على هامش المعرض الدولي للفلاحة.. تتويج المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    افتتاح مهرجان تطوان المتوسطي ب"بنات ألفة"    مرصد الصحراء للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    انتخاب نزار بركة بالإجماع أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    بعد تداول الفيديو.. توقيف شخص بطنجة لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة و اعتراض السبيل    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    بعد إعادة انتخابه زعيما ل"الميزان".. بركة يتطلع إلى تصدر المشهد السياسي    حزب "الاستقلال" يختتم مؤتمره.. في انتظار الحسم في اختيار أمينه العام واتجاه لتزكية بركة لولاية جديدة    أولمبيك آسفي يتعادل مع ضيفه اتحاد طنجة    حكيمي ينقذ فريقه من هزيمة قاسية أمام لوهافر    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    الجيش الملكي يستنكر "الأخطاء التحكيمية" في مباراة الحسنية ويشكو الرداد للجنة التحكيم    حكيم زياش يبصم على أداء كبير رفقة غلطة سراي التركي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    اجتياح إسرائيل لرفح قد يكون "خدعة" أو مقدمة لحرب مدمرة    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الرئيس الفلسطيني وزعماء دوليون يعقدون محادثات بشأن غزة في الرياض    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    بعد مشادات مع كلوب.. صلاح: حديثي سيشعل الأمر    الأمثال العامية بتطوان... (584)    زلزال قوي يضرب سواحل جاوا بإندونيسيا    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    بعد تلويحه بالاستقالة.. مظاهرات حاشدة بإسبانيا دعما لرئيس الوزراء    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    وزير الصحة يدشن مستوصفات جديدة    "حماس" تعلن ارتفاع عدد القتلى في غزة    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



[B]السيناريو الكامل لأحداث خريبكة الدموية سنة 2011
نشر في خريبكة أون لاين يوم 07 - 02 - 2012

السيناريو الكامل لأحداث خريبكة الدموية سنة 2011
مدينة خريبكة العاصمة الفوسفاطية على صفيح ساخن
انتفاضة الشباب المعطل بخريبكة ضد إدارة الفوسفاط ورد عنيف لقوات الأمن توج باعتقالات ومتابعات جعل المدينة تعيش على فوهة بركان
على إثر تنصل الإدارة الشريفة للفوسفاط من الدور التنموي والاجتماعي المفروض فيها القيام به بمنطقة خريبكة التي تستنزف خيراتها دون استفادة حقيقية لساكنتها من عائدات الأرباح الطائلة التي تحققها والتي تعد بالملايير، ولو في حدودها الدنيا والمتمثلة على الأقل في تمكين أبنائها من التشغيل والاعتراف بهم كمنتجين يستحقون الأجر العادل وكافة الحقوق الاجتماعية، وأمام تجاهل إدارة المكتب الشريف للفوسفاط بخريبكة لمعاناة أبناء المتقاعدين والمتوفين بتمكينهم من العمل طبقا لمقتضيات الفصل السادس من قانون مستخدمي المجمع الشريف للفوسفاط إذ من خلاله يجري تشغيل المستخدمين على الصعيد الوطني، لكن يمكن للمكتب الشريف للفوسفاط إعطاء الأسبقية للأعوان المشطب عليهم من السجلات من جراء تسريحات جماعية، ولأبناء الأعوان المتوفين في الخدمة، ولأبناء المتقاعدين، ولأبناء الأعوان العاملين إذا استوفوا شروط التشغيل المطلوبة.
وبعد استنفاذ الشباب المتضررين لكافة المحاولات لحث الإدارة على الاستجابة لمطلب تشغيل أبناء المتقاعدين والمتوفين، وأمام استمرار الإدارة في نهج أسلوب الوساطة في التشغيل عن طريق الشركات الخاصة التي أشعلت الفتن والاعتماد على نظام المناولة وتوظيف الأجانب على حساب أبناء المدينة وخاصة من المنطقة الشرقية للمملكة بحكم تواجد مدراء على رأس الإدارة الشريفة ينحدرون من تلك المناطق وتقديم مبررات واهية بعدم تشغيل أبناء المتقاعدين والمتوفين، فقد قرر بعض شباب مدينة خريبكة وعددهم يتجاوز 162 شابا الدخول في اعتصام مفتوح مع المبيت اليومي في العراء من أجل تحقيق مطلبهم في حق التشغيل الفوري بدءا من يوم 20 فبراير 2011 أمام إدارة المكتب الشريف للفوسفاط عبروا خلال ذلك وبأسلوب حضاري عن مطالبهم في العيش الكريم والحق في الشغل تخللته العديد من محاولات التسوية والمفاوضات من أجل إيجاد حل سلمي للملف وإعطاء العديد من الوعود لتشغيل المحتجين من طرف إدارة الفوسفاط والسلطات المحلية ، وذلك بكون أن مشاكلهم ستعرف طريقها إلى الحل، وأن التشغيل سينطلق رغم الرفض الذي أبداه البعض، وأمام تسرب خبر زيارة أميرية لصاحبة السمو الملكي الأميرة لالة أمينة لحضور مسابقة في الفروسية ينظمها نادي أولمبيك خريبكة للفروسية وتعزيز وحدات قوات الأمن ورفض المحتجين فك الاعتصام والتشبث بمبدأ التشغيل كان الحل الأخير هو فك الاعتصام بشكل مفاجئ ومباغت باستعمال القوات العمومية في الخامسة من صباح يوم الثلاثاء الأسود 15 مارس 2011 والاستعانة بشاحنتين تابعتين لبلدية خريبكة لجمع وإزالة مايضمه المعتصم من الإطارات الحديدية والأغطية، وهو ما تسبب بالفعل في انطلاق الشرارة الأولى للتوتر.
وقد نتج عن هذا التدخل الهمجي والوحشي المعنف على المحتجين وهم نيام في الحديقة المقابلة لإدارة الفوسفاط وبدون سابق إعلام أو إنذار بفك المعتصم، إصابة العديد من المعتصمين بجروح متفاوتة الخطورة كان أخطرها ماتعرض له المدعو "حسن حبابي" بعد فراره وقفزه على سياج الحديقة بالقرب من المعتصم، أصيب بقضيب حديدي على مستوى جهازه التناسلي، فتم نقله على التو إلى المستعجلات لتلقي العلاج وما أن أشيع خبر كاذب بوفاته حوالي الساعة الثانية عشر زوالا حتى بدأ الغضب يسيطر على نفسية المحتجين، ولعل تلك الشائعة الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة هي التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير دفعت البعض إلى حمل نعش رمزي في إشارة إلى تشييعهم للهالك المفترض، والمرور به ببعض المسالك والتجزئات السكنية، وتلقى على إثر ذلك رجال القوات العمومية في تلك الأثناء تعليمات بمحاصرة المسيرة، وعدم السماح لها بالتوجه نحو المدينة، فحاصرتهم قرب مدار المستشفى الفوسفاطي، عندها انطلق العصيان بأن رشق بعض المحتجين بالحجارة رجال الأمن والقوات المساعدة والتدخل السريع وغيرهم ممن شاركوا ضمن القوات العمومية. وكان أول من أصيب في الحادث، رئيس المنطقة الأمنية بخريبكة، إذ وجهت إليه حجرة إلى الصدر أفقدته توازنه وسقط أرضا عندما كان يحاور بعض المحتجين في محاولة لتهدئة حالتهم العصبية، ليتم نقله على وجه السرعة إلى المستشفى الإقليمي حيث أدخل قسم الإنعاش.
وازدادت الأوضاع سوءا في مكان الاحتجاج، ولم تستطع القوات الأمنية مجاراة المحتجين أو احتواءهم، وهو ما ألهم باقي المواطنين وخلق لديهم حالة رعب عارمة من الاندفاع أفضت إلى الدخول في مواجهات عنيفة ومفتوحة مع قوات الأمن وساهمت الشائعة أيضا في تصاعد الموقف بعد اختلاط المطالب الاجتماعية بالأهداف السياسية لبعض التيارات السياسية وامتزاجها مع غضب المواطنين الذين كانوا يعتقدون أصحية نبأ وفاة أحد المتظاهرين واضطرت السلطات العمومية على إثرها إلى طلب تعزيزات إضافية من خارج المدينة للسيطرة على الوضع، فاستمرت تلك المواجهات العنيفة لساعات طوال فاقت الست ساعات بين المعتصمين والسكان وبين قوات الأمن بكل تلويناتها (الدرك الملكي، القوات المساعدة، رجال الشرطة، قوات التدخل السريع، رجال المطافئ) مستعملين الهراوات وخراطيم المياه وقنابل "الكروموجين" المسيلة للدموع والتراشق المتبادل بالحجارة والزجاجات الحارقة بينهم وبين المعتصمين وسكان المدينة المطالبين بالتشغيل مع طرح تساؤل كبير حول سبب دخول الدرك الملكي على الخط في حين أن المنطقة تابعة للمدار الحضري وليس القروي منه، هذا التدخل نتج عنه أعمال تخريبية خلفت خسائر ضخمة في الممتلكات العامة والخاصة لاسيما بعد إضرام النار في واجهة مبنى مديرية الاستغلالات المنجمية للفوسفاط وأيضا في الموقف الخاص بسيارات أطر ومستخدمي الفوسفاط وكذا سيارات العمال والخواص والشرطة نتج عنه إحراق ما يزيد عن 20 سيارة تابعة للمجمع الشريف للفوسفاط وللخواص، وحرق الإطارات المطاطية وحرق دراجات نارية، وتكسير زجاج عشرات السيارات وتخريب مدرسة للتأهيل المهني، ومرافق أخرى تابعة للمجمع ذاته ولعل تلك العمليات ألحقت أضرارا مهمة بمقر الشركة والنادي الاجتماعي ومركز التكوين والتكميل الموجود بحي البيوت، وتبديد وثائق وإحراق أرشيف الخزانة الذي يؤرخ لنصف قرن من الخبرة والمعلومات الخاصة بمجمع الشريف للفوسفاط حيث لم تتمكن عناصر الوقاية المدنية من إخماد النيران إلا بعد اليوم الموالي، كما تعرضت فضاءات الشركة والمكاتب والحواسيب وأدوات العمل الإدارية ل«النهب والتخريب والسرقة ».هذا المركز الذي كان من المنتظر إزالته من مكانه الحالي بحكم دخول أرضه في مشروع المنجم الأخضر الكبير الذي أعطى انطلاقته جلالة الملك إبان زيارته الرسمية للمدينة.
وفي محاولة لجرد الخسائر البشرية، فإن عدد الإصابات وصلت إلى 120إصابة بلغت في صفوف قوات حفظ النظام 112 حالة، من بينها 69 شرطي و 27 مخزني و16 دركي، كانت حالة أحدهم في وضعية خطيرة تم نقله على وجه السرعة إلى المستشفى العسكري بالرباط، أما الباقي فكانت حالتهم مستقرة ولا تدعو للقلق بمن فيهم رئيس منطقة أمن خريبكة الذي أصيب في رأسه ونائبه الذي أصيب في ساعده الأيمن ناهيك عن إصابات لم تحدد همت المحتجين أنفسهم الذين لم يتوجه عدد كبير منهم إلى المستشفى مخافة الاعتقال.
وتجدر الإشارة إلى كون أن المستشفى الإقليمي بخريبكة عرف حالة طوارئ، جند لها أطباء مختصون في الجراحة العامة وجراحة العظام والإنعاش والقلب والمستعجلات، كما تمت الاستعانة بمتطوعي الهلال الأحمر وتلاميذ المدارس الخاصة للتمريض والإسعاف، كذلك الشأن بالنسبة لمستشفى المجمع الشريف للفوسفاط الذي عرف حالات طوارئ واستقبل عشرات الحالات المصابة. وقد هرع على الثو عامل الإقليم والوكيل العام لاستئنافية خريبكة ووكيل ابتدائيتها لعين المكان وكذا للمستشفى الإقليمي لتفقد أحوال المصابين.
أما بخصوص الاعتقالات والتوقيفات، فإن فرقة الشرطة القضائية تمكنت من توقيف 15 متظاهرا، عشرة منهم تم إخلاء سبيلهم نظرا لقصر سنهم، بينما تم الاحتفاظ بخمسة أشخاص تحت الحراسة النظرية تم تقديمهم أمام وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بخريبكة، ومن بين الأفعال المنسوب لهؤلاء المتهمين, "التجمهر وتخريب الممتلكات وإهانة رجال القوة العمومية" وقد كان المتهمون مآزرون من هيئة الدفاع تتشكل من أكثر من 12 محاميا واحتشد ما يايربو عن ألف مواطن أمام ابتدائية خريبكة يرددون شعارات تطالب ب «الإفراج الفوري» عن المعتقلين الخمسة على خلفية الأحداث التي عاشتها المدينة وبعد الانتهاء من إجراءات البحث التمهيدي تم تمتيع المعتقلين بالسراح المؤقت وبعدها الإفراج النهائي، وأشارت جل التحريات إلى عدم وجود أية علاقة لجماعة العدل والإحسان بالأحداث التي شهدتها المدينة، وهو ما أكده أيضا بلاغ صادر عن الفرع المحلي للجماعة وفي غرض ذي صلة بالموضوع يذكر أيضا أن أبناء المتقاعدين أصدروا بيانا بينوا فيه أن هدفهم هو الحصول على شغل, وأن احتجاجاتهم كانت منذ بدايتها ذات طابع سلمي صرف, وأن السلطات المحلية تعد المسؤولة الأولى عن ما وقع من أحداث وهي التي اختارت لغة العنف بدل لغة الحوار لكي تحمي مصالح الإدارة الشريفة للفوسفاط لا أقل ولا أكثر.
إلى ذلك، قام محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومرافقيه، بإجراء سلسلة من اللقاءات جمعته مع عامل الإقليم والوكيل العام للملك، ومدير المكتب الشريف للفوسفاط والسلطات العمومية وممثلين عن المعتصمين وعينة من الضحايا وأقاربهم، ومنتدبين عن الهيئات السياسية والحقوقية والنقابية والمدنية ورجال الإعلام والصحافة المحلية والجهوية والوطنية، استمع فيها إلى إفاداتهم بخصوص الأحداث التي عاشتها مدينة خريبكة طيلة يوم الثلاثاء الأسود والوقوف على طبيعة وآثار هذه الأحداث وطريقة تدبيرها من قبل السلطات العمومية في ما يتصل بحقوق المواطنين لاسيما و أن هذه الزيارة تدخل في إطار ممارسة المجلس لاختصاصاته في مجال حماية حقوق الإنسان كما هي منصوص عليها في ظهيره المؤسس، لاسيما المادة الرابعة التي تنص على أن من اختصاصات المجلس القيام ب"رصد انتهاكات حقوق الإنسان بسائر جهات المملكة ومن أجل ذلك، يجوز له إجراء التحقيقات والتحريات اللازمة بشأنها كلما توفرت لديه معلومات مؤكدة وموثوق منها، حول حصول هذه الانتهاكات مهما كانت طبيعتها أو مصدرها".
كما تنص المادة التاسعة من الظهير نفسه، على أنه يجوز للمجلس أن "يتدخل بكيفية استباقية وعاجلة كلما تعلق الأمر بحالة من حالات التوتر، التي قد تفضي إلى انتهاك حق من حقوق الإنسان بصفة فردية أو جماعية، وببذل كل المساعي اللازمة وسبل الوساطة والتوفيق، التي يراها مناسبة بقصد الحيلولة دون وقوع الانتهاك حيث عمل وفد المجلس خلال تلك الزيارة على تجميع المعطيات حول تلك الأحداث.
وانتظرت الساكنة ما سيسفر عنه تقرير الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومرافقيه للوقوف عن من يتحمل مسؤولية ماحدث. سيما بعد استجابة إدارة الفوسفاط لمطالب المحتجين، وشرعت فعلا في تسجيل الشباب من أجل تشغيلهم، إذ خصصت مراكز لذلك ونعني بذلك مقر المقاطعة الحضرية الأولى، وشكلت خلايا تتكون من ممثلين عن إدارة المكتب الشريف للفوسفاط والوكالة الوطنية للتشغيل والكفاءات والسلطات المحلية وممثلين عن الشباب المحتج الراغب في العمل حيث فاقت الطلبات "الثلاثين ألف" إلى حدود 31 مارس 2011 . مع العلم أن إدارة المجمع الشريف للفوسفاط توعدت في تصريح للقنوات التلفزية المغربية وقناة العربية عن برمجتها لتشغيل 2000 عامل بصفة مباشرة وما بين 5000 و7000 عامل بصفة غير مباشرة سنتي 2011/2012 . وجاء ذلك حسب تصريح "لطه بلافريج" المدير المركزي للتنمية المستدامة والبيئة بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، وبعد انتهاء عملية التسجيل تخوف المسجلون من تنامي ظاهرة السمسرة في التشغيل حيث ظهرت ملامحه بعد محاولة يائسة من بعض النقابيين وأعضاء المجلس البلدي من بث التفرقة الثلاثية في صفوف الشباب لاستمالتهم والتوسط إليهم لدى إدارة الفوسفاط من أجل تشغيلهم بطرق ملتوية بعيدة عن النزاهة واحترام المعايير المحددة لتشغيل أبناء المتقاعدين.وهو ما جعل حوالي 270 متقاعد بالمكتب الشريف للفوسفاط وقعوا على عرائض وجهت إلى الديوان الملكي بالرباط تطالب من خلالها جلالة الملك بالتدخل العاجل لمطالبة الإدارة الشريفة للفوسفاط بتفعيل المادة السادسة من قانون المناجم الداعي إلى تشغيل أبناء المتقاعدين بمدينة خريبكة وبدون تمييز كعمال بالمكتب المذكور كما وجهت في نفس الصدد رسائل مذيلة بتوقيعات للسادة وزير التشغيل والتكوين المهني،والسيدة وزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، والسيد الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسيد رئيس مؤسسة الوسيط، والسيد المدير العام لإدارة المكتب الشريف للفوسفاط، والسيد عامل إقليم خريبكة.
وحيث وللمرة الثانية وفي ظرف أقل من شهرين فقط، عاشت مدينة خريبكة كابوس مخيف حيث سجل إصابة العشرات من المصابين جراء مواجهات دامية جمعت بين مواطنين وعناصر أمنية تدخلت لإيقاف احتجاجات عرفتها المدينة طيلة يوم الجمعة 14 ماي 2011، وكان رجال الأمن الخاص، المنتمون لشركة المناولة المستفيدة من صفقة حراسة منشآت المكتب الشريف للفوسفاط شركات (آنسي ماروك، كلونيت، داتا) ، قد دخلوا في احتجاج يوم الجمعة فقرروا آنذاك التوجه إلى السكة الحديدية في اتجاه حي المسيرة ووضع حد لحياتهم، مقررين "الانتحار الجماعي"، ومرددين آيات قرآنية. كما أقاموا صلاة الجنازة على أرواحهم قبل أن يحتلوا السكة الحديدية ويعكفوا على توقيف حركة قطارات الفوسفاط من خربيكة للدار البيضاء والجرف الأصفر من أجل المطالبة بتحسين وضعيتهم المالية والاجتماعية لأن رواتبهم هزيلة جدا، فعمال وعاملات النظافة مثلا لا تتجاوز رواتبهم 1200 درهم في الشهر، وما بين 900 و1500 درهم يتقاضاها عمال البستنة، و1800 درهم لعمال الحراسة، وحوالي 2500 درهم بالنسبة إلى السائقين، وكلها أجور هزيلة، إضافة إلى أن جميع العمال غير مرسمين ولا يتوفرون على امتيازات كتلك التي يتمتع بها عمال المكتب الشريف للفوسفاط، وزادت حالة من الغضب والهيجان تعم صفوف عمال شركات المناولة بعدما انتهت إليهم أخبار تفيد بأن المكتب الشريف للفوسفاط، وخلال يوم الاعتصام بالضبط، منح امتيازات وتعويضات لفائدة العاملين به. ويتعلق الأمر بإضافة 1000 درهم في الراتب الأساسي وتعويضات جزافية قدرها 700 درهم على التنقل والولادة والمصالح الاجتماعية الأخرى، وهناك من العمال من بلغت الزيادة في أجورهم 2000 درهم في اليوم ذاته، في الوقت الذي رفض المكتب نفسه إنقاذهم من جحيم ما يتعرضون له بشركات المناولة التي يستفيد القائمون على تدبير شأنها من أموال ضخمة مقابل فتات يقسمانه على المستخدمين البسطاء. تم أن النقطة التي جعلت العاملين يدخلون في الإضراب هي إقدام المجمع الشريف للفوسفاط على إدماج كل العمال السابقين (800 عامل) الذين كانوا يعملون لدى شركة «السميسي ريجي» وهي الشركة التي تتعاقد مع شركات الوساطة لدى المجمع الفوسفاطي.
مشكل الإدماج هذا كان موضوع لقاءات بين العمال والمسؤولين في المدينة، بالإضافة إلى مسؤولي المجمع الفوسفاطي. لأن مندوب الشغل ومندوب وزارة الطاقة والمعادن وغيرهم من المتدخلين، بالإضافة إلى السلطات، أوضحوا للعمال بأن مسألة الادماج ليست حقا من حقوقهم وليست فرضا على المجمع الفوسفاطي لأن العاملين لهم عقد عمل مع شركات المناولة وليس مع إدارة الفوسفاط.
خلفية مطلب الإدماج لدى العمال، تعود بالأساس إلى ما يعتبرونه حيفا في حقوقهم إذ أن أجورهم لا ترقى إلى المستوى المعمول به في عالم الشغل، وأن المندمجين في إدارة الفوسفاط يؤدون نفس الوظائف التي يؤديها الموسميون حيث يتقاضون عنها أجورا أعلى دون احتساب الحقوق الاجتماعية التي يتمتعون بها.
والجدير بالذكر أن الاحتجاج الذي تم، كان مسنودا بعدد من أطر التنظيم المحلي لجمعية حملة الشهادات المعطلين بخريبكة إلا أن الأمور تطورت بعد التحاق عدد كبير من المواطنين لتتسع رقعة الاحتجاج لاسيما بعد انضمام أبناء أحياء مختلفة بخريبكة، من بينها حي السلام، الزيتونة وبنجلون وإقبال، وقد امتدت إلى حي البيوت. حيث طوروا التظاهر ليعكفوا على توقيف حركة قطارات الفوسفاط من خربيكة للدار البيضاء والجرف الأصفر. ما نجم عنه إعطاء الأوامر بتدخل أمني أسفر عن سقوط مصابين من الطرفين. وقد امتد العنف لساعات طوال تجاوزت منتصف الليل، إلا أن محاولتهم في الضغط على الجهات المسؤولة، وفق ما اعتبروه وسيلة للضغط، انقلبت إلى تهمة في حق أحد عشر منهم ممن تم اعتقالهم في اليوم نفسه، إلى جانب أربعة آخرين من خارج الشركات المعنية وجهت لهم تهم ثقيلة، بعد أن تحول الاعتصام إلى تراشق بالحجارة واستعمال الزجاجات الحارقة والعصي بين الطرفين، واستعملت فيها القوات الأمنية القنابل المسيلة للدموع "كروموجين "وخراطيم المياه لتفرقة المحتجين، وقامت بعمليات تمشيط واسعة وحظر للتجوال إلى ما بعد فجر اليوم الموالي، تلك المواجهات خلفت إصابة حوالي 191 شخص، منهم رجال أمن ومدنيون. نقلوا إلى المستشفى الإقليمي الحسن الثاني ومستشفى الفوسفاط، من بينهم حالتان خطيرتان بقسم الإنعاش والجراحة، بينما أحيلت أربع حالات على المستشفى العسكري بالرباط. وقد استقبل قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي بالمدينة 33 مصابا من رجال الأمن و15 دركيا و51 من القوات المساعدة و31 من عناصر الجيش و6 مدنيين وعنصرا واحدا من قوات التدخل السريع، وتلقى مستشفى الفوسفاط 53 حالة إصابة برضوض وجروح متفاوتة الخطورة في صفوف رجال القوات العمومية، كما سجلت إصابة سيدة من المدنيين.
وانتهت هذه المواجهات أيضا باعتقالات في صفوف العشرات (حوالي 60 شخصا) أطلق سراح عدد كبير منهم، من بينهم قاصران وأربعة أشخاص ينحدرون من مدينة وادي زم من ذوي السوابق العدلية، بينما تم الاحتفاظ ب15 شخصا، من بينهم 11 من عمال الشركات المناولة، و4 أشخاص لا علاقة لهم بهذه الشركات، وهم الأشخاص الذين أودعوا السجن المحلي بالمدينة،وتوبع هؤلاء بتهم، من بينها "تكوين عصابة إجرامية، العصيان المدني، التجمهر المسلح، عرقلة سير قطارات عن طريق وضع أحجار ومتاريس بالسكك الحديدية، الضرب والجرح والرشق بالحجارة في حق القوات العمومية بسبب وأثناء ممارسة مهامها، إضرام النار عمدا، تخريب وتعييب منشآت عمومية" وتم الحكم عليهم بأحكام متفاوتة.
والجدير بالذكر أن مدير التنمية المستدامة بالمجمع الشريف للفوسفاط، في تقرير رسمي، بين أن المجمع يعقد العزم على تصحيح الأخطاء للتقدم إلى الأمام. وأن النتائج الأولية للتسجيلات في إطار عملية المجمع الشريف للفوسفاط لدعم التشغيل أفرزت حوالي 33253 طالب شغل، تقلصت بعد مرحلة التنقيح الأولي إلى 30594 طالب شغل، بعد أن تم التشطيب على أسماء تتعلق بموظفين ومهندسين ومهاجرين قانونيين بالخارج، حسب مصادر جد مطلعة. وتقدم المكتب الشريف للفوسفاط، في شخص طه بلا فريج، مدير التنمية الاجتماعية، وفق التقرير نفسه، بالصيغ الثلاث للمكتب الشريف في عملية دعم التشغيل هذه. وتتعلق الصيغة الأولى بالتشغيل المباشر للفئات التي تتلاءم مؤهلاتها مع حاجيات المجمع الشريف" 5800منصب شغل"، والصيغة الثانية توفير تكوين متميز لفائدة مجموعات أخرى عبر العقد الذي أبرمه المجمع الشريف للفوسفاط مع كبريات المؤسسات والمعاهد العليا بالمغرب (المدرسة المحمدية للمهندسين، المدرسة الحسنية للمهندسين، الكلية متعددة التخصصات بخريبكة، معاهد التكوين المهني) " 15000 مكون" مع تخصيص منح مالية كافية لفائدة المستفيدين 2000 درهم بالنسبة للمكونين خارج إقليم خريبكة، و1200 درهم بالنسبة للمكونين داخل الإقليم". وتتعلق الصيغة الثالثة بتمويل المكتب الشريف لحاملي مشاريع صغرى ذاتية من خلال إحداث صندوق للمساعدة الاجتماعية.
كما وعد المكتب بالدعم اللازم لجمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال التنمية البشرية، وحل مشكل شركات المناولة التي أفرزت عدة اختلالات، والتفكير في إيجاد صيغ لرد الاعتبار لفئة متقاعدي المجمع المعوزين، الذين تبقى رواتبهم هزيلة، والتفكير في إيجاد صيغ لجبر الضرر بالنسبة إلى الساكنة المجاورة للاستغلالات المنجمية المتضررة بشكل مباشر من التلوث الناجم عن هذه الاستغلالات البشعة للمجمع.
وقد اعتبر شباب المنطقة أن وعود المجمع ملغومة ومزيفة ولم يثنيهم ذلك استمرارهم في الاحتجاجات خلال منتصف شهر يوليوز لتشمل جل أرجاء المدينة بعد أعمال عنف وتخريب عم مقتصدية المكتب الشريف للفوسفاط بخريبكة واعتراض حافلات المكتب الشريف من نقل المستخدمين من وإلى العمل، حيث انتقلت عدوى الاحتجاجات للقرى المنجمية بولنوار، حطان، بئر مزوي ومدينتي وادي زم وبوجنيبة هاته الأخيرة التي عاشت يوم 7 يوليوز 2011 أحداث شغب بمختلف أحياء وأزقة المدينة خلفت إصابات وأضرارا مادية تمثلت في تخريب وتكسير زجاج مكاتب باشوية بوجنيبة وإضرام النيران ونهب محتويات منشآت تابعة للمجمع الشريف للفوسفاط، فضلا عن إتلاف سيارة ودراجتين في ملكية أعوان السلطة. وتم خلال تلك الأحداث إيقاف أكثر من عشرة أشخاص وإحالتهم على أنظار العدالة بسبب هذه الأحداث التي ترجع بالأساس لعدم تفعيل الوعود المقدمة سلفا من طرف المسؤولين عن تدبير ملف التشغيل بالإقليم، ولعدم استيعاب واستساغة المحتجين للمعايير التي اعتمدها المجمع الشريف للفوسفاط في التوظيف نظرا لعملية الانتقاء المجحفة وغير المنصفة إذ توصل بالرسائل أناس يعملون بالخارج وكذا موظفون ومستخدمون، كما أن هناك بعض العائلات استفاد منها أكثر من شخص في هذه العملية في حين أن هناك أسر أخرى لم يستفد منها أي أحد.
وإلى حدود كتابة المقال، وباستثناء بعض المستفيدين من التكوين والذين تم إبعاد جزء كبير منهم عن المدينة نهجا لسياسة فرق تسود وحرصا على سياسة الهاجس الأمني فما زال العديد منهم لم يعرف الوجهة بعد، تم أن جميع الذين تم اختيارهم للتشغيل بالمكتب الشريف للفوسفاط وقدموا ملفاتهم ووثائقهم منذ ثلاثة أشهر واجتازوا الفحوصات الطبية بنجاح لم تتم المناداة عنهم بعد وتشغيلهم.
ولعله وأمام تمادي إدارة المكتب الشريف للفوسفاط وتعنتها في تجاهل مأساة شباب مدينة خريبكة تحت أنغام نشيد " الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان" فالمتتبع لحال هذه الفئة يصاب بالذهول لحجم ما يقترف في حقها من ظلم وقهر، حيث أصبح الشباب يعيش بين سندان تعنت إدارة الفوسفاط ومطرقة قمع القوات الأمنية مع عدم جدية الجهات المعنية في التعاطي مع هذه الأزمة الاجتماعية الجديدة التي يعرفها إقليم خريبكة والذي يعيش فوق صفيح صاخن نتيجة السياسات اللاشعبية التي ينهجها المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) في التشغيل، هاته الشركة العملاقة التي تعد دولة داخل دولة تريد مواصلة أرباحها باللجوء إلى شركات التشغيل المؤقت (شركات المناولة الوهمية أو مقاولات من الباطن التي تمثل غطاء لنهب المال العام) والتي تأتي كنتيجة لجشع الرأسمالية المتوحشة ومؤسساتها والمقتاتين على فتاتها، والتي نجد تجلياتها الواضحة في نظام الخوصصة أو الخصخصة المقنعة في تدبير المرافق العمومية من خلال مؤامرات التدبير المفوض للتشغيل أساسا، الذي يستهدف الإجهاز على الحقوق التاريخية للعمال والعاملات، عبر استنزاف قوتهم وهدر طاقتهم والمنتشر مثل السرطان في شرايين كافة القطاعات الحيوية بالبلاد.
إن الوضع الحالي الذي خلفته إدارة الفوسفاط والسلطة المحلية يدفع يوما بعد يوم في اتجاه تهييج مشاعر الحقد الاجتماعي وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة التي يفترض فيها حماية حقوق المواطنين بكل فئاتها وصونها بكل ما يقتضي ذلك القانون الذي يجعل كل الأشخاص الذاتيين والمعنويين سواسية، لقد غدا حال أبناء متقاعدي الفوسفاط دلالة قاطعة على البون الشاسع بين الخطاب الرسمي الزائف وبين الواقع اليائس الذي تتجرعه هذه الفئة بمرارة وعلى مدار الأيام.
والحقيقة حسب المعتصمون أن ماقامت به إدارة الفوسفاط هو محاولة يائسة للتنصل من تشغيل المزيد من العمال، ويدخل ذلك ضمن مخطط جهنمي بتوجيهات من دوائر أجنبية وضمنها صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ويهدف إلى التقليص من العمال إلى أقصى الحدود، وهو ما تشهد عليه زيارة وفود أجنبية لمواقع الإنتاج وقيامها بعمليات قياس المدد الزمنية التي تستغرقها العمليات الإنتاجية، وهي عمليات ظاهرها عقلنة الإنتاج والتقليص من كلفته، لكن الجوهري فيها هو تمهيد الطريق لشركات أجنبية ومحلية للقيام ببعض الأشغال والعمليات تحت ستار المناولة، وقد سبق أن أجريت نفس الطريقة بالمكتب الوطني للسكك الحديدية ولم تؤد إلا إلى الرفع من تكلفة الخدمات بدل تخفيضها وإلى رداءتها مقارنة مع السابق.
ناهيك على كون أن شركات المناولة التي تتكلم عنها إدارة الفوسفاط هي مجرد شبابيك لأداء الأجور، بحيث استقدمتها الإدارة للقيام بتلك الأعمال وهذا يخصها لوحدها، أما المعتصمون فهم يعتبرونها شركات صورية لم تملك يوما ما، لا قرار التشغيل ولا قرار الفصل وكل شيء كان يتم بشكل مباشر من طرف إدارة الفوسفاط. والأدهى والأمر أنهم لا يعرفون أي شيء لاعن مالكيها ولا عن هياكلها الإدارية، ويعتبرونها وسيلة من وسائل التحايل على الحقوق، وربما غطاء تبحث من خلاله إدارة الفوسفاط عن إمكانية التوقيف والتشريد.
ويفترض في المكتب الشريف للفوسفاط أن يكون مقاولة مواطنة تساهم بشكل فعال في التنمية البشرية المندمجة مع محيطها السوسيو اقتصادي. من هذا المنطلق فالروح الوطنية تقتضي ترسيخ العدالة الاجتماعية بعدم الاستهتار بخيرات البلاد، وتقتضي أيضا التمتع بحق العيش الكريم وعدم الإحساس بالغربة في هذا الوطن نتيجة الفوارق الاجتماعية الفاحشة.
وفي الوقت الذي يسجل فيه قطاع الفوسفاط جني أرباح قياسية وخيالية، فاقت 64 مليار درهم، وتصدير حوالي 32 باخرة من الفوسفاط ومشتقاته شهريا من مينائي الجديدة وآسفي مستفيدا من ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، وهو أعلى دخل يحققه قطاع الفوسفاط الذي يعتبر أول مصدر صناعي للعملة الصعبة في المغرب منذ 1973 وتمكن المكتب من تعزيز حضوره في السوق الدولية بفضل مجهود العمال الكادحين "الحوفارا" حيث يحتل حاليا المركز الثالث بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ودخل المكتب في شراكة مالية مع البنك الشعبي من خلال تبادل حصص حجمها % 5 في المائة من رأسمال المجموعتين تحسبا لمنافسة دولية قوية، بعد دخول الصين ودول أخرى قطاع تصدير الفوسفاط، ناهيك عن مصادقة البرلمان على تحويل المكتب الشريف للفوسفاط إلى شركة مساهمة تملك الدولة كل رأسمالها، مما يسمح لها بدخول السوق الدولية لرفع القروض الضرورية للإستتمار والتوسع، هذا يأتي في الوقت الذي كان يتوقع المكتب تراجع إيرادات الفوسفاط والحمض الفوسفوري السنة المنصرمة بسبب الأزمة المالية العالمية، التي أدت إلى تراجع الطلب وانخفاض الأسعار وظهور منتجين جدد، مما حدا بالمكتب الشريف للفوسفاط أن يعتزم زيادة إنتاجه من 30 مليون طن حاليا إلى 45 مليون طن سنويا مطلع 2015 كان من شأنها أن تنعكس على أوضاع العمال، بل نجده ينهج سياسة تهدف إلى المزيد من هضم حقوقهم وتعميق معاناتهم عبر توقيف العشرات والمئات منهم وضمنهم سابقا مثلا عمال (سميسي/ريجي) SMESI /REGIE.
فأي مكتب شريف للفوسفاط هذا، الذي عمل على سلب أجود الأراضي بمدينة خريبكة المناضلة واستغل خيراتها الظاهر منها والباطن بلهف وجشع قرابة قرن من الزمن وجنا من وراءها أرباحا خيالية تقدر بملايير مليارات الدولارات بلا حسيب ولارقيب، ودون استفادة الساكنة المحلية من مداخيله ومشاريعه واستثماراته الإنمائية المبرمجة وطنيا ودوليا باعتباره شركة مساهمة أو على الأقل بتشغيل أبناء المتقاعدين حسب ماتنص عليه المادة السادسة من قانون المناجم، رغم ماخلفه وراءه من ويلات تلوث البيئة والغطاء النباتي والفقر والحرمان والإقصاء ومن تدهور في صحة الساكنة عبر انتشار أمراض فتاكة كالحساسية والقصور الكلوي والربو ومشاكل ضيق التنفس بسبب الغبار والأدخنة المتسربة من معامل الفوسفاط والمتطايرة في الهواء، والإشعاع المفرط في لورانيوم والسيليكوز، وماخلفه أيضا من تصدعات في المنازل وانشقاقها بفعل قوة المتفجرات المستعملة أثناء التنقيب واستخراج الفوسفاط من الباطن، مع الاستهتار بأرواح المستخدمين البسطاء بسبب حوادث الشغل المميتة وفي الأخير تنكر لأبناء مدينة خريبكة الأحرار وعمالها الأشاوس الأبرار وجازاهم بالإهانة والإدانة والطرد والتسريح بدل التكريم والتوشيح كما حدث سابقا لعمال السميسي ريجي ولا يهم مسؤوليه القائمين على شأنه تقل السؤال والحساب.
فالمكتب الشريف للفوسفاط عرف في العشر السنوات الأخيرة خصاصا كبيرا من حيث الموارد البشرية فضلا عن شيخوخة طبقته العاملة خاصة في منطقة إقليم خريبكة، وتبقى الأسئلة المركزية التي نطرحها بإلحاح تتمثل في سبب رفض المكتب تشغيل أبناء متقاعدي المكتب الشريف للفوسفاط ؟ ولماذا تتدخل السلطة إبان كل اعتصام لمنع الشباب العاطل من الوقوف أمام إدارة الفوسفاط ؟ وما موقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط مما تم اقترافه في حق شباب المنطقة ؟ فهل هذا هو التقدم الذي حققته بلادنا في الحقوق المدنية والسياسية والدستورية؟ وهل لم يكن من الأجدر القيام ببحث مدقق من الدولة والإدارة عن كيفية دواعي تأسيس الشركات الوهمية وعن طرق تشكيلها وكدا الجهات المتضلعة و المستفيدة منها ومن حساباتها وأرباحها الطائلة؟ أسئلة وأخرى نطرحها على المسؤولين المحليين والمركزيين بالإدارة الشريفة للفوسفاط لعلها تقض مضاجعهم ونجد منهم شجاعة كافية وآدانا صاغية وأجوبة شافية ومقنعة بعيدة عن المزايدات والمراوغات والافتراءات الواهية التي لاتخدم للود قضية لحل المشكل المفتعل وطي ملف التشغيل بسرعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.