يوسف النصيري يوقع الهدف ال 15 له في الدوري الإسباني هذا الموسم    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد بأقاليم المملكة    مطالب بوقف "التطبيع الأكاديمي" بين المغرب وإسرائيل    عائلات المغاربة المحتجزين بتايلاند تنتقد صمت الحكومة    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    ظاهرة فلكية.. عاصفة شمسية قوية تنير السماء بأضواء قطبية في عدة دول    مطالب نقابية بإقرار منحة لعيد الأضحى    النسر الأخضر الرجاوي يحوم في سماء الملعب الكبير بأگادير ويصطاد غزالة سوس أربعة مرات    الأستاذ إدريس الهلالي يشارك ضمن الاجتماع الاستثنائي للمجلس العالمي للتايكوندو بكوريا الجنوبية    سيطرة مغربية في "الترياثلون الإيكولوجي"    مجلس الأمة الكويتي … المأزق بين السلطة التنفيذية والتشريعية    ثلاثة وزراء ثقافة يكرّمون أحمد المديني رائد التجريب في الأدب المغربي    الرجاء والمغرب الفاسي يحجزان مقعديهما في نصف نهائي كأس العرش    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    انعقاد الدورة ال12 لمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 17 إلى 19 ماي    دياز يهز الشباك مرتين في لقاء غرناطة    انتخاب الريفية فاطمة السعدي عضوا بالمكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة    طوابير تنتظر المسلم في معرض الكتاب    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    صورة مذهلة.. "ناسا" ترصد أكبر عاصفة شمسية تعرض لها كوكب الأرض    مشروع خط سككي بين الدار البيضاء وبني ملال    حزب الأصالة والمعاصرة يعلن بدء التحضير مبكرا لانتخابات 2026 بهدف "الحصول على المرتبة الأولى"    تحذير وزاري لمستعملي الطرق السيارة    حماس تعلن وفاة أحد الرهائن الإسرائيليين متأثرا بإصابته في غارة جوية    انطلاق المهرجان الدولي للفروسية "ماطا" بمنطقة "بن مشيش"    حضور متميز لأسود الأطلس في نهائيات المسابقات الأوروبية للأندية    القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية تكشف تفاصيل مناورات "الأسد الإفريقي"    الأزمي ينتقد تضارب المصالح في الصفقات العمومية الكبرى واستخدام قوانين المالية لذلك    مبابي يعلن رسميا مغادرته باريس سان جيرمان    جماعة طنجة تساهم بنحو 13 مليون درهم لتطوير وتوسيع مطار ابن بطوطة الدولي    مركز الاستثمار يروج لمؤهلات جهة طنجة في ملتقى اقتصادي بالامارات المتحدة    البحرين تحضر لانعقاد القمة العربية    نشرة إنذارية | زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرَد بعدد من مناطق المغرب    اضطرابات في حركة سير القطارات بين الدار البيضاء والقنيطرة    القنصل العام للسنغال بالداخلة: لا وجود لمهاجرين عالقين في الصحراء المغربية        المغرب يشيد باعتماد الأمم المتحدة قرار دعم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    كونفدرالية الصيادلة تشتكي "مستشفى الشيخ زايد" بالرباط وتطالب بفتح تحقيق في توزيعه الأدوية    بنسعيد: المغرب منخرط في خلق صناعات ثقافية وإبداعية قوية وتنافسية    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الفيضانات أفغانستان تودي بأكثر من 200 شخص    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مذكرة إلى من يهمه الأمر" : رسالة من عبدالسلام ياسين إلى ملك المغرب 2/3
نشر في شورى بريس يوم 17 - 06 - 2017

بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه
ميراث ثقيل :
ها نحن قد أحْسَنَّا الانطلاق بتركيز جميع الآمال في شخص وجه جديد يظهر على الخشبة ! وعلى الكتفين النحيلتين لولي العهد ، البريء من جرائم الأمس ، تتكدس فجأة مسؤوليات جسام ، أولها كنس إسطبلات عفنة ، وتطهير المشهد السياسي والإداري الموبوء بنفوس متمرغة في الرذيلة ، باعها أصحابها للشيطان . وهكذا ، بعد أن كان ضحية من ضحايا الأمس ، أصبح الملك الشاب اليوم مدعواً إلى تحمل مسؤولية إنقاذ البلاد من الهوة التي تكاد تنهار فيها .
لا أحد يجهل من المراقبين للشأن المغربي-إن تحلى بقليل من اليقظة- أن النظام بأكمله في تحلل سريع ، ولا يكفي لتطبيب وضعه المعتل إرسال “الإشارات القوية” التي يحاول عبرها القصر أن يبدي حزمه ويُشَيِّد سلطته برد مظلمة هنا أو إلقاء خطبة مَوْشِيَّةٍ هناك .
ولَّى الزمن الذي كان فيه القمع البوليسي وهوى ولي الأمر سياسة تُطبَّق ، عفّى الزمن على عهد كانت فيه الألقاب الطنانة والخطب الرنانة تأخذ بألباب حاشية من المداهنين الخانعين المشتركين في جريمة التغرير بالشعب القاصر . هذا الشعب الأمي الذي طالما خدعه “الإجماع التوافقي” لطبقة من محترفي السياسة ينتظر اليوم أفعالا . هذه الشبيبة العاطلة المعطلة تتعاطى أنواع المخدرات وترتمي بين براثنها هربا من المجتمع الذي يَتَجَهَّمُهَا ، وتفر من ظل مستقبل معتَّم . فهي اليوم تطالب بحقها في الشغل ، وبمكانها في الوجود .
ما الذي على الشاب محمد السادس -الذي يمنحه جيله التأييد بكل سخاء- أن يفعله ؟ ماذا في مقدور فتى الأحلام أن يفعله تلبية لنداء الشعب المستضعف وتحقيقا لآماله ؟ ما الذي عليه أن يفعله ؟ وماذا يستطيع أن يفعل لتدعيم سلطته وتقوية مركزه ؟
لكي يحدث ، بل يبدأ التغيير، الذي تهفو إليه البلاد لا بد أن ينطلق “ملك الفقراء” -ويا لجلالة اللقب !- من القطيعة مع ماض ليس له من الجلالة سوى الاسم والسوط . يحتاج “ملك الفقراء” إلى منجزات رجولية تمكنه من الارتقاء إلى مستوى قائد يليق بالآمال العريضة التي بعثها اعتلاؤه العرش في نفوس الشباب المغربي بشهادة الاستقبالات الهائلة المخصصة له .
هل يمكنه أن يتحرك ليستحق الهالة الخُلُقية ويفرض سلطته الدنيوية ؟
وهل يستطيع التحرك ؟
ما العمل ؟
إما أن يتحفز العاهل ويلم أطراف شجاعته ثم ينقض بالعزم الذي يمتاز به الزعماء ليحطم العوائق ، أو أنه سيقبع في دهاليز القعود والخنوع .
إما أن يتحلى بالحزم والاقتحام ، أو تعود رتابة الجهاز المخزني والميل إلى الحلول السريعة السهلة لتخفض من حرارة العمليات التدشينية . وحينئذ سيجمح المُهر العربي الأصيل ، ويمتنع عن تخطي الحاجز ، ثم يتراجع تدريجيا ، فيفوته الموعد مع التاريخ .
واجب مقدس :
أنت يا صديقي القارئ ! أنت يا أخي في العقيدة ! أنتِ يا أختي ! يا من تشاطرونني حسرتي على بلدي الواقف على شفا جرف هار بينما كانت ولا تزال تطفح وجوه بطانة السوء بالبِشر وهي تحرق البخور على نصب الأوثان المقدسة ! أنت أيها الشعب الصادق النزيه ، أنتم أيها المثقفون الفضلاء الشجعان ، يا من تتناغم كلماتكم مع الخطاب المعسول للمداهنين ! غضوا الطرف عن وعورة أسلوبي وأصيخوا بأسماعكم وعقولكم لكلماتي المكلومة !
لا يمكن أن تعبر الكلمات اللينة عن الذهول الذي يصيب من يتأمل الواقع ، ولا أن يعبر الصمت المطبق عن الإحصائيات الكارثية التي تضع المغرب في مؤخرة الركب . لا تستطيع الكلماتُ اللينة ، ولا الجمل المدجِّنة ، ولا التعابير الباردة والأسلوب الذي يسري فيه مخدر الامتثال أن يعكسوا فداحة الوضعية . قد تكون كلماتي حادة ، عنيفة أحيانا ، مثيرة دون شك في حكم مجمع السادة المفكرين ، لكن القضية النبيلة التي يناضل في سبيلها كل مواطن حر يسكنه هدف سامٍ تتطلب منا جميعا حدا أدنى من الصراحة والنزاهة الفكرية حتى نكشف عن الحقائق المنكَرة ، ونوقظ العقول الغافية .
نعم أم لا ؟ هل نحن مطالبون ، باعتبارنا مواطنين مهتمين بمستقبل بلدنا ، بإدانة الغش والغشاشين ؟ نعم أم لا ؟ هل للملك الشاب الحق في الإصغاء لأصوات غير انتهازية قبل أن يحوله الميل الغريزي لكل أمير يتهالك الكل على إطرائه إلى طاغية غشوم؟
نعم أم لا ؟ هل يكون لهذا المركب التائه ، هذا المغرب الذي أصبح أمة متخلفة ، نصيب من رعايتنا ؟
فلتزحفوا على بطونكم يا أصحاب الهمم الخسيسة ! ولتصفقوا على ألعاب السيرك أيها المتفرجون الفضوليون ! أما نحن رجال العقيدة ونساءها، رجالا صادقين كنا أو فتيانا ، فلنا في الموضوع مقال ، ولنا للتبليغ رسالة . لذا نعلن مقالنا ونصدع برسالتنا ، غير آبهين بالضحالة السياسية التي لا ترى في كل مسلم ملتح أو مسلمة محتجبة إلا أفرادا من شرذمة من الوقحين تصدر كلمة نابية متمردة على المجاملة التوافقية النبيلة .
أسئلة محرجة :
مسكين هذا الملك الشاب ! إنه يرث تركة ثقيلة جدا ، وتطرح العديد من الأسئلة بشأنه ، ويشكل منعطفا ينتظر المنتظرون عنده بتلهف . ماذا يريد أن يفعل الملك الشاب الناهض حديثا إلى الحكم ؟
ماذا يمكنه أن يفعل ؟ هل يستسلم لسحر المدائح التي يكيلها له الوصوليون ؟ هل يسلم الزمام لسدنة الحكم ؟ هل ينهزم العقل أمام تقاليد الحكم المطلق الموروث ؟ هل سيظل محفوفا بالمتزلفين ، تتلاعب به أيدي الخونة ؟ هل تستمر هيمنة القوى الزارعة للتنافر والعاملة على تعميق الشقة بين المغاربة وتفريقهم إلى طبقات متدابرة ؟ هل يتحوَّل إلى هذا الوجه الجديد ، الذي يجسد في أعين الشبيبة المتحيرة وعدا بالخلاص ، توجُّسُ الشعب من النخبة السياسية ؟ ما الذي يستطيعه ملك مبتدئ مثقل بالأعباء ، مطالب بالإجابة عن سيل من الأسئلة الملحة ، ينوءُ به وِزر نظام يقوم على فكرة أن الملك قادر على فعل أي شيء ويجب أن يفعل كل شيء ؟
لن يستطيع شيئا إذا استسلم لترانيم سدنة العهد القديم ، وسلم مقاليد حكمه إلى الحسابات التناوبية لتتكفل “بترشيد” سير الأمور .
لكنه سيحقق الكثير إذا تسلح بالجرأة والعزم وأظهر للجميع قولا وفعلا أن الذي يقود القافلة ليس شخصا مائعا ، مدجنا ، تتلاعب به الأيدي الماكرة المتآمرة في دهاليز القصر المظلمة . فلنغض الطرف عن جنون العظمة الحاد الذي أنجبه زواج بئيس بين ديماغوجية عصرية ونخوة علوية ترعاها دار المخزن .
ولنكن صرحاء ! لنتكلم بلغة الأرقام الواضحة والمعطيات الواقعية المُحَسَّة !
يشتهر المغرب بكونه أسرة واحدة يغدق عليها نِعمَه ملك شع نوره على سائر أرجاء البلد السعيد ، أب عَمَّ حدَبُه كل المغاربة ، عقل تستلهمه الحكماء . فلطالما اجتهدت الآلة الدعائية المخزنية الحاذقة لتعرض في مسرح البهتان الأدلة “الدامغة” والصور “المشرقة ” لمغرب “الأمن والرفاهية” ، ولتَكيلَ للجياع من أفراد الأسرة المغربية الوعود والأحلام . أما المشاغبون المعكرون صفو الأمة فهم أعداء الشعب الممقوتون : أهل اليسار البارحة ، وهم اليوم الملتحون والمحجبات من أهل الإسلام .
أي أسرة تلك التي خرجت من رحم حقبة القبضة الأوفقيرية الجهنمية ، ثم بعده ملحمة تزممارت ، والاختفاءات التي يريدون تناسي عهدها ، والمحاكمات الصورية التي تسبقها صياغة مصائر المتهمين ؟
ثم استفحل وضع حقوق الإنسان في مغرب الأب “الرحيم” ، وبلغ حدا لم تعد معه الوضعية الداخلية والضغوط الخارجية تسمحان بغض الطرف عن الانتهاكات الصارخة لحقوق المعاندين المتصلبين من أبناء وبنات العائلة المغربية الناعمة برعاية أب الأمة .
وفي ظل هذه الأوضاع البوليسية التي انعدمت فيها كل رقابة ، اغتنمت الذئاب المحتمية بصاحب الصولة والصولجان ، فعربدت ورتعت وكدست … بما أنك خليل صَفِيٌّ للنظام فأنت في مأمن من كل محاسبة ، ولك كل الحقوق ! أما أفراد الأسرة (المحبوبون جدا) ممن لا سند لهم ولا معين ، ففي جعبة الحاوي ما يلهيهم عَمَّا هُم فيه ، إذ كلما طفح الكيل بهم أخرج لهم من كُمِّه أرنبا ، كما يفعل البهلوان ، يستغفلهم ثم ينسل هاربا من مشاكلهم .
أتقنت الآلة فن إنتاج البؤس للجميع والغنى الفاحش لأهل الحظوة ، أتقنت فن الإنعام على المقربين ، وللعصاة المتمردين العصا !
قضايا ملحة :
يرث العاهل الشاب -الذي يجب أن لا يستسلم لنشوة الحماس المؤقت- مشهداً تسوده الفوضى العامة ، والبؤس الذي هو نصيب الأغلبية العظمى ، والترف الفاحش لحفنة من المحظوظين ، والرشوة التي أصبحت تقنية للتسيير والحكم ، والتلاعب بالانتخابات الذي أضحى مؤسسة وممارسة ديمقراطيتين .
وفي النهاية ، ألفى النظام نفسه غارقا في إفرازاته ، مضطراً إلى البحث عن مخرج يقيه الكارثة . وهكذا طال التفاوض بشأن “التناوب التوافقي وميثاق الشرف” قبل أن تعقد الصفقة … بالشروط التي نعرفها جيدا .
لكن الملك الشاب ، رمز الغد الواعد ، ليس مسؤولا عن خطايا الآخرين وجرائمهم ، ففي قلبه يسكن العطف على المحرومين بدليل بساطته واستقباله الحفي للحشود من ذوي الحاجات الذين يصطفون على بابه كل يوم تطلع عليهم فيه شمس الظلم الاجتماعي الملتهبة .
اليوم ، وبعد أن أصبح الأمير الطيب ملكا يُخْطَبُ وُده ويُحسَد على مركزه ، أصبح لزاما عليه أن ينفخ في الآلة روحا جديدة ، وأن يعيد تنظيم العلاقات استعدادا لاِنطلاقة جديدة .
لا بد أن يستفرغ الملك وُسعه ، كامل وسعه ، وإلاّ سيكون من العبث انتظار انبثاق نتائج عميقة من خطوات هامشية وجزئية . لابد من فعل يؤسس ، فعل يمنح الشرعية لتسيير جديد للدولة ، لمنهج جديد في الحكم ، لعدالة أخرى ، لتعليم راشد ، لعدل اجتماعي يلغي الامتيازات ويقارب ويسدد بين جانبي الهوة السحيقة الفاصلة بين الحفاة العراة والسادة الذين يرفلون في النعيم .
لابد من النهوض بالاقتصاد وتشجيع الاستثمار المنتج المُوَفِّر للشغل…
لا بد أن تطبع الأحداث بطابع جديد . ويبدو الأسلوب الجديد للملك الشاب خطوة في هذا السبيل ، لكن الساعد الذي يريد تشغيل المحرك المغربي يحتاج إلى القوة . لابد للعقل الذي يصبو إلى الإتقان من الزاد الروحي ، ولابد للطموح الناشئ من غاية سامية ورافعة روحية . لا مناص من إعادة النظر في النظام بأكمله . لا بد من وضع القطار على سكة جديدة . ولذا لا بد من قاطرة قوية ويد حازمة . لا بد من مراجعة شاملة ، فوراء الواجهة المزينة يوشك البنيان أن يَنْقَضَّ .
وقد أصبحت الضرورة تفرض التدخل العاجل والحاسم قبل أن يتلقى البناء المنخور ضربة قاضية من أحد هذين الاستحقاقين : مسألة الصحراء وانفتاح السوق العالمي بعد عشر سنوات .
فقضية الصحراء ليست سوى إرث مسموم خلفه العهد الغابر ، إرث خلفته سياسة التعاظم الدائسة على كرامة الرعية . إخواننا الصحراويون بين خيارين لا ثالث لهما :
* الخيار الأوّل أن يخضعوا لملك وَطأَ بالقوة أكناف عرشه وألقى إليهم أمره بالركوع له حسب تقاليد البيعة المخزنية المقيتة . طقوس بهلوانية لا تمت بأية صلة إلى الميثاق الإسلامي الجليل الذي يلزم الشعب الحر بطاعة الحاكم ويلزم الحاكم المنتخب بالعدل نحو الرعية . إن الحكم العاض الذي يلقي للمسلمين الأمر بالركوع لغير الله وصمة عار على جبين التاريخ الإسلامي الذي يطبعه الاضطراب . وهكذا ، تم إخضاع الصحراويين -ذوي الأنفة والإباء- للمراسيم المخزنية ، ورأينا على الشاشات هامات شيوخ القبائل تنحني أمام الجلالة المتصلبة المستعلية . يا للإذلال ! أي جرح غائر أصاب عزة قوم ما برحوا متمسكين بالإسلام !
* الخيار الثاني أن يصغوا إلى نداء العصابات المسلحة التي تخاطبهم بلغة العزة . فهل يا ترى سيصوتون في الغد القريب لمغرب موحد مسلم حقا ؟ مغرب تعاد صياغته وبناؤه ، أم أنهم سيعتبرون من الإهانة التي لحقت بهم سالفا ومن القمع الوحشي الذي مورس عليهم مؤخرا فيختاروا الكرامة والحرية وينضووا تحت اللواء الآخر ؟
* امتصت رمال الصحراء ملايير الدولارات التي أنفقت في تشييد مدن حديثة جديدة ، وازداد فقر المغرب ، وتضاعفت ديونه . لم تفلح سياسة الفخفخة المستكبرة إلاّ في تعميق الهوة بين عضوين من جسد واحد ، من شعب واحد .
لا بد إذن أن نراجع انتماءنا الإسلامي الذي نصدح به نهارا ولا نخجل من طعنه ليلا .
أما نحن ، فقد ظل موقفنا من القضية واضحا ، لا التواء فيه ولا لبس ، وهو التشبث بوحدة الشعوب المسلمة عَبْرَ الحدود الغاشمة الموروثة من تاريخنا الاستعماري ، قديمه وحديثه .
أما القضية الكبرى الثانية فهي ما يُخشى علينا أن تُهْوي فيه السوق المفتوحة بسيوفها و نحن عُزْلٌ لم نتهيَّأ للنزال . وسيتبدَّى لنا ضَعفنا أمام الحرب الاقتصاديّة الوشيكة من خلال الإحصائيات المبينة لموقع المغرب في الخارطة العالمية .
إن الحديث عن المبادئ يظل فضفاضا ما لم تعضده المعطيات الواقعية ، وإن المبادئ سرعان ما تنفلت إذا لم تقيد بمهمة محددة ينهض بها ضمير حي . لذا نسرد بعض الأرقام ، علَّنا ندرك مدى خطورة الوضع ، وضخامة الجهد ، وعلو الهمة التي ينبغي أن يتحلى بها من يحاول التغيير حتى يتمكن من الصمود للضربات العنيفة التي سيتلقاها أثناء الطريق .
لست هنا نذير شؤم تُذْعِرُه المخاطر الواقعة والمحتملة ، بل يدفعني إلى ما أقول واجبي بوصفي مسلما أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر .
فمنذ فترة ليست بالقصيرة ونحن ندين الأساليب الجبرية التي تُنَصِّب على قمة الهرم السلطوي رجلا يحتكر الحق في تسيير شؤون البلاد والعباد حسب هواه ، فلا أمر إلاّ أمره ، ولا علم إلاّ علمه ، ولا مال إلاّ ماله .
أما الدستور الممنوح والمرمم بين الفينة والأخرى حسب ما استجد من ذوق أو هوى ، فليس سوى صيغة حديثة للفرمان الإمبراطوري التقليدي . وهكذا ، بحكم الدم الذي يجري في عروقي والإنجاز العظيم الذي حققته حين تفضلت على الناس ببروزي للوجود مولوداً مقدساً ، لي الحق في أن أتحكم في مصائر العباد وأن لا يكون خلاصهم إلاّ على يدي !!!
إحصائيات تنذر بالإفلاس :
هاكم ثمرات هذا المنهج البديع ، منهج التحكم الاستبدادي :
تصنف إحصائيات الأمم المتحدة الدول حسب مؤشر نموها البشري ، ويقبع المغرب في المرتبة 125 متخلفا عن جيرانه -خاصة تونس والجزائر- الذين يسبقونه بعدة مراحل . إنجاز رائع ونتائج باهرة !
10ملايين مغربي يعيشون فقرا مدقعا بأقل من عشرة دراهم يوميا .
ثلاثة أرباع المغاربة العاملين لا يحصلون على الحد الأدنى من الأجور بالمغرب أي 1660 درهم في الشهر .
أصبحت أحياء الصفيح مسكنا طبيعيا لعدد كبير من المغاربة يتضاعف بسرعة .
في المغرب تتفاوت الأجور ما بين 1 و 1000 (بثلاثة أصفار) بينما لا يبلغ بل يقل أحيانا هذا التفاوت عن نسبة 1 إلى 10 في أوربا .
23% من الشبان المغاربة غارقون في مستنقع البطالة . شبيبة تتخدر لتنسى أو “تَحْرِكُ” هربا من البؤس الجاثم . لمن لا يعرف العامية المغربية ، “تَحْرِكُ” أي تفر من البلد مُبْحرة نحو لهيب الألم أو قَرِّ الموت .
أكثر من 100.000 متخرج من التعليم العالي (أطباء ، مهندسون ، أساتذة ، تقنيون متخصصون) يجترون يأسهم في مقاهي أحيائهم أو يتظاهرون في شوارع العاصمة .
%53 من المغاربة (وهو الرقم المعترف به رسميا) أميون تسوقهم الدعاية الرسمية أو المزايدة الحزبية بكل سهولة : ففي بلادنا يتواطأ بؤس الناخبين وخبث المنتخبين يمالئهما فساد الإدارة البوليسية على تحويل انتخاباتنا إلى مسخرة مأساوية .
بين سندان الرشوة ومطرقة العولمة :
أزكمت رائحة الفساد كل الأنوف الحية بعد أن أصبحت الرشوة منهج حياة . فالكل يمد يده ، ابتداء من العون الواقف عند أسفل درجة في السلم الإداري ، وانتهاء بالسادة المتربعين على قمة الهرم ، كل حسب تعريفته ، بدءا من الورقة الحمراء إلى الظرف المكتنز . أما الشيك المحول إلى رصيد في البنك السويسري ، فهو وسيلة الأداء النظيفة لمن علا في سلم السلطة .
لا عجب إذن أن يتوجس المستثمرون الأجانب إذا ما خاطروا بأموالهم في بلادنا ، خاصة بعد أن صارت بذكر جهازنا القضائي الركبان : فعلى أبواب المحاكم ، يَعقد وسطاء السوء صفقات بيع الذمم ، ويتفاوضون بالنيابة حول الحكم الذي يرضي الزبون … كأنهم يبيعون ماشية في السوق .
فإذا ما أضفنا إلى كل العلل التي تنخر كيان إدارتنا البطءَ المكتبي ، ومماطلة المسؤول الذي لا يمكن أن يتحرك إلا بعد أن “تدهن” يده “دهناً” معتبراً ، فإننا ندرك سبب إعراض المستثمر -الضروري لاقتصادنا- عن بلدنا .
إنها مسالة حياة أو موت . فالأمر يتعلق بتشجيع إقلاع اقتصادي يضمن لنا حضورا تنافسيا في السوق العالمية . فكيف إذا يمكننا تحقيق ذلك ومؤسساتنا وجهازنا القضائي وإدارتنا في أوضاع مخزية ؟ كيف نقنع الأجانب بالاستثمار في بلدنا والإجراء الإداري البسيط يقتضي شهورا أو سنوات ؟ فإذا كانت عملية التوقيع على ملفك لا تستغرق سوى ثلاث أو أربع ساعات في أوربا الغربية ، ففي بلدنا عليك أن توطن نفسك على الصبر والانتظار بحكمة إلى أن يرضى الوسيط المقرب من الدوائر العليا عن حصته من أسهم شركتك ، أو تصحو من غفلتك و تفيق من مثاليتك . لكي تستثمر في المغرب ، عليك أن تحترم “قانون القهيوة” من أَسفل السلم الإداري إلى أعلاه ، عليك أن تحدد اختيارك الإداري من الأول : “القهيوة” أو القيام برحلات ماراطونية بين هذا المكتب وذاك ، بين هذه المصلحة وتلك دون أن تكون متأكدا من النتيجة !
…والمخدرات
كيف نجابه عولمة تدق على الأبواب -إن لم تكن قد جاوزت العتبة- بشباب تعبث به المخدرات ؟ هذا ملف ساخن ينبغي أن لا نتجاهله .
إن الحديث عن المخدرات في المغرب شائك : إنها سرطان متجذر لا أمل في استئصاله مادام النظام فاسدا ، ومادام جشع أباطرة المخدرات مستفحلا ، ومادام فلاح الأقاليم الشمالية معتمدا على زراعة القنب الهندي . هذه العوامل تكرس إنتاج هذه البضاعة وتسويقها ، فتتسع دائرة المقبلين عليها في بلدنا . لطالما أدانت وسائل الإعلام الأوربية المشاركة المخزنية لشخصيات مقربة جدا من النظام في تجارة المخدرات ، ولا عجب !
هنا أنقل معطيات وإحصاءات استقيتها من الإعلام الغربي مضطرا . فما دامت “الشفافية” قد جفَت ديارنا ، فلا محيص لنا من الإصغاء إلى ما يقوله عنا الآخرون ، لا مناص لنا من طلب الخبر من الأمم الحُرَّة المدركة لخبايا الأمور . إذ كيف السبيل إلى التحقق من الخبر والأفواه مكممة والآلة الدعائية الرسمية تروج الأكاذيب ليل نهار ؟
لكن لِمَ الاستشهاد بالصحف والإصدارات الأجنبية التي لم تكن أبدا لطيفة مع الملك الراحل ؟ إن الأحداث التي تنقلها هيئات جادة تبتعد عن الارتزاق و الذيلية في هذا الصدد تثير الاشمئزاز . غير أني بنقلي هذه المعطيات والإحصاءات لا أريد أن ألقي بالأرقام المخزية فريسة تنهشها الألسنة الفارغة . فقد أفضى الأموات إلى من سيحاسبهم ، وبقي الأحياء يتجرعون جيلا بعد جيل مرارة الكأس التي سقاهم إياها أسلافهم .
يجب أن يعرف الشعبُ المضروبة عليه أسوار التعتيم والتجهيل حقيقة ما يجري . يجب أن يعرف حتى ينحسم كل حبل يعلق قلبَه بحكم الجبر. يجب أن يعلم الشعب ويدرك مدى فظاعة جرائم الحكم المتسلط ليلفظ الطواغيت ويتسلح بتعاليم الإسلام المقدسة ليتحرر من نيرهم .
حذرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم من حكام العض ، ولفظ “العاض” يعبر جيدا عن منهج الجبر في الحكم .
ونحن حين ننقل “المنجزات” المخزية لحكامنا ونصوغها بالتعابير الحادة والألوان القاتمة لا نثأر لمظلمة أصابتنا منهم . القلوب المرتعدة والهمم الخسيسة هي التي تتكالب على الأجساد الباردة . نحن نعتبر بما صار إليه الأموات ، ونستنكف أن ننهش لحومهم ، لكن لابد أن ننقب عن الحقيقة ونصدع بها . فلا نامت أعين الجبناء !
حقائق مرة :
علينا أن نعرض الحقيقة على النفوس الأصيلة ، الحقيقة الصريحة العارية بدل أن نقدم إليهم الأطباق المتَبَّلة بالبهتان . أما المنافقون الكَذَبة الذين لا يخشون الله ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر فليسوا سوى عناكب بشرية غارقة في وحل الهموم الدنيئة ، تتلاعب بها دوامة حياة عدمية لا معنى لها ولا قيمة . أرجو أن يكون محمد السادس من ذوي النفوس الأصيلة . أما هؤلاء المحبوسون بين جدران حياتهم اليومية المتضايقة ، فلا يستحقون إلاّ أن يكونوا حصبا لجهنم ما لم يتوبوا إلى الله .
سيقف الحسن الثاني ، ومحمد السادس أيضا ، أمام الملك الديان الذي سيسألهما عن السور المضروب بين شعب مستضعف وحفنة من الانتهازيين المتملقين : من الذي بناه ؟ ومن الذي رعاه ؟
الكل يعلم … باستثناء الشعب الأمي الذي أذهلته لقمة العيش عما يدور في بلده . ما فتئت الصحف والمنشورات الأجنبية تعرض عمليات النهب الممنهج التي تقوم بها السلطات المغربية للثروات المغربية . من يجهل من المثقفين المطالعين للصحافة الأجنبية أن الأونا (O.N.A.) -هذا الأخطبوط الممتدة أذرعه الذي كان الملك الراحل (المفتقر إلى رحمة ربه أكثر من أي وقت مضى) يمسك بخطامه- تمثل قسطا هاما من الثروة الحسنية . استندت هذه المؤسسة على الامتيازات التي منحها لها الملك السابق لتحتكر الأسواق وتستحوذ عليها . و بِذا أصبحت هذه الإمبْراطورية الاستعمارية تنينا برؤوس متعددة تضخ -ولا تزال- أرباحا خيالية في الأرصدة القارونية للجلالة الراقدة اليوم تحت التراب .
كان المغرب بأكمله مِلكا للوحش المقدس “أونا” ، أي للملك . واليوم تنتقل هذه الثروات المكدسة طيلة أربعة عقود إلى الورثة الذين سيضيق عليهم الخناق يوم أن يسأم الشعب المستنزف من الهمس ويحطم جدار الصمت مطالبا الأحياء بحسابات الأموات . ويومها سيكون محمد السادس على رأس المطلوبين طبعا .
كانت أونا ولاتزال تهيمن على اقتصاد البلاد باعتبارها رأس حربة الممتلكات الحسنية المقدرة بملايير الدولارات . وكان الملك الراحل -غفر الله له- يفتخر بأنه فلاح ينتمي لأسرة الفلاحين . استهزاءٌ بالألقاب أم تهكم صريح ؟!
لم يفلت أي قطاع من قبضة الجشع الملكي زراعةً كان أو صناعة غذائية أو سياحة (كانت الفنادق الفخمة جدا التي تستقبل ضيوف “صديقنا الملك” ضمن الحصيلة “الهزيلة” لممتلكات فلاحنا المسكين) أو أبناكا أو تأمينا أو مصانع سكر أو نفطا أو هندسة مالية أو مقاولات عمومية أو شركات منجمية أو صيدا بحريا أو صناعة كيماوية أو طباعة أو نقلا أو نسيجا … والقائمة تستعصي على الحصر . لقد أصبحت “أونا” مُجَمَّعا ماليا يستفيد من امتيازات هائلة .
كانت الأرباح الخيالية (المحلية طبعا لأن الجزء الأهم من المداخيل والأموال الملكية اتخذت الغرب لها مستقرا ومستودعا) التي يحصل عليها الملك تجتهد في الاستتار عن أعين الأهالي الفضولية . وحين استبد جنون العظمة بالفلاح المسكين فتاق إلى بناء واحد من أضخم وأفخم المساجد في العالم ، سلط زبانيته على الفلاحين الفقراء الحقيقيين يسلبونهم دراهمهم المعدودة . وهكذا تشتغل الآلة المخزنية الغاشمة العتيقة في وضح النهار ، بينما يذر النظام “العصري” الرماد على العيون حين لا يفتأ يتحدث عن الديمقراطية والدستور …
الحدائق الشيطانية :
كان للملك الراحل رحمه الله حسب تعبيره “حديقته السرية” التي كان له الحق وحده في زراعتها . كانت له مقابر خاصة يدفن فيها “النباتات الفاسدة” من رعيته . كانت له مستودعات للموت يدفن فيها حيا كل من نجا من محاولات الاغتيال أو أفلت من أحكام الإعدام .
حدائق الموت المخزية كانت تستتر خلف الابتسامة اللطيفة المعروضة على الجمهور . وتمتد لائحة المنجزات اللصيقة بكل ذي طبع شحيح : فالحسابات الملكية في الأبناك الأجنبية مفتوحة بأرقام سرية أو أسماء مستعارة . والاستثمارات الأجنبية بالخارج لا حصر لها ، بحيث لا يقدر صاحبها نفسه على التحكم فيها ، بل إنه لا يدري كم عدد المقاولات والقصور والأسهم -سواء كانت في الزراعة أو البورصة أو العقار- التي يملكها . هل ما نقوله اتهامات افترائية مغرضة من صحافة أجنبية أو أنه عين الحقيقة التي يجري التكتم عليها ؟
يذهل العقل أمام هذه الأرقام المكدسة ، لكن إذا عرف السبب بطل العجب . ففي سنة 1994 نشر المرصد الجغرافي للمخدرات تقريرا سريا اتهم فيه بصفة مباشرة بعض المقربين -بل الخلصاء- من الملك الراحل ، وأشار إلى أنه أول راع لهذه التجارة ومستفيد منها .
كيف نعلم ؟ كيف نتحقق ؟ لِمَ الحديث عن هذه الأمور الآن ؟
لا يزال ستار التعتيم مسدلا على القضايا المشبوهة في هذا البلد الذي يُغَلِّق منافذه ، ولا يفتأ يحتج على نشر بضع نتف من الحقيقة في الخارج ، مؤكدا أن الديموقراطية الحسنية هي المثال الذي يجب أن يُحتذى . ظلت اليد الحديدية تخنق أنفاس البلد إلى أن اضطر الذين استماتوا في إنكار وجود “تزممارت” إلى الاعتراف بالواقع بعد أن توالت شهادات نزلائه السابقين على بشاعة الأسرار المدفونة في “الحديقة السرية للملك” .
يقف الماضي حائلا بين المزاعم والوقائع ، بين الكذب والحقيقة ، مثلما يحول الماضي الاجتماعي بين المغرب الفقير والنخبة الفاحشة الثراء التي أغدق عليها الملك الراحل رحمه الله الامتيازات هو وبطانته الفاسدة المفسدة .
يقف الاقتصاد المنكوب شاهدا ، وتقف القصور الملكية التي أجلى عنها الملك الشاب بكل شجاعة قطيعا من الخدم كانوا دائما على أهبة الاستعداد لاستقبال الملك الراحل ، متوجسين خيفة دائما من أن يطردهم سيد بطاش بالمستضعفين ، كريم مضياف مع زواره المتألقين .
عزيزي القارئ ، أخي وأختي ! يا من تقرؤون كلماتي ! لا تحسبوا أن حدة ألفاظي وشدة خطابي نابعتان من مرارة طالما كتمتها في العهد الغابر ، بل هي الحسرة على الإسلام المكلوم والحق المهضوم وبلدي المخدوع ترفع من حدة قلمي !
يشهد الله جل جلاله أنني لست حاقدا على الراحل ، بل إنني أتمنى له الخلاص الأبدي في الدار الآخرة . لكن للأحياء الذين طال امتهانهم وخداعهم وكبت أنفاسهم الحقُّ في كشف الغطاء عن الغموض الذي يكتنف البلاد حتى لا يَنزلق القطار ، ولكي تكون عبرة الماضي منارا يقود سيرنا نحو المستقبل .
فلنخاطب ولي العهد -الذي أصبح فجأة ملكا بعد رحيل أبيه العبد المذنب- خطاب الحكمة والعبرة ، لنحدثْه عن الأمس والغد ، عن الخلود بعد الموت ، لننظر هل له من الهمة ما يؤهله لأن يكون بانيا لعهد جديد . أم أنه مجرد ابن لأبيه ؟ ظِلٌّ عابر للتاريخ ؟ شخصية انتقالية ؟
...
يتبع ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.