صدق محمد الطوزي أحد أعضاء لجنة وضع الدستور في حوار له منذ سنتين حين قال إن «تأويل الدستور يتوقف على موازين القوى بين المؤسسات وفي المجتمع». ذلك ما تأكد بعد مرور سنتين على الدستور الجديد والذي أعاد النقاش حول الملكية التنفيذية إلى نقطة البداية. رغم أنه في الدستور الذي تم إقراره في الفاتح من يوليوز 2011، تنازل الملك عن بعض الصلاحيات أو صار يتقاسمها مع الحكومة أو البرلمان وأن الصلاحيات الملكية ليست مطلقة، بل تخضع لتقييدات دستورية وإجراءات مسطرية تفرض على الملك أن يعود إلي رئيس الحكومة أو رئيسي مجلسي البرلمان أو رئيس المحكمة الدستورية، أو استشارهم مجتمعين. وفي الوقت الذي اعتقد فيه المتتبعون أن الوضع الدستوري الجديد نظام دستوري بنفس برلماني ينهي زمن الملكية التنفيذية، فإن موازين القوى أعادت التفسير الدستور إلى البداية لتبقي على الملكية التنفيذية وتقضي على طموحات ملكية برلمانية أو على الأقل شبه برلمنانية لتمهيد الطريق نحو ربط المسؤولية بالمحاسبة.
رئيس الحكومة تنازل للملك طواعية عن عدد من اختصاصاته خاصة فيما يخص سلطات التعيين في الكثير من المناصب العليا وإن كانت لا تكتسي صبغة استراتيجية مرتبطة بصلاحيات الملك التحكيمية والضمانية والسيادية.
بالمقابل، فإن مشروع القانون التنظيمي الذي أعد لتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، وضع شروطا صارمة على الفصل 48 من الدستور الذي ينص على أنه «للملك أن يفوض لرئيس الحكومة، بناء على جدول أعمال محدد، رئاسة مجلس وزاري» بالتنصيص على أن يتم هذا التفويض بموجب ظهير شريف، واشترط القانون الجديد أن يرفع رئيس الحكومة في حالة رئاسته للمجلس الوزاري، عند انتهاء أشغاله، بيانا مفصلا بنتائج مداولات المجلس إلى علم الملك، كما أن التفويض ليس على بياض، ولكن المشروع، اشترط اعتبار القرارات الصادرة عن المجالس الوزارية التي يحتمل أن يرأسها رئيس الحكومة دون جدوى ولا تنتج عنها أي آثار قانونية من دون مصادقة جلالة الملك.
ورغم أن ابن كيران منذ تعيينه وزيرا أول كان قد اقترح تعيين عبد الله باها نائبا له وتم رفضه لأنه غير منصوص عليه في الدستور، فإن المشروع السابق منح للملك حق تعيين نائب لرئيس الحكومة، من بين الوزراء باقتراح من هذا الأخير لمدة معينة ولممارسة مهام محددة، رغم أنه برتوكوليا فإن وزير الدولة الوحيد في الحكومة أي عبد الله باها هو من يحتل الرتبة الثانية في قائمة أعضاء الحكومة وأوتوماتيكيا يمكنه النيابة عن رئيس الحكومة.
مسلسل التراجعات يمكن تفسيرها بموازين القوى التي أضعفت العدالة والتنمية ومعها رئيس الحكومة، خاصة بعد وضعية الإسلاميين في دول المنطقة، وأصبحوا في المغرب حريصين على مجرد البقاء في الحكومة حتى لا يؤول مصيرهم كإخوانهم في مصر وتونس، بالمقابل فالملكية بعد أن انحنت لعاصفة الربيع الديمقراطي جنت الثمار وبدأت في استعادة مكانتها ليس الرمزية فقط بل استعادة اختصاصات حرص مهندسو الدستور على تركها تحت رحمة موازين القوى وما تشتهيه سفن وربابنتها وليس رياح موجات الديمقراطية.