قال الداعية الإسلامي عمرو خالد إن للإنسان في الدنيا احتياجات كثيرة، قد تكون بسيطة، أو كبيرة مركبة، مثل الأكل والشرب، العاطفة، المال، النجاح، الزواج. وأضاف خالد في الحلقة السابعة عشرة من برنامجه الرمضاني "الفهم عن الله – الجزء الثاني" أن الإنسان بحاجة إلى من يحتويه، ويحتضنه، احتواءً فكريًا ونفسيًا ومعنويًا وروحيًا، لأن الدنيا كلها ابتلاءات، وبدون احتواء يتراكم الشعور بالوحدة والضعف إلى أن يؤدي بالشخص إلى الإصابة بالاكتئاب. ووفق المتحدث ذاته فإن الاحتواء لا يقتصر فقط على المرأة، بل الرجل أيضًا بحاجة إلى الاحتواء، وهذا هو سر حب النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة خديجة، التي عملت على احتوائه في وقت كانت تريد قريش أن تقتله لمنعه من نشر الإسلام، إذ كانت تتمتع بمجموعة من الصفات، مثل: الذكاء، الطيبة، القوة، الحنان، الفخامة، التواضع، الغنى، والكرم. لحظات الضعف والوحدة أوضح عمرو خالد أن الإنسان في قمة لحظات الضعف والوحدة لا يحتاج إلى احتواء البشر، لكن بحاجة إلى احتواء الإله، لأن احتواء الله أكبر بكثير من احتواء كل البشر، فهو القريب المجيب، أقرب إليك من حبل الوريد. وشرح خالد معنى اسم الله القريب بأنه سبحانه أكثر من يشعر بالإنسان، "لأنك عبده وهو خالقك، اذهب إليه بشكواك ووجعك وسيحتويك، فالشكوى إلى الله عبادة.. (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)، وهو أعلم بضعف الإنسان.. (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)، فكأنه يقول لك أنت ضعيف لا أريدك أن تستسلم لضعفك، أقبل عليك من أجل أن أحتويك وأعوضك". أجمل قصة للاحتواء الرباني وروى خالد قصة السيدة مريم، كنموذج وقدوة لكل شخص يعاني من الوجع في الحياة، ومن الضعف والوحدة، حتى يعبد الله من أجل أن يحتويه بحنانه ويرسل له من يحتوي عواطفه، وبخاصة للنساء من سن 16 إلى 30 عامًا. وأكد المتحدث أن حياة السيدة مريم كانت مليئة بالمصاعب، فقد نشأت يتيمة الأب، وأمها كبيرة في السن، وكفلها زوج أختها سيدنا زكريا، وبعدها ماتت أمها، وعندما أنجبت سيدنا عيسى اتهمها بنو إسرائيل في عرضها (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا). وأضاف الداعية: "بعدها تعرض سيدنا عيسى للاضطهاد من الرومان فكان الحل الهجرة والترحال في الأرض من فلسطين إلى مصر، لذلك سمي المسيح، لأنه يسيح في الأرض، ولم تستقر أمه مريم، وحرمت من الحياة المستقرة، ولم تعش حياة زوجية". وأوضح خالد أنه "عقب ذلك رفع المسيح إلى السماء، لتعاني مريم كثيرًا وحيدة أغلب عمرها، فاختارت العبادة لتصل إلى الاحتواء الرباني، وكانت كثيرة الصلاة، خاصة السجود (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ* يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ). خادمة العباد بين عمرو خالد أن الأمر الآخر الذي أقدمت عليه السيدة مريم لتخرج العاطفة هو العمل الخيري، إذ كانت تخدم بيت المقدس، وتساعد الناس، وأصبحت خادمة العباد، وعندما عبدت وسجدت وصلّت بدأ الاحتواء الرباني لها (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)، وزاد هذا الاحتواء، إذ حصلت لها كرامات وتمتعت بهدايا رائعة مباشرة من الله (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً)، إذ يقول المفسرون إنها كانت تجد الفاكهة في غير أوانها. وذكر المتحدث أن الله تعالى أرسل لمريم من عباده من يكفلها، أي يحتويها (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)، وزاد مفسرا: "قالوا: نقف عند مجرى النهر، وكل واحد يلقي بقلمه وفاءً لأبيها الذي كان يعلمهم بالقلم، ووقع الاختيار على زكريا". وأشار الداعية إلى أن آخر احتواء من الله لمريم أنه أعطاها عيسى هدية منه (فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡٔٗا فَرِيّٗا* يَٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا* فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا* قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا* وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَتِي وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِي جَبَّارٗا شَقِيّٗا* وَٱلسَّلَٰامُ عَلَيَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيّٗا). وأوضح خالد أن احتواء الله لمريم استمر حتى بعد موتها، فهي الإنسان الوحيد الذي اجتمعت كل الأديان على حبها، وهي المرأة الوحيدة التي ذكرت في القرآن باسمها، ولها سورة باسمها. أشكال احتواء الله للعبد قال عمرو خالد إن أشكال احتواء الله للعبد مباشرة كثيرة، ومنها العشر الأواخر، التي فيها ليلة القدر، وأيضًا العمرة، حيث تشعر بالأمان والاطمئنان فور دخول المسجد الحرام (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا)، ومن ثم ترغب في معاودة زيارته، وأضاف: "السجود احتواء، والذكر احتواء (أنا جليس من ذكرني)، والمدينة المنورة حضن واحتواء، مسجد النبي صلى الله عليه وسلم احتواء، الروضة الشريفة أجمل احتواء، غار حراء تركيبته احتواء للنبي". وذكر المتحدث أن الصلاة احتواء، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفزعه أمر هرع إليها. وروى الداعية قصة فتاة مصرية تدعى نورهان عماد، عانت من يتم الأب والأم معًا، ولم ينجبا غيرها، واضطرت للاعتماد على نفسها في الحياة، وكان أكثر ما يوجعها أن تفطر وحدها في رمضان، إلى أن دعت هذه الدعوة "رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ"، وقد استجاب الله لها، فلم تفطر في رمضان من بعد مرة وحدها. ووصف خالد التوبة بأنها من عجائب احتواء الله لعباده، (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ).. احتواء رباني من الله لك حتى لا يفترسك الشيطان أو تتعرض لجلد الذات (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ)، وأشار إلى أن الاحتواء في القرآن له اسم آخر، هو الإيواء، فلا تأتي كلمة الإيواء في القرآن إلا مع الضعف الشديد، كما حدث في يوم الخندق. قاعد اليوم: ختم خالد بذكر القاعدة، وهي: اعبده ليحتويك برحمته وحنانه، فأنت بغير احتواء الله لك ضعيف وحيد في هذه الحياة، فإما أنه يحتويك مباشرة أو يرسل إليك من عباده من يحتويك.