاء الاصطناعي، وغيرها من مجالات استثمار المعرفة اللغوية. وخلص المتدخل بعد عرضه لعلاقة اللغة العربية بالتنمية المعرفية، إلى ضرورة تعميق الشعور لدى الطلاب والباحثين بمركزية اللّغة في إقامة مجتمع المعرفة، وأهمية اللغة في معادلة: اللغة العربية والتنمية البشرية، والاجتهاد المستَدام لجعلِ اللغة العربية، لغةَ التفكير والتعبير والتنمية الثقافية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية، وأكد بودرع أنه لن يتم استشعار هذه الأهمية إلا بحركة تعريبية شاملة تحقِّق للأمة نهضتها، ولا تقف عند مجرد إحلالِ العربيّة محل الأجنبية في الإدارة والتعليم والاقتصاد، بل تتعدى ''تعريب التعبير''، إلى ''تعريب التّفكير''، ويقصد المتدخل بتعريب التّفكير، ''ممارسة التّفكير بطريقة تراعي خصائص المجتمع العربي برمته، وتقوي الشعور بالانتماء إليه بدلا من الانحصار في دائرة القومية الضيقة، ذات النزعة الانفصالية''، وأضاف قائلا ''التعريب المرجو أيضا، هو الذي يخلص الأمة من الاتباع الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي للغرب، ويضمن لها خصوصيتها وتفردها و إثبات ذاتها، ويتيح لها حرية التصرف والانفتاح على الآخر في إطار المثاقفة والتبادلِ، لاختيار ما ينفعها ويناسبها، من دونِ فرض ولا إكراه''. ليخلص إلى أن العربيّة مؤهلة لأن تتبوأَ مكانتها في مضمار تعريب العلوم وتداولها، أكثر من غيرها، وخاصة أنها كانت في عهد تاريخي غير بعيد، إحدى اللّغات القليلة لمن أراد أن يتعلم العلوم، وسيلة للانفتاح على العالَم، كما قدم خطوات عملية في طريق تحقيقِ التنمية المعرفية في المجتمعات العربية، ونشر العلم والمعرفة باللسان العربي المبين، وتمكينِ العربية من أن تصبح أداةَ تداولِ المعلومات الحديثة، في المجتمع الحديث، مجتمع المعرفة والعلوم.
عنصر توحيد المغاربة
بدوره، اعتبر أحمد العلوي العبدلاوي، رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، فرع فاس، أن اللغة العربية تحتل مكانة متميزة في النصوص التشريعية المغربية، وكانت لها مرجعيات دينية وثقافية وفكرية باعتبارها لغة القرآن الكريم، ولغة الحضارة الإسلامية العربية الزاهرة، ولغة الفكر العلمي والفلسفي في عصور ازدهار الثقافة والعلوم والفنون الإسلامية بالمغرب وخارجه، مؤكدا أنه ''لاشك، تعتبر العربية أيضا أهم مكون يحفظ للمغاربة أمنهم الثقافي، وانسجامهم الفكري، وتآلفهم الاجتماعي، وتاريخهم الحضاري، في ظل مجتمع متعدد الثقافات، معتز بكل مكوناته الاجتماعية والثقافية واللغوية''، وأفاد المتحدث بأن ''اللغة العربية كانت وما تزال، إلى جانب الدين الإسلامي، عنصر توحيد المغاربة منذ اثني عشر قرنا''، وطالب العبدلاوي، بالمضي أكثر من أي وقت مضى، في الحفاظ على هذه الوحدة وهذا الترابط، حماية لهذا المكتسب الحضاري الذي ''شملته يد الإقصاء والتهميش، وحيكت ضده أنواع من التجاوزات المشينة، فغيب عن دائرة التواصل الرسمي، وقزم هامش اعتماده في المناهج التعليمية، وكذا في وسائل الإعلام المختلفة''، يضيف المتحدث، وذلك ب''تهاون فئة من المسؤولين على الشأن اللغوي بالمغرب، وبعض النخب المثقفة التي تنصلت للغتها، واعتمدت مكانها لغة المستعمر، وأكد العبدلاوي، أن هناك حاجة إلى وقفة تأمل، وإلى مراجعة الذات، بتحصينها عن طريق تمكينها من لغة صحيحة سليمة قوية، وبمساءلتها، عن الذي يجب فعله، لاستعادة اللغة العربية مكانتها الطبيعية، لغةً للتخاطب الرسمي، ولغة تضمن للمغاربة وحدتهم الوطنية وأمنهم الثقافي.
***
توصيات
كانت أشغال الملتقى، افتتحت مساء الثلاثاء الماضي، بدرس افتتاحي، حول أهمية اللغة العربية في تحقيق التنمية الشمولية والأمن الثقافي، ألقاه عبد العالي الودغيري، الأستاذ الجامعي بكلية الآداب بالرباط، حيث اعتبر أن الأمن اللغوي يتحقق بالتنمية اللغوية، وحماية اللغة الوطنية مما يهددها داخليا وخارجيا، كما أكد أن الأمن الثقافي يحتاج إلى التنمية الثقافية، وبالتالي إلى لغة وطنية، ويحتاج أيضا إلى التحرر من التبعية، وإلى الحفاظ على مكونات الهوية، التي تعتبر اللغة الوطنية إحدى ركائزها الأساسية، كما شهدت أشغال الملتقى عرضا حول ''مكانة اللغة العربية بمواقع الشابكة''، إذ اعتبر الأستاذ خالد اليعبودي، أن الشابكة غدت ''ضرورة ملحّة بغاية جمع المعلومات وتوثيقها وتخزينها واسترجاعها ونشرها، مسايرة لمتطلبات العصر المتنوعة، والمتغيرات المتلاحقة في جميع مناحي الحياة''، كما اعتبرها المتحدث الوسيلة المثلى للتنمية الحضارية والتواصل الثقافي، إلا أن المتحدث يرى أن اللغة العربية تجتاز امتحانا عسيرا، فيما يتصل باستعمالها في الشابكة، إذ أفاد بأن عدد المستخدمين العرب لهذه الوسيلة التقنية في تزايد مستمرّ، في حين تلاحظ ضحالة إسهام اللغة العربية في المحتوى الرقمي، وتحدث اليعبودي عن مشاكل تهدد مستقبل العربية في العصر الرقمي، منها تفضيل العديد من الأكاديميين العرب نشر أبحاثهم باللغات الأجنبية توْقا إلى العالمية، وكذا الكتابة في المواقع والمنتديات العربية باللهجات العامية، ثم تدوين كلمات اللغة العربية في صفحات الشابكة باستخدام الحروف اللاتينية. ودعا المشاركون في الملتقى الثاني حول اللغة العربية، مجلس مدينة فاس، إلى تفعيل القرار القاضي باعتماد اللغة العربية في كل اللافتات والإعلانات واللوحات الإشهارية وواجهة المؤسسات والمحلات التجارية.
وخلصت التوصيات إلى دعوة المؤسسات التعليمية، وعلى رأسها جامعة سيدي محمد بن عبد الله، إلى اعتماد اللغة العربية، في جميع الوثائق الإدارية والتربوية، تفعيلا للمذكرات والقرارات الوزارية الصادرة في شأن تعريب الوثائق والمراسلات الوزارية، بالإضافة إلى دعوة الأساتذة والمربين في المؤسسات التعليمية والتربوية إلى اعتماد اللغة العربية الفصحى بدل العامية، والدعوة إلى تفعيل القرارات الوزارية الرسمية ذات الصلة باللغة العربية، وفي مقدمة ذلك، أكاديمية محمد السادس للغة العربية، وتعميم الوعي وإشعار الإدارات بأهمية استعمال اللغة العربية في الوثائق التي توجه للمواطنين، لما في ذلك من أهمية في حفظ الأمن الثقافي بالمغرب، ودعت التوصيات أيضا، الغيورين على اللغة العربية، من علماء ومثقفين ومربين وإداريين، إلى الإسهام في نشر الوعي بأهمية استعمال اللغة العربية في كل تواصل يستهدف الجمهور، وتحدثت التوصيات عن تشجيع الأبحاث الميدانية التي تساهم في تشخيص واقع اللغة العربية في مختلف التخصصات، وتشجيع إنجاز أبحاث علمية تسهم في تيسير وتطوير طرق تلقين اللغة العربية، ودعوة وسائل الإعلام إلى اعتماد اللغة العربية في خطاب الجمهور وتجنب كل ما يمكن أن يشوش على وضوح الخطاب اللغوي وصفائه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.