أخنوش يرد بقوة على تقرير مجلس الشامي: الحكومة تبدع الحلول ولا تكتفي فقط بالتشخيص    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    تصفيات المونديال.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه نظيره الجزائري    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    متضررة من لقاح كورونا تشيد بالقضاء المغربي .. ووزارة الصحة تستأنف الحكم    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    السلة: الوداد في صدام قوي أمام المغرب الفاسي    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    محمد عاطف يكشف ل"القناة" تفاصيل جديده الفني "جايا"    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والجزائر ضمن تصفيات مونديال الفتيات    الرباط.. حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية للحج    العثماني يلتقي قادة حماس في الدوحة    ما الذي سيتغير إذا منحت فلسطين صلاحيات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؟    الشبيبة التجمعية تستقبل شبيبة حزب مؤتمر التقدميين النيجيري    السجن سنة ونصف للمدون يوسف الحيرش    تطبيق صيني للتجارة الإلكترونية بأسعار منخفضة "قياسية" يثير الجدل بالمغرب    "إنرجيان" اليونانية تشرع في التنقيب عن الغاز بالعرائش بترخيص ليكسوس    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    إصدار الحكم في قضية الدولي المغربي محمد الشيبي بمصر في 30 ماي    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    حزب فيدرالية اليسار الديموقراطي بسوق السبت يرفض سرية اجتماعات المجلس البلدي ويدين "منع" المواطنين من حضور دوراته    القضاء على عدد من الإرهابيين في غرب النيجر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    تقرير إخباري l أمريكا تُقرر رفع الرسوم الجمركية على واردات "الفوسفاط المغربي" بسبب استفادته من امتيازات حكومية    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    ارتفاع أسعار النفط بفضل بيانات صينية قوية وصراع الشرق الأوسط    أيوب الكعبي يواصل تألقه في دوري المؤتمر الأوروبي    فتيات المغرب يتطلعن لهزم الجزائر ببركان    وقفة احتجاجية لشغيلة قطاع الصحة أمام المندوبية الإقليمية للصحة ببني ملال    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    تشاد.. رئيس المجلس العسكري يفوز بالانتخابات الرئاسية    محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق وحماس تقول إن "الكرة بالكامل في ملعب إسرائيل"    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 38 مرشحا للهجرة غير النظامية    في 5 دقائق.. 3 زلازل تضرب دولة جديدة    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    اختتام القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بمشاركة المغرب    الصين تطلق قمرا اصطناعيا جديدا    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    شركات عالمية تتوجه نحو منع "النقاشات السياسية" في العمل    حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان    بركان تؤمن بالحظوظ في "كأس الكاف" .. ورئيس الزمالك يؤكد صعوبة المقابلة    تخصيص غلاف مالي بقيمة 98 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة لطنجة    حراس خواص يشتكون غياب الأجور    سعار عضال.. خيال مخابرات الجزائر في مقال    هل جامعات المغرب مستعدة لتعليق تعاونها مع إسرائيل كما أعربت جامعات إسبانيا؟    المحكمة الإدارية تقضي بأداء وزارة الصحة تعويضا لمتضررة من لقاح كورونا    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدي ‬المنجرة ‬.. عالم المستقبليات الذي ‬أُريدَ ‬له ‬أن ‬يكون ‬ماضيا

بعد ‬مسار ‬مليئ ‬بالعطاءات ‬والإنجازات ‬والكتب ‬والمحاضرات ‬تعكس ‬غيرة وخوفا ‬على ‬مستقبل ‬المغرب، توفي يوم الجمعة الماضي، المفكر المغربي وعالم المستقبليات المهدي المنجرة عن سن يناهز 81 عاما، إثر معاناة مع المرض.
‬عاش الرجل إلى حدود يوم الجمعة ‬طريح ‬الفراش، ‬أما ‬المسؤولون ‬الذين ‬طالما ‬أرقهم ‬كلامه ‬فإنهم ‬نسوه، ‬بل ‬تناسوه، ‬لأن ‬المرض ‬ناب ‬عنهم ‬في ‬منعه ‬من ‬محاضراته ‬التي ‬تزعجهم.
هسبريس تعيد نشر بورتريه الراحل الذي أعده الزميل إسماعيل التزارني في أبريل 2013.
في ‬سنة ‬1924 ‬كان ‬الطيار ‬امحمد ‬المنجرة ‬من ‬بين ‬المؤسسين ‬لأول ‬نادي ‬للطيران ‬في ‬المغرب، ‬بل ‬في ‬العالم ‬العربي، بعدها ‬بتسع ‬سنوات ‬قرر ‬المغرب ‬إجراء ‬أول ‬رحلة ‬جوية ‬في ‬اتجاه ‬الجارة ‬الجزائر، ‬لكن ‬الطيار ‬امحمد ‬اعتذر ‬عن ‬المشاركة ‬في ‬هذه ‬الرحلة ‬لأن ‬زوجته ‬حامل ‬على ‬وشك ‬الوضع. ‬هكذا ‬تخلف ‬عن ‬هذه ‬الرحلة ‬التي ‬شارك ‬فيها ‬صديقه ‬الطيار ‬المهدي ‬الصقلي ‬الذي ‬كان ‬من ‬أبرز ‬الوطنيين ‬آنذاك.
‬على ‬الساعة ‬السادسة ‬صباحا ‬طرق ‬ساعي ‬البريد ‬بالرباط ‬بيت ‬المنجرة ‬ليسلمه ‬برقية ‬وجد ‬فيها: "‬لقد ‬وصلنا ‬بخير ‬والرحلة ‬مرت ‬على ‬أحسن ‬وجه.. ‬تحيات ‬المهدي ‬الصقلي‮"‬، ‬وفي ‬الصباح ‬ذاته ‬من ‬سنة ‬1933 ‬وضعت ‬زوجة ‬الطيار ‬المنجرة ‬مولودا ‬ذكرا ‬قرر ‬والده ‬أن ‬يسميه ‬المهدي ‬تيمنا ‬بصديقه ‬المهدي ‬الصقلي.‬
ابن ‬الطيار
إنه ‬عالم ‬المستقبليات ‬المهدي ‬المنجرة ‬الذي ‬درس ‬بمدرسة ديكارت ‬بالعاصمة ‬الإدارية ‬الرباط، ‬وهي ‬من ‬أعرق ‬المدارس ‬الفرنسية ‬بالمغرب. ‬كما ‬تلقى ‬دراسته ‬الجامعية ‬بالولايات ‬المتحدة ‬الأمريكية ‬بجامعة ‬كورنيل، ‬حصل ‬على ‬الإجازة ‬في ‬البيولوجيا ‬والعلوم ‬السياسية ‬ثم ‬تابع ‬دراسته ‬بإنجلترا ‬وحصل ‬هناك ‬على ‬الدكتوراه ‬في ‬الاقتصاد.
كل ‬هذا ‬المسار ‬العلمي ‬للمنجرة ‬ساعده ‬في ‬أن ‬يتقن ‬علم ‬المستقبليات، ‬المجال ‬الذي ‬ألف ‬فيه ‬عددا ‬كبيرا ‬من ‬الكتب، ‬بل ‬وحاضر ‬فيه ‬في ‬العديد ‬من ‬الدول، ‬لكنه ‬بالمقابل ‬منع ‬أزيد ‬من ‬عشر ‬مرات ‬من ‬المحاضرة ‬بمدن ‬مغربية ‬من ‬طرف ‬السلطات.‬
سنة ‬1958 ‬كان ‬المهدي ‬المنجرة ‬من ‬بين ‬الأساتذة ‬الأوائل ‬الذين ‬قاموا ‬بالتدريس ‬بجامعة ‬محمد ‬الخامس. ‬وقبلها ‬بأربع ‬سنوات ‬فقط ‬كان ‬قد ‬شد ‬الرحال ‬إلى ‬لندن ‬لتحضير ‬الدكتوراه ‬في ‬موضوع ‬حول ‬الجامعة ‬العربية، ‬وفي ‬السنة ‬الموالية ‬أي ‬1955 ‬حصل ‬على ‬منحة ‬من ‬مؤسسة ‬روكفلر ‬مكنته ‬من ‬السفر ‬إلى ‬مصر ‬للالتقاء ‬ببعض ‬المسؤولين ‬في ‬الجامعة ‬العربية. ‬
وهناك ‬في ‬بلاد ‬الفراعنة ‬التقى ‬بأسد ‬الريف ‬المجاهد ‬امحمد ‬بن ‬عبد ‬الكريم ‬الخطابي، ‬كما ‬حظي ‬باستقبال ‬من ‬الراحل ‬محمد ‬الخامس ‬بباريس ‬وهو ‬في ‬طريق ‬عودته ‬من ‬المنفى ‬إلى ‬أرض ‬الوطن ‬قبيل ‬الاستقلال.
‬ليلتقيه ‬للمرة ‬الثانية ‬سنة ‬1959 ‬إذ ‬استقبله ‬الراحل ‬كأول ‬أستاذ ‬مغربي ‬بكلية ‬الحقوق، ‬وأصغر ‬الأساتذة ‬سنا ‬بها ‬وعينه ‬مديرا ‬للإذاعة ‬والتلفزة ‬المغربية ‬خلفا ‬لقاسم ‬الزهيري.‬
الكلب ‬والسفر ‬إلى ‬أمريكا
كان ‬المهدي ‬المنجرة ‬سنة ‬1948 ‬بأحد ‬المسابح ‬بمدينة ‬إفران، ‬حيث ‬كان ‬في ‬المسبح ‬عدد ‬من ‬المغاربة ‬والفرنسيين. ‬بينما ‬هو ‬هناك، ‬اقترب ‬كلب ‬من ‬المسبح ‬وبدأ ‬يشرب ‬من ‬مياهه، ‬الأمر ‬الذي ‬أثار ‬حفيظة ‬إحدى ‬النساء ‬التي ‬طالبت ‬بإبعاده.
‬لكن ‬أحد ‬الفرنسيين ‬خاطبها ‬قائلا:‬‮"‬إذا ‬كان ‬العرب ‬يسبحون ‬في ‬المسبح ‬فلماذا ‬نمنع ‬الكلاب ‬من ‬ذلك‮"‬ ‬وهي ‬العبارة ‬العنصرية ‬التي ‬أغضبت ‬الشاب ‬المهدي ‬المنجرة ‬لينخرط ‬في ‬مشادات ‬كلامية ‬مع ‬هذا ‬الفرنسي.
ولسوء ‬حظ ‬المنجرة ‬كان ‬هذا ‬الفرنسي ‬رئيس ‬فرقة ‬الأمن ‬الإقليمي ‬بإفران، ‬لذلك ‬لم ‬يتردد ‬في ‬اعتقاله ‬مدة ‬عشرة ‬أيام. ‬بعد ‬خروجه ‬من ‬الاحتجاز ‬أرسله ‬والده ‬إلى ‬الولايات ‬المتحدة ‬الأمريكية ‬لمتابعة ‬دراسته ‬هناك.‬
وهناك ‬في ‬بلاد ‬العم ‬سام ‬أسس ‬النادي ‬العربي، ‬وعمل ‬مديرا ‬للمجلس ‬الدولي ‬للطلبة. ‬كما ‬كان ‬أحد ‬مؤسسي ‬النادي ‬الشرقي ‬وعضوا ‬في ‬جمعية ‬من ‬أجل ‬عالم ‬جديد، كل ‬هذه ‬الدينامية ‬والحيوية ‬كانت ‬توحي ‬بأن ‬المهدي ‬المنجرة ‬سيكون ‬له ‬شأن ‬عظيم ‬في ‬المستقبل.‬
في ‬سنة ‬1954 ‬حيث ‬كان ‬المنجرة ‬مازال ‬يتابع ‬دراسته ‬في ‬أمريكا، ‬نشبت ‬حرب ‬مع ‬كوريا ‬فطلب ‬من ‬الطالب ‬المهدي ‬التجنيد ‬لأنه ‬يتوفر ‬على ‬البطاقة ‬الخضراء ‬لكنه ‬رفض، ‬أما ‬هجرته ‬إلى ‬اليابان ‬فجاءت ‬بعد ‬منعه ‬من ‬إلقاء ‬محاضرة ‬بمدينة ‬فاس.‬
السؤال ‬المؤرق
إن ‬السؤال ‬الذي ‬يؤرق ‬عالم ‬المستقبليات ‬هو: ‬إلى ‬أين ‬نسير؟ ‬خصوصا ‬وهو ‬يلاحظ ‬غياب ‬رؤية ‬مستقبلية ‬لدى ‬القائمين ‬على ‬الأمور ‬في ‬البلاد. ‬
لذلك ‬لا ‬يتردد ‬في ‬القول ‬كلما ‬سمحت ‬له ‬الفرصة ‬لذلك: ‬‮"‬أتحدى ‬أي ‬شخص ‬أن ‬يعطي ‬رؤية ‬شاملة ‬حول ‬مستقبل ‬المغرب، ‬للأسف ‬الكل ‬مشغول ‬بالآنية ‬وما ‬يسمى ‬بالانتقال، ‬وأنا ‬أتساءل ‬الانتقال ‬إلى ‬أين؟‮"‬ ‬.
هكذا ‬ظلت ‬هذه ‬الأسئلة ‬تؤرق ‬بال ‬المنجرة ‬الذي ‬يؤكد ‬أن: ‬‮"‬علم ‬المستقبليات ‬ليس ‬تنبؤا ‬لأنه ‬موجود ‬عند ‬البشر، ‬والتنبؤ ‬كان ‬لخاتم ‬الرسل ‬محمد ‬صلى ‬الله ‬عليه ‬وسلم‮"‬ ‬وما ‬يزيد ‬من ‬قلق ‬المهدي ‬المنجرة ‬على ‬الوضع، ‬ليس ‬فقط ‬انشغال ‬السياسيين ‬بالآني، ‬بل ‬حتى ‬صمت ‬المؤرخين ‬وانكبابهم ‬فقط ‬على ‬تاريخ ‬القرون ‬الوسطى ‬متناسين ‬الحاضر ‬وغافلين ‬كليا ‬عن ‬المستقبل. ‬
تفتقت ‬عبقرية ‬المنجرة ‬منذ ‬ريعان ‬شبابه ‬فقد ‬طرد ‬من ‬ثانوية ‬ليوطي ‬سنة ‬1948 ‬لأسباب ‬سياسية ‬محضة، ‬لقد ‬كان ‬يواجه ‬الأساتذة ‬الفرنسيين ‬ويناقشهم ‬بحدة ‬فيما ‬يخص ‬موضوع ‬الاستعمار ‬الفرنسي ‬للمغرب. ‬في ‬سنة ‬1954 ‬حصل ‬على ‬جائزة ‬الإمبراطور ‬الياباني ‬عن ‬بحث ‬بخصوص ‬أهمية ‬النموذج ‬الياباني ‬بالنسبة ‬للعالم ‬الثالث.‬
سابق ‬لعصره
‮"‬التغيير ‬آت ‬أحب ‬من ‬أحب ‬وكره ‬من ‬كره"..
السؤال ‬الوحيد ‬الذي ‬يجب ‬أن ‬نفكر ‬فيه ‬هو ‬ثمن ‬هذا ‬التغيير، ‬فكل ‬تأخير ‬سيدفع ‬عنه ‬الثمن‮"‬ ‬هذه ‬العبارة ‬قالها ‬عالم ‬المستقبليات ‬المهدي ‬المنجرة ‬قبل ‬الربيع ‬العربي ‬بكثير، ‬وهي ‬العبارة ‬التي ‬تلقتها ‬العديد ‬من ‬الآذان ‬باعتبارها ‬ترفا ‬فكريا ‬لا ‬غير. ‬لكن ‬أحداث ‬الربيع ‬العربي ‬التي ‬افتتحتها ‬ولاعة ‬البوعزيزي ‬أكدت ‬أن ‬كلام ‬الرجل ‬علم ‬مدروس ‬بدقة. ‬
كما ‬تأكد ‬كلامه ‬الذي ‬قسم ‬فيه ‬الزمن ‬إلى ‬ما ‬قبل ‬التغيير ‬وما ‬بعد ‬التغيير‮"‬ ‬في ‬عهد ‬ما ‬قبل ‬العهد ‬الجديد، ‬فالتغيير ‬هو ‬مفهوم ‬منظومي ‬يأتي ‬بصورة ‬شمولية، ‬إذ ‬عندما ‬يحدث ‬يطال ‬جميع ‬الميادين‮…‬ ‬والتغيير ‬الوحيد ‬الذي ‬لاحظناه ‬هو ‬تغيير ‬الذين ‬أتوا ‬بقصد ‬التغيير ‬دون ‬أن ‬نلمس ‬أي ‬تغيير‮".
أما ‬ثمن ‬التغيير ‬الذي ‬طالما ‬حذر ‬منه ‬فإنه ‬جاء ‬غاليا.‬
‮"‬يكتب ‬لفترة ‬لا ‬يعتقد ‬أنه ‬سيعيشها، ‬أي ‬أنه ‬لا ‬يكتب ‬من ‬أجل ‬مصالحه ‬اللحظية ‬والقصيرة ‬المدى‮"‬ ‬هذا ‬هو ‬علم ‬المستقبليات ‬بتعبير ‬المهدي ‬المنجرة. ‬
يقول ‬في ‬كتابه ‬‮"‬الإهانة ‬في ‬عهد ‬الميغا ‬إمبريالية‮"‬: ‬الرفض ‬أن ‬تقول: ‬‮"‬لا…لا ‬للاستبداد ‬لا ‬للظلم ‬لا ‬للقمع‮…‬ ‬هذا ‬الرفض ‬كله ‬بلا ‬عنف، ‬وبلا ‬انتفاضة ‬حجر، ‬وبلا ‬رصاص، ‬فقط ‬بقوة ‬لا‮"‬ ‬وهو ‬ما ‬حدث ‬تماما ‬في ‬ثورات ‬الربيع ‬العربي، ‬إذ ‬خرج ‬المتظاهرون ‬بصدور ‬عارية ‬وتمكنوا ‬من ‬الإطاحة ‬بالأنظمة.‬
رجل ‬الكرامة
رغم ‬أنه ‬أهين ‬في ‬العديد ‬من ‬المرات ‬في ‬بلده ‬المغرب، ‬حيث ‬منعت ‬محاضراته ‬في ‬مدن ‬مغربية ‬دون ‬أن ‬تخبره ‬السلطات ‬عن ‬سبب ‬المنع، ‬إلا ‬أنه ‬ما ‬فتئ ‬يدافع ‬عن ‬الكرامة ‬الإنسانية ‬كلما ‬سنحت ‬له ‬الفرصة ‬بذلك. ‬لم ‬يتوقف ‬أثناء ‬نضاله ‬من ‬أجل ‬الكرامة ‬عند ‬حد ‬الكلام ‬والكتابة ‬والمحاضرات. ‬بل ‬إنه ‬خصص ‬من ‬ريع ‬كتبه ‬جائزة ‬لذلك.‬
كان ‬المنجرة ‬قد ‬أحدث ‬جائزة ‬‮"‬الحوار ‬الثقافي ‬شمال-‬جنوب‮"‬ ‬عقب ‬صدور ‬كتابه ‬‮"‬ ‬الحرب ‬الحضارية ‬الأولى، وهي ‬الجائزة ‬التي ‬تمنح ‬منذ ‬1992 ‬يوم ‬17يناير ‬من ‬كل ‬سنة، ‬وهو ‬اليوم ‬الذي ‬يصادف ‬ذكرى ‬اندلاع ‬حرب ‬الخليج ‬الأولى، ‬هذه ‬الجائزة ‬حولها ‬المنجرة ‬إلى ‬جائزة ‬الكرامة، ‬ينالها ‬كل ‬من ‬يدافع ‬عن ‬الكرامة.‬
بعد ‬هذا ‬المسار ‬المليئ ‬بالعطاءات ‬والإنجازات ‬والكتب ‬والمحاضرات ‬تعكس ‬غيرة ‬المهدي ‬المنجرة ‬وخوفه ‬على ‬مستقبل ‬المغرب، ‬بل ‬مستقبل ‬البشرية ‬جمعاء، عاش المهدي ‬المنجرة ‬‬طريح ‬الفراش، أما ‬المسؤولون ‬الذين ‬طالما ‬أرقهم ‬كلامه ‬فإنهم ‬نسوه، ‬بل ‬تناسوه. ‬لأن ‬المرض ‬ناب ‬عنهم ‬في ‬منعه ‬من ‬محاضراته ‬التي ‬تزعجهم.
الزلة ‬الوحيدة ‬التي ‬ارتكبها ‬المهدي ‬المنجرة ‬هو ‬أنه ‬ولد ‬في ‬وطن ‬عاق، ‬لا ‬يعترف ‬بالجميل ‬الذي ‬يقدمه ‬له ‬بعض ‬أبنائه.
المهدي ‬المنجرة ‬ليس ‬شخصا ‬لذاته
الحياة ‬الشخصية ‬والاجتماعية ‬للأستاذ ‬المهدي ‬المنجرة ‬تظهر ‬من ‬خلال، ‬زيارة ‬منزله. ‬فالداخل ‬إليه ‬سيجد ‬‮"‬صالونا ‬بلديا‮"‬ ‬وآخر ‬غربيا. والمنزل ‬كله ‬عبارة ‬عن ‬مكتبة، ‬وأينما ‬تجولت ‬في ‬أرجاء ‬المنزل ‬ستجد ‬كتبا ‬أو ‬مجلات، ‬ما ‬يعكس ‬تعلقه ‬بالقراءة ‬والكتابة. ‬
المنجرة ‬إنسان ‬منفتح ‬على ‬الحداثة، ‬لكنه ‬مغربي ‬أصيل ‬لا ‬يتنكر ‬لمغربيته، ‬بل ‬يعتز ‬بها ‬ولا ‬يمكن ‬أن ‬يزايد ‬عليه ‬أحد ‬في ‬ذلك، فرغم ‬أن ‬تكوينه ‬الأكاديمي ‬كان ‬بإنجلترا ‬إلا ‬أنه ‬يبقى ‬المهدي ‬المنجرة ‬المغربي ‬البسيط، ‬الذي ‬يعيش ‬الطقوس ‬والعادات ‬المغربية ‬بنوع ‬من ‬الاعتزاز.
أما ‬التهميش ‬الذي ‬يتعرض ‬له ‬المنجرة ‬فإنه ‬ليس ‬لذاته ‬كشخص، ‬وإنما ‬تهميش ‬لمنظومة ‬الحداثة ‬والتغيير ‬في ‬زمن ‬الرداءة. ‬فليس ‬المنجرة ‬وحده ‬من ‬تعرض ‬للتهميش، ‬فهناك ‬العديد ‬من ‬المفكرين ‬طالهم ‬التهميش.
لكن ‬المنجرة ‬كان ‬أكثر ‬تهميشا، ‬بل ‬إنه ‬تعرض ‬للمنع ‬من ‬المحاضرة ‬بجامعات ‬مغربية ‬رغم ‬أنه ‬كان ‬أول ‬أستاذ ‬مغربي ‬درس ‬بالجامعة ‬المغربية ‬وأصغر ‬أستاذ ‬بجامعة ‬محمد ‬الخامس.
المهدي ‬المنجرة ‬ليس ‬شخصا ‬لذاته ‬إنه ‬منظومة ‬وبنيان، ‬لقد ‬نظر ‬لقيم ‬عالمية ‬تجاوزت ‬ما ‬هو ‬ذاتي.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.