ولي العهد يترأس مأدبة غداء بنادي الضباط    هيئة تطلب طي ملف الأساتذة الموقوفين    الخط الأخضر للتبليغ عن الفساد يسقط 299 شخصا    "أكديطال" تفتتح مستشفى ابن النفيس    الاتحاد الأوروبي يرحب بميثاق الهجرة    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 35173 منذ بدء الحرب    بركان تحاكم مقتحم "مباراة الزمالك"    الجامعة تعين مساعدا جديدا لطارق السكتيوي    بسبب إياب نهائي الكونفدرالية.. تأجيل مواجهة نهضة بركان والرجاء إلى يوم 23 ماي القادم    إدارة السجن المحلي بتطوان تنفي تعرض سجين لأي اعتداء من طرف الموظفين أو السجناء    وزارة الداخلية وجماعة طنجة يعملان على توسعة شبكة نظام المراقبة بالكاميرات بالفضاء العام    مركز السينما العربية يصدر العدد 22 من مجلة السينما العربية        بدء أعمال مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية تمهيدا للقمة العربية بالبحرين    عجز الميزانية في المغرب يفوق 1,18 مليار درهم    اجتماع عمل لوضع خارطة سياحية لمسارات المدينة العتيقة لتطوان    طبعة ثانية من « أوراق من دفاتر حقوقي «مهنة الحرية « للنقيب محمد الصديقي    يعود تاريخها إلى 400 مليون سنة.. المغرب يتسلّم 117 قطعة نادرة من الشيلي    "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    ميارة يرأس أشغال الجمعية العامة ال18 لبرلمان البحر الأبيض المتوسط    الباحث البحريني نوح خليفة: جهود المغرب تأتي موازية لتطلعات العالم الإنساني وعالم الطبيعة    قُصاصة حول إصدار    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    ظهور "منخفض جوي" يتسبب في تراجع درجات الحرارة بشمال المغرب    هاشم تقدم مؤلف "مدن وقرى المغرب"    السعودية والكويت بأدنى خصوبة شرق أوسطية في 2050    بيع لوحة رسمها الفنان فرنسيس بايكن مقابل 27.7 مليون دولار    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    هل تكون إسبانيا القاطرة الجديدة للاقتصاد الأوروبي ؟    المغرب يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش" ينشط أعضاؤها بتزنيت وسيدي سليمان    تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام قاضي التحقيق بالدار البيضاء    توظيف مالي لمبلغ 3,8 مليار درهم من فائض الخزينة    10 لاعبين يحرجون ريال مدريد قبل انطلاق الميركاتو    الجمعية الرياضية السلاوية للدراجات تتوج بسباقي القصر الكبير وأصيلا    اختتام البطولة الوطنية المدرسية لكرة اليد كرة الطائرة والسلة 5*5 والجولف والرماية بالنبال    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: جلسة فكرية مع الناقدة والباحثة الأدبية الدكتورة حورية الخمليشي    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    الدورة الثالثة للمشاورات السياسية المغربية البرازيلية: تطابق تام في وجهات النظر بين البلدين    بطولة فرنسا: مبابي يتوج بجائزة أفضل لاعب للمرة الخامسة على التوالي    تبون يلتقي قادة الأحزاب السياسية.. هل هي خطوة لضمان دعمها في الاستحقاقات الرئاسية؟    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    إسطنبول.. اعتقال أمين متحف أمريكي بتهمة تهريب عينات مهمة من العقارب والعناكب    العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    بنموسى يعلن قرب إطلاق منصة رقمية لتعلم الأمازيغية عن بعد    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور إسماعيل الحسني (أستاذ مقاصد الشريعة بمراكش) ل«التجديد»:لا أرى من اللائق للفقيه أن يجيب عن الفتاوى مباشرة على الهواء
نشر في التجديد يوم 12 - 06 - 2012

قال الدكتور اسماعيل الحسني أستاذ مقاصد الشريعة بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن الأولوية الأساسية بالنسبة للخطاب الفقهي اليوم هي بناء عقلية نقدية تجديدية تضع نفسها دائما موضع محاسبة ومراجعة وفي الوقت نفسه تعي لحظتها التاريخية بطريقة علمية لأن هذا الوعي هو خطوة أساسية لكل تفاعل إيجابي مع ما يحبل به الواقع من تحديات.
وأكد الحسني في حوار مع «التجديد أن الدولة الحديثة مهما حاولت تقنين الإفتاء بإحداث مؤسسات توكل إليها هذه المهمة، فإنها لا تستطيع أن تكمم أفواه الناس لأن الدستور المغربي يكفل حرية التعبير عن الآراء في إطر المشروعية بما فيها الرأي الفقهي.
وأوضح أستاذ المقاصد أننا لا نتحدث عن «فوضى الإفتاء» عندما يقول أهل الاختصاص من الذين لا ينتمون للمؤسسة الرسمية آراءهم في قضايا المجتمع، مضيفا أن «اعتراضنا على هذا النوع من الناس لن يكون اعتراضا بناء ولكنه اعتراض يشم منه رائحة لا علاقة لها بالعلم ولا بالعلماء».
وشدد المحاور على أن بعض المفاهيم مثل تجديد الخطاب الفقهي ومقاصد الشريعة تم تمييعها مشيرا إلى أن هذه المفاهيم ليست مجرد شعارات ترفع ولكنها ممارسة اجتهادية.
● كيف تقيمون واقع الخطاب الفقهي المعاصر اليوم؟
●● واقع الخطاب الفقهي المعاصر هو جزء من كل، وهو يعكس حقيقة المستوى التاريخي الذي انتهت إليه مجتمعاتنا، وربما لا يختلف اثنان في تشخيص هذا الواقع فهو دون الآمال المرجوة. الجميع يلاحظ المستوى الفكري والعلمي لكثير من الفتاوى التي نسمعها في المحطات الفضائية ونقرؤها في الجرائد ونتابعها في المواقع الالكترونية وهي في معظمها ليست في المستوى العلمي المطلوب، ولأنها كذلك تخلق عندنا ردود أفعال متفاوتة بين الإقرار والموافقة والاعتراض والمخالفة.
توجد حاليا العديد من الأولويات، تتعلق بانتشار الأمية وأقصد هنا الأمية الثقافية واللغوية والحضارية والتخلف وسيادة الشعوذة والخرافة وغياب الفكر العلمي الحقيقي الذي يمكن أن يحرر هذا الواقع. لكن ما نلاحظه حاليا غياب هذه الأولويات الأساسية عن الخطاب الفقهي المعاصر وانغماسه في تناول نوازل وإشكالات لا تحتل الأولوية في هذا الوقت مثل ما نتابعه يوميا.
● يوجد الخطاب الفقهي اليوم تحت تأثير التقليد و التعقيد والسلطة، وهو ما دعا بعض العلماء والمهتمين بتجديد الخطاب الفقهي إلى الدعوة إلى تحريره من هذا الثلاثي، ما هي في نظركم الأولويات حاليا، فيما يخص تحرير الخطاب الفقهي؟
●● الأولوية الأساسية في تقديري الآن هي بناء نظام إسلامي قائم على التجديد، والتجديد الذي أقصده هنا هو وعي نقدي مزدوج: وعي نقدي بالذات يستلزم محاسبتها باستمرار، ووعي علمي بالواقع يقتضي من الفقيه والعالم المسلم بصفة عامة التفاعل الإيجابي مع معطياته المختلفة.
أعتقد أننا إذا لم نحدث عقلية تجديدية قائمة على وعي نقدي بالذات وعلى وعي علمي بالواقع الذي يحتضن هذه الذات فإننا سندور دائما في حلقة مفرغة لا أول لها ولا آخر.
وقبل أن أتساءل عن حكم الشارع في هذه النازلة أو تلك ينبغي علي أن أبني الشخصية الإسلامية على أسس صحيحة، لأنه في غياب هذه الشخصية الإسلامية سيظل جواب الفقيه عن كثير من المسائل المعروفة في هذا الزمان حديثا «كاريكاتوريا» لأن أغلب هذه المستجدات التي تعرفها حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كلها مصدرها الآخر «الغرب»، وأستحضر هنا نقاشا فقهيا طريفا وقع لفقهائنا المغاربة في أوائل القرن العشرين حينما دخل الراديو إلى مدينة الصويرة وحينما دخل الهاتف إلى بعض الحواضر المغربية، فبدأوا يتساءلون حول جواز إثبات شهر رمضان عن طريق الهاتف، لاحظوا معي أن هذا السؤال نشأ من أحشاء تطور اجتماعي داخلي، لكن الذي فرض السؤال هو هذا التقدم التكنولوجي الغربي والأفظع من ذلك أن هذا التقدم التكنولوجي جاء على أسنة الرماح وعلى أصوات البنادق. فكيف يمكن لفقيه وثقافته تقليدية أن يجيبك عن مثل هذه الأسئلة وهو لا يعرف قوانين وأسرار هذه التقنية المستجدة؟ وهكذا يمكن أن نعمم هذا النوع من التساؤلات على كثير من القضايا، وبالتالي فالأولوية الأساسية هي بناء عقلية نقدية تجديدية تضع نفسها دائما موضع محاسبة ومراجعة من نفسها ومن الآخر وهو ما سماه الأستاذ علال الفاسي في كتابه النقد الذاتي، وفي الوقت نفسه تعي لحظتها التاريخية بطريقة علمية لأن هذا الوعي هو خطوة أساسية لكل تفاعل إيجابي مع ما يحبل به الواقع من تحديات.
● يجد الفقيه نفسه تحت ضغط عدد من الجهات تحاول السيطرة والتأثير على الخطاب الفقهي، كسلطة الدولة والشعب وممثليه من هيئات ، أين تجد فقيه اليوم من هذه السلطات، وكيف يمكن للفقيه أن يكون خطابه مستقلا عن التأثر بضغط هذه السلطات؟
●● المفروض في الفقيه أن يكون موضوعيا وأن يخلق لنفسه مسافة معينة مع الحدث والنازلة، والمفروض فيه أن يبتعد نوعا ما عن المشهد على أساس أن يرجع إليه ويفهمه ويقومه. وفي الجواب على هذا السؤال لدي موقف: لا أفضل ولا أرى من اللائق للفقيه أن يجيب عن الفتاوى والأسئلة التي يطرحها الكثير من المشاهدين والمستمعين مباشرة على الهواء لأن السؤال الواحد قد نجيب عنه بأجوبة مختلفة تبعا لحالة المستفتي، وهنا في الحقيقة يحضرني كلام ثمين للفقيه المالكي شهاب الدين القرافي الذي ميز في أحوال وتصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بين الإمامة وبين القضاء وبين الإفتاء وبين التبليغ، فالرسول عليه الصلاة والسلام قد يجيب عن السؤال الواحد بأجوبة مختلفة، وهذا وقع في تاريخ الدعوة الإسلامية، فعندما سأل أحدهم النبي قائلا أوصني؟ أجابه: لا تغضب، وعندما يأتيه نفس السؤال: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم. فالمفروض في الفقيه أنه يربي ويعرف مقتضيات أحوال هؤلاء المستفتين والمفروض فيه أن يعيد دائما وباستمرار بناء سؤاله الفقهي حتى يستطيع أن يجيب إجابة موفقة، المفروض في الفقيه دائما أن يتمثل مهمتين: مهمة الطبيب الذي يشخص لك أسباب المرض والعلل، وأيضا أن يضطلع بمهمة الصيدلي الذي يعرف أنواع الأدوية فيعرف كيف يصف هذا الدواء لذلك الداء.
نحن نلاحظ أننا نفتقد لهذا النوع من الفقهاء ولهذا النوع من العلماء ولهذا ترون أنه من السهل أن يخضع معظم الفقهاء لهذه الضغوط ولهذه الإكراهات المتباينة والمتفاوتة.
● يسود جدل حاليا حول الفتاوى وآراء العلماء أو المنتسبين إلى الفقه، البعض يطلب بتقنين الرأي الفقهي فلا يصدر إلا عن مؤسسات الدولة والبعض الآخر وصل إلى حد المطالبة بمحاكمة من يصدرون فتاوى وآراء فقهية غير رسمية ولا تحمل الإجماع، كيف في نظركم ينبغي التعامل مع هذه الظاهرة وهل هناك إمكانية لتقنين الفتوى لوضع حد لفوضى الإفتاء؟
●● مهما حاولت الدولة الحديثة أن تقنن الإفتاء بأن تجعل مؤسسات معينة هي الموكول إليها إصدار الرأي الشرعي المعبر لما تجنح إليه الدولة في شأن من الشؤون العامة، فإنها لا تستطيع أن تكمم أفواه الناس لأن الدستور المغربي يكفل حرية التعبير عن الآراء في الدوائر الشرعية والمشروعة بما فيها الرأي الفقهي.
والفتوى هي اجتهاد يعبر من خلاله الفقيه عن رأي من الآراء في مسألة ما وهي ملزمة للجهة التي أصدرتها، وعندما تصدر جهة رسمية فتوى في مسألة ما تصبح هذه الفتوى ملزمة ، وهذا لا يعني أن يمنع العلماء الآخرين حتى الذين ينتمون إلى مؤسساتها من أن يكون لهم رأي مخالف، ولا يمكن لنا أن نمنع الناس من التعبير عن هذه الآراء، فحق الناس في التعبير عن آرائهم لا يمكن الهجوم عليه وأن يفرط فيه.
● لكن هذه الفتاوى تلزم الناس إذا صارت قانونا تتبناه الدولة؟
●● عندما تصبح قانونا تصبح ملزمة للناس، وحتى إذا صارت قانونا فإن هذا لا يمنعني من التعبير عن وجهة نظري في هذا القانون. ومجلس النواب هو مكان يعبر فيه النواب عن آرائهم حتى لو كانت مخالفة للقانون، لأن القانون قد يغير ويعدل ويصوب والذي لا يعدل ولا يغير هو كلام الله تعالى في القرآن الكريم.
● أكيد أن تعدد آراء الفقهاء بخصوص عدد من النوازل كان واقعا في التاريخ الإسلامي، كيف تفسر رفض المجتمع الآن لهذا التعدد لدرجة المطالبة بمحاكمة من يقول الرأي الفقهي في قضايا المجتمع إذا كان من خارج المؤسسة الرسمية؟
●● ينبغي أن نتفق أولا على أن الخوض في هذا المجال يكون «فوضى» عندما يرتاده أناس ليسوا من أهله، ومن عجائب هذا الزمان أن المهندس لا يمكنه أن يتكلم في المحاماة والمحامي لا يمكنه أن يتكلم في أمور الهندسة والطبيب لا يمكنه أن يتكلم في بناء القناطر والعمارات، إلا أمر الدين فإنه يتكلم فيه الجميع العالم والجاهل، وإذا كانت الصورة على هذه الحال يمكننا أن نتكلم عن «فوضى»، ومن هنا على المسؤولين أن يتحملوا مسؤولياتهم.
لكننا لا يمكن أن نقول إنها «فوضى» إذا تحدث عن مسألة من المسائل أهل الاختصاص الذي لا ينتمون إلى المؤسسة الرسمية. اعتراضنا على هذا النوع من الناس لن يكون اعتراضا بناء ولكنه اعتراض يشم منه رائحة لا علاقة لها بالعلم ولا بالعلماء.
لا يمكن للعالم الجدير بالانتساب إلى أهل العلم أن يفرط في رسالته النقدية في هذا العالم وهي أن يحرر الناس، وأنا أتكلم معك أستحضر حوارا حصل للصحابي ربعي بن عامر مع قائد الفرس، هذا الصحابي فهم فهما دقيقا مقصد الرسالة الإسلامية وأجاب رستم عن سؤاله ما جاء بكم؟ بجواب دقيق يكشف عن البعد التحرري في هذا الدين عندما قال: «إن الله بعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة».
الاقتصار على عبادة الله وحده يحرر الإنسان من أشياء كثيرة حتى من نفسه التي بين جنبيه، وهذا هو البعد الذي ينبغي أن يظل العالم المسلم ممسكا به وعاضا عليه بالنواجد وهو كيف يمكن أن يجعل الإنسان الفرد والمجتمع والأمة كيانات متحررة تطالب بحقوقها وفي الوقت نفسه تؤدي واجباتها، والمطلوب من العالم أن يؤسس لهذا النوع من البشر وهذا لا يمكنه أن يحدث بدون الوعي النقدي الذي تحدثنا عنه سابقا.
● يضغط المجتمع على الفقيه ليقول رأيه في كل القضايا التي تهم الحياة الاجتماعية، لكن من الفقهاء الذي يمسكون اجتهاداتهم بدعوى أن الوقت غير مناسب وأنه سيترتب عن الكلام في بعض القضايا الحساسة تبعات أسوأ من السكوت، كيف ترون هذا الرأي؟
●● هؤلاء الذين يتحفظون عن الجواب على بعض الأسئلة لا ينبغي أن ننظر إليهم دائما نظرة سلبية لأن لهم مبررات وقراءة معينة للواقع، والشاطبي رحمه الله يقول: أصل النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا سواء كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، فالعالم الذي أحجم عن الخوض في مسائل معينة، يعتبر إحجامه بمثابة موقف بليغ وفصيح من الواقع الحالي وربما تقديراته وموازناته أفضت به إلى هذا المواقف.
● يؤكد الكثيرون على ضرورة تجديد الخطاب الإسلامي، لمواكبة متطلبات العصر، هل لهذه المطالب بالتجديد حدود معينة وضوابط لا يمكن تجاوزها؟
●● أقول دائما إن هناك كثير من المفاهيم الإسلامية التي ضيعناها وميعناها ولم نعطها معناها الحقيقي، ومنها مفهوم المقاصد ومفهوم تجديد الخطاب. ينبغي أن نعلم أن تجديد الخطاب ومقاصد الشريعة ليست مجرد شعارات ترفع ولكنها ممارسة اجتهادية وينبغي دائما أن نميز في أي كلام بين الشعار وبين الممارسة وبين المفهوم. والسؤال الذي يفرض نفسه حاليا: هل هؤلاء الذين يتحدثون الآن عن تجديد الخطاب وعن المقاصد، هل يتحدثون من باب الشعارات أم من باب الممارسة أم من باب المفاهيم؟ فتجديد الخطاب يقتضي تجديد عقلية هذا الذي يتحدث عن التجديد أولا، إذ لا يمكن أن نعانق مستوى التجديد في الإسلام إذا لم نمارس هذا الإسلام ممارسة نقدية على مستوى وعينا بذواتنا ومحاسبتنا لها وعلى مستوى وعينا الفعلي بالواقع وتفاعلنا الإيجابي معه.
● الحديث عن تجديد الخطاب الديني فرضه السياق المعاصر وانفتاح المسلمين على الغرب وإنتاجاته الحديثة. لكن ما هي حدود هذ التجديد؟
●● لاحظي معي أنني عندما كنت أتحدث عن التجديد تحدثت عنه من خلال أنه وعي قبلي، ولا أقصد بالتجديد تجديد الشمس أو الجبال أو الأرض، فنحن المسلمون لدينا القرآن المجيد بمبادئه وعقائده وبأخلاقياته ولا يمكن أن نتحدث عن تجديد إسلامي إذا غيبنا هذه الأمور، لأننا سنكون آنئذ نتحدث عن تجديد بمعنى آخر. معنى هذا أن هناك أمورا لا تقبل التغيير ولا نستطيع إلا أن نثبت عليها، فالصدق يبقى صدقا والكذب يبقى محرما والعدل يبقى مطلوبا والظلم يبقى منهيا عنه وهكذا في كل مكارم الأخلاق وكذلك الصلاة تبقى واجبة والربا يبقى محرما والزنا كذلك... فهذه أمور لا تقبل التجديد لأننا نعتبرها ثوابت ولكن كيف ننزل هذه الثوابت؟ كيف نعيشها؟ كيف ندافع عنها؟ كيف نتمثلها في سلوكنا؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى تجديد الوعي بها.
● هل التعليم الشرعي والديني في المغرب مؤهل حاليا لإنتاج علماء مجددين وقادرين على إنتاج خطاب فقهي يواكب العصر؟
●● يؤسفني أن أقول إن تعليمنا بصفة عامة وليس فقط التعليم الديني لا يسعفنا لكي نُخَرج إنسانا ناجحا في الحياة، لأنه فرق كبير أن يحصل الإنسان على شهادة عالية وبين أن يكون قادرا على الاندماج في المجتمع المعاصر، وفرق كبير بين هذه الشهادات التي نحصل عليها في مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا وبين ما تجري عليه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتي تتطلب تكوينا معينا.
● والوضع التعليمي في نظركم ينعكس على ظهور علماء مجددين؟
●● هذا يحيلنا إلى الحديث عن شروط بروز المجتهدين، والفقيه المغربي الحجوي قال كلمة مضمونها أنه عندما ينتشر الفكر العلمي في المجتمع وعندما يكون علماء في الرياضيات والفيزياء وعلماء اجتماع حقيقيين وعندما تنتشر الثقافة الإبداعية والروح الابتكارية في المجتمع، فإن عالم الدين كفرد من أفراد المجتمع سيتلاقح مع هذه الروح وسوف يتأثر بها ويؤثر فيها، فيظهر علماء مجددون وتظهر الروح الإبداعية في الفتاوى وفي فهمنا لديننا وشريعتنا. ولأن روح التقليد والتعصب للمذهب وللعشيرة وللحزب والجماعة مسيطرة فإن شظايا هذه الآفات تمس فقيهنا، فالفقيه والذي يتحدث باسم الدين في مجتمعنا ما هو إلا صورة من صور الحالة التي نعيش عليها.
الدكتور إسماعيل الحسني في سطور
• أستاذ التعليم العالي، شعبة الدراسات الإسلامية -كلية الآداب جامعة القاضي عياض مراكش.
• عضو في «مركز دراسات مقاصد الشريعة» في لندن.
• خبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
• عضو مؤسس ورئيس لمجموعة البحث في أعلام المغرب.
• من أعماله:
نظرية المقاصد عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور.
فقه العلم في مقاصد الشريعة.
التجديد والنظرية النقدية دراسة في خطاب التجديد الإسلامي في المغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.