في مصر كما في جميع أقطار العالم العربي استفاقت الجماهير بعد عقود من الحكم الفاشي العلماني الذي زرعه الاستعمار باسم الديموقراطية المزيفة..استفاقت بعد غيبة طويلة من صفعة الاستعمار وقمعه وإرهابه الذي ركب في النفوس خوفا لا يطاق. وأظهر الربيع العربي أن الجماهير ما زالت متمسكة بإسلاميتها رغم الآلية العلمانية الرهيبة التي غرسها الاستعمار ورعاها وقدم لها العناية اللازمة والمركزة. أصبح الوضع الاجتماعي والسياسي في العالم العربي سيئا للغاية ولا يطاق بعد عقود طويلة من حكم القوميين العلمانيين. لقد منحوا لأنفسهم بقوة الحديد والنار فرصة عقود من الزمن وثبت في كل تجارب الأحزاب يمينها ويسارها أن العلمانية عائق معطل للنمو الاقتصادي والاجتماعي ومعطل حتى للحس الانساني ومهدد للأمن الروحي. ومن نتائج استمرار هذا التحكم العلماني شل قوى الأمة بكاملها وبكافة أطيافها عن الابتكار والانتاج وإعاقتها بهذا عن التقدم والازدهار. هذه الحقبة العلمانية الكئيبة يجب أن تنتهي قريبا في مجتمعاتنا الاسلامية.إنهاحقبة لم تعد قابلة للبقاء والاستمرار خصوصا في الدول التي كسرت فيها الجماهير حاجز الخوف. هذه حقيقة يجب أن تكون معروفة من جميع العلمانيين وأعوانهم الذين يريدون فرض علمانيتهموإبقائها بالحديد والنار ومزيد من إراقة الدماء. نعم! العلمانية غير قابلة للبقاء والاستمرار في المجتمعات الاسلامية، لأنها لا تحمل في ذاتها عنصرا واحدا من عناصر البقاء لأن البقاء للأصلح: أظهر العلمانيون الفاشيون في مصر، من خلال الانقلاب العسكري والاعلامي ومن خلال المجازر التي ارتكبوها لإرهاب المتظاهرين السلميين، أن العلمانية مخالفة تماما لروح الانسانية بكل معنى من معانيها ومخالفة لروح العصر وقيمه الكونية ومخالفة للديموقراطية بكل مقتضى من مقتضياتها، ذلك فوق مخالفتها لروح الدين الاسلامي بكل تأويل من تأويلاته. والذي يطلع على تاريخ الأمة الاسلامية يدرك أن هذا الوضع المظلم الذي خلقته العلمانية العربية بدعم من القوى الاستعمارية لا يمكن أن يكون إلا شاذا، وهو وضع لا يفقد العلمانية فقط حقها في البقاء، بل هي غير قادرة نهائيا على البقاء ولو قُدم لها شتى أنواع خدمات الانعاش والدعم من العُرب والغَرب. فكيف إذا اجتمع إلى هذا كله أن علمانيتهم تهدر الكرامة الانسانية وتفسد الخلق والضمير وتفسد الذوق الاجتماعي وتقتل كل معاني الانسانية. إن الذين يتشبثون اليوم بالعلمانية الفاشية ويتمنون استمرار وضعها الشاذ ويحاولون أن يقيموا لها الأسناد سواء من المستغلين والمفسدين ذوي المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة أو من الطغاة المستبدين الذين تأبى نفوسهم أن تجري الديموقراطية مجراها فتحرمهم أسباب السلطة الزائفة التي لا تقوم على أساس، أو من الفاسقين الذين مردوا على المتاع الفاجروعلى تبييض الأموال، أو من رجال المؤسسات الدينية بل الكهنة المحترفين والمتسولين الذين باعوا أنفسهم للشياطين بثمن بخس دراهم معدودات ... كل هؤلاء - بعد رياح الثورة العربية التي كشفت عوراتهم- إنما يحاولون ما لا قِبل لهم به، لأنهم يحاولون إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء ضد سنن الله، ولن يجدوا لسنة الله تبديلا! وفي الحقيقة – كما نرى في مصر- إنما هؤلاء العلمانيين الفاشيين يلقون بأيديهم إلى التهلكة ويعرّضون أنفسهم لما لا تحمد عقباه، وربما ينصبون لرؤوسهم مشانق المتابعة والمحاسبة في محاكم مصر وفي المحاكم الدولية.ويا ليتهم يهلكون وحدهم حين يهلكون! ولكنهم سيهلكون ومعهم كل العلمانيين والطغاة المهنئين والمقلدين والذين خدعوهم بثورة "فوطو شوب" العسكرية وما تلاها من الانتصارات الوهمية التي ينقلها لهم الاعلام الفاشي المصري. إن الحقائق الواقعةبعد الربيع العربي لا تُعامل، كما تعامل معها الفاشيون في مصر بالانقلاب العسكري الارهابي الدموي أو بوضع العصا في عجلة الاصلاح وبتكميم الأفواه وإغلاق المنابر الاعلامية الاسلامية والحرة وبالإقصاء وبإراقة الدماء، إنما تعامل بالتفاهم واحترام الآليات الديموقراطية في التعبير عن الرأي واحترام إرادة الشعوب التي تعبر عنها صناديق الاقتراع كآلية ديموقراطية حديثة بدل الآليات البدائية التي تحتكم إلى قوة الحشد الطائفيالعسكري العنصريالمسلح. فليقل الفاشيون كيف شاءوا بعنصرية مقيتة: إن الاسلاميين (دعاة الشرعية) إرهابيون أو خارجون عن القانون أو خطرون على النظام أو دعاة التخريب والفوضى وكل الصفات التي تنطبق أصلا على الانقلابيين والعلمانيين المتطرفين، وليحاربوهم بكل الوسائل الجهنمية التي يمتلكونها، وليزجوا بهم في السجون والمعتقلات بالآلاف وليكمموا أفواههم ويعطلوا صحفهم ويغلقوا قنواتهم، وليحاربوهم في أرزاقهم وأقواتهم وأرصدتهم...الخ. إن صوت الشعب بالملايين هو الذي سيرتفع بعد ذلك كله، وستكون القضية قضيته لأن القضية هي "يكون أو لا يكون"، ولن يمكن إسكاته بالرصاص أبدا. واهم من يظن أن الوضع الانقلابي العسكري العلماني الارهابي العنصري في مصر، كما نرى ثماره الخبيثة المتعفنة، يمكن أن يبقى ويستمر مهما أقيمت له الأسناد الباطلة من سعي الأمريكان والصهاينة أو اصطفاف حكام العالم العربي المستبدين وشيوخهم والباباوات المرتزقة المنتحلين للدين وزعمائهم السياسيين الخرسمن اليمين واليسار وحتى من الملتحين المنهزمينأو مقالات الكتاب والصحفيين المرتزقين والمأجورين !!! شاءت إرادة الله التي لا تقهرأن تعم اليوم صيحة الضمير العربي: كلنا مصر!اختارت الجماهير في كل ربوع العالم العربي أن ترفع صوتها عاليا بالشرعية (ديموقراطية صناديق الاقتراع) والشريعة (الاسلام) لأن الأولى أداة الثانية الحضارية في حسم الخلاف بين الرأي والرأي الآخر، ولأن الجماهير أيقنت كل اليقين أن الاسلام، عقيدةً وشريعةً، هو الذي يلبي ويستجيبلكل طالب للعزة والاستعلاء والسيادة والحرية والمساواة والكرامة والسعادة، مصداقا لقوله تعالى " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" (آية). *عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتمية