إشكالية منظمة تعيش خارج الزمن السياسي منذ عقدين ونيف ، أخذت أصوات مكونات المجتمع المدني ، والهيئات السياسية ، وبعض الحكومات العربية ؛ وفي الخفاء ؛ تتعالى مستهجنة الدور الفاتر ، والمعطل أحيانا والخاص بأجهزة جامعة الدول العربية ، فهي تلتهم ميزانيات ضخمة تقدر ب 50 إلى 60 مليون دولار سنويا .. لقاء دورات موسمية أو طارئة ؛ غالبا ما تنتهي ؛ بتقارير وتوصيات تنضاف إلى أرشيفها الغني بويلات النزاعات والشكاوى العربية البينية منها والغيرية .. وبصفة خاصة النزاع العربي الإسرائيلي والذي تقزمت تسميته ؛ في وثائقها مؤخرا ؛ إلى النزاع الفلسطيني الإسرائيلي .. ! فما هي هذه الهيئة ، ولأية أهداف تأسست ، وما هي وضعيتها الحالية ؟؟ جامعة الدول العربية مرت التسمية من عدة اقتراحات " كالتحالف العربي " ، " والاتحاد العربي " ، قبل أن تستقر على الاقتراح المصري " الجامعة العربية " ليتم تنقيحه فيما بعد إلى " جامعة الدول العربية " كما أن ميثاقها حمل عدة بنود تخص احترام سيادة كل دولة ، وعدم التدخل في شؤون الغير ، أو اللجوء إلى القوة في فض النزاعات البينية .. وإبرام اتفاقيات في مجالات التعاون ؛ بين دول الأعضاء ؛ وإبرام المعاهدات الدولية ، وتبادل التمثيل الديبلوماسي لدى المنظمات الدولية . وتتحدد أهدافها " في توثيق الصلات بين الدول العربية ، وصيانة استقلالها .. والمحافظة على أمن المنطقة العربية ، وسلامتها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية .. والثقافية والاجتماعية والصحية .." ، هذا ويمكن الإتيان على بعض المنظمات التابعة للجامعة وإن كانت لتبدو مشلولة في الظروف الراهنة : - منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ، ومقرها الكويت ؛ - المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، مقرها تونس ؛ - المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة ، مقرها الرباط ؛ - المنظمة العربية للعلوم الإدارية ، مقرها عمان ؛ - المنظمة العربية للتنمية الزراعية بالخرطوم ؛ - المنظمة العربية للتنمية الصناعية ببغداد ؛ - المنظمة العربية للمواصفات والمقاييس بعمان ؛ - المنظمة العربية للثروة المعدنية بالرباط ؛ - صندوق النقد العربي ، أبو ظبي ؛ - المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا بالخرطوم ؛ - المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية بالرياض ؛ - الاتحاد العربي للمواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية ببغداد . أين هي الجامعة من مبادئها ؟ ما زالت هذه المبادئ المسطرة في ميثاقها مجرد حبر على ورق مثل : " صيانة استقلال الدول العربية " و " المحافظة على أمن المنطقة العربية وسلامتها " ، والحال أن المنطقة العربية ؛ ومنذ أكثر من خمس سنوات ؛ تعرف اضطرابات سياسية واجتماعية غير مسبوقة ، كاشتعال نيران النزاعات الطائفية ، والمذهبية والسياسية .. في أعقاب ما يعرف ب " الربيع العربي " بكل من سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر .. فهل أمكن لهذه المنظمة حل ولو نزاع عربي واحد ، أو توسطت فيه ؟ المغرب كان سباقا إلى تطبيق مبدأ الدفاع المشترك ما زالت الشعوب العربية ؛ والمغاربة خاصة ؛ يذكرون يدا بيضاء من أيادي المرحوم الحسن الثاني استجابة لنداء الدفاع المشترك الذي ينص عليه ميثاق جامعة الدول العربية ، أن وجه تجريدة عسكرية إلى سوريا في صراعها مع إسرائيل ؛ هذا المبدأ اليوم ذهب إلى زوال ، فلم يعد لأحد من الأطراف العربية الجرأة للتحدث بلغة " الدفاع المشترك " ولا ب " التعاون المشترك " .. بل رغم ظاهرة الإرهاب التي تفشت في أوساطه ، وعملت بعض الدول العربية على إيوائها وإمدادها بالمال والسلاح ، تحولت العلاقات العربية إلى مشاحنات ، واحتقانات بالجملة حتى إن منظمة الأممالمتحدة تكاد أجندتها أن تضيق ؛ عن آخرها ؛ بهموم وكوارث العرب ! الوضعية الحالية للجامعة باتت المنظمة ؛ حاليا ؛ تشكو من عدم الوفاء بالتزام عديد من الدول العربية الأعضاء بأداء مستحقاتها تجاه الجامعة .. بل هناك دول انسحبت من عضويتها في صمت طالما أن الجامعة عاجزة عن القيام بأدوارها في " لم الصفوف العربية " ، وحل الإشكالات التي باتت تؤرق الحكومات العربية ، سيما في أعقاب تفشي ظاهرة الإرهاب ، وتغولها داخل جغرافية دول كثيرة . إنقاذ الجامعة أم إفلاسها سياسيا حسب التقارير الدورية منها والسنوية ؛ تشكو الجامعة من ضيق ذات اليد ، وتراجع مدخراتها المالية ، وكذا توقف بعض الدول عن تسديد حصصها ومساهماتها .. وقد صدر قرار ؛ في الأيام القليلة الماضية ؛ لوزراء الخارجية العرب ؛ في اجتماع لهم ؛ بتسريح ومكافأة عدد كبير من موظفي الجامعة العربية ، مما يؤشر على الإفلاس السياسي لهذه الهيئة التي لم تعد لا لاجتماعاتها الدورية ، ولا لقراراتها أي أثر بالنظر إلى حجم القضايا التي باتت تراكمها رفوفها .. هذه القضايا وقع تدويلها ، وبالتالي إفلات زمام التحكم فيها أو بالأحرى احتواؤها داخل حضيرة الجامعة العربية . فكرة الحسن الثاني في أحد المؤتمرات من المؤكد أن أرشيف جامعة الدول العربية زاخر بالقمم التي احتضنها المغرب غداة أحداث سياسية كبيرة ، من أبرزها إحراق المسجد الأقصى ، والعدوان الإسرائيلي على كل من الأردنوسوريا .. وما زالت ذاكرة هذه المنظمة تحتفظ ؛ ضمن محفوظاتها الخاصة بخطب ومداخلات الملوك والرؤساء العرب ؛ ضمن قمم سجل فيها المغرب الرقم القياسي لاحتضانها سواء في البيضاء أو الرباط أو فاس ؛ تحتفظ بفكرة جهنمية ؛ ولعلها من أبرز ما رشح أو تم تسريبه بإحدى الجلسات المغلقة ؛ فجرها الراحل الحسن الثاني أمام ذهول الملوك والرؤساء العرب " بضم إسرائيل إلى عضوية الجامعة !" ، وكانت فكرة الملك الحسن الثاني القنبلة ترمي ؛ على المدى البعيد ؛ إلى احتواء شرور إسرائيل ولجم عدوانها أمام الدول العربية المجاورة . لكن العرب ؛ آنئذ ؛ كانوا قاصرين على إدراك المغزى الاستراتيجي للفكرة ، وقد ندموا فيما بعد حيث لم ينفعهم ندمهم .