بعد أن أفرغت الحكومة 55 اجتماعا تنسيقيا ومحضر الاتفاق الموقع بين الوزارة والنقابات من محتواها    وزير الشؤون الخارجية الغامبي: التعاون مع المغرب نموذجي وفي تطور مستمر    مزور: الاتفاقية مع شركة (أوراكل) تعزز مكانة المغرب باعتباره قطبا للتكنولوجيات الرقمية    الأمم المتحدة: التصويت على قرار لصالح عضوية فلسطين.. ودول أوروبية تقرر الاعتراف بها رسميا    الاستعداد لأولمبياد باريس 2024 .. بنموسى يترأس جلسة عمل مع اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية    البحرية الملكية تحبط 3 محاولات للهجرة نحو "الكناري" وتنقذ 133 مهاجرا من آسيا وإفريقيا    شاب ثلاثيني يضع حدا لحياته بضواحي الحسيمة    تزامنا مع حراك الجامعات الغربية.. أساتذة بجامعة السعدي يطالبون بإسقاط الاتفاق مع جامعة حيفا    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    26 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" ما بين 4 و 10 ماي الجاري    نقابة "البيجيدي": آن الأوان لإيقاف التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    الرباط.. الإعلان عن مشاريع ترميم وإعمار بالقدس بمليون دولار    الأمن يوقف 5 أشخاص متلبسين بتنفيذ عملية للهجرة السرية بضواحي الجديدة (صور)    العثماني يلتقي إسماعيل هنية في قطر    القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا تجاوز 1.3 مليون سائح خلال أبريل الماضي    جماعة طنجة تطلق أولى صفقات إصلاح الشوارع والأزقة بغلاف يناهز 8.5 مليون درهم    تنديد حقوقي بالحكم الصادر بحق الحيرش ومطالب بإطلاق سراحه واحترام حرية التعبير        غوتيريش يحذر من أن هجوما بريا إسرائيليا على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"    بيع كتب ألفت عبر "تشات جي بي تي"… ظاهرة في "أمازون" تتيح تحقيق أرباح عالية    سحب 332 "رخصة ثقة" من سائقي سيارات الأجرة بمراكش    تأشيرة الخليج الموحدة تدخل حيز التنفيذ مطلع 2025    2900 مظاهرة بالمغرب دعما لفلسطين    الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية تستقبل شبيبة حزب مؤتمر التقدميين النيجيري    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري    قرار جديد من القضاء المصري في قضية اعتداء الشحات على الشيبي    نقابة تنبه لوجود شبهات فساد بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    أخنوش يرد بقوة على تقرير مجلس الشامي: الحكومة تبدع الحلول ولا تكتفي فقط بالتشخيص    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    تصفيات المونديال.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه نظيره الجزائري    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    السلة: الوداد في صدام قوي أمام المغرب الفاسي    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والجزائر ضمن تصفيات مونديال الفتيات    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    أيوب الكعبي يواصل تألقه في دوري المؤتمر الأوروبي    ارتفاع أسعار النفط بفضل بيانات صينية قوية وصراع الشرق الأوسط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    تقرير إخباري l أمريكا تُقرر رفع الرسوم الجمركية على واردات "الفوسفاط المغربي" بسبب استفادته من امتيازات حكومية    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادة الزور تنتشر
نشر في هسبريس يوم 02 - 07 - 2013

نقضي أيامنا نتكلم مع الناس ومع أنفسنا، ومع الحيوانات وأحيانا حتى مع الحشرات وصورنا العتيقة ، ويخرج كلامنا إما ضحكا، أو بكاء أو أنينا أو إشارة أو رسما أو عبارة للتعبير عن موقف، أو رغبة أو رفض، أو حب أو خوف وهكذا . والمشكلة أن من بين الناس من يتكلم ولا يراقب ، ويرسم ولا يراقب، ويقوم بإشارات أو حركات ولا يراقب إن كل ما يفعل يوافق منظومة القيم التي تحمي المحيط الذي يوجد فيه المتكلم. وكثيرا ما نلتقي بأفراد لا يتكلمون إلا اقتصادا، ونلتقي بآخرين كلامهم ثرثرة لا تنقطع .
والسؤال هل من المحتمل أن يكون لكلامنا العفوي ، أضرارا على غيرنا ؟
يحدث كثيرا أن نكون في جماعة أصدقاء ، نتحدث، نضحك ، نتبادل ، وفي لحظة من اللحظات ينقلب ضحكنا وحدينا الهادئ إلى عتاب وربما إلى سب، وملاحظات، وانتقادات وإلى عنف ، ولنا في التجربة الإنسانية مئات الأمثلة عن ذلك ، عن نقاش في برلمان تحول إلى ملاكمة، وعن سهر بين الأصدقاء تحول إلى جريمة ، وعن نزهة بين محبوبين انتهت إلى فراق أو إلى طلاق. كل ذلك بسبب بضع الكلمات الجارحة أو المقززة أو المحرجة أو العنصرية التي تنطلق لها العنان من أفواهنا ولا نتوقع وقعها عند محاورنا. آخر الكلام الذي جاء في خطاب الرئيس مرسي كان سببا في حشد معارضيه ، آخر كلام قال القدافي وهو يخاطب شعبه " بالجرذان" كان سببا في ثورة الليبيين عليه ثم قتله، آخر كلام قاله أردوغان وهو يخاطب المتظاهرين " باللصوص" كاد أن يقلب الطاولة عليه . لذلك يجب أن نؤمن بأن لكلامنا وقعا كالزلزال بل كالقنابل المدمرة في نفوس غيرنا ، وعلى أساس ذلك تأتي دفاعاتهم (ردود أفعالهم)عن أنفسهم عنيفة كذلك .
وردود الأفعال ليست دائما مباشرة عن كلام أو فعل شخص ما ، فهي قد تأتي بعد قراءة قطعة شعرية أو نص أدبي أو مقالة أو قصة أو مقطع مسرحية أو خطاب سياسي ، على شكل شحنة غضب أو رفض لما قيل . ونقرأ كثيرا عن كتب نقاد ، إما يرحبون بأفكار كتاب وإما يرفضونها، ونسمع عن آراء سياسيين إما ينتقدون سياسة حكومة وإما يزكونها، ونقرأ عن تعليقات قراء في جرائد إلكترونية ، ينتقدون فيها ويعطون آراءهم بل شهاداتهم . وفيما يلي نموذج عن ذلك:
في أحد أحيائنا الشعبية ، كان (م.ن) يسمع عن المشاكل التي كانت تدور في بيت جاره (ع.س) من أمه التي هي صديقة أم زوجة الرجل . فقرر الإدلاء بشهادته أمام المحكمة من أجل تحرير الزوجة من زوجها ومن ظلمه لها . فقال أمام المحكمة بأن الرجل ظالم لزوجته وهو يضربها ، ولكنه في الحقيقة كان يسمع عن المشاكل التي كانت بين الزوجين . السؤال ما طبيعة الشهادة التي أدلى بها هذا الرجل؟ وهل هي مقبولة شرعا؟ وهل هي مقبولة في مجتمعاتنا اليوم؟
ففي مجتمعاتنا اليوم ، يرى العديدون بأن شهادة الرجل شهامة ، تدخل تحت عنوان " الدفاع عن حقوق الإنسان " ، فهو قام بمحاربة الفساد ، وتخل لحماية الزوجة من جور زوجها ، الذي يعنف زوجته، ولا يتعامل معها بما يليق .إذن فهو رجل تغيير، يحارب عبودية المرأة لزوجها، ويسعى لوضع حد لاستمرار الحياة بين الزوجين في ضوء الخلاف ، بطرح شهادته .
في المنظور الديني ، ما قام به الرجل يدخل تحت عنوان " شهادة الزور " فهو شهد بما لم يعلم علم اليقين ، وإنما بما سمع ، فهو – حقيقة – لم ير الزوج يضرب زوجته، ولكنه علم من خلال ما تدول من قيل وقال، فاغتنم علاقة قرب أمه من أم الزوجة ، فأراد تحرير الزوجة والوقوف إلى جانبها. ودون شك ، أن الشاهد وهو يشهد كان يظن بأن المسألة ستنتهي بالحكم في المحكمة ، متناسيا محكمة الاستئناف العليا التي ستدخله في عملية تمحيص فيما دار بين الزوجة والزوج وفيما شهد به (زورا) . قال ابن كثير في قوله تعالى: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (قّ:18): أي إلا ولها من يرقبها معد لذلك ليكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَاماً كَاتِبِينَ*يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (الإنفطار:10-12 .
إن شهادة الزور ، أصبحت كشرب العصير في أيامنا ، بعض الناس يجدون في مناسبة الحكم على الناس بما لا يعلمون ضالتهم ، فتراهم يزكون من يشاءون ، وينتقصون ، ويقفون ضد من يشاءون . ففي المحاكم ، انتصبت جمعيات حقوقية نسائية ضد رجال مظلومين ، نصبت عليهم نساؤهم ، وادعين أشياء ليس في الواقع . كما ضاع حق –أمام نفس المحاكم- حقوق نساء عانين من ظلم أزواجهن . والمقصود هو أننا أصبحنا في محاكمنا لا ندقق في الادعاءات ، ولا نقرب بين المحاكمين . إذ تحول شأن المحكمة إلى إصدار أحكام شبه ميكانيكية . فبمجرد مثول زوج وزوجة أمام المحكمة ، فالحكم سيكون لصالح الزوجة ، وإن كان الخلاف بينهم طفيفا، كان يمكن معالجته بمنحهما فرصة تفكير أو فرصة مناقشة داخل المحكمة ، قبل صدور الحكم الذي لن يأتي إلا لتعقيد الخلافات ويدفع للطلاق.
من بين الشهادات تزكية المرشحين في الانتخابات . فالناخب يدلي بورقة انتخابه ، وهو لا يعلم بأنه يقدم شهادة تزكية في حق مرشح ، لا يعلم عنه شيئا. فهو لم يتكلم معه يوما ، ولم يجالسه ، ولم يتابع أعماله مدة معينة . كل ما في الأمر، أن الناخب يسمع عن فلان أو فلتان فيصوت لصالحه " زورا" . قد يساهم هذا التصويت في خلق مشاكل لمنتخبين آخرين يتصفون بالنزاهة ، وقد يساهم هذا التصويت " المزور" في أخذ البلد للفساد.
ومن شهادات الزور كذلك ذكر رجال بأوصاف ليست فيهم ، أو ذكر نساء بما ليس فيهن . وقد حدث أن قرأنا كثيرا عن نساء عرفن علاقة زوجية متوترة ، ما بعد الزواج ، وحيث ظهر كل زوج عن حقيقته .سمعنا رجالا أ ونساء يقولون:" الله يجعل الذنب على من كان السبب" . وفي حادث أصبح معروفا اليوم ،
بمشكلة العداء السكاح من زوجته وأبنائه ، وبناء على تصريحات ابنة السكاح وصفت أبيها على صفحات هيسبريس بأنه كان يسيء إلى معاملتها . انطلقت أقلام كتاب التعليقات لوصف السكاح وكأنه فعلا كان يقوم بما ادعته ابنته ، وفي هذا فهم يشهدون شهادة تزور تعزز ادعاءات الابنة سلمى ضد أبيها ، وهم يحسبون أن كلامهم لا شيء فيه ، بل فيه الكثير من الضرر على نفسية السكاح ، وضرر قد يعقد العلاقة بين أفراد الأسرة، وضرر على القواعد الإسلامية التي تحث على احترام الأبناء للآباء .قال تعالى " تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ".
وهنا نؤكد ، أن للأبناء حقوقا على الآباء ، إنما ليست بالطريقة التي تدعو إليها ثقافة الغرب ، وإلا أين هي الخصوصية الثقافية التي كانت تدعو إلى احترامها فرنسا ، وهي تستعد إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي لمناقشة مقتضيات المنطقة الحرة مع الولايات المتحدة؟
لقد أخبرنا الله تعالى عما دار بين سيدنا إبراهيم وابنه اسماعيل ،قال تعالى:" قالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. [الصافات:102]. فتمعن في الثقافة الإسلامية الحقيقية ، ودعك من حقوق الإنسان ، لأنه لا يوجد أب فوق الأرض يفكر في إلحاق الأذى في أبنه أو ابنته . وإن فعل فقطعا هو يعاني من خلل عقلي أو مرض نفسي. الآباء لا يرجون إلا الرحمة لأبنائهم وهي مسلمة ، لا تستحق حتى النقاش . من أجل ذلك كان عقوق الأبوين من الكبائر. في كتاب الأيمان والنذور موصولا من رواية الشعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس .
ونخلص إلى القول ، مصداقا لقوله تعالى :" وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَاماً كَاتِبِينَ*يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ " أن ما يصدر من الإنسان من قول أو فعل سيدون لصالحه أو ضده ، والفائدة من ذلك دعوة المسلم إلى إعمال عقله والتكلم بما ليس فيه ضرر لنفس المتكلم أو لنفس خيره . فالكلمات تخلف جروحا أعمق من جراح السيوف وكما قال الشاعر : وَقَدْ يُرْجَى لِجُرْحِ السَّيْف بُرْءٌ ... وَجُرْحُ الَّدهْرِ مَا جَرَحَ اللَّسانُ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.