رمضان في بني مكادة له وجه آخر. السكون الشبه تام في الصباح، المشاحنات و المشاجرات بعد الزوال، البيع و الشراء في كل شيء بعد المغرب، و حركة عمالية غير مسبوقة عند الفجر و أول الصياح. و ما يصاحبها من استهتار سائقي حافلات النقل العمالي الذي ينفدون كل التجاوزات، و المخالفات على الشوارع التي تربط المدينة بمناطقها الصناعية و الحرة. صباح بني مكادة خلال رمضان عبارة عن هدوء تسبقه عاصفة من الحركة التي تحدثها حافلات نقل العمال تلك، التي تتخذ من ساحة تافيلالت و رأس الجيراري محطة انطلاق سباقها مع الزمن، من أجل إيصال الزبائن، و ربح بعض الدقائق قصد تعويض سائقيها النقص الحاصل في النوم، بسبب ضغط البرمجة، و ضيق الوقت. حركة تتضاعف بفعل انطلاق سيارات الأجرة في مشوارها اليومي ذهاباً و إياباً، و معها الدراجات ذات العجلات الثلاثة، و العربات المجرورة، و المشاة، و كل شيء يتحرك في لبر و في السماء. بعد الزوال تتحول المنطقة إلى شبه سوق أسبوعي، يحج إليه كل ساكنة الأحياء المحيطة و المجاورة، فتحدث حركة مكثفة في التسوق و التسول، رغم المعانات مع الازدحام، و انعدام مواقف السيارات. السمك، و الدجاج، الحي و الخض،ر و الفواكه، و كل شيء يأكل يملأ جنبات الطريق، و يغطي الأرصفة، و يحتل الشارع الرئيسي الذي يمر بمحاذاة السوق النموذجي، و قيسارية الأزهر. و يمتد إلى غاية النصف من شارع عائشة مسافر جنوباً، و مولاي علي الشريف شرقه و غربه، ليصبح سوق بني مكادة أكبر سوق بالمدينة. بعد العصر تظهر في الساحة بعض النماذج البشرة الغريبة، أناس استيقظوا للتو من النوم، و بالكاد يستطيعون صيام ثلاث أو أربع ساعات، هذا إذا مرت الأمور بخير، و ابتسم لهم الحظ في عملية نشل من هنا، أو سرقة بضاعة من هناك. و في هذه الفترة يغلب على السوق رواج من نوع آخر، السجائر، الحشيش، و كل ما يخطر ببالك من أنواع المخدرات الصلبة، فتتحول المنطقة إلى حلبة ' للآكشن"، حيث استعراض العضلات، و كل أنواع الفنون القتالية، و الأسلحة البيضاء، و الهراوات، و فن إلقاء الكلمات النابية على الملأ دون حياء...و غيرها من الصور التي تجعل العديد من الناس يتحصرون على الأمن الحاضر الغائب عن المكان و الحدث. حلبة لا يفرق فيها " المُرَمْضَنُونَ " بين الصغير و الكبير، و لا بين جنس لطيف و خشن، و لا بين غريب و قريب، فيمكنك أن تقف عند شجار ينشب بين الأخ و أخيه، أو بين الأب و ابنه، أو بين الرجل و زوجته، روايات غريبة، و سيناريوهات عجيبة، و أبطال هلكهم الزمن، و هدّمهم الإدمان، و غلبهم جوع و عطش رمضان، فصاروا نماذج سيئة لمجتمع من المفروض أنه متسامح كريم ! ليل بني مكادة شيء آخر عنوانه التسيب أو الفوضى أو هما معا ، كل الأرصفة محتلة من طرف الفراشة، و الشوارع أيضا، بل و حتى المساحات الفاصلة بين الشوارع، و المدارات. نافورة ساحة تافيلالت لم تسلم هي أيضا من الفراشة، و ربما هناك تفكير في تجفيف مياهها و كراء المساحة للتجار الوافدين من خارج المنطقة و المدينة، و الذين أغرقوا السوق بأرذل المنتوجات الصينية، فحولوا المكان إلى جحيم بكل المقاييس. و صارت التجارة به أشبه ما تكون بلعنة أصابته و تأدى منها أهل المنطقة، فكان الازدحام، و الضجيج، و الأوساخ، و النفايات، و كل ما يمكنك توقعه من مخلفات سوق عشوائية وسطة منطقة حضرية تنتمي إلى مدينة يقال أنها كانت عروس البوغاز، و ُيزعم أنها صارت قطباً اقتصاديا مهماً بالبلد. بني مكادة التي كانت في وقت من الأوقات رائدة في إنجاب أسماء بصمت بوضوح مختلف المجالات و لا زالت، و تركت صدى طيباً داخل و خارج أرض الوطن، أصبحت اليوم قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، بفعل تحكم جماعات بعينها في توجيه شبابها، و تعاطيهم لكل أنواع التجارة المحرمة، و السمسرة في أماكن البيع و الشراء، في ظل سقوط هيبة السلطة التي لم يعد تواجدها في المكان إلا صوريا، و تجنب رجال الأمن أي احتكاك يمكن أن يكون بمثابة وقود لانفجار الوضع. فهل تجاوز الأمر إمكانية احتوائه و معالجته ؟ أم أن للمسألة علاقة بما يقال حول وجود رغبة في تكريس صورة بني مكادة الحي الهامشي العشوائي المتمرد، معقل الجريمة و تجارة المخدرات ؟