إعدام ثلاثة صحراويين بتندوف.. الجزائر و"البوليساريو" في قفص الاتهام    إعادة انتخاب نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    مؤتمر الاستقلال.. اختلاف على اللائحة أجل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    هل تصدر الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو؟    ثورة الجامعات الأمريكية.. غزة تحرر العالم    ميسي كيحطم الرقم القياسي ديال الدوري الأميركي بعد سحق نيو إنغلاند برباعية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    ليفار: قرارات الرداد أثرت فخسارتنا لماتش الحسنية وغانشكيو به للجنة التحكيم باش ياخد الجزاء ديالو    بسبب خريطة المغرب.. إتحاد العاصمة الجزائري يتجه نحو تكرار سيناريو الذهاب    الملياردير ماسك يبدأ زيارة مفاجئة إلى بكين    تعيين حكم مثير للجدل لقيادة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان "مالمو"    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    الحسنية يلحق الهزيمة الأولى بالجيش الملكي في البطولة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    الحرب في غزة محور مناقشات قمة اقتصادية عالمية في المملكة السعودية    ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار    السلطات المغربية تتعقب صاحب صفحة "لفرشة"    محاولة الهجرة إلى سبتة تؤدي إلى مصرع شاب وظهور جثته في الحسيمة    ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق "تيك توك"؟    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    افتتاح مهرجان تطوان المتوسطي ب"بنات ألفة"    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الأمثال العامية بتطوان... (584)    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عامان بعد مقتل العقيد القذافي الفوضى تخطف الثورة

مرّت منذ أيام الذكرى الثانية لمقتل القائد الليبي الشهير أمعمر القذافي على يد مجموعة من الثوار قرب مدينة "بني الوليد" التي لا يزال أبناؤها إلى الآن أوفياء له. وقد كان اختلاف الثوار حول طريقة التعامل معه فور العثور عليه إثر قصف الناتو لقافلته وتدميرها، مقدّمة لما يحصل في ليبيا اليوم من فوضى واضطرابات وتشرذم بين رفقاء الثورة؛ حيث طالب البعض بحمله حيا إلى طرابلس لسجنه ومحاكمته، بينما لم يكتفِ آخرون بضربه وتعذيبه بشتى السبل، بل وقاموا أيضاً بإعدامه خارج إطار العدالة والتنكيل بجسده وعرضه للشعب للتفرّج عليه، وهو تجاوزٌ كبير ارتكبه الثوار الذين من المفروض أنهم ثاروا من أجل إقامة العدالة ودولة القانون والحريات والحقوق...
واليوم وقد مرّت سنتان على نجاح الثورة الليبية في إسقاط حكم القذافي، يجدر التساؤل: هل نجح الثوار أيضاً في تحقيق إقامة الديمقراطية الموعودة التي ثاروا من أجلها؟ هل تغيّر وضع ليبيا نحو الأفضل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. مقارنة بفترة القذافي؟ أم أن الوضع بات أسوأ في ظل تفشي الفوضى والانفلات الأمني واستفحال الجريمة وهيمنة الميليشيات على الساحة وضعف الحكومة المركزية أمامها إلى درجة اختطاف رئيس الحكومة علي زيدان وتعنيفه لساعات قبل إطلاق سراحه؟
هذا الملف محاولة لتقديم إجابات على هذه الأسئلة وغيرها.
الثوار سحلوه وضربوه ورصاصة "مجهولة" سكنت رأسه
اللحظات الأخيرة للعقيد الذي توعّد بمطاردة خصومه.. "زنقة زنقة.. دار دار"
كثيرون هم الذين سردوا اللحظات الأخيرة لمقتل العقيد الليبي معمر القذافي، وكثيرون صدّقوا تلك الروايات في حين كذبها آخرون بل وصنفوها ضمن "أسطرة" العقيد أو حتى "بهدلته" في آخر أيامه.. لكن قليلين جدا من يعرفون الرواية الحقيقية، والقصة الكاملة، لنهاية رجل كان يتوعد خصومه بمطادرتهم "دار دار، بيت بيت، زنڤة زنڤة" قبل أن ينتهي به الأمرُ مسحولا، ومغتالا برصاص "مجهول" ومجرد جثمان يتفرج عليه الليبيون بعد أن يمضوا ساعات في الطوابير!
بين هؤلاء الذين كانوا مع العقيد في لحظاته الأخيرة.. سائقه الخاص الذي استمر معه 30 عاما، يقول: "رفعت يدي إلى أعلى مع اقتراب الثوار المدججين بالسلاح، صدمني أحدهم بمؤخرة بندقيته فسقطت أرضا.. شاهدت بعضهم يسحبون العقيد من داخل أحد أنابيب الصرف قبل أن أسقط فاقدا للرؤية بشكل جزئي.. ألقيت بصعوبة نظرة أخيرة عليه وقد احتشد الثوارُ حوله ثم انهمرت الضربات على كلينا".. لكن ماذا عن القصة من البداية قبل "الهجوم الأخير".. تقول بعض التقارير أن القذافي خرج من طرابلس تحت وقع الضربات الجوية للناتو، و"مخافة" اقتراب الثوار أكثر منه يوما بعد يوم في سرت، استمر القصف خمسة أيام كاملة، كان عنيفا، مدويا، ولا يفرق بين الشجر والحجر والبشر.
ويعود السائق ليروي تلك الأيام فيقول "وقف القذافي مودِّعا سرت ناظرا بكثير من الحيرة إلى أطلالها التي بدت وكأن أبواب الجحيم قد فتحت عليها فكل شيء حوله كان مدمرا من أثر التفجيرات، وبعد أن توقف الركب بفعل القصف الذي تعرضنا له شاهدت مجموعة من الثوار المقاتلين يتجهون نحونا.. لم يكن العقيد خائفا لكنه بدا وكأنه لا يعرف ما ينبغي عليه فعله.. كانت المرة الأولى التي رأيته فيها في موقف كهذا"..
يقول آخرون أن موكب العقيد تعرض للقصف، فأصابته جروحٌ بليغة.. كان مصاباً وتم سحبه من أنبوب لصرف المياه حيث كان يختبئ في سرت وإنه سار 10 خطوات قبل أن ينهار وسط إطلاق النار.. لكن من قتله؟ من كان صاحب الرصاصة الأخيرة؟ لا أحد يعرف، أو يعرفون ولا أحد يقول الحقيقة، الجميع يتكهن؟!
السؤال الآخر: لماذا لم يدافع القذافي عن نفسه؟ أين اختفى أنصاره؟ صحيح أن القوات الموالية للقذافي قامت بتجهيز رتل مسلح من 75 سيارة استعدادا للفرار من سرت والتوجه إلى الجارف لكن طائرات "تورنادو" التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني التقطت تلك التحركات، فاستنتج قادة الناتو في نابولي أن قوات القذافي بدأت الفرار، فصدر القرار بقصف أول عربة في القافلة والمنفذ كانت مقاتلات فرنسية..
أُخرج القذافي من النفق وهو يقول "لا تطلقوا النار، لا تطلقوا النار" هل كان خائفا أم مصدوما أو مندهشا؟ أو ربما اختلطت عليه جميع تلك الأحاسيس دفعة واحدة.. قُتل حرسُه الشخصيون، كما قطع رأس أحدهم قبل أن يتم نقل القذافي إلى الطريق الرئيس حيث أوقف المقاتلون سياراتهم ال"بيك آب"...وهنا تصف جريدة "تايمز" البريطانية حالة العقيد فتقول: "كانت الدماء تسيل من كتفه، قال شهودٌ عيان إنه كان يعرج كما لو كان أصيب في قدمه.
وفي المسافة القصيرة من الحفرة انقشعت رهبة المقاتلين من الرجل الذي حكم البلاد 42 عاما.. كانوا يصيحون في وجهه، ويضربونه في ظهره، ويصيحون باستمرار "لا اله إلا الله" ويكبرون قائلين "الله اكبر ولله الحمد" صرخ العقيد رغم إنهاك قوته (فأيامه الأخيرة عاشها متنقلا من بيت إلى بيت وهو لا يأكل سوى الأرز) متسائلا: "شنو فيه؟".. سؤال تأخر مدة 42 سنة ولم ينتظر لمعرفة الإجابة .
تقول روايات الشهود أن الناس رجموه بالحجارة في لفتة احتقار وشدّوه من شعره المصبوغ الأجعد.. سرواله الذهبي اللون صار الآن ملطخاً بدمه.. يظهر مسدس وهو يرفع إلى رأسه، لكن الفيديو يتوقف من دون أن يبين ما حدث بعد ذلك.. توقف العقيد معمر القذافي عن السؤال، رحل مخلفا وراءه ملامح الصدمة، تلك الملامح التي لم تفارق جثمانه حتى وهو على الأرض.. وأيضا عبر اليوتيوب!
"ويكيليكس" تعتبره أكثر الحكام العرب ثراءً
أينَ ال247 مليار دولار التي يملكها القذّافي؟
عاد الحديث عن مصير ثروة الزعيم الليبي الهالك معمّر القذافي إلى الواجهة بعد عامين من سقوط نظام العقيد، يأتي هذا بعد تلك التقارير الإعلامية التي أخذت حيزّا كبيرا من النّقاش عبر وسائل الإعلام عن الحجم الحقيقي لأموال العقيد وعائلته، ففي حين قدّرت بعض المصادر ثروة العقيد لوحده ب80 مليار دولار فإنّ مصادر أخرى أكّدت أنّ استحواذ الهالك على أموال الشعب الليبي بلغ ذروته وتعدّى في جرمه كل الشبكات المافيوية في العالم، حيث شدّد عضو محكمة الجنايات الدولية بلاهاي المحامي الهادي شلوف أن الدراسات الاقتصادية أثبتت أن حجم الأموال التي جنتها ليبيا من عائدات النفط منذ عام 1969 تقدّر بثلاثة آلاف مليار دولار، وأن نصف هذا المبلغ ذهب إلى خزينة القذافي وأبنائه، كما نشرت وثائق "ويكليكس" تقارير تؤكّد أنّ القذافي أكثر الحكام العرب ثراء وثروته فقط تقدر ب 131 مليار دولار وهي أكثر من الميزانية السنوية لليبيا ب6 مرات، كما جاء أنّ مجموع ثرواته مع أبنائه أكثر من 247 مليار دولار، وتتركز ثروته في إيطاليا، بينما نشرت وسائل إعلام أخرى أنّ ثروته موزّعة بين العديد من الدّول وأغلبها في الخليج العربي.
مع اندلاع ثورات ما يسمّى بالربيع العربي الذي استحال بفعل المؤامرات إلى شتاء قارس، سارعت الكثير من دول العالم إلى تجميد ثروات العديد من القادة العرب وعلى رأسهم القذّافي، وكان من المذهل أن تعلن الولايات المتّحدة الأمريكية عن تجميدها في يوم واحد ثمّ تليها العديد من الدّول الأوربية كإيطاليا وسويسرا وغيرهما من الدّول.
وأمام ما تعيشه البلاد العربية من"ردّة"عن الحرّيات وبناء دول القانون يتساءل الكثير من المتابعين عن سرّ الصمت الذي يسود ليبيا من طرف حكّامها الجدد في فتح تحقيق شامل مع الدّول المتورّطة مع العقيد ومطالبتها بالإعادة الفورية لأمواله التي نهبها، فيما يتخوّف البعض من تواطؤ هؤلاء مع تلك الدّول لتحويل أموال الهالك إلى غير وجهتها ما يخدم مصالحها بحيث ما تدخّلت في ليبيا إلا لسرقة ثرواتها وتنصيب من يخدم مصالحها لحكم البلاد.
بين مطارَد ومعزول ومتهم بالقتل
الثورة الليبية تأكل أبناءها
يفترض أن تكرم الثورة قادتها وشخصياتها، فهم نبراسها وعقل الثورة، بهم يستنير الثوار، حتى يسقط الطغاة الذين قامت ضدهم الثورة، هذا المنحى لم يجد سبيلا للتطبيق ليبيا، فقادة الثورة ومن قامت ضدهم الثورة انتهوا سواءً، فالقذافي انتهى مقتولا، وأبناؤه بين هالك ومسجون ومنفي، ونفس الأمر عند من يسمون بقادة الثورة كعبد الجليل وجبريل وغوقة، ف"الثلاثي الثوري" أصبح من الماضي في الذكرى الثانية فقط لسقوط نظام العقيد.
ذاع صيت مصطفى عبد الجليل بعد أن كان أول مسؤول كبير يعلن استقالته من نظام العقيد معمر القذافي في يوم 21 فيفري عام 2011 بمدينة البيضاء، بعيد تفجر ثورة 17 فيفري، محتجا على "الأوضاع الدامية واستعمال العنف المفرط" ضد المتظاهرين، كما دخل دائرة الاهتمام الإعلامي، بشكل أكبر، بعد إعلانه في أوج أحداث الثورة الليبية عن مساع لتشكيل مجلس وطني مؤقت برئاسته تمهيداً لتشكيل حكومة تضم شخصيات مدنية وعسكرية "موثوقا بها" تسيِّر شؤون كل "المناطق المحررة" مدة ثلاثة أشهر، على أن يتوج ذلك بانتخابات حرة ديمقراطية ونزيهة، يختار الشعب بموجبها نوابه ورئيسه بشكل ديمقراطي حر.
وكان لعبد الجليل ما أراد، حيث ترأس المجلس الوطني الانتقالي حتى شهر أوت 2012، وفجأة انهالت التهم والمتابعات القضائية ضد عبد الجليل، ووجّه له الادعاء العسكري تهمة "إساءة استخدام السلطة وتفتيت الوحدة الوطنية" في التحقيقات بمقتل اللواء عبد الفتاح يونس الذي كان أحد قادة الثورة الليبية عام 2011، ولم يظهر له أثر، إلى غاية الساعات 48 الأخيرة حيث استفاض في حوار مع جريدة مشرقية.
ولا يكاد مصير عبد الجليل يختلف عن مصير صاحب الشهادات العليا من أرقى الجماعات الأمريكية، محمود جبريل، الذي تولى رئاسة المكتب التنفيذي التابع للمجلس الوطني -بمثابة رئيس وزراء- لكن جبريل لم يستمر طويلا في المنصب -7 أشهر فقط - ليسقط ويزاح بعيدا بعد إصدار قانون العزل، الذي أبعد كل من اشتغل مع القذافي في الوظائف السامية الدولية، فقد جنت عليه الشهادات التي تحصّل عليها من أمريكا في السياسة والتخطيط الاستراتيجي والتي بوأته منصب مستشار للقذافي، ليُبعد بشكل نهائي من دائرة السلطة، ولأنه رمز للعلمانية، تطارده فتوى من القاعدة بإهدار دمه والتهمة "علماني ناشر للكفر والفساد في البلاد",.
فكرة الهروب عرضها على أحد الحراس
سيف الإسلام طلب استخلافه في السجن بشبيه له مقابل أموال طائلة
ذكر مصدرٌ مقرب من حراسة سيف الإسلام القذافي ل "الشروق" أن هذا الأخير بصحة جيدة ولم يتعرض لأي ضغوط نفسية أو تعذيب وهي الأخبار التي راجت قبيل موعد محاكمته في الزنتان وليس طرابلس، بعد أن وجهت له جرائم ثقيلة رفقة 30 متهما من أتباعه وعدد من قيادات النظام المنهار يتقدمهم عبد الله السنوسي مسؤول المخابرات في عهد القذافي ومنصور ضو مسؤول الحرس الشعبي والمحمودي البغدادي آخر رئيس حكومة في النظام المنهار المنتظر محاكمتهم في طرابلس لاحقاً.
ويوجد سيف الإسلام حاليا في مكان سري قريب جدا من جبل أنفوسة، 150 كلم عن العاصمة طرابلس، كما لازالت فرقة خاصة من ثور الزنتان المكلفة بحراسته في حبسه ترفض تقديمه للمحاكمة في العاصمة الليبية، نظرا لاعتبارات أمنية، حسب مصدرنا الذي أوضح أن سيف الإسلام سبق وأنه عرض على حراسه مبالغ طائلة نظير تهريبه واستخلافه بشخص شبيه له، وقال نفس المسؤول الذي سبق وأن زوّدنا بما جاء في محاضر التحقيقات أثناء سماع سيف الإسلام في وقت سابق، أن هذا الأخير قال لأحد الحراس أن الشخص الذي سوف يستخلفه في سجنه جاهزٌ للقيام بالمهمة وما عليهم سوى تسهيل هروبه مقابل مبالغ طائلة يتقاسمها الحراس، وهو ما جعل قائد الكتيبة المكلف بالمكان يصدر تعليمات صارمة بتغير الحراس المناوبين كل نصف ساعة تقريبا.
وتقوم كتيبة خاصة بتعميم إجراءات الأمن في المكان وتتمتع بخبرة في مجال حراسة الشخصيات تم اختيار عناصرها من فرق سابقة كانت تعمل لدى النظام المنهار قبل أن تنقلب عليه، واعتبر نفس المصدر الذي وعد بالكشف عن هويته عقب انتهاء محاكمة سيف الإسلام في الزنتان، وتزويدنا بحقائق مثيرة على حد قوله "كل ما أؤكده لكم أن هذا المتهم سجين حرب ولابد أن يُعامل بطريقة جيدة".
هذا وأرجع عملية إجراء المحاكمة في الزنتان إلى التجاذبات الكبيرة بين الثوار في مختلف المناطق وعودة الاقتتال والاضطرابات القبلية بين الإخوة الفرقاء، ومعلوم أن ثوار الزنتان يتحفظون على تسليم المتهم للنائب العام بطرابلس، بداعي عدم استيفاء الشروط القانونية لنقله، وإجراءات محاكمته انطلاقا من مبدأ الإقليمية، حيث أن القانون الليبي يطبق تشريع محاكمة المتهم في الإقليم الذي أوقف فيه وليس مكان ارتكاب الجرم، ناهيك عن وجود تضارب كبير فيما يتعلق بالثغرات القانونية التي استفاد منها المتهم الذي يرفض محاكمته أصلا، ويصف نفسه على أنه محتجز دون جريمة ولا نص.
وأضاف نفس المصدر "من المغامرة أن يصل أي شخص إلى مكان سيف الإسلام الموجود رهن الحبس في حماية محكمة بدليل أنه لا أحد تمكن من الوصول إليه منذ أن وجِّهت له تهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة ومحاولة إثارة حرب أهلية في ليبيا والخيانة العظمى، وسيُحاكم حسبما أوردته في وقت سابق نيابة محكمة طرابلس في قضية واحدة مدمجة صحبة 29 متهما، في حين وُجهت للبقية تهم قتل متظاهرين خلال الثورة على نظام العقيد معمر القذافي الذي أغتيل في أكتوبر 2011.
يُذكر أن آخر زيارة خارج ليبيا قام بها سيف الإسلام القذافي كانت إلى مدينة جانت بولاية إليزي الجزائرية، حين قام نجل العقيد معمر القذافي بداية شهر فيفري 2011، ورئيس مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية حينها، بجولة سياحية إلى عاصمة الطاسيلي دامت 24 ساعة تفقد خلالها المواقع الأثرية وكذا الحظيرة السياحية، وكأنها كانت آخر جولة سياحية في حياته قبيل سقوط حكم والده في أكتوبر2011، ومن بين ما وقف عليه سيف الإسلام "البقرة الباكية" بالحظيرة السياحية التي توجد على قرب من مدينة جانت، حيث وقف متأملا للحظات ثم ذرف دموعا متأثرا بالمشهد، كما عاين المتحف الذي يعود إلى ما قبل التاريخ، بينما كان آخر عشاء له في تلك الفترة بمنطقة تيغرغرت السياحية.
آلاف الليبيين قُتلوا والضغائن لم تمت
عمران جمعة.. قتل القذافي فلقي نفس المصير
لم يكن عمران جمعة شعبان، يعلم وهو يقتاد معمّر القذافي، إلى مصيره المحتوم، أنه سيلقى المصير ذاته على أيدي موالين للعقيد، بعد أقل من سنة من مقتله والتنكيل بجثته.
تناقلت وسائل الإعلام العالمية، صوراً لشاب عشريني وهو يسوق أمامه العقيد المغتال معمر القذافي، لحظة القبض عليه يوم 20 أكتوبر2011، في ظروف لا تزال غامضة بضواحي بلدة سرت، لتتم تصفيته من قبل الثوار بطريقة قيل عنها الكثير.
لم يكن ذلك الشاب سوى عمران جمعة شعبان ذي ال22 سنة، وهو عنصر في إحدى كتائب ثوار مصراتة، ويقال أنه هو من اكتشف مخبأ العقيد. وبعد تلك الواقعة تلقى عمران تهديدات بالتصفية من قبل أتباع القذافي، لكن يبدو أنه لم يحملها على محمل الجد، إذ انصرف إلى ممارسة حياته العادية، وواصل العمل العسكري تحت لواء ما يعرف بقوات "درع ليبيا"، وهذا طيلة شهور إلى أن وقع ذات يوم من أيام شهر جويلية 2012، في أيدي أنصار النظام الليبي السابق، بالقرب من مدينة بني وليد، التي ظلت على وفائها للقذافي، ويُشاع أنها كانت تضم بقايا "اللواء 32 معزز" الذي كان يقوده خميس نجل معمر القذافي. يومها تم اعتراض الرتل العسكري الذي كان ضمنه عمران، في طريق عودته من مهمة في منطقة مزدة، وفيما أخلي سبيل رفاقه.
اعتُبر عمران صيدا ثمينا، واقتيد للتحقيق معه حول ظروف اعتقال القذافي وتصفيته، وكانت الاستجوابات التي أخضع لها على أيدي أتباع القذافي، الموتورين في غاية العنف، حيث تعرَّض للتعذيب الشديد، وأصيب ضمن ما أصيب به بشلل نصفي، لكن محتجزيه رفضوا الإفراج عنه لحالته الصحية، ورغم عديد الوساطات إلى أن انقضت 50 يوما، سُلّم بعدها إلى سادة طرابلس الجدد وهو شبه ميّت، ولم تفلح جهود طاقم المصحة الباريسية التي نُقل إليها في إنقاذ حياته، حيث توفي صباح يوم 27 سبتمبر، ثلاثة أسابيع قبل حلول الذكرى الأولى لمقتل القذافي.
وأثارت وفاته ردود فعل عنيفة في ليبيا، حيث أعلن الحِداد، وشهدت البلاد أعمالاً انتقامية من كل من تُشم فيه رائحة الوفاء للنظام السابق، كما تعرضت بلدة بني وليد للحصار والقصف قبل اقتحامها، وتواترت الأنباء عن تجاوزات خطيرة ارتكبت في حق ساكنتها.
مات القذافي، ومات جمعة، ومات عشرات آلاف الليبيين، لكن الأحقاد والضغائن لم تمت بليبيا، ولا تزال أنهار الدم تسيل والثارات تُؤخذ من هذا وذاك، في غياب دولة قوية تبسط سيطرتها على البلاد، وترعى مصالحة حقيقية بين أبنائها.
عشرات الميليشيات تفرض "قانونها" على الدولة
الفوضى الأمنية.. هل هي مقدِّمة لانقسام ليبيا؟
تعيش ليبيا منذ سقوط نظام القذافي قبل عامين، فوضى أمنية غير مسبوقة في تاريخ البلد. فقد انتشر السلاح وتفشت الجريمة وتحوّلت مجموعات الثوار إلى ميليشيات متنافرة يسيطر كل منها على مدينة أو بلدة أو إقليم من الأرض.
ويُقدِّر متتبعون عددها بنحو 150 إلى 200 ميليشيا يتوزع عليها أكثر من 200 ألف مقاتل، وقد بسطت هيمنتها على البلد ولم تعد الحكومة المركزية قادرة على فعل شيء إزاءها. وفي ظل هذه الظروف تبرز بين الفينة والأخرى مطالب انفصالية تأخذ شكل "الاتحاد الفيدرالي"، ما يدعو إلى التخوّف من إمكانية تفكك ليبيا وانقسامها إلى ثلاث دويلات.
يشكو الشعب الليبي منذ نجاح ثورة 17 فبراير 2011 في إسقاط حكم القذافي في 20 أكتوبر 2013، من تفشي اللا أمن في معظم أنحاء البلد، وانتشار الجريمة بشكل غير مسبوق. فلم يعد الليبيُ يأمن على بيته وماله ونفسه كما كان الأمرُ في عهد القذافي. وهذا بسبب ضعف الحكومة المركزية وعجزها عن تأمين البلد والمواطنين، في ظل ضعف الأمن وتغوّل الميليشيات التي تخضع لولاءات حزبية وقبلية بالدرجة الأولى. وقد فرضت هذه الميليشيات المتنافرة منطقها على الدولة المركزية وأضحت تتدخل في سياستها بدليل حصار بعضها لهيئات رسمية للضغط عليها لإصدار قانون العزل السياسي، وقد نجحت في ذلك. كما تقوم ميليشياتٌ أخرى بقطع الطرق وحصار البنوك والمدارس والمطارات والتحكم في إقلاع الطائرات وهبوطها..
أما أغرب تجاوزاتها فهو قيام إحدى الميليشيات الإسلامية مؤخرا باختطاف رئيس الحكومة، علي زيدان، من الفندق الذي يقيم فيه، في ساعات الفجر، احتجاجا على اختطاف الولايات المتحدة لقيادي "القاعدة"، المدعو أبا أنس الليبي، أمام بيته وهو عائدٌ إليه بعد صلاة الفجر، إذ اتهمت الميليشيا رئيسَ الوزراء بالتواطؤ مع أمريكا لاختطافه، فردت عليه بنفس الوسيلة وفي نفس التوقيت، وقد تعرّض زيدان للتعنيف في حين تتحدث رواياتٌ أخرى عن تعرّضه للضرب والتنكيل لساعات قبل إطلاق سراحه.
وفي ظل عجز الحكومة المركزية عن بناء جيش وطني موحّد وإقناع عشرات الميليشيات بالانخراط فيه، بدأت تظهر نوازع انفصالية عن طرابلس، وطُرحت مرارا فكرة تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم كبرى تتمتع بما يشبه الاستقلال الذاتي وتتحد مع طرابلس بشكل فيدرالي. ومع أن هذه الدعوات لم تتجسد بعد في الواقع، إلا أن تعالي الأصوات المنادية بها في كل مرة، يعني أن خطر التفكك والانقسام بات يهدد ليبيا أكثر من أي وقت مضى. ولن يكون بمقدور الحكومة المركزية منعه إذا حدث بسبب ضعفها الشديد.
ويخشى المتتبعون أن تتفاقم الخلافات والنزاعات بين الميليشيات المختلفة وأن يكون انقسامُ ليبيا أحد أبرز نتائجها المريرة، فضلاً عن دخول البلد في حرب أهلية، وهذا إذا لم يستطع السياسيون، وبإشراك رؤساء القبائل والعشائر أيضاً، وضعَ خطة مناسبة لبناء جيش ليبي موحّد وانضواء كل الميليشيات تحت لوائه.
المجموعات المسلحة أكبر المستفيدين منه
السلاح الليبي.. الموت القادم من مخازن القذافي
ظهر جليا أن رحيل نظام العقيد الليبي معمر القذافي، الذي جثم على صدور الليبيين أزيَد من أربعة عقود كاملة، لم يمر بسلام على ليبيا وعلى جميع دول منطقة الساحل والصحراء.
لم تشهد منطقة الساحل الإفريقي وضعا أمنيا مترديا كالذي هي فيه الآن منذ سقوط نظام القذافي، حيث "سقطت" مخازن السلاح الليبي في أيدي التنظيمات الإرهابية المسلحة وجماعات تهريب السلاح، المتحالفة مع مافيا الكوكايين الكولومبية، التي حولت المنطقة إلى نقطة عبور رئيسية للجماعات الإسلامية المسلحة، وجماعات تهريب المخدرات والسلاح، وبعض التنظيمات السياسية المعارضة، على غرار الوضع الذي تعيشه مناطق الشمال المالي. وهو الوضع الذي سهَّل للقوى الغربية وعلى رأسها فرنسا وأمريكا، بوضع رجلها في المنطقة وإلى الأبد.
وكانت حدود ليبيا مع الجزائر ومالي والنيجر معبَرا رئيسيا لتلك الأسلحة التي اختلفت طُرق الحصول عليها وآليات نقلها إلى الصحراء، حيث أرسلت "القاعدة" في بداية الصِّراع في ليبيا عناصر تابعين لها للقتال ضد القذافي، لكنها سُرعان ما تراجعت عن القتال إلى جانب الثوار بعد تدخل "الناتو"، فتحوّلت مهمّة عناصر التنظيم إلى جمع الأسلحة عبر شرائها ونهبها من المخازن، وتهريبها إلى الصحراء.
وتمكنت القاعدة من تهريب آلاف قطَع السلاح الكبيرة والمتوسطة، من بينها صواريخ سام7 وسام5 وصواريخ "أس إي 9" المضادة للطائرات وصواريخ "ستينغر" و"غراد" وراجمات الصواريخ و"الآربي جي" والقنابل والمتفجِّرات، وملايين من قطع سلاح "الكلاشينكوف"، و"البي كا"، و"الدوشكا"، و"14.5، و12.7"، وغيرها من أنواع الأسلحة، فضلا عن كميات ضخْمة من الذّخيرة، دخلت الصحراء المالية والنيجرية مُهرَّبة من ليبيا، حيث تنتشِر مجموعاتٌ تابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وحركة المتمردين الطوارق، وكذلك حركة "أبناء الصحراء للعدالة" الجزائرية، فضلا عن عصابات التهريب المنتشِرة هناك.
وأدّى تأخّر سيطرة الثوار على المناطق الجنوبية في ليبيا المحاذية للصحراء إلى استمرار القتال والفوضى فيها، ما سهَّل مهمة مهرِّبي السلاح وجماعات العُنف الساعية لاقتنائه، سواء تعلّق الأمر بتنظيم القاعدة أم عصابات التهريب أم المتمرِّدين.
وفي خِضم ذلك الصراع في ليبيا، عاد أمَراء الحرب السابقون في شمال مالي والنيجر إلى مواطنهم الأصلية بعد سنوات من الإقامة في ليبيا تحت حُكم القذافي، ومعهم عاد المئات من عناصر مليشياتهم المسلّحة، مزودين بأسلحة ثقيلة ومُعدّات قتالية كبيرة، ما عجل باستئناف القتال ضدّ الحكومة المالية.
ونفس الأمر بالنسبة إلى النيجر. وموازاة مع ذلك، جمعت القبائل العربية والطارقية في مختلف بلدان المنطقة كميات كبيرة من الأسلحة الليبية لتجنيد مليشياتها بُغية حماية مصالحها ومَراعيها في دوّامة الفوضى التي تعرفها المنطقة.
وقبل هذه الوضعية، ما فتئت الجزائر تدق ناقوس الخطر حول انتشار السلاح الليبي في المنطقة، ووقوعه في أيدي الجماعات الإرهابية، المتطرِّفة في الصحراء.
ويعتبر الهجوم الإرهابي على القاعدة الغازية تيڤنتورين بعين أميناس الواقعة في ولاية إليزي الجنوبية المحاذية للحدود مع ليبيا، بحسب جميع الخبراء أولى التداعيات المباشرة لانتشار السلاح الليبي على الجزائر، ولسوء حظ المنطقة لم يتوقف السلاح الليبي في منطقة الصحراء، وإنما وصل إلى الحدود الجزائرية الشرقية مع الجارة تونس.
بشير الصيد محامي العائلة ل"الشروق":
"الليبيون نادمون على فترة حكم القذافي"
سنتان تمران على مقتل القذافي، ماذا يعني لك ذلك؟
ما حصل في ليبيا، اختلفت الآراء في تقييمه، عند بدايته، وبعد سنتين اتضح بصورة جلية أن ليبيا في أسوء حالاتها سياسيا اقتصاديا واجتماعيا، ونقول بكل صراحة أن الحكم في يد مليشيات مسلحة تفعل ما تشاء، وفي ظل حكومة ومؤتمر عاجزين، تحولت ليبيا إلى ميدان واسع للقتال والاختطاف.
هنالك من يحمل القذافي المسؤولية، بسبب عدم إرسائه أسس دولة حديثة؟
الأهم في الوقت الحالي أن التغيير السياسي الذي أسموه ثورة، ونسميه اعتداءً غربيا على ليبيا لم يأت سوى بالخراب، دعنا نقدِّم مقارنة بسيطة بين فترة حكم القذافي وفترة ما بعد استشهاده، الإجابة بطبيعة الحال دون لبس أن لا قانون ولا شرائع تحكم ليبيا حاليا، وأؤكد لكم أن الشعب الليبي نادم على فترة حكم القذافي.
هذا في اعتقادك فقط أستاذ بشير؟
أنا محامي العائلة وأعرف خبايا ليبيا، ولي اتصالاتٌ مع عدد ممن قادوا الحراك ضد القذافي، أصبحوا الآن نادمين على ما قاموا به، زيادة على مليونيْ ليبي نزحوا خارج التراب الليبي، كلهم ناقمون على ما حصل.
هل تملك معلومات عن وضعية عائلة القذافي المتواجدة في الجزائر؟
أعتذر عن الرد على هذا السؤال، والأهم في اعتقادي، وقفة موحدة من شرفاء العالم وخاصة من العرب والمسلمين، لمساندة العائلة المظلومة، خاصة بعد نداء الاستغاثة الذي جاء من السيدة صفية - أرملة القذافي - تستغيث من خلاله لدفن القذافي، ورؤية ابنها سيف الإسلام في السجون الليبية.
أبناء القذافي بين ميّت وهارب ومصير مجهول
نهاية قصة عائلة حكمت ليبيا 40 سنة
بين ميّت وهارب ومجهول المصير، انتهت قصة عائلة حكمت ليبيا 40 سنة، أفرادها شتّتهم الثورة، وانتهى القدر ببعضهم لاجئين سياسيين، وآخرين قضوا نحبهم ومنهم من مازال ينتظر، هي قصة عائلة جارت على نفسها، فلم تحمها ثروتها المنتشرة في خزائن دول العالم، كما لم تحصنها الأموال والهدايا التي أغدقت بها على قيادات سياسية، قصة عائلة مصيرها أضحى قابلاً للقراءة والقراءة العكسية.. هل هي نهاية البداية أم بداية النهاية؟
صفية، زوجة العقيد الثانية، وأم أولاده السبعة من أصل ثمانية، تزوجت القذافي لمدة 40 عاماً، عايشته وواكبت عصر قبضته الحديدية من بداياته حتى سقوطه ومصرعه، دخلت الجزائر في ال31 أوت 2010، رفقة أفراد من أبنائها وأحفادها هاربة من بطش الثوار بعد سقوط طرابلس، استقرّت في الجزائر حوالي سنتين قبل أن تغادر في اتجاه سلطنة عمان.
محمد القذافي، الابن الوحيد للعقيد من زوجته الأولى، كان أحد أفراد العائلة التي فرّت إلى الجزائر، شغل منصب رئيس اللجنة الأولمبية الليبية، وترأّس شركة الاتصالات للبلاد، ويشاع عنها أنها كانت تستخدم للتجسس على ناشطين معارضين للقذافي، انتهي به المطاف باللجوء إلى سلطنة عمان.
أما سيف الإسلام، فهو الابن الثاني للعقيد القذافي، من زوجته الثانية صفية فركاش، الشخصية الأكثر إثارة للجدل، خاصة بعد خطاباته خلال الثورة وخرجاته الصحفية، وأناب عن والده في التحدث عن شؤون الدولة، وهو لا يتمتع بأي منصب رسمي أو حزبي، اتهم بالفساد واستغلال النفوذ، أبان مقاومة منقطعة النظير وهدد بالثأر لوالده قبل أن ينتهي به الأمر رهينة عند ثوار قبيلة الزنتان، وهو يقبع في السجن بليبيا ينتظر المحاكمة، ومصيره مازال مجهولا بعد أن بقي وحيدا بليبيا.
المعتصم صاحب ال37 عاماً لقي حتفه، وظهر جثمان مستشار الأمن القومي الليبي، المعتصم القذافي في نفس يوم سقوط والده، ونقلت الصور جثته عارية في جزئها الأعلى، ورجّح تقرير الطبيب الشرعي أن المعتصم قُتل في نفس اليوم بعد والده.
وتميّز أسلوب حياته بالتبذير حسب رواية صديقته السابقة العارضة الهولندية تاليثا زيون ، التي تحدثت عن سفره وحاشيته كل عيد ميلاد إلى جزيرة القديس بارتس الكاريبية، مستقلاً طائرة "البووينغ" الخاصّة به، لم تشفع له حياة البذخ، ولا ال1.3 مليون يورو التي كان يصرفها شهريّاً من الإفلات من قدره.
هنيبعل المعروف بشراسته وعنفه فرّ أيضاً إلى الجزائر، وأقام بها إلى أن غادرها في الشتاء الماضي، اتهم بضرب صديقته في باريس، واعتُقل للإعتداء على خدم في جنيف، وأثار العام 2008، أزمة دبلوماسية بين سويسرا وليبيا التي سحبت ملايين الدولارات من حسابات مصرفية سويسرية، وأوقفت تصدير النفط لسويسرا بسبب الحادثة.
ومن الهاربين الأوائل من أبناء القذافي، نجد الساعدي، الذي شدّ الرحال إلى النيجر وهو لاعب كرة قدم سابق، لعب في الدوري الإيطالي الدرجة الأولى، واتجه لإدارة اتحاد كرة القدم في ليبيا، دخل النيجر فوفرت قيادتها الحماية له، وجهر وزير العدل النيجري، بعدم تسليمه في حال وجود أدنى شك بعدم حصوله على محاكمة عادلة أو تعرضه لعقوبة الإعدام.
ابنة العقيد الوحيدة المحامية، الملقّبة ب"كلوديا شيفر شمال إفريقيا" عائشة، دخلت إلى الجزائر مع والدتها وأفراد عائلتها، وكانت عند وصولها للحدود الجزائرية في وضعية مخاض، وهو أحد الأسباب الإنسانية التي بررت بها السلطات الجزائرية استقبال العائلة، حيث أثارت القلاقل وسبّبت الصداع للسلطة في الجزائر ببعض التصريحات التي أطلقتها عبر قناة "الرأي" العراقية، وإذا صح التعبير فإن عملية التضييق التي فرضتها عائشة بخروجها عن النص وأداب الضيافة، كانت أحد أسباب شد رحال العائلة في اتجاه سلطنة عمان، بعد أن أنجبت طفلتها حين وطئت قدماه التراب الجزائري بيوم واحد.
أما سيف العرب، فقد قتل في قصف لقوات (الناتو) على طرابلس، وهو الذي تعرّض لإصابة في عمر الرابعة خلال غارة جوّية أمريكية على مجمّع والده.
خميس القذافي، مصير أصغر أبناء القذافي خميس، كان مطابقا لمصير سيف العرب، وهو الذي قاد وحدة في الجيش الليبي "وحدة اللواء خميس"، واشتهر بأسلوب التعذيب والتهويل، فوفاته أعلنت ثلاث مرات خلال أشهر النزاع السبعة. وتم تأكيد مقتل الابن الأصغر للقذافي خلال المعارك شمال طرابلس.
بين "العقيد المجنون" و"ملك ملوك إفريقيا"
القذافي.. إتّهم بومدين بالعمالة وأزعج بوتفليقة
مات معمّر القذافي، قبل سنتين، لكن الكثير من حكايات العقيد مازالت حيّة في ذاكرة من عاشوا وعايشوا فترة حكم الرجل، وعلاقاته وخلافاته مع محيطه، والكثير من الشخصيات الثقيلة، خاصة خلال سنوات التحوّلات العالمية، ومراحل "الحرب الباردة"، ومن بين هؤلاء الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.
بهذا الصدد، نقلت شهاداتٌ سابقة للدبلوماسي صالح قبّي، أن الرئيس بومدين، رفض طلب القذافي المتعلق بإقامة دولة اندماجية واحدة بين الجزائر وليبيا، واقترح عليه مقابل ذلك فكرة التنسيق في المواقف والسياسات المتعلقة بالدولتين.
وقال السفير السابق صالح قبّي، في تصريحات نشرتها "الشروق"، أن القذافي طلب نفس الشيء من بورڤيبة، والرئيس حافظ الأسد في ذلك الوقت، مشيرا إلى أن العقيد كان يكيد في الخفاء للجزائر، غير أنه كان يتظاهر بالانسجام والتودد، خاصة وأنه كان يسعى لتنفيذ مخططه الوهمي المتعلق برئاسة دولة الصحراء الكبرى، حتى يسيطر على صحراء البلدان المغاربية، بإشراك القبائل الجنوبية للتراب الجزائري، وهو المشروع الذي كلّل بالفشل، بعدما ارتدى العقيد برنوس "ملك ملوك إفريقيا".
القذافي لم يكن يخشى إلا رجلين: عبد الناصر وبومدين
وذكر قبّي، أن استمرار معمر القذافي، سنوات طويلة على رأس الحكم في ليبيا، هو الذي عطّل محاولات تحقيق وحدة عربية مغاربية، أو مغاربية إفريقية، منبِّها إلى أن مواقف الراحل القذافي المزاجية والحربائية، جعلت رؤساء الدول لا يثقون في قراراته. كما كشف وزير الخارجية الليبي السابق، عبد الرحمن شلغم، في تصريحات سابقة لقناة "العربية"، أن الرئيس بومدين، "هو من أقنع الإمام الشيعي موسى الصدر بزيارة ليبيا، قبل اختفائه منها في ظروف غامضة العام 78".
وأشار في سياق آخر، الدبلوماسي السابق محي الدين عميمور، إلى أن معمّر القذافي لم يكن يخشى إلاَّ رجلين في العالم، هما هواري بومدين وجمال عبد الناصر، مضيفا في كتاب له صدر في وقت سابق، أن شخصية القذافي جديرة بالتناول والبحث لأثرها البالغ على المنطقة سواء بالإيجاب أو السلب.
وأجاب عميمور، عن عدد من الأسئلة أهمها: "من هو العقيد معمّر القذافي على وجه التحديد؟ وهل هو كفاءة فذة أم عبقرية منحرفة؟، هل هو قمّة فكرية سامية متميزة، أم مستنقع أفكار مبعثرة ذات ضجيج كنقيق الضفادع؟ وهل هو رائد نضال يعبّر عن أمة وقدوة يترجم إرادة شعب، أم تاجر بلاغيات أحسن التلاعب بها ردحا من الزمن؟"
غموض وحربائية القذافي، جعلاه يتجرأ بكلّ وقاحة على اتهام الرئيس الراحل هواري بومدين "بالعمالة للاستعمار؟"، وجاء خلال إحدى كلماته التي كان يُلقيها قبل "ثورة 17 فبراير 2011"، في مؤتمر المهاجرين الأفارقة بطرابلس، إن الغرب يسعى لجعل إفريقيا تابعة له عن طريق خلق النعرات بين الدول، وزرع فكر الأقاليم واغتيال ناشطين أفارقة، أو الإطاحة بالأنظمة التحررية، ووضع عملاء للاستعمار بدلا عنهم.
واستدلَّ آنذاك القذافي، بما جرى للعديد من رؤساء الأفارقة ومن بينهم الرئيس الراحل أحمد بن بلة، متهجّما على خليفته هواري بومدين، الذي ادّعى في خرجته الغريبة، أنه جاء "عميلا لخدمة المستعمر"، وفُهم من التحامل، أن القذافي أراد الانتقام من بومدين وهو في قبره، فالهواري قال لمعمّر ذات يوم، عندما رغب الأخير في "احتلال" تونس في عهد الحبيب بورڤيبة: "اسمع يا معمّر، لو فكّرت في الاعتداء على تونس، فإنك ستجد الهواري في مواجتهك وليس بورڤيبة".
شطحات القذافي، لم تتوقف عند هذا الاستهتار والاستعراض الأبله، الذي جعل جمعا عريضا يُطلق عليه وصف "العقيد المجنون"، فقد قال في واحدة من خرجاته الاستفزازية على مسامع قبائل التوارق في كيدال بمالي أثناء زيارة إليها، مستندا لأقوال الرئيس بوتفليقة، في ما أسماه لقاء سابق دار بينهما: أن "انزعاج الجزائر من تعيين قنصل ليبي في كيدال ليس سوى خوف من امتداد بلاده في المنطقة".
"نحبّ الجزائر ولم نجنّد التوارق والبرابيش ضدها"
ونقل القذافي ما دار بينهما إلى حد القول "فكيف للبلد الذي حررناه نحن، نتآمر عليه؟"، ونقلت آنذاك وكالة الأنباء الليبية، أن القذافي تحدى الجزائر أن تخدم المنطقة هناك مثلما خدمتها ليبيا، مدّعيا: "لقد تضايق إخواننا الجزائريون من وجود قنصلية ليبية في كيدال، فقلنا لهم لمَ تتضايقون؟ فقالوا والله إن وجودك قريب من حدود الجزائر هو تطويق للجزائر"!
وتساءل الرئيس الليبي السابق، متجاهلا دور الجزائر التاريخي في تهدئة الوضع بمالي: "لماذا نطوّق نحن الجزائر؟ فقلت لهم: تعالوا أنتم واعملوا الأشياء التي نحن نعملها في شمال مالي"(..)، وواصل القذافي ناقلا على لسان الرئيس بوتفليقة، حسب فحوى حديث مزعوم دار بينهما حول القضية: "اضطررت للتكلّم مع الرئيس الجزائري في الموضوع، وقال لي والله إخوانك الجزائريون يحترمونك لكن يخافون منك.
فقلت له لماذا؟ فقال لي لأن عندك وجوداً في التوارق وفي البرابيش وهذا ما يزيد من خوفهم. قلت له أنا لن أجنّدهم ضدك. أنا أريدهم أن يعيشوا في سلام، وأن نساعدهم ونعمل لهم آبارا ومدارس ومستشفيات.. تعال واعملها أنت بدلا منّي إذا كنت تستطيع!"
ومن بين ما ورد على لسان معمّر القذافي في حياته، استعماله أحيانا لغة الحكمة والدبلوماسية، عندما يشعر بالعزلة أو دخول الفخ برجليه، فقد قال: بأن "ليبيا ليست ضد الجزائر، وأنه وبلده يحبان الجزائر، وأنهما أعطيا كل شيء للجزائر لكي تتحرر، وأن بلاده حملت السلاح وقاتلت حتى تتحرر الجزائر"، متسائلا: "فكيف أن البلد الذي حررناه نحن نتآمر عليه؟"، وفي سياق محاولته تصحيح بعض أخطائه وخطاياه وخزعبلاته، قال العقيد: "إن بوتفليقة ممتاز".. وهذه واحدة من محاولات العقيد التكفير عن ذنوبه وتجنّب غضب الجزائريين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.